القدس المحتلة- تعيش إسرائيل منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 رد فعل متشابك بين سياسة المؤسسة العسكرية والرسمية والحراك الاجتماعي الإسرائيلي، وهو ما يتمثل بصراع خفي بين مختلف عناصر ومفاصل الدولة التي هيمنت عليها الخلافات والانقسامات.

وتجلت هذه الانقسامات الداخلية بالسجال حول الإخفاق في منع "طوفان الأقصى"، والفشل في تحقيق أهداف الحرب، المتلخصة بتقويض ترسانة حماس العسكرية والقضاء على حكمها في قطاع غزة، وإعادة جميع المحتجزين الإسرائيليين بيد المقاومة.

واستعرضت الجزيرة نت، من خلال الحديث مع محللين سياسيين وعسكريين وباحثين إسرائيليين، عناصر التشابك الإسرائيلي بما يخص الحرب على غزة، سواء حكومة ائتلاف اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو، وحكومة الطوارئ ومجلس الحرب الذي انبثق عنها، والأحزاب اليمينية المتطرفة، وحركة احتجاجات عائلات المحتجزين في غزة.

بداية الشرخ والتصدع

تعود تعقيدات المشهد الإسرائيلي إلى تشكيل الحكومة الـ37 برئاسة بنيامين نتنياهو، في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، بعد انتخابات الكنيست التي جرت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، حيث أسست لبداية الشرخ والتصدع المجتمعي والسياسي والعسكري الذي يعصف بالحياة العامة للإسرائيليين.

وتكوّنت الحكومة الائتلافية التي حظيت بدعم 64 نائبا من أعضاء الكنيست من أصل 120، ومن 6 أحزاب هي: حزب الليكود، والأحزاب الحريدية "يهودية التوراة"، وحزب "شاس"، وأحزاب المستوطنين واليمين المتطرف ممثلة بـ"تحالف الصهيونية الدينية"، وحزبي "عظمة يهودية" و"نوعام".

يقول المحلل السياسي عكيفا إلدار إن تشكيل هذه الحكومة عكس هيمنة اليمين على المشهد والخطاب السياسي، وانزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف والتدين، والتحول المتطرف في مواقف الإسرائيليين تجاه القضية الفلسطينية، والإجماع الصهيوني اليميني على "أرض إسرائيل" في كل فلسطين التاريخية، ورفض وجود أي كيان فلسطيني بين البحر والنهر.

حملت حكومة نتنياهو في أجندتها التقارب بين مواقف المصوتين للأحزاب في الائتلاف الحكومي، التي عبرت عن التوافق حول القضايا الجوهرية، سواء يهودية الدولة والاحتكام لتعاليم التوراة وتعزيزها، وعلاقة الدين بالدولة، والتحفظ على "الصهيونية الليبرالية" والقيم الديمقراطية، ودعم المشروع الاستيطاني على أراضي الضفة الغربية وضمه للسيادة الإسرائيلية.

وفي ظل هذه التوجه اليميني تبلورت ملامح الشرخ في المجتمع الإسرائيلي، حيث شكل نتنياهو الذي تولى منصب رئيس الوزراء للمرة السادسة محور الجدل بالخارطة السياسية الإسرائيلية، بسبب محاكمته في ملفات تشمل تهم الفساد وخيانة الأمانة، مما حوّل عناصر الدولة المتشابكة إلى حالة حراك اجتماعي واسع.

التحول لحركة احتجاج

توسع الجدل في المجتمع الإسرائيلي بعد تشكيل الحكومة، بين الكنيست ومعسكر المعارضة برئاسة رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد، بشأن هوية وملامح إسرائيل بين اعتبارها "دولة يهودية ديمقراطية" أو "دولة يهودية دينية"، مما خلق حالة من الاستقطاب بين أحزاب المعارضة التي أفرزت حركة احتجاج ضد التعديلات على الجهاز القضائي الإسرائيلي، الذي قاده وزير القضاء ياريف ليفين.

وانطلقت احتجاجات الإصلاح القضائي في 7 يناير/كانون الثاني 2023، مع بداية الأسبوع الثاني لولاية حكومة اليمين، ونُظمت مظاهرات دورية مساء كل سبت، ضد كل ما يتعلق بالتشريعات المتعلقة بإضعاف الجهاز القضائي، وتقويض صلاحيات المحكمة العليا.

وتواصلت الاحتجاجات على مدار العام، وانضمت إليها قطاعات وشرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي، من ضمنهم قيادات عسكرية وأمنية سابقة وضباط من قوات الاحتياط وسلاح الطيران، حذروا جميعا من تداعيات التعديلات القضائية على إسرائيل "كدولة يهودية صهيونية وديمقراطية"، وبقيت حركة الاحتجاج في توسع مستمر حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

صدمة الفشل الاستخباراتي

أمام صدمة الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس على "مستوطنات غلاف غزة" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صمتت حركة الاحتجاج، وبدا وكأن المجتمع الإسرائيلي موحّد مع إعلان حالة الطوارئ وقرع طبول الحرب على غزة، رغم كل الخلافات والانقسامات التي رسختها حكومة نتنياهو، التي اعتبرت الأكثر تطرفا وتدينا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية.

رافقت هذه الصدمة معلومات أولية تناقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، حول وجود إخفاق وفشل استخباراتي بمنع الهجوم المفاجئ، فسارع نتنياهو للإعلان حالة الطوارئ واستدعاء واسع لكافة قوات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي، تحضيرا لمعركة التوغل البري بقطاع غزة، و"سعيا منه للتنصل من مسؤولية الإخفاق، وللحفاظ على متانة حكومة اليمين المتطرف"، بحسب المحلل العسكري في التلفزيون الإسرائيلي الرسمي "كان" إيال عليما.

سعى نتنياهو لخلق حالة إجماع إسرائيلي للحرب على غزة، وتأطير مشهد الوحدة الهش بعبارات مثل "حرب على البيت وعلى الوطن"، "حرب على الوجود"، و"حرب استقلال ثانية"، وتبلور ذلك مع تكشّف حجم الخسائر وعدد القتلى والمحتجزين الإسرائيليين بيد المقاومة الفلسطينية، ليغطي على التصدع والشرخ الذي رافق مجتمعه خلال ولاية حكومته.

وفي محاولة منه للتقليل من الاشتباك أمام عناصر الدولة، اضطر نتنياهو لتعزيز الانطباع بوحدة المجتمع الإسرائيلي رسميا، بتشكيل "حكومة الطوارئ الوطنية" في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بضم "المعسكر الوطني" بزعامة بيني غانتس للحكومة، التي بادر لتشكيلها وزير الأمن يوآف غالانت، وهو الذي بدا بحالة صدام مع نتنياهو، بسبب التباين بالمواقف بشأن خوض حرب متعددة الجبهات.

مجلس الحرب

باشرت حكومة الطوارئ مهامها، وأعلنت عن أهداف الحرب، التي تلخصت بـ"إنهاء حكم حماس في غزة، وإعادة المحتجزين الإسرائيليين دون صفقة تبادل"، بينما طالبت أحزاب اليمين المتطرف، الذي يسيطر على المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت"، بـ"توظيف الحرب من أجل تهجير الفلسطينيين من غزة".

ومع تشكل ملامح الصدام والخلافات بين حكومة الطوارئ والمجلس الوزاري المصغر حول أهداف الحرب وسيرها وتطورها، سارع وزير الأمن غالانت -رغم تحفظ نتنياهو- إلى تشكيل مجلس الوزراء الحربي أو "كابينت الحرب" برئاسة نتنياهو، وعضويته مع كل من غانتس، ورئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت، ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر.

تحول "كابينت الحرب" الذي بات صاحب القول الفصل بكل ما يتعلق بسير الحرب وتطوّرها، إلى أبرز محطات الاشتباك، بل أضحى المحطة التي تتوقف عندها كافة الخلافات، وتعكس الانقسامات والشرخ المجتمعي، حيث اعتبره نتنياهو ساحة عراك مع الجيش والجنرالات، ومنصة تهدد مستقبله السياسي وكرسي رئاسة الوزراء.

احتجاجات من نوع مختلف

وأمام سعي نتنياهو للتفرد بمشهد الحرب، وتعزز القناعات بأنه يتنصل من مسؤولية الفشل بمنع الهجوم المفاجئ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ذكر الصحفي الإسرائيلي المختص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شطيرن، أن "التقديرات حذرت من مغبة استمرار الحرب على غزة، وأجمعت على أنها لم تحقق أهدافها، وأكدت التصادم ما بين السعي لتقويض حكم حماس والقضاء على ترسانتها وبين تحرير جميع المحتجزين دون صفقة تبادل".

وأمام هذا الواقع المتشابك، دخلت عناصر الدولة ومعسكر المعارضة وحركة الاحتجاجات وأهالي المحتجزين في صدام مباشر مع نتنياهو، ووجهوا له انتقادات مباشرة، واتهموه بالفشل في تحرير المحتجزين بالقوة العسكرية.

كما اتهموا حكومة الطوارئ بالإخفاق بالحرب قبالة الفصائل الفلسطينية في القطاع، وطالبوا بإجراء انتخابات مبكرة للكنيست، حتى لو كان ذلك خلال الحرب.

ومع استمرار الحرب للشهر الرابع، بدا واضحا أن نتنياهو يوظفها لمصلحته الشخصية والسياسية، عبر دحرجة مسؤولية الفشل والإخفاق على رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، ورئيس جهاز "الشاباك" رونين بار، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا.

وأمام هذا الواقع، تعزّزت القناعات لدى الكثير من الأوساط الإسرائيلية بأن أهداف الحرب لن تتحقق، وأن القضاء على حماس وحكمها في القطاع أمنية بعيدة المنال، حيث رافق هذه القناعات اتساع دائرة الاحتجاجات، سواء تلك المطالبة بتحرير المحتجزين أو الأصوات المناهضة للحرب، أو تلك المعسكرات والأحزاب التي ترى بالحرب والفشل بتحقيق أهدافها فرصة للإطاحة بحكومة اليمين المتطرف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المجتمع الإسرائیلی أکتوبر تشرین الأول الیمین المتطرف حکومة الطوارئ أهداف الحرب على غزة حرب على

إقرأ أيضاً:

هل يكون سموتريتش صاعق تفجير لانهيار حكومة نتنياهو؟

تعيش حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو، التي تشكلت على أسس تحالف يميني متطرف، في حالة من التأرجح بين البقاء والانهيار، حيث يبرز وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، كعنصر تفجير رئيسي قد يؤدي إلى تفكيك الائتلاف الذي يحكم إسرائيل.

وتواجه حكومة الاحتلال أزمة داخلية ربما تكون الأشد منذ قيامها -حسب وصف كثير من المحللين- تتمثل في العدوان المتواصل على قطاع غزة، وتداعياته على جميع الأصعدة، بينما يزيد وجود شخصيات مثل سموتريتش من تعقيد الصورة.

فالوزير المتطرف يتحدى كل القوى السياسية والعسكرية والدبلوماسية في إسرائيل، بسبب دوره البارز في تحريك ملفات حساسة وتصعيد الأزمات الداخلية والخارجية، مما يضع حكومة نتنياهو في موقف متأزم.

التحالف الديني المتطرف حصل على 14 مقعدا في الكنيست (الأوروبية) بروز حزب الصهيونية الدينية

في انتخابات عام 2022، تحالف سموتريتش مع إيتمار بن غفير وحزب نوعام بقيادة آفي ماعوز، وتمكنا من تحقيق اختراق تاريخي بحصول تحالفهم الديني المتطرف على 14 مقعدا في الكنيست، مما جعله لاعبا رئيسيا في تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية.

وحصل سموتريتش على حقيبتين رئيسيتين وهما وزارة المالية وصلاحيات موسعة في إدارة شؤون الضفة الغربية، واكتسب قدرة غير مسبوقة في التأثير في صنع القرار داخل الحكومة، ليس فقط في المجالين الاقتصادي والاستيطاني، بل أيضا على سياسات الأمن والدفاع.

وبدا هذا التأثير مؤخرا، حين فرض سموتريتش سطوته على قرارات الحكومة الإسرائيلية عبر تهديده رئيس الوزراء بحل الائتلاف الحكومي إن هو أوقف الحرب، أو أدخل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة.

إعلان

ونقل مراسل الشؤون السياسية في قناة "كان 11" ميخائيل شيمس إن سموتريتش أوصل رسالة تهديد شديدة وواضحة جدا لنتنياهو، جاء فيها: "إذا دخلت بذرة من المساعدات لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فيمكن البدء بالعد العكسي 90 يوما للانتخابات"، وهي المدة المطلوبة لإجراء انتخابات سريعة.

ووصف آفي أشكنازي تصريحات سموتريتش في مقال نشرته صحيفة معاريف "هكذا وجد رئيس الأركان الجنرال إيال زامير، ورئيس جهاز الأمن العام رونين بار، والمؤسسة الأمنية بأكملها أنفسهم في وضع وهمي لإنقاذ سموتريتش من الانهيار في استطلاعات الرأي".

شعبية الحزب انخفضت إلى 4 مقاعد فقط مقارنة بـ14 مقعدا حصل عليها في انتخابات 2022 (الفرنسية) سقوط شعبي كبير

ورغم مواقفه الحادة وتصريحاته المتطرفة، يعاني حزب الصهيونية الدينية، الذي يقوده سموتريتش، من تراجع كبير في شعبيته.

فوفقا لاستطلاع أجراه "معهد الديمقراطية الإسرائيلي" في مارس/آذار 2024، فإن شعبية الحزب انخفضت إلى 4 مقاعد فقط، مقارنة بـ14 مقعدا حصل عليها في انتخابات 2022.

وفي استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي في مارس/آذار 2024، وجد أن 33% فقط من الجمهور أعطوه تقييما جيدا أو متوسطا لأدائه منذ بداية الحرب، مما وضعه في أسفل قائمة المناصب التي تم فحصها.

وتعرض سموترتيش لانتقادات حادة بسبب عرقلته إدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة من الحرب في غزة، الأمر الذي أدى إلى تدهور صورته بين الناخبين، حتى بين بعض الأطراف المتطرفة التي ترى في مواقفه تهورا غير محسوب النتائج.

رغم هذا التراجع، يستمر الوزير المتطرف في تبرير مواقفه بالتركيز على "إنجازاته"، ويدّعي في مقابلاته أنه لا يُعير اهتماما لاستطلاعات الرأي، لكن الحقيقة الواضحة هي أن صعوده السريع في الحكومة أتى على حساب شركائه في الائتلاف، ليُصبح اليوم أحد أبرز الشخصيات التي تُهدد تماسك الحكومة، خاصة بسبب ضغوطه على نتنياهو لتنفيذ خطوات أيديولوجية جذرية.

إعلان

وفي تصريح لموقع "سورجيم" الاستيطاني، قال: "أعمل في الغالب بصمت وأُحقق نتائج، يكاد لا يوجد حزب داخل الائتلاف يُحقق كامل قيمه مثل حزبنا، وأعتقد أن الصهيونية الدينية لم يسبق لها أن حظيت بمثل هذا التأثير في الأمن والمجتمع والاقتصاد والاستيطان، نحن نُحدث ثورات".

ويعلق المحلل العسكري عاموس هرئيل في مقال أن "هيئة الأركان العامة، مثل الكابينت، تدرك الصورة الحقيقية للوضع، سموتريتش هو وزير مالية فاشل، وبحسب كافة استطلاعات الرأي، فإن حزبه لن يتجاوز العتبة في الانتخابات المقبلة، هذه هي الخلفية وراء ذعره".

واستبعد المختص في الشؤون الإسرائيلية أكرم عطا الله في حديثه للجزيرة نت بأن تكون تصريحات سموتريتش الأخيرة قد أتت في سياق الدعاية الانتخابية، بسبب سقوطه في استطلاعات الرأي، ووصفه "بأنه شخصية عقائدية متطرفة أكثر تصلبا في مواقفه، وأن من الصعب إغراءه بالمصالح".

مقالات مشابهة

  • نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
  • هرتسوغ يدعو لدراسة صفقة مع نتنياهو تخرجه من السياسة
  • هل يكون سموتريتش صاعق تفجير لانهيار حكومة نتنياهو؟
  • مسير راجل ووقفة مسلحة لخريجي دورات طوفان الأقصى بمدينة عمران
  • مسير راجل لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في بلاد الطعام بريمة
  • مسير راجل ووقفة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في عمران
  • بحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي.. قطعان المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
  • "البيجيدي": "بلوكاج" بنكيران و"إرباك" حكومة العثماني وانتخابات 2021 عوامل شككت المواطنين في الجدوى من السياسة
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • باراك: نتنياهو يقود “إسرائيل” نحو الهاوية.. وحربنا في غزة عبثية