فقدان أثر مركبة الهبوط الأميركية الخاصة على القمر بعد دخولها الغلاف الجوي للأرض
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
فُقِد الخميس أثرُ مركبة هبوط قمرية تابعة لشركة أميركية كانت قد أخفقت في مهمتها بعد تعرضها لتسرب وقود، ويُحتمَل أن تكون تفككت لدى دخولها الغلاف الجوي للأرض، على ما أعلنت شركة «أستروبوتيك» الناشئة التي صممتها.
وأوضحت «أستروبوتيك» عبر شبكة «إكس» أنها فقدت الاتصال بالمركبة «بيريغرين» قرابة التاسعة من مساء الخميس بتوقيت غرينتش «فوق مياه جنوب المحيط الهادئ» في نهاية رحلة عودتها إلى الأرض، مشيرة إلى أنها تنتظر تأكيداً من السلطات لتحديد مصير المركبة.
حريق في مستودع للنفط في روسيا بعد ضربة أوكرانية منذ 13 دقيقة رئيس وزراء باكستان يجري مراجعة للأمن القومي وسط التوتر مع إيران منذ ساعتين
وأقلعت «بيريغرين» في بداية الأسبوع الفائت من فلوريدا، ولكن سرعان ما تبين أنها تعرّضت لتسرب وقود، مما حال دون هبوطها بسلاسة على سطح القمر كما كان مخططاً لها.
إلا أن المركبة واصلت في الفضاء جمع بيانات مفيدة لمحاولة هبوط أخرى قريبة، وأتاحت كذلك إجراء تجارب علمية بواسطة تجهيزات أرسلتها جهات عدة أبرزها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، من بينها قياس الإشعاع.
لكنّ الشركة اضطرت أيضاً إلى درس كيفية إنهاء المهمة مع الأخذ في الاعتبار الشكوك المرتبطة بالتسرب، ودون المخاطرة بالتسبب بمشاكل للأقمار الاصطناعية الموجودة في مدار الأرض، أو بتناثر الحطام في المدار القمري.
وأعلنت الشركة في نهاية هذا الأسبوع أنها اتخذت «القرار الصعب» بتوجيه المركبة للعودة إلى الأرض، مع أنها كانت قادرة على الاستمرار في العمل في الفضاء «لأسابيع».
وكتبت «أستروبوتيك» يومها «لا نعتقد أن عودة بيريغرين تشكل أي مخاطر أمنية»، متوقعة أن «تحترق في الغلاف الجوي للأرض». ووجهت الشركة المركبة بطريقة «تحدّ من مخاطر سقوط الحطام على الأرض».
ويبلغ حجم مركبة الهبوط حجم سيارة غولف صغيرة تقريباً.
وتعتزم الشركة عقد مؤتمر صحافي الجمعة تتناول فيه المهمة بأكملها.
وكان من المُفترض أن تصبح بيريغرين، لو نجحت في مهمتها، أول مركبة فضائية أميركية تهبط على سطح القمر منذ أكثر من 50 عاماً، وأول مركبة تابعة لشركة خاصة تحقق هذا الإنجاز.
ومن المقرر أيضاً أن تحاول وكالة الفضاء اليابانية (جاكسا) إنزال مركبة فضائية ليل الجمعة إلى السبت بتوقيت اليابان، وهو ما سيكون أول إنجاز من هذا النوع للدولة الآسيوية.
المصدر: الراي
إقرأ أيضاً:
العلوم والتقانة والقناعات الراسخة
أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **
من الفوائد المُهمة التي يُمكن للإنسان أن يجنيها من خلال دراسته لتاريخ العلوم والتقانة، الثقة في النفس والأمل في مواجهة التحديات، التي يظن أنه لن يستطيع مواجهتها، كما إن مطالعة تاريخ هذه العلوم، يجعله يراجع قناعاته الراسخة ليتحقق من صحة رسوخها، وهل هي قائمة على أسس متينة؟ أم إنها أمور اعتاد عليها فحسب؟!
تاريخ هذه العلوم يشير وبوضوح أن هذه العلوم كسرت عمليًا كثيرًا من المُسلَّمات التي كان يؤمن بها الإنسان أشد الإيمان ويعتقد بها أيما اعتقاد، فمنذ القدم كنَّا نعتقد مثلًا أن تسلُّق السماء والوصول إلى القمر حلمٌ مستحيلٌ، ونجد ذلك واضحًا وجليًا في عبارة وردت في ملحمة جلجامش وهي من أقدم المخطوطات التي وصلت إلينا (الألفية الثالثة قبل الميلاد).
(من يا صديقي يمكنه تسلق السماء؟!)
لكن العلم حول هذا المستحيل إلى أمر ممكن؛ فاليوم نشاهد الطائرات تتسلق السماء وتقطع المسافات في غضون ساعات لتصل إلى أقاصي الأرض بكل سهولة ويسر، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي العشرين من يوليو عام 1969 استطاع الإنسان أن يتسلق السماء وينفذ من سطوة الجاذبية الأرضية، وحطت أول سفينة فضاء تحمل بشرًا على سطح القمر، وأرسلت أول رسالة من القمر إلى كوكبنا؛ وذلك عندما تواصل أرمسترونج قائد الرحلة الفضائية مع المحطة الأرضية قائلا "لقد هبط النسر على القمر" (النسر هو اسم سفينة الفضاء).
استطاع العلم بعد 5 آلاف سنة من الإنجازات العظيمة التي سطرها علماء الطبيعة والمهندسون ليغيروا العالم بأسره وليتسلقوا السماء ويضعوا أقدامهم لا على الأرض؛ بل على القمر!
واليوم تشير آخر التقارير العلمية إلى أنَّ العلماء استطاعوا أن يقتربوا من الشمس، اقترابًا لم يسبق أن قاموا به، وذلك من خلال المسبار المقاوم للحرارة والذي يستطيع أن يتحمل 1400 درجة مئوية دون أن يتأثر، وسوف يقوم العلماء برصد المعلومات التي سيتم التقاطها بواسطة هذا المسبار للتعرف والاطلاع على تفاصيل أكثر عن الشمس.
كما إن الكثيرين من مفسري القرآن الكريم كان يعتقدون باستحالة معرفة جنس الجنين، وذلك لما فهموه من قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ"، يقول الطبري (ت 310 هـ، 923م) في تفسيره "(وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ) فلا يعلم أحد ما فِي الأرحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو؟".
ونجد ابن كثير المتوفى في القرن الثامن الهجري يذهب إلى نفس الرأي، فيقول "هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها... وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه [الله] تعالى سواه...".
ويورد الطباطبائي (ت 1402هـ، 1981م) في تفسير الميزان "وقد عد سبحانه أموراً ثلاثة مما تعلق به علمه وهي العلم بالساعة وهو مما استأثر الله علمه لنفسه لا يعلمه إلا هو ويدل على القصر قوله: (إن الله عنده علم الساعة) وتنزيل الغيث وعلم ما في الأرحام ويختصان به تعالى إلاّ أن يعلمه غيره".
لكن العلم أثبت لنا اليوم أن قناعتنا لم تكن في محلها، وأن علينا أن نعيد النظر في فهمنا لهذه الآية المباركة، فنحن اليوم نستطيع أن نعلم لا جنس الجنين فحسب؛ بل نستطيع أن نعلم بعض صفاته وبعض الأمراض الوراثية التي قد يُصاب بها، وهكذا تغيرت قناعتنا، وتغيرت كتب التفسير عندنا، لتوافق ما توصل اليه العلم، فلقد غدا المستحيل ممكنًا.
وكنا نعتقد أن التكاثر في عالم الحيوان وعند البشر لا بُد وأن يتم من خلال لقاء الذكر مع الأنثى، فلا يمكن أن يتم التكاثر بطريقة أخرى، ومرة أخرى أسقط العلم هذه القناعة، وأوضح أن هناك تكاثر لا جنسي لا يحتاج إلى ذكر وأنثى؛ بل ولم يكتف العلم بذلك، فلقد استطاع أن يصل إلى كشف أسرار عملية التكاثر، وقام بإجراء عمليات التكاثر في المختبرات دون الحاجة إلى أنثى، فلقد تم وبنجاح انتاج فئران من ذكرين من الفئران ودون الحاجة إلى بويضة أنثى، وذلك بتحويل الخلايا الجذعية من أحد الفئران الذكور إلى بويضة وتلقيح تلك البويضة بالحيوان المنوي، وقد أشار الباحث بأن تطبيق التقنية على البشر لازال يواجه الكثير من التحديات والصعوبات، ولكن بعد هذا النجاح، هل مازلنا نعتقد باستحالة ذلك؟!
ولا شك أن نجاح التجربة على الفئران حفرت عميقًا في قناعتنا وهزتها هزًا عنيفًا.
إنَّ المعرفة العلمية معرفة قلقة تسعى إلى كسر المُستحيلات المتعارف عليها، وتحويلها إلى ممكنات، فهذا ديدن هذه العلوم وتلك طبيعتها ولا تكتفي بذلك؛ بل تقوم بنقل حالة القلق هذه عند بعضنا، فيتوجس منها ويعدها شرًا لا بُد منه!
وتاريخ العلوم والتقانة يوضح لنا أن قناعات الإنسان التي لا تقوم على أدلة راسخة، هي أحد أهم الأسباب التي تقف في وجه تطور الإنسان؛ بل والمجتمعات البشرية، فقناعتك تؤثر في توقعاتك، وتلك تؤثر بدورها في أفعالك، وقد تجعلك تفترض واهماً بأنّ الأبواب موصده بوجهك؛ فعندما تعتقد باستحالة الوصول إلى القمر، كيف ستسعى للقيام بذلك؟ وعندما تعتقد باستحالة معرفة جنس الجنين، هل ستبذل جهدا علميا للتعرف على جنس الجنين؟ بالطبع لن تسعى، فمن لا يؤمن بقدراته يغدوا كالمشلول لا يمكنه التحرك من مكانه.
لهذا ليست المشكلة في امكاناتنا؛ بل علينا أن نُراجع قناعاتنا فقد تكون هي سبب تراجعنا وعجزنا!
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر