حديث الساعة: ارتفاع الأسعار
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
يتمحور حديث الناس فى الشأن الاقتصادى عادة حول الموضوع الأكثر إيلامًا لهم فى حياتهم المعيشية فى لحظة معينة؛ فأحيانا تحتل البطالة الاهتمام الأكبر، وأحيانا ارتفاع الأسعار، وأحيانا مستوى جودة الخدمات، وأحيانا غير ذلك. بالنسبة للمصريين هذه الأيام ليست هناك قضية أكثر إيلاما من الارتفاع غير المسبوق فى الأسعار إلى حد قد يدعو البعض لرفع شعار: «لو كان التضخم رجلا لقتلته»، على غرار قول الإمام على بن أبى طالب: «لو كان الفقر رجلا لقتلته».
التضخم يؤثر سلبيًّا على الدخول الحقيقية للفقراء وذوى الدخول الثابتة من الطبقة المتوسطة.. إضافة لذلك، يؤدى إلى تردد المستثمرين والمصدرين والمستهلكين فى اتخاذ أى قرارات كبرى، متبنين سياسة «دعنا ننتظر حتى نرى».. المحصلة المتوقعة لضعف القوة الشرائية والإحجام عن اتخاذ القرارات الاقتصادية هى تباطؤ فى النشاط الاقتصادى ومستوى التشغيل، وربما بعض القلاقل الاجتماعية.
بالطبع، لا تتحرك أسعار السلع كلها بشكل متساوٍ، ويزيد أثرها السلبى على الفقراء عندما تحظى السلع الأساسية بنصيب الأسد من الارتفاع.. لكن، إذا تغاضينا عن مثل هذه التفاصيل، فموجة التضخم الحالية عاتية، حيث وصل متوسط ارتفاع الأسعار فى عام 2023، بناء على ما هو منشور من معلومات، إلى 34%، مقارنة بأعلى ذروة له خلال السبعين عاما الماضية، عندما وصل إلى 20.8% عام 1980.
إذا كان الأمر بهذه الجدية، أو قل القسوة، فهل الحلول المطروحة على الساحة كافية لكبح جماح التضخم؟ وهل توجد حلول بديلة؟.. وأخيرا، كيف يمكن حماية الطبقة الفقيرة والمتوسطة فى الأجل القصير؟
بالنسبة للحلول المطروحة على الساحة، فالحل الأول يأتى من صندوق النقد الدولى، وأدواته التقشف النقدى والمالى عن طريق رفع سعر الفائدة، وتحرير سعر الصرف، وتقليل عجز الموازنة، وتحقيق فائض أولى، والخصخصة لسد الفجوة الادخارية. هذا الحل قد ينجح فى الأجل القصير، لكن تكلفته عالية لما له من آثار تضخمية نتيجة تحرير سعر الصرف، وآثار سلبية على معدلات النمو والتشغيل من جراء التقشف. الحل الثانى تمارسه الحكومة بالفعل، ويتضمن محاولة التحكم فى سعر الصرف، ومعدل الفائدة، وأسعار بعض السلع الأساسية، وتغليظ العقوبة على المتاجرة فى العملة الصعبة، وتحجيم الاستيراد، وبيع الأصول العامة. وهنا أيضا قد تحد هذه الإجراءات من تفاقم معدلات التضخم، لكن ذلك يأتى على حساب تشغيل الطاقات المتاحة فى ظل ظهور سوق موازية للعملة، ناهيك عن أنه حل مؤقت، ولا يمكن التعويل عليه، وذلك لأننا جربناه فى الماضى ولم ينجح.
هل من حلول بديلة؟.. مدخل الحل الحقيقى فى تقديرى هو فهم ظاهرة التضخم فى مصر، كما فى غيرها من الدول، على أنها محصلة تأثير عنصرين وليس عنصرا واحدا: «زيادة فى الطلب»، و«قصور فى العرض». فى حالتنا، الزيادة فى الطلب ناتجة جزئيا عن ارتفاع معدلات طبع النقود لتمويل عجز الموازنة، وجزئيا بسبب ارتفاع الإنفاق العام على مشروعات قومية عوائدها طويلة الأجل أو بالعملة المحلية. أما القصور فى جانب العرض، فهو ناتج عن معوقات بيروقراطية ترفع تكلفة المعاملات على المنتجين والمصدرين، وغياب التنافسية فى الأسواق، والمبالغة فى دور الدولة كمالك. تفصيل السياسات الإصلاحية الواجبة لعلاج هذه المشاكل غير ممكن فى هذه المساحة الضيقة، لكن أهم سمات الإصلاح فى الأجل القصير ما يلى: تبنى منظومة أكثر مرونة وليست تعويمًا لسعر الصرف (تشجيعًا للصادرات وتحويلات العاملين فى الخارج، وتجنبًا لقفزات فى معدلات التضخم مستقبلًا)، والإحجام عن البدء فى مشروعات كبرى جديدة، وتحويل فوائض الهيئات العامة لموازنة الدولة، وإعادة جدولة الدين العام لمدد أطول، والخصخصة بشرط تعظيم العائد على المجتمع وليس لتدبير أموال فقط، وتبنى مبادرات جادة لتشغيل المصانع والمساكن والقصور المغلقة. فى الأجل المتوسط، ليس هناك بديل عن إعادة هيكلة الاقتصاد ليصبح أكثر تنوعا وإنتاجية وقدرة على مواجهة الصدمات، وهذا موضوع مهم فى حد ذاته.
ماذا عن حماية الطبقتين الفقيرة والمتوسطة ضد ارتفاع الأسعار؟.. هنا يجب الاعتراف بأن الحكومة حاولت أن تخفف من وطأة التضخم على المواطنين بأشكال شتى.. على سبيل المثال لا الحصر، زاد الإنفاق العام على الحماية الاجتماعية كنسبة من الدخل القومى، وتم رفع المعاشات والرواتب والحد الأدنى للأجور، وتم تجميد زيادة أسعار بعض الخدمات، كما تم تقصير مدة تطبيق مظلة التأمين الصحى الشامل. هذه إجراءات محمودة، لكن يعيبها: أولًا، أنها تركز بشكل كبير على الفقراء وليس الطبقة المتوسطة. ثانيًا، أن الزيادة فى المعاشات والمرتبات تقل كثيرا عن معدلات التضخم، وهذا يعنى تآكل الدخول الحقيقية. ثالثًا، أن الحكومة تتوسع فى التعليم الخاص العالى، وهذا يضر بمبدأ تكافؤ الفرص فى وقتٍ تعانى فيه الأسر من وطأة الدروس الخصوصية فى التعليم الأساسى. هذه العيوب يمكن تداركها فى إطار تبنى استراتيجية جديدة للسعى نحو العدالة، وليس الحماية الاجتماعية.
فى النهاية، كان هذا المقال محاولة للمساهمة فى فهم ظاهرة التضخم فى مصر، وكيفية التعامل معه. الأخبار السارة أن مصر ليست الأرجنتين، وما زالت معدلات التضخم لدينا، رغم ارتفاعها، فى إطار ليس من الصعب التعامل معه. ومع ذلك، علينا أن نتذكر أن كل طرق التعامل مع التضخم ليست متساوية فى آثارها، ومن المهم اختيار سبيل للعبور الآمن.
أحمد جلال – صحيفة المصري اليوم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: ارتفاع الأسعار معدلات التضخم سعر الصرف
إقرأ أيضاً:
ارتفاع أسعار آيفون في مصر..توقعات بوصول الأسعار إلى 215 ألف جنيه
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تشهد السوق المصرية موجة غير مسبوقة من ارتفاع أسعار هواتف آيفون،وسط توقعات بزيادات إضافية قد تدفع الأسعار إلى مستويات قياسية خلال الفترة المقبلة.
ووفقًا لمصادر في قطاع الهواتف المحمولة، بلغ سعر آيفون 16 برو ماكس في بعض المحال التجارية نحو 95 ألف جنيه، مقارنة بـ77 ألف جنيه فقط خلال الأيام السابقة، في حين استقر السعر الرسمي لدى الوكيل الحصري عند 105 آلاف جنيه.
رسوم جمركية أمريكية... وتأثير مباشر على أسعار آبل عالميًالا تقف الزيادة في أسعار آيفون داخل مصر عند حدود السوق المحلية، بل هي انعكاس مباشر لأزمة عالمية تتعلق بالرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على المنتجات القادمة من الصين، والتي تصنع فيها شركة آبل أكثر من 80% من هواتفها. وقد قفزت تلك الرسوم إلى 125%، الأمر الذي يهدد برفع أسعار هواتف آيفون عالميًا بنسبة قد تصل إلى 90%، حسب توقعات المحللين.
هل يصل آيفون 16 برو ماكس إلى 215 ألف جنيه؟في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار في مصر إلى 51.70 جنيه، ومع احتمال تمرير آبل زيادة تكلفة الإنتاج إلى المستهلكين، تشير التقديرات إلى أن سعر هاتف آيفون 16 برو ماكس قد يصل إلى 3,000 دولار عالميًا. هذا يعني أنه بعد إضافة الجمارك المصرية البالغة 38.5%، من المتوقع أن يقفز سعر الهاتف إلى 215 ألف جنيه في السوق المصرية، مقارنة بسعره الحالي البالغ 105 آلاف جنيه فقط.
هل دخلنا عصر "الهواتف الفاخرة" للمحظوظين فقط؟هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار يُثير القلق بين المستهلكين، خصوصًا أن الهواتف الذكية تحولت من كماليات إلى ضرورة يومية. ويبدو أن آيفون، الذي كان يُنظر إليه كرمز للتكنولوجيا والرفاهية، بدأ يتحول تدريجيًا إلى سلعة نخبوية حكرًا على شريحة محدودة قادرة على تحمّل هذه التكاليف الباهظة.
هواتف أندرويد ام الشراء من الخارج؟في ظل هذا الواقع الجديد، قد يتجه الكثير من المستخدمين نحو الهواتف الأقل تكلفة مثل أجهزة أندرويد المتطورة، أو التفكير في استيراد هواتفهم من الخارج لتقليل الأعباء الضريبية، رغم ما يحمله ذلك من تحديات جمركية. كما قد يعمد البعض إلى شراء أجهزة مستعملة أو تجديد أجهزتهم القديمة لتأجيل قرار الشراء الجديد.
مستقبل هواتف آبل في مصر.. إلى أين؟من الواضح أن استمرار أزمة الرسوم الجمركية الأمريكية، بالتوازي مع ارتفاع الدولار وتضخم تكاليف الشحن والاستيراد، قد يدفع السوق المصرية إلى إعادة هيكلة كاملة في أنماط الشراء وتفضيلات المستخدمين. ولا يستبعد محللون أن تلجأ شركات الهواتف إلى تقديم خطط تقسيط أكثر مرونة أو طرح إصدارات محلية بأسعار منافسة، في محاولة لإنقاذ المبيعات المتراجعة.