ليبيا – سلط تقرير تحليلي الضوء على صراع ليبيا المنقسمة سياسيًا الشاق لجذب مستثمرين أجانب لزيادة إنتاج حقولها النفطية الشاسعة.

التقرير الذي نشرته مجموعة “خدمات الاستخبارات الجيوسياسية” البحثية التي تتخذ من دولة ليختنشتاين الأوروبية مقرًا لها وتابعته وترجمت أهم رؤاه التحليلية صحيفة المرصد أكد أن البلاد كانت ذات يوم لاعبًا مهمًا للغاية في أسواق النفط العالمية.

ووفقًا للتقرير شهد العام 1970 بلوغ إنتاج ليبيا النفطي ذروته القصوى من خلال تسجيله قرابة الـ3 ملايين و400 ألف برميل يوميًا، مستدركًا بالإشارة لانخفاضه حاليًا بعد مرور أكثر من نصف قرن بالغًا 32% فقط من تلك الذروة.

وأشار التقرير إلى تضاعف احتياطيات ليبيا المؤكدة من النفط خلال السنوات الـ40 الفائتة ما يجعلها أكبر دولة إفريقية من ناحية احتياطياتها بتسجيلها قرابة الـ40% من من إجمالي القارة السمراء فهذه الثروات الدفينة قد تدوم لـ340 عامًا ما يجعلها الديمومة الأطول عالميًا.

وتحدث التقرير عن إعاقة عوامل الاضطراب السياسي وسوء الإدارة ليبيا والحيلولة بينها والاستفادة الكاملة من ثروتها النفطية إذ كان للأمر آثار ضارة على معنويات المستثمرين في قطاع النفط رغم ظهور بوادر الأمل في الآونة الأخيرة.

وتابع التقرير إن شركات النفط الكبرى لم تلتزم بعد برأس المال اللازم لتحقيق زيادة كبيرة في الإنتاج، مبينًا إن عدم تحسن مناخ الاستثمار بشكل جذري سيقود لخسارة ليبيا أكبر قدر ممكن في تحول الطاقة مع تعرض ثرواتها النفطية المحتملة لخطر كبير بأن تصبح عديمة القيمة.

وتطرق التقرير لدخول ليبيا فترة من عدم الاستقرار في أعقاب انتقال حمى ما يسمى بالربيع العربي من الدول المجاورة إليها، مبينًا أن التوزيع الجغرافي لمرافق إنتاج وتصدير النفط يؤدي إلى تفاقم حالة الانقسام السياسي ما يعني تكلفة باهظة.

وبين التقرير إن “أوبك” أقرت بهشاشة الوضع عبر إعفائها ليبيا من الالتزام بأي حصص إنتاجية، مشيرًا إلى أنه وفضلًا عن الخسائر الاقتصادية والبشرية فقد تآكل تأثير البلاد على أسواق النفط العالمية مع خسارة حصتها في السوق النفطية.

وأضاف التقرير إن الحصة انخفضت من 7% في العام 1970 إلى 1.2% فقط في العام 2022 ما جعل لاعبين آخرين يحلون محل ليبيا في التأثير مستدركًا بالإشارة بجانب من أهميتها الكبيرة رغم تقلص دورها وخاصة بالنسبة لأوروبا.

وأوضح التقرير إن ليبيا استفادت من بحث بروكسل المستمر عن مصادر طاقة بديلة لروسيا لتوسع حصتها في سوق الاتحاد الأوروبي إلى قرابة الـ8%، متطرقًا لمخاطر السياسة والأمن وممارسة الأعمال التجارية في البلاد المرتفعة فضلًا عن سوء الإدارة بقطاع النفط والغاز.

ووفقًا للتقرير أشار مؤشر معهد حوكمة الموارد الطبيعية إلى ليبيا بصفة الأسوأ حكما بين دول أوبك الـ13 وغيرها من منتجي النفط العالميين الذين تم تقييمهم إذ تدهور أدائها على المؤشرات الحوكمية لدى البنك الدولي في العقد الماضي.

وشدد التقرير على حاجة ليبيا إلى تقديم شروط جذابة للمستثمرين لتعويضهم عن مخاطر كبيرة قد يتعرضون لها إذ لن يُنظر إلى البلاد كمورد يمكن الاعتماد عليه طالما استمرت انقساماتها السياسية ما يقلل من قدرتها على الاستفادة من احتياطياتها النفطية مع تسارع تحول العالم للطاقة النظيفة والمتجددة.

ترجمة المرصد – خاص

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: التقریر إن

إقرأ أيضاً:

حين تصبح حماية الطفولة معركة وجودية

تستحق واجهة الطفل على منصة «عين» التي دشنتها وزارة الإعلام الخميس الماضي أن ننظر لها أبعد، وأعمق كثيرا من كونها مشروعا إعلاميا يضاف إلى مشاريع الوزارة الرائدة، إنها، في الحقيقة، استجابة كبرى ضمن مشاريع عمانية وعربية ودولية أخرى لإنقاذ الطفولة من حالة الاختطاف وإعادة هندسة الوعي الطفولي المبكر بعيدا عن القيم الإنسانية السوية.

ومن يقرأ تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والكثير من الدراسات في نقد الإعلام الموجّه للأطفال، يدرك حجم الكارثة؛ فالطفل لم يعد كائنا يتشكل عضويا داخل ثقافته الأم، بل أصبح مشروعا مفتوحا لتشكيل مزيج مضطرب من الاستهلاك، والانعزال، والتشظي القيمي. لم تعد شاشات العالم، كما حلم التنويريون يوما، وسيلة للمعرفة والترقي، بل أداة تفكيك للهوية وتمييع للانتماء الإنساني الأصيل.

وفي هذا السياق، تأتي تجربة منصة «عين للطفل» محاولة لتجاوز الانفعال اللحظي نحو رؤية فلسفية أعمق تتمثل في محاولة إعادة تعريف وظيفة الإعلام الموجه للأطفال باعتباره حقلا أخلاقيا، لا مجرد نشاط اتصالي. المنصة، كما تشير فلسفتها المعلنة، تحاول أن تبني للطفل فضاء معرفيا وعاطفيا محميا، يراعي إشباع حاجاته النفسية والوجدانية دون التخلي عن مهمة حفظ هويته وتمكينه من التفكير الحر المسؤول.

ولا يمكن فهم أهمية هذا المشروع إلا حين ندرك أن الطفل اليوم ليس متلقيا عاديا، بل يشارك في إنتاج معناه الخاص عبر تفاعله مع الشاشة، كما أثبتت الكثير من الدراسات حول «جيل الشاشة»، حيث لا يتعلق الخطر فقط بما يشاهده الطفل، بل بكيفية تشكيل وعيه من خلال التدفق المعلوماتي غير الخاضع لمعايير الهوية والأخلاق.

ولذلك فإن الرهان الكبير الذي تخوضه واجهة الطفل في منصة «عين» ليس تقنيا فقط إنما هو بكثير من الأشكال رهان وجودي ينطلق من محاولة الإجابة عن أسئلة من قبيل، هل يمكن بناء طفل عربي معاصر، يحيا داخل الزمن الرقمي دون أن يفقد انتماءه إلى الإنسان الكلي وقيم مجتمعه العميقة؟ هل نستطيع أن نقدم له محتوى يدمج بين الجاذبية الشكلية والأصالة المعرفية؟ وهل بمقدورنا أن نربّي في داخله شغف الاكتشاف دون أن نسلمه لآلة الاستهلاك المعرفي المعولم؟

ومثل هذا النقاش أوسع بكثير من إنتاج «قصص مصورة» أو «برامج تعليمية مبسطة»، ولكن الأمر يتعلق بمحاولة جادة لصناعة جهاز مناعي ثقافي داخل عقل الطفل وقلبه، كما دعت إليه أدبيات اليونسكو في تقاريرها حول «وسائل الإعلام والأخلاقيات الرقمية للأطفال».

هذه التجربة التي أنتجتها وزارة الإعلام تستحق أن تُقرأ كنموذج أولي لمشروع أوسع يتمثل في بناء منظومة رقمية كبيرة وواسعة مبنية على قراءة واعية بآلية تشكيل «المواطن الرقمي الصالح» يكون قادرا على أن يتفاعل مع معطيات التقنية دون أن تبتلعه، وعلى أن يسهم في بناء عالمه الجديد دون أن ينسلخ عن جذوره.

ولكن، حتى ينجح هذا المشروع، لا يكفي إنتاج منصة واحدة، بل ينبغي أن تصاحبها ثورة ثقافية كاملة في إدراك دور الإعلام التربوي، وإعادة بناء المناهج التربوية، واستحداث سياسات عامة تجعل من حماية الطفولة الرقمية جزءا لا يتجزأ من مشروع النهضة الوطني والعربي الأوسع.

إن أي تأخر في البدء بمثل هذا المشروع من شأنه أن يترك فجوات كبيرة، فالطفولة لم تعد مجرد مرحلة عمرية، إنها الآن ميدان لصراع عالمي على القيم والمبادئ والهوية. وإذا لم نبنِ اليوم فضاءات معرفية حقيقية لأطفالنا، سيبنيها الآخرون بما يخدم رؤاهم هم لا رؤانا.

إن «عين الطفل العماني» يمكنها أن تكون نقطة ضوء في زمن تغرق فيه الكثير من الشاشات بألوان زائفة، والضمان الوحيد لاستمرار هذا الضوء ألا نكتفي بأن نُدهش الأطفال بما يُعرض عليهم، بل أن نراهن على عقولهم، ونغرس في قلوبهم جسورا ممتدة بين جذورهم العميقة وأحلامهم البعيدة.

مقالات مشابهة

  • من هي .. ” أركنو ” ترد على الحملات ضدها وتكشف أهدافها وقدراتها
  • معدلات إنتاج «النفط والغاز والمكثفات» خلال الساعات الماضية
  • حين تصبح حماية الطفولة معركة وجودية
  • آفاد التركية تكشف عن المدن الأقل عرضة لخطر الزلازل
  • صناعة السفن في صور تصارع من أجل البقاء
  • حسني بي: 35% من إنتاج النفط الليبي يذهب لدعم المحروقات وسط تهريب واستنزاف
  • بويصير: مصالح واشنطن في ليبيا النفط والاستقرار لا الديمقراطية
  • المشاط تعليقًا على تقرير البنك الدولي: توقعات النمو الإيجابية للاقتصاد المصري تعكس فعالية سياسات الإصلاح
  • ناميبيا تخطط لإنشاء أول محطة نووية لتنويع مصادر الطاقة
  • تقرير: ليبيا تمضي نحو إصلاحات مالية بالشراكة مع البنك المركزي وصندوق النقد