هجمات الحوثيين البحرية لم ترفع أسعار الطاقة.. 3 عوامل وراء المفارقة
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
أثارت موجة الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن على السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر قلق شركات الشحن، التي حولت مسار السفن من منطقة الخطر التي يمر منها نحو 12% من إمدادات العالم النفطية المنقولة بحراً، ما مثل زعزعة لأسواق الطاقة العالمية، ومع ذلك لم يؤثر ذلك على أسعار الطاقة.
فخام برنت القياسي تراجع بلندن، في أوائل ديسمبر/كانون الأول، ليصل إلى حوالي 78 دولاراً للبرميل، ولم يتحرك السعر القياسي الأمريكي إلا بالكاد منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، ولا يزال عند مستوى 73 دولارًا للبرميل.
فما الذي يفسر عدم الاستجابة من أسواق الطاقة؟ يجيب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، بأن التقديرات الخاصة بسوق النفط أصابها "الابتذال"، فقبل عام، ومع احتدام الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وخفض منظمة أوبك إنتاجها، وخضوع النفط الروسي للعقوبات، توقع العالم سوق نفط ضيقة إلى حد ما، ما يعني أن العرض قد يتعرض لضغوط شديدة لمواكبة الطلب، وبدلاً من ذلك شهدت السوق إنتاجًا قياسيًا من النفط.
وبلغ الإنتاج القياسي حد قيام إيران، التي لا تزال تعاني من العقوبات الأمريكية، بإضافة نصف مليون برميل يوميًا إلى الإنتاج العالمي.
وسادة إنتاجية
وفي السياق، قال نائب رئيس شركة "فورين ريبورتس" لاستشارات مجال الطاقة في واشنطن، مات ريد: "في الواقع، تتمتع السوق بقدر أكبر من الحماية مما كنا نتفاوض عليه. لقد شعر الجميع بالذعر بشأن روسيا، وفي النهاية كان عام 2023 يدور حول الإمدادات الأمريكية والبرازيلية، ثم البراميل الإيرانية الإضافية التي تم التغاضي عنها".
هذه "الوسادة" التي أسندت سوق النفط هي "القدرة الإنتاجية الاحتياطية"، بحسب ريد، مشيرا إلى أن منظمة أوبك واصلت خفض إنتاجها في محاولة يائسة لدعم الأسعار، ولم ينجح الأمر بالكامل، بفضل تدفقات النفط في بلدان أخرى.
لكن هكذا تطور كان له أثر جانبي مفيد، وهو وجود طاقة إنتاج فائضة ضخمة لدى دول منظمة أوبك، التي تقودها المملكة العربية السعودية، مع القدرة على زيادة حوالي 5 ملايين برميل من النفط الخام يوميًا إذا لزم الأمر.
وعندما يتعلق الأمر بتقدير المخاطر الجيوسياسية، فإن مقدار الركود في نظام السوق وقدرته الاحتياطية تشكل أداة مهمة لامتصاص الصدمات من شأنها أن تقلل من المخاوف بشأن مخاطر العرض الحالية، وهو ما لم يكن متحققا عندما ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية في عام 2008، إذ كانت الطاقة الإنتاجية الفائضة في السعودية منخفضة للغاية.
انخفاض الطلب
وفي الوقت نفسه، لم يكن الطلب العالمي على النفط الخام ساخنا كما كان متوقعا، وخاصة قرب نهاية عام 2023، وفقد تعطش الصين للنفط بعد الوباء زخمه في وقت لاحق من العام ذاته، وانخفض نمو الطلب العالمي بشكل حاد.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية، في أحدث توقعاتها لسوق النفط، أن يستمر هذا الاتجاه مع نمو صحي للإمدادات العام المقبل إلى جانب نمو الطلب الذي سيكون نصف قوته في عام 2023 بسبب الرياح الاقتصادية المعاكسة والاعتبارات البيئية.
اقرأ أيضاً
توترات البحر الأحمر.. بلومبرج: الحركة بقناة السويس وصلت لأدنى مستوياتها منذ أزمة إيفر جيفن
ناقلات النفط
وإضافة لذلك، فإن حملة الحوثيين، رغم أنها مدمرة لخطوط الشحن التجارية، لم تستهدف حتى الآن ناقلات النفط أو منشآت إنتاج النفط، ويرجع ذلك جزئيا إلى الهدنة بين السعودية وإيران، التي أبقت بعض أهم المنشآت النفطية في العالم خارج خط النار، على عكس عام 2019، عندما ضربت هجمات بطائرات مسيرة منشأتين رئيسيتين لمعالجة النفط في السعودية.
وفي السياق، قال كيفن بوك، المدير الإداري لـ ClearView Energy Partners، وهي شركة استشارية في مجال الطاقة بواشنطن: "هذه تهديدات للنقل الإقليمي، وليس للإنتاج"، موضحا: "كان من الممكن أن يكون التقارب الذي توسطت فيه الصين بين طهران والمملكة العربية السعودية في خطر، لكننا في وضع مختلف، على الأقل في الوقت الحالي".
وفي حين أعادت بعض شركات الطاقة، مثل شل وبريتش بتروليوم، توجيه ناقلاتها لتجنب البحر الأحمر، لم يضف ذلك إلى رحلات الشحن سوى مزيد من الوقت والكلفة، لكنه لم يؤد إلى خروج الإمدادات من السوق، وهو ما علق عليه بوك بقوله: "زمن الوصول إلى السوق يختلف عن فقدان مصدر الطاقة".
ومن جانبه، قال ريد: "في حين تبدو هجمات الحوثيين عشوائية إلا أنه لا يزال هناك أسلوب للجنون. ويحرص المسلحون حتى الآن على عدم مهاجمة ناقلات النفط المحملة، الأمر الذي قد يؤدي إلى كارثة بيئية ضخمة".
وأضاف: "معظم السفن المستهدفة هي ناقلات البضائع السائبة الجافة وسفن الشحن، وليست ناقلات النفط. أعتقد أن هذا متعمد. إذا قتلوا البحارة، فستنزعج بعض الدول. إذا اصطدموا بناقلة وتسببوا في كارثة بيئية، فسيغضب العالم".
القلق قائم
وتؤكد "فورين بوليسي" أن لامبالاة سوق الطاقة خلال الشهر الماضي بهجمات البحر الأحمر لا تُبطل النموذج القديم الذي أعطى الأولوية لأمن تدفقات الطاقة في الشرق الأوسط لكنها انعكاس لعالم جديد، أدى فيه إنتاج النفط الأمريكي، الذي يبلغ الآن أكثر من 13 مليون برميل يوميا ويتزايد، إلى تغيير الأهمية النسبية لما كان في السابق شريان الحياة لأوروبا والولايات المتحدة، ومؤخرا آسيا.
لكن الأمور قد تتفاقم في المنطقة، خاصة في ظل الجهود المستمرة التي تبذلها إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لتقليل قدرات الحوثيين واحتمال شن هجمات مباشرة على الناقلات وأصول الطاقة الأخرى.
أسعار الطاقة تجاهلت كل شيء حتى الآن، لكن كل هذا قد يتغير، خاصة إذا عززت إيران جهودها للتصعيد الإقليمي، وهو ما علق عليه بوك بقوله: "خطر العدوى والحريق لا يحظى بالتقدير الكافي. إذا وصلنا إلى نقطة يصبح فيها التصعيد خطرا على الإنتاج، وهذا أمر ممكن، فيمكن أن نرى ارتفاعا في الأسعار".
اقرأ أيضاً
ستريت جورنال: شل توقف جميع شحناتها بالبحر الأحمر لأجل غير مسمى
المصدر | فورين بوليسي/ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: البحر الأحمر الطاقة اليمن الحوثيين إسرائيل البحر الأحمر ناقلات النفط إنتاج ا
إقرأ أيضاً:
العقوبات على النفط الروسي ترفع تكاليف الشحن
أدت العقوبات الأميركية الأخيرة على قطاع الطاقة الروسي إلى ارتفاع تكاليف شحن النفط الروسي بنسبة 25%، في حين يسعى المشترون -ولا سيما في الهند والصين- إلى مصادر بديلة للنفط، وفقا لمصادر تجارية وتحليلات السوق.
وذكرت 3 مصادر تجارية لوكالة رويترز أن أسعار شحن النفط الروسي من الموانئ الواقعة في غرب روسيا إلى الهند ارتفعت 25% بعد فرض واشنطن عقوبات على 183 سفينة تحمل صادرات الطاقة الروسية الأسبوع الماضي.
وأوضحت المصادر أن تكلفة رحلة ناقلات أفراماكس من موانئ روسيا على بحر البلطيق إلى الهند زادت إلى ما بين 6 و6.3 ملايين دولار للرحلة الواحدة مقارنة بما يتراوح بين 4.7 و4.9 ملايين دولار قبل أسبوع.
كما ارتفعت تكلفة الشحن من ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود إلى الهند عبر ناقلات سويز ماكس إلى 5.5 ملايين دولار للرحلة الواحدة.
عقوبات واشنطن الجديدة شملت 183 سفينة تحمل صادرات الطاقة الروسية (الفرنسية) تأثير العقوبات على أسواق النفطورغم تراجع أسعار النفط عند التسوية أمس الجمعة فإن العقوبات الأميركية الجديدة ساهمت في تحقيق مكاسب للأسبوع الرابع على التوالي، فقد هبطت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 50 سنتا (0.6%) لتصل إلى 80.79 دولارا للبرميل، لكنها سجلت مكاسب أسبوعية بنسبة 1.3%.
إعلانكما انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بمقدار 80 سنتا (1%) إلى 77.88 دولارا للبرميل رغم ارتفاعه بنسبة 1.7% خلال الأسبوع.
وقال فيل فلين كبير المحللين لدى "برايس فيوتشرز غروب" إن "العقوبات المفروضة على روسيا تتسبب في تقليص الإمدادات بأوروبا والهند والصين".
من جانبه، صرح سكوت بيسنت المرشح لمنصب وزير الخزانة في إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب لوكالة بلومبيرغ بأن العقوبات على قطاع النفط الروسي قد يتم تشديدها في المستقبل، مما قد يساهم في مزيد من الاضطرابات بالإمدادات.
تراجع الناقلات وتحول المشترينوبحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ، فإن العقوبات التي فرضت في 10 يناير/كانون الثاني من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (أو إف إيه سي) شملت 161 ناقلة نفط يقدّر أنها نقلت نحو 1.4 مليون برميل يوميا من النفط الروسي، وهو ما يعادل تقريبا 50% من صادرات روسيا البحرية.
واستهدفت العقوبات الأميركية الأخيرة شركتي النفط الروسيتين "غازبروم نفط" و"سورغوت للنفط والغاز"، بالإضافة إلى ناقلات النفط الروسي.
وتأتي هذه العقوبات في إطار الجهود الرامية إلى تقليص الإيرادات التي تستخدمها موسكو في تمويل الحرب مع أوكرانيا.
ووفقا للبيانات التي جمعتها بلومبيرغ، فقد توقفت بعض السفن عن التحرك، في حين غيرت أخرى مسارها بعيدا عن الموانئ الروسية، مما يعكس التأثير الفوري للعقوبات.
وقال إدوارد فيشمان الباحث في جامعة كولومبيا للوكالة "من المرجح أن يكون هناك اضطراب مستدام في السوق، وقد نشهد انخفاضا كبيرا في صادرات النفط الروسية".
العقوبات الأميركية التي فرضت على روسيا شملت 161 ناقلة نفط (الفرنسية) الهند والصين تبحثان عن بدائلوقالت بلومبيرغ إنه مع تفاقم العقوبات توجهت كل من الهند والصين إلى دول الشرق الأوسط، مثل السعودية والعراق والإمارات والكويت للبحث عن إمدادات بديلة، لكن هذه الدول مرتبطة باتفاقيات أوبك بلس التي تفرض قيودا على الإنتاج، مما يجعل العثور على كميات إضافية أمرا صعبا.
إعلانوأشارت مصادر تجارية إلى أن المصافي المملوكة للدولة في الهند والصين باتت تطلب شحنات فورية لتغطية احتياجاتها، خاصة بعد قرار نيودلهي حظر استقبال أي ناقلة مدرجة ضمن العقوبات الأميركية بعد 12 مارس/آذار الماضي.
تأثير محتمل على الأسواقووفقا لمجموعة ماكواري المالية، فإن العقوبات قد تؤدي إلى خسارة تصل إلى 2.15 مليون برميل يوميا من صادرات النفط الروسية، وهو رقم يتجاوز 3 أضعاف فائض العرض العالمي المتوقع لعام 2025، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
وفي ظل هذه المستجدات، يراقب المستثمرون التطورات عن كثب، خاصة في ظل تكهنات بأن إدارة ترامب قد تعيد النظر في بعض العقوبات، لكن بيسنت أكد أمام مجلس الشيوخ الأميركي أنه سيدعم تشديد العقوبات على شركات النفط الروسية إذا تم تعيينه وزيرا للخزانة.
وفي ظل العقوبات المشددة وتأثر صادرات النفط الروسي تستعد الأسواق العالمية لمزيد من التقلبات، ومع بحث المشترين عن بدائل واستمرار فرض العقوبات تبقى التداعيات على الإمدادات والأسعار مفتوحة على سيناريوهات متعددة في الأشهر المقبلة.