الحرب على غزة قد تؤدّي للتطرف بالخليج
رغم استراتيجيات القمع المشتركة، سعت دول الخليج لتجميل تقاربها مع إسرائيل بتصويره وسيلة لتعزيز السلام الإقليمي والتسامح الديني.
ثمة خطرٌ بأن يتحوّل الحفاظ على التطبيع مع إسرائيل أو توسيع العلاقات الجديدة معها، في وجه عدم شعبيتها الشديدة في الداخل، إلى النقطة التي يطفح معها الكيل.
في ظل تنامي جاذبية التشدد الديني بأوساط الخليجيين، فالجهود التي تقودها الدول لقمع المعارضة الداخلية والحفاظ على الروابط مع إسرائيل قد ترتدّ بنتائج عكسية.
نظرًا لاحتمال عودة التشدد بأنحاء المنطقة، على الأنظمة الخليجية التخلي عن القمع والنموذج الأمني لضمان بقائها في لحظةٌ مؤاتية للمصالحة بين الدولة والمجتمع بالخليج.
* * *
خلال العقد المنصرم، عملت أنظمة الخليج العربي على تهميش القضية الفلسطينية وتمهيد الطريق للتطبيع مع إسرائيل. وحتى في الكتب المدرسية، حُذِفت أي إشارة دينية أو سياسية إلى النزاع المستمر.
وقد صُوِّرت المسألة بأنها مجرد خلاف على الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولكن الحرب الدائرة على غزة تكشف عن الأهمية المستمرة التي تكتسيها القضية الفلسطينية لشعوب الخليج العربية.
جاء التطبيع في نهاية عقدٍ صعب. فالانتفاضات العربية كانت عامل اضطراب حتى للمواطن الخليجي الأكثر ابتعادًا عن السياسة، وردّت حكومات المنطقة باللجوء إلى موجة جديدة من القمع.
شهدت هذه الفترة تقلّص المساحة العامة وتشوّش الخطوط التقليدية للمعارضة، فسادت أجواء من الخوف وانعدام الثقة. وظهرت إمكانية معاقبة المواطن الخليجي بمفعول رجعي بموجب قوانين الجرائم الإلكترونية التعسّفية والمبهمة في صياغتها، ما زاد من المخاوف ودفعَ بالخطاب العام نحو اعتماد السرّية.
أصبحت حاجة الأنظمة الخليجية إلى استباق الرأي العام الشعبي والسيطرة عليه مسألة أمن قومي، ما أدّى بدوره إلى إثراء خزائن الشركات السيبرانية الإسرائيلية. وقد استفادت الحكومات من برامج التجسس الإسرائيلية لمراقبة المواطنين الخليجيين وتجريم حِراكهم، بما يشمل حتى المطلب الحميد ظاهريًا المتعلق بحق المرأة في القيادة.
وسارت الأنظمة الخليجية أيضًا على خطا إسرائيل، فوسّعت استخدام الاحتجاز الإداري، متذرِّعةً بالإرهاب لحبس سجناء الرأي إلى أجل غير مسمّى. ومن خلال هذه التدابير، انتقل القمع الإسرائيلي إلى داخل الدول الخليجية، ما جعل النضال الفلسطيني يبدو أقل تجريدًا وبعدًا للمواطنين الخليجيين، وأجّج مظالم داخلية جديدة.
رغم استراتيجيات القمع المشتركة، سعت دول الخليج إلى تجميل تقاربها مع إسرائيل من خلال تصويره بأنه وسيلة لتعزيز السلام الإقليمي والتسامح الديني.
في آذار/مارس 2023، فيما كانت الإمارات العربية المتحدة تدشّن بيت العائلة الأبراهامية ليكون بمثابة معلم للتعايش بين الأديان، كان المستوطنون يصبّون جام غضبهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
والحال هو أن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين اشتدّ بعد توقيع اتفاقات أبراهام. لقد تنبّه المواطنون الخليجيون لهذه التناقضات الصارخة، فيما تلتزم الأنظمة الخليجية الصمت إزاء العنف الإسرائيلي المتمادي، وأدّى ذلك إلى القضاء على الحماسة الضعيفة للسلام.
يستشهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالروايات التوراتية العنيفة لإضفاء طابع شرعي على حربه على غزة، ولكن ذلك لا يستجلب أي إدانة من قادة العالم. في هذا السياق، قد يُدفَع المواطنون العرب في الخليج إلى التساؤل، لماذا عليهم السير على خطا حكوماتهم واعتماد لغة علمانية.
يسلّط أحدث استطلاع للرأي الضوء على أهمية الدين للشعوب العربية، وهو واقع تنكره الأنظمة الخليجية التي تسلك المنحى العلماني، ويكشف استطلاع الرأي أيضًا عن دعم الأكثرية لعمليات حماس.
تبعًا لذلك، يجب على الأنظمة الخليجية أن تتنبّه للجاذبية الجماهيرية التي تحظى بها المقاومة الفلسطينية التي يُعبَّر عنها من خلال مفردات دينية مألوفة. ويشمل جمهورها الخليجي جيلًا من ممارسي ألعاب الفيديو الذين كانوا أيضًا أوّل من خضع للتجنيد العسكري الإلزامي.
فالمواطنون الخليجيون الشباب، الذين يستثيرهم خطاب الدولة عن الرجولة والبسالة العسكرية، يقعون تحت تأثير مقاطع الفيديو التي يبثّها مقاتلو حماس وهم يسدّدون ضربات قوية للقوات الإسرائيلية.
ولا شك في أن قدرة حماس على التفاوض على تبادل الرهائن، على الرغم من ارتفاع حصيلة القتلى في غزة، ألهمت إمكانيات جديدة للمواطنين المغبونين في بلدان الخليج العربية.
فيما يُتوقَّع أن تستمر الحرب الإسرائيلية على غزة في الأشهر المقبلة، ثمة خطرٌ بأن يتحوّل الحفاظ على التطبيع مع إسرائيل أو توسيع العلاقات الجديدة معها، في وجه عدم شعبيتها الشديدة في الداخل، إلى النقطة التي يطفح معها الكيل.
ونظرًا إلى احتمال عودة التشدد المستلهَم من الدين في مختلف أنحاء المنطقة، يقع على عاتق الأنظمة الخليجية التخلي عن استخدام القمع والنموذج الأمني وسيلةً لضمان بقائها. إنها، بحسب الأكاديمي الكويتي طلال الخضر، لحظةٌ مؤاتية للمصالحة بين الدولة والمجتمع في الخليج.
*د. ميرة الحسين عالِمة اجتماع وباحثة في شؤون الخليج.
المصدر | كارنيغيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل الإمارات فلسطين الخليج حماس التطرف الحرب على غزة التطبيع مع إسرائيل مع إسرائیل الخلیجیة ا على غزة التی ی
إقرأ أيضاً:
القضية الفلسطينية محور رئيسي في محطات العلاقات العربية الأمريكية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عرضت قناة "القاهرة الإخبارية تقريرا، يوضح أن القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية مثلت محورًا رئيسيًا في إطار العلاقات العربية - الأمريكية، وتخلل تلك العلاقات فترات من الفتور والتوتر نظرًا للموقف الأمريكي المنحاز دائمًا لصالح إسرائيل، لا سيما بعد احتلالها أراضي فلسطينية خلال حرب عام 1967، حسبما جاء في تقرير تليفزيوني.
وأوضح التقرير أن حرب 1967، هي الحرب التي ساهمت في تعزيز العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، حيث صرح الرئيس الأمريكي ليندن جونسون في ذلك الوقت، بأن إسرائيل غير ملزمة بإعادة الأراضي التي احتلتها عام 1967، وخلال حرب السادس من أكتوبر عام 1973، زاد الخلاف العربي الأمريكي، فقامت واشنطن بعمل جسر جوي لمساندة إسرائيل أثناء الحرب.
وأشار إلى أنه في المقابل، استخدمت الدول العربية لأول مرة سلاح النفط خلال هذه الحرب، وتم الربط بشكل أساسي بين المصالح الأمريكية والغربية في النفط العربي، وبين الصراع الإسرائيلي العربي.
وتابع أنه حين هدد هينري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية آنذاك، بأنه لن يسمح باستخدام سلاح النفط في هذه الحرب، رد وزراء النفط العرب أنهم على استعداد لتفجير منابع النفط، إذا كانت هناك محاولات أمريكية للسيطرة عليها.