هل تتعمّد إيران استهداف رجال أعمال أكراد في كردستان العراق؟
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
أثارت هجمات إيرانية متكررة تستهدف رجال أعمال أكراد في إقليم كردستان العراق، تساؤلات عدة عن أسباب تعمّد طهران في تتبع هذه الشخصيات الفاعلة في قطاعات الطاقة والعقارات، بالنسبة لأربيل، التي يحكمها الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وزعمت إيران في هجوم صاروخي شنته، الاثنين، على مدينة أربيل، أنها دمّرت مركزا للموساد الإسرائيلي، لكن السلطات العراقية في بغداد والإقليم، نفت ذلك بشدة، وأكدت أن القصف استهدف منزلا لرجل الأعمال الكردي، بيشرو دزيي، وقتل هو وأفراد من عائلته.
الهجوم الإيراني الأخير، هو الثاني من نوعه يطال رجل أعمال في الإقليم الكردي شمال العراق، فسبق لإيران أن استهدفت في 13 آذار/ مارس 2022، منزل الشيخ باز كريم البرزنجي، صاحب شركة "كار" المختصة بالغار، لأسباب مشابهة ادعتها طهران في وقتها.
سببان رئيسان
وتعليقا على ذلك، رأى المحلل السياسي العراقي، غانم العابد، أن "استهداف إيران لإقليم كردستان يندرج تحت سببين، أحدهما سياسي والآخر اقتصادي، فالسبب الثاني ظهر جليا في استهداف منزل الشيخ باز كريم البرزنجي، مالك شركة كار للغاز، في آذار/ مارس الماضي".
وأضاف العابد لـ"عربي21" أن "إيران ادعت حينها أن منزل البرزنجي مقر للموساد، لكن السبب، هو أن تركيا سعت للتعاقد مع شركة كار لاستيراد الغاز من إقليم كردستان، بعد انتهاء العقد التركي - الإيراني، الذي كانت مدته 25 عاما، ونفّذت إيران الهجوم حتى تبقى مستحوذة على سوق الغاز بالمنطقة".
ورأى الخبير العراقي أن "إيران توظف الأسباب الاقتصادية والسياسية من أجل إيجاد مبررات لاستهداف إقليم كردستان العراق، كما حصل، الاثنين، مع رجل الأعمال الكردي بيشرو دزيي، وهو مطور عقاري له بصمته في قطاع الاعمار بالإقليم".
ووصف العابد القصف الأخير بأنه "تهرّب إيراني من حالة الانهزامية التي تواجهها، فهي ترفع منذ 40 عاما شعار تحرير القدس، وعندما حانت فرصة المواجهة مع إسرائيل خذلت الشارع الذي يعتقد أنها تحمل لواء التحرير، بل ذهبت لأبعد من ذلك عندما تبرأت من ضلوعها في الحرب".
وتابع: "ثم أتى بعد ذلك التفجير الانتحاري الذي استهدف مدينة كرمان الإيرانية في الثالث من شهر يناير الجاري، وهي الذكرى الرابعة لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بطائرة أمريكية ببغداد".
ولفت إلى أن "عدم قيام إيران بشيء حيال هذا التفجير جعلها في وضع حرج أمام شارعها في داخل وخارج البلاد، لهذا ذهب باتجاه استهداف إقليم كردستان، وبعدها قصفت باكستان".
لكن هذه الهجمات، بحسب العابد، "بدأت ترتد على إيران نفسها، عندما رد الجانب الباكستاني عليها بقصف مماثل، إضافة للموقف العراقي القوي الذي ولّد ارتياحا لدى الشارع، وهذا أحرج إيران بشكل كبير".
وأعرب العابد عن اعتقاده بأن "إيران بدأت تفقد اتزانها، وأن الحجج التي ساقتها في استهداف إقليم كردستان لم تقنع حتى الشارع الداخلي لديها باستثناء بعض المليشيات العقائدية العراقية التي تبنت الرواية الإيرانية".
وبحسب الخبير العراقي، فإن "إيران اليوم تتخبط بتصرفاتها، فهي ليست كما كانت سابقا تحسب لكل شيء حسابه، حتى أنها بدأت تفقد حلفائها، لأن حكومة محمد شياع السوداني، التي كذّبت رواية طهران، هي ولدت من الإطار التنسيقي الذي يمثل المعسكر الإيراني في العراق".
مآرب عديدة
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي من إقليم كردستان العراق، عماد باجلان إنه "بعد تفجيرات كرمان الإيرانية، واستهداف قادة الحشد الشعبي في العراق، باتت إيران في موقف حرج، لذلك حفاظا على ماء الوجه وللتغطية على فشلها ابتكرت أكذوبة استهداف مقر للموساد في أربيل".
وأضاف باجلان لـ"عربي21" أن "العراق ليس لديه سيادة وحدوده مفتوحة لكل من هبّ ودبّ، وأنه أصبح حلبة لتصفية الحسابات، لذلك لا تستطيع إيران أن تجابه إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي تذهب إلى الأخذ بثأرها من العراقيين".
ولفت إلى أن "الجهة الوحيدة في العراق التي تقف ضد إيران في هيمنتها وأجنداتها واملاءاتها هي أربيل، ولهذا اختارت استهداف هذه المدينة دون غيرها، مع رجل أعمال مهم فيها (بيشرو دزيي) لمآرب عديدة منها ما ذكرته آنفا، إضافة إلى ضرب الإقليم اقتصاديا".
وشدد باجلان على أن "طهران لا يروق لها الازدهار والاستقرار الحاصل في إقليم كردستان العراق، لأن هذا الشيء يجعلها في حرج كبير أمام المكون الكردي في إيران، إضافة إلى أن الأخيرة ترى في أربيل عقبة أمام تنفيذ أجنداتها في العراق".
ونفى وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين، الثلاثاء، وجود مراكز مرتبطة بالموساد الإسرائيلي في أربيل بإقليم كردستان شمال البلاد، حسبما تحدث لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وقال حسين إن "إيران قصفت أربيل لأنها لا تستطيع على الرد أو مواجهة إسرائيل"، مؤكدا أن "الحرس الثوري الإيراني هاجم مبان مدنية في أربيل، وقتلى الهجوم وجرحاه من أكراد العراق، وهذا انتهاك للقانون الدولي".
ولفت الوزير العراقي إلى أن "التوتر بين إسرائيل وإيران يتجسد على الأراضي العراقية، والإيرانيون لا يريدون مهاجمة إسرائيل، أو لا يستطيعون مهاجمتها، لذا يبحثون عن ضحايا حولهم، وبالتالي هاجموا أربيل".
وأكد حسين أن "العراقيين هم من يدفعون ثمن التوتر بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى".
وكان الحرس الثوري الإيراني، قد أعلن الاثنين استهداف مواقع كردستان العراق وسوريا بصواريخ باليستية، وصفها بأنها "مراكز تجسس تابعة للموساد الإسرائيلي"، الأمر الذي نفاه العراق جملة وتفصيلا وقدّم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد إيران.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية إيرانية أربيل إقليم كردستان إيران أربيل إقليم كردستان المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إقلیم کردستان العراق فی العراق فی أربیل إلى أن
إقرأ أيضاً:
الجديد في العقوبات الأمريكية على إيران وأثرها على العراق: الضغوط والفرص
مارس 2, 2025آخر تحديث: مارس 2, 2025
أ.م. بسمة خليل نامق الأوقاتي
أستاذ مساعد في العلاقات الدولية
تشكل العقوبات الأمريكية الأخيرة على إيران محطة جديدة في سلسلة طويلة من التوترات الإقليمية ذات الأثر العميق، ليس فقط على إيران نفسها، بل على الدول المجاورة، وفي مقدمتها العراق. إذ جاء القرار الأمريكي الأخير بفرض مزيد من العقوبات على صناعة النفط الإيرانية ليزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي والسياسي في المنطقة، ويضع العراق أمام تحديات جسيمة، لكن ربما أيضًا أمام فرص غير متوقعة.
العراق بين المطرقة والسندان: تعمق نقاط الخلاف والتحديات
العلاقات الاقتصادية بين العراق وإيران ليست عادية، فهي تمتد إلى مجالات حيوية كإمدادات الطاقة والتبادل التجاري الذي تجاوز 12 مليار دولار سنويًا. كما يعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، مما يجعل أي اضطراب في تدفق هذه الواردات تحديًا يهدد الاستقرار الداخلي، خاصة في فصل الصيف عندما تصل ذروة الطلب على الكهرباء.
إضافة إلى ذلك، تُستخدم البنوك العراقية كقناة أساسية لتدفق العملات الأجنبية إلى إيران، مما جعل المصارف العراقية تحت رقابة مشددة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية. العقوبات الأخيرة لم تقتصر على الشركات الإيرانية فقط، بل شملت عددًا من البنوك العراقية التي وُجهت إليها اتهامات بتسهيل تحويل الأموال إلى طهران. هذا التطور يضع العراق أمام معضلة حقيقية؛ فإما أن يمتثل بالكامل للعقوبات الأمريكية، مما قد يضر بعلاقته مع إيران، أو يحاول التملص، وهو ما قد يعرّضه لعقوبات أمريكية مباشرة.
1- تبعات العقوبات المالية والمصرفية
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على خمسة مصارف عراقية في 2025، مما أدى إلى تراجع السيولة المالية في السوق المحلية، وزيادة الضغوط على القطاع المصرفي.
انخفاض تدفقات الدولار إلى العراق أدى إلى تقلبات حادة في سعر صرف الدينار العراقي، حيث ارتفع سعر الصرف في السوق الموازية بنسبة 10% خلال الأسابيع الأولى من فرض العقوبات.
هذه العقوبات أثرت أيضًا على علاقات العراق التجارية، حيث باتت الشركات الأجنبية أكثر ترددًا في التعامل مع المصارف العراقية خشية العقوبات الثانوية.
2- تداعيات على قطاع الطاقة
العراق يعتمد على الغاز الإيراني لتشغيل 40% من محطاته الكهربائية، مما يعني أن أي عرقلة في الإمدادات ستؤدي إلى انقطاعات واسعة في الكهرباء.
العقوبات دفعت العراق إلى تراكم الديون لإيران، حيث بلغت المستحقات غير المسددة عن استيراد الغاز والكهرباء أكثر من 11 مليار دولار.
الخيارات البديلة كشراء الغاز من قطر أو استيراد الكهرباء من تركيا تتطلب بنية تحتية جديدة وتأخذ وقتًا طويلًا لتنفيذها، مما يعقّد الموقف.
3- التأثيرات الاقتصادية الأوسع
التبادل التجاري بين العراق وإيران يتركز في المنتجات الغذائية ومواد البناء، مما يعني أن فرض قيود جديدة على هذه القطاعات سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار داخل العراق.
قطاع الزراعة العراقي قد يتأثر بسبب العقوبات على الأسمدة والمبيدات القادمة من إيران، مما يزيد من صعوبة تحقيق الأمن الغذائي.
ارتفاع أسعار النفط الناتج عن خفض الإنتاج الإيراني يمثل سيفًا ذا حدين، فمن جهة يوفر للعراق إيرادات إضافية، لكنه أيضًا يزيد من تكلفة استيراد المنتجات النفطية المكررة.
فرص العراق في ظل الأزمة: حلول ومعالجات استراتيجية
رغم أن العقوبات تبدو كعائق خطير، إلا أنها قد تشكل فرصة للعراق للتحرر جزئيًا من الاعتماد على إيران وبناء اقتصاد أكثر استقلالية. ارتفاع أسعار النفط، الناجم عن انخفاض المعروض الإيراني، يمكن أن يمنح بغداد هامشًا ماليًا يسمح لها بإعادة هيكلة اقتصادها وتعزيز استثماراتها في قطاعات مثل الزراعة والصناعة.
1- تعزيز استقلالية قطاع الطاقة
الإسراع في استثمارات الغاز المحلي، حيث تمتلك حقول غاز ضخمة يمكن أن تساعد في تقليل الاعتماد على إيران، خاصة مع مشاريع تطوير حقل عكاز.
إعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة وتحسين أداء محطات الكهرباء للحد من الهدر في التوزيع.
التوسع في الطاقة المتجددة، حيث يمكن أن توفر مشاريع الطاقة الشمسية والرياح بدائل مستدامة للكهرباء دون الحاجة إلى استيراد الغاز.
عقد اتفاقيات جديدة مع دول الخليج لاستيراد الغاز الطبيعي المسال (LNG)، وهو حل أكثر استدامة مقارنة باستيراد الغاز عبر الأنابيب من إيران.
2- تحصين النظام المصرفي والاقتصاد المحلي
تعزيز الرقابة على تحويلات العملات الأجنبية، ليس فقط لتجنب العقوبات الأمريكية، ولكن أيضًا لمنع تسرب العملة الصعبة خارج البلاد.
التفاوض مع الولايات المتحدة للحصول على استثناءات لبعض القطاعات الحساسة، مثل الغذاء والطاقة، لتجنب التأثيرات السلبية على الاقتصاد العراقي.
تشجيع الإنتاج المحلي للحد من الاعتماد على البضائع الإيرانية، خاصة في قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية.
3- تبني سياسة خارجية متوازنة
العراق بحاجة إلى إدارة علاقاته مع الولايات المتحدة وإيران بحكمة وحذر، بحيث لا يكون مجرد تابع لأي طرف بل لاعبًا رئيسيًا في المعادلة الإقليمية، لتجنب التصعيد السياسي أو الاقتصادي.
يمكن لبغداد تبني نهج الحياد الإيجابي والعمل كوسيط دبلوماسي في تخفيف التوترات بين الطرفين، خاصة وأنها تتمتع بعلاقات قوية مع كليهما.
البحث عن تحالفات اقتصادية جديدة مع الدول العربية والخليجية يمكن أن يوفر للعراق بدائل استراتيجية بعيدًا عن الاعتماد
المفرط على إيران، عبر الانضمام إلى المبادرات الاقتصادية الإقليمية التي لا تتعارض مع العقوبات الأمريكية، مثل مشاريع التعاون العربي أو الاستثمارات الصينية ضمن “الحزام والطريق”.
4- الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط
إدارة الإيرادات النفطية بحكمة: العقوبات على إيران قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، مما يوفر للعراق إيرادات إضافية. ينبغي استثمارها في مشاريع البنية التحتية والإصلاح الاقتصادي بدلاً من الإنفاق العشوائي. توسيع الاستثمارات في قطاع الطاقة: تعزيز الإنتاج النفطي والغازي لتصدير المزيد للأسواق العالمية، مما قد يعوض أي خسائر اقتصادية بسبب العقوبات على إيران.الخلاصة:
إذا تمكنت الحكومة العراقية من تطبيق هذه الإجراءات بفعالية، يمكنها تحويل الأزمة إلى فرصة لتعزيز استقلالها الاقتصادي وتخفيف التأثيرات السلبية للعقوبات الأمريكية على إيران. الاستراتيجية الناجحة تعتمد على تنويع مصادر الطاقة، تحصين القطاع المصرفي، دعم الاقتصاد المحلي، وإدارة علاقاتها الخارجية بذكاء. العراق أمام مفترق طرق، فإما أن يكون ضحية للصراع الأمريكي-الإيراني، أو أن يستخدم هذه التحديات كدافع لبناء مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا واستقلالية.
bassma.col@copolicy.uobaghdad.edu.iq