لأول مرة .. شبكة عصبية تحل مسائل بمستوى الفائزين في مسابقات الرياضيات الدولية
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
تمكّن الذكاء الاصطناعي AlphaGeometry من حل 25 مسألة من أصل 30 تم استخدامها مؤخرا في أولمبياد الرياضيات الدولي، وهو ما يفوق إلى حد بعيد إمكانات أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى.
وقد طوّر علماء الرياضيات الأمريكيون نظام ذكاء اصطناعي قادرا على حل المسائل الهندسية الأكثر تعقيدا، يستخدم لتقييم مهارات المشاركين في أولمبياد الرياضيات الدولي.
وقال الباحثون: "لقد طورنا AlphaGeometry، وهو نظام قادر على إثبات النظريات في مجال الهندسة الإقليدية دون مساهمة البشر. لقد كان قادرا على حل 25 مسألة من أصل 30 مسألة تم استخدامها مؤخرا في أولمبياد الرياضيات الدولي، وهو أكثر بشكل ملحوظ من أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى ويمكن مقارنته بـ"نجاحات الفائزين بالميداليات الذهبية".
تم تطوير نظام الذكاء الاصطناعي هذا بواسطة فريق من علماء الرياضيات بقيادة كبير الباحثين في شركة DeepMind مين تانغ لونغ. وإنه قادر على حل المسائل الرياضية الأكثر تعقيدا بالنسبة إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهي البحث عن أدلة على النظريات المتعلقة بالهندسة الإقليدية. وترجع الصعوبات في حلها إلى صعوبة ترجمتها إلى لغة مفهومة للخوارزمية، وكذلك جمع عدد كاف من الأمثلة لتدريبها
وتمكن المتخصصون في DeepMind من التحايل على هذه المشكلة باستخدام الشبكة العصبية اللغوية AlphaGeometry التي طوروها، بالإضافة إلى خوارزمية خاصة مكنّتهم من تطوير عدد كبير من النظريات والبراهين الاصطناعية لها باستخدام قوانين رياضية معروفة. وبفضل ذلك تلقى العلماء نوعا من "كتاب الهندسة" المدرسي للشبكة العصبية، وهي مختارات من 100 مليون نظرية هندسية مكتوبة بلغة مفهومة لنظام الذكاء الاصطناعي.
اختبر الباحثون أداء الخوارزمية على مجموعة متكونة من 30 مسألة تم استخدامها في أولمبياد الرياضيات الدولي في أعوام 2000-2015. وتمكن نظام AlphaGeometry من حل 25 مسألة، وحصلت الحلول التي اقترحتها الشبكة العصبية على العلامات المستحقة لها من أعضاء لجنة التحكيم الحقيقيين لهذا الأولمبياد، والذين طلب منهم العلماء التحقق من إجابات الشبكة العصبية.
وكما لاحظ مطورو النظام، فإن نظام AlphaGeometry للذكاء الاصطناعي تفوق إلى حد بعيد على جميع الخوارزميات الأخرى ووصل لأول مرة إلى مستوى فائزين بالميداليات الذهبية في أولمبياد الرياضيات الدولي.
ويفترض العلماء أن نظام الذكاء الاصطناعي الذي طوروه يمكن تكييفه لحل المسائل الرياضية الأخرى التي لم يتم حلها بشكل جيد بواسطة الشبكات العصبية في الماضي بسبب عدد قليل من الأمثلة أو مصاعب الترجمة.
المصدر: تاس
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: بحوث روبوت الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
مخاطر الذكاء الاصطناعي على التعليم والبحث العلمي
يحظى موضوع الذكاء الاصطناعي باهتمام واسع عبر العالم في المناقشات والمنتديات والمجادلات حول الموضوع. ولقد سبق أن تناولت هذا الموضوع في مقالين بهذه الجريدة الرصينة: أحدهما عن الذكاء الاصطناعي والإبداع، والآخر عن الذكاء الاصطناعي والترجمة. ولكن هذا الموضوع يحتمل المزيد من التأملات دائمًا، إذ إن له أبعادًا كثيرةً لا حصر لها؛ ولذلك فإنني أريد في هذا المقال التنويه إلى تأثير الذكاء الاصطناعي على العملية التعليمية والبحث العلمي.
وقد يبدو أن استخدام كلمة «تأثير» أفضل من استخدام كلمة «مخاطر» الواردة في عنوان هذا المقال؛ لأن هذه الكلمة الأخيرة قد لا تبدو محايدة، وإنما تنطوي على حكم مسبق يتخذ موقفًا متحيزًا ضد تقنيات الذكاء الاصطناعي. وهذا تفسير غير صحيح؛ لأن كلمة «مخاطر» تعني أن هناك طريقًا نسير عليه -أو ينبغي أن نسير فيه- ولكنه يكون محفوفًا بالمخاطر التي ينبغي أن ندركها لكي يمكن اجتنابها. فلا مراء في أن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة كبرى في المعرفة البشرية.
هذه الثورة المعرفية تتمثل في القدرة الهائلة للآلة على توفير بيانات ضخمة في أي مجال معرفي، بل يمكن لبرامج هذه الآلة أن تؤلف نصوصًا أو موضوعات بحثية أو تصمم ابتكارات ومخترعات باستخدام هذه البيانات.
ولقد أثمرت هذه الثورة المعرفية بوجه خاص في مجال تطبيقات العلوم الدقيقة، وعلى رأسها الرياضيات البحتة التي تمتد جذورها في النهاية في المنطق الرياضي، كما لاحظ ذلك برتراند رسل بشكل مدهش في مرحلة مبكرة للغاية في كتابه أصول الرياضيات!
ولا شك أيضًا في أن الذكاء الاصطناعي له استخدامات مثمرة في مجال العملية التعليمية، إذ إنه يسهِّل على المعلم والطالب معًا بلوغ المعلومات المهمة والحديثة في مجال الدراسة، ويقدِّم المعلومات للطلبة بطريقة شيقة ويشجعهم على البحث والاستكشاف بأنفسهم.
وهنا على وجه التحديد مكمن المشكلة، فعندما نقول: «إن الذكاء الاصطناعي يشجع الطلبة على البحث والاستكشاف بأنفسهم»، فإننا ينبغي أن نأخذ هذه العبارة بمعناها الدقيق، وهو أن الذكاء الاصطناعي هو ذكاء الآلة، والآلة دائمًا هي أداة للاستخدام، وبالتالي فإنها لا يمكن أن تكون بديلًا لدور المستخدِم الذي يجب أن يقوم بنفسه بالبحث والاستكشاف. وهذا يعني أن سوء استخدام الذكاء الاصطناعي والتعويل عليه في عملية التعلم، سيؤدي إلى القضاء على روح المبادرة والاكتشاف، وسيحول دون تعلم مهارات التفكير الناقد critical thinking وتنميتها من خلال عملية التفاعل المباشر بين الطلبة والمعلم. وتلك كلها مخاطر حقيقية على التعليم.
ولا تقل عن ذلك مخاطر الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي الذي يصبح تكريسًا لسوء استخدام هذا الذكاء في مراحل التعليم المختلفة. بل إن المخاطر هنا تصبح أشد وأكثر ضررًا؛ لأنها تتعلق بتكوين باحثين وأساتذة يُرَاد لهم أو يُرجى منهم أن يكونوا علماء حقيقيين في مجالاتهم البحثية المتنوعة. ولعل أشد هذه المخاطر هو شيوع السرقات العلمية من خلال برامج الذكاء الاصطناعي التي تقوم بعملية التأليف من خلال كتابات ودراسات وبحوث منشورة؛ وهو ما قد يشجع الباحث على استخدام المادة المُقدّمة له باعتبارها من تأليفه ودون ذكر للمصادر الأصلية التي استُمدت منها هذه المادة.
حقًّا أن الذكاء الاصطناعي نفسه قد ابتكر برامج لاكتشاف السرقات العلمية (لعل أشهرها برنامج Turnitin)؛ ولكن هذا لا يمنع الباحثين الذين يفتقرون إلى أخلاقيات البحث العلمي من التحايل على مثل هذه البرامج من خلال التمويه، وذلك بتطعيم البحث بمادة موثقة من مصادرها، بحيث يبدو البحث مقبولًا في الحد الأدنى من نسبة الاقتباسات المشروعة! وهذا أمر لا ينتمي إلى البحث العلمي ولا إلى الإبداع والابتكار.
وبصرف النظر عن مسألة السرقات العلمية، فإن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي له مخاطر أخرى تتمثل في أن المادة المقتبَسة كثيرًا ما تكون مشوهة أو غير دقيقة، وهذا يتبدى -على سبيل المثال- في حالة النصوص المقتبسة المترجَمة التي تقع في أخطاء فادحة وتقدم نصًا مشوهًا لا يفهم مقاصد المؤلف الأصلي، وهذا ما فصلت القول فيه في مقال سابق. وفضلًا عن ذلك، فإن برامج الذكاء الاصطناعي لا تخلو من التحيز (بما في ذلك التحيز السياسي)؛ ببساطة لأنها مبرمَجة من خلال البشر الذين لا يخلون من التحيز في معتقداتهم، وهذا ما يُعرف باسم «الخوارزميات المتحيزة» biased algorithms.
ما يُستفاد من هذا كله هو أن الذكاء الاصطناعي ينبغي الاستعانة به في إطار الوعي بمخاطره؛ ومن ثم بما ينبغي اجتنابه، ولعل هذا ما يمكن تسميته «بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي»، وهي أخلاقيات ينبغي أن تَحكم برامج هذا الذكاء مثلما تَحكم المستخدم نفسه.