إن مسلسل الإحراجات لهذه الأمة، بعربها وعجمها، مستمر منذ أحداث غزة التي بدأت بطوفان الأقصى المبارك في السابع من أكتوبر العام الفائت. فمنذ ذلك التاريخ والأمة المسلمة تواجه مشاهد من الإحراج كثيرة، بل لا أظن أن هذا المسلسل له نهاية قريبة.
المشهد الأول أو أولى المشاهد المحرجة هو صمت القبور الذي ساد أجواء الرسميات الإسلامية ومنها العربية، القريبة من غزة والبعيدة، والذي أصاب الذهول كثيراً من دول العالم التي كانت تنتظر موقفاً إسلامياً أو عربياً على وجه التحديد من أحداث غزة، قبل أن تبدي آراءها ومواقفها.
صمت القبور الذي ساد أجواء الرسميات الإسلامية والعربية أصاب الذهول كثيرا من دول العالم التي كانت تنتظر موقفا إسلاميا أو عربيا من أحداث غزة
المشهد الثاني من مشاهد الإحراج ما شاهده العالم وتابعه الخميس الفائت، حين ترافعت جمهورية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بدعوى ضد النظام الفاشي الصهيوني، واتهامه بارتكاب جرائم حرب متنوعة، بالإضافة إلى النية الواضحة والعزم على القيام بإبادة جماعية ضد أهالي غزة. وكانت مرافعات فريق جنوب أفريقيا القانوني مصدر إعجاب ملايين حول العالم، وفي الوقت نفسه مصدر إحراج كبير لكل الدول العربية والمسلمة، باعتبار أن مثل هذه المرافعة كان الأجدر أن تقوم بها منظمة التعاون الإسلامي أو أي دولة من دولها الكبيرة ذات التأثير على المستوى العالمي.
لم نجد أحداً من الدول الكبيرة تلك في العالم الإسلامي والعربي. الكل ظل يراقب المشهد الغزاوي ثم بدأ يندد ويشجب ويستنكر، وصار البعض يتنافس مع غيره بالكلمات والتصريحات، دونما أفعال واضحات ملموسات على أرض الواقع أو ذات تأثير على سير الأحداث.
حتى تواترت الأنباء عن عزم دولة غير عربية أو مسلمة في أقصى أفريقيا لرفع دعوى ضد النازية الجديدة المحتلة لفلسطين، بعد أن تخطت كل قواعد الحروب، ودخلت عالم الإبادة وجرائم الحرب، فكان لابد من محاسبتها والتشهير بها أمام أعلى سلطة قضائية دولية.
حملت تلك الراية جنوب أفريقيا، ذات التاريخ النضالي ضد النظام العنصري الذي كان جاثماً على صدرها سنوات طوالا عجافا، وليست مكبلة بقيود غربية أو شرقية كالتي عليها غالبية دول العالم الإسلامي وللأسف.
وبالتالي لجنوب أفريقيا شرعية ومصداقية في القيام بهذا الإجراء، إذ لا يرضيها أن ترى ماضيها يتكرر الآن، لا في فلسطين أو غيرها من بقع جغرافية ما زالت تعاني من أنظمة عنصرية أو استعمارية، فكان موقفها من أنبل وأشرف المواقف على مستوى العالم، وبه أحرجت العرب قبل غيرهم من أمم الأرض.
المشهد الثالث قيام جمهورية ناميبيا الأفريقية أيضاً بالسير على خطى نظيرتها الجنوب أفريقية، لتعلن رفضها وتنديدها واستنكارها قيام ألمانيا بالدخول كطرف ثالث داعم للنازية الصهيونية ضد اتهامات جنوب أفريقيا، وتطالبها بالعدول عن ذلك بل وتقوم بتذكيرها والعالم بماضيها الاستعماري المتوحش حين قامت بارتكاب وتنفيذ إبادة جماعية ضد الشعب الناميبي أوائل القرن الفائت، لتقول لها اليوم بشكل غير مباشر بأن ما تفعلينه يا ألمانيا ودعمك غير المبرر للصهيونية وجرائمها في فلسطين، وصمة عار في جبينك.
لا يعني قيام النازيين بحرق اليهود، أن تظل ألمانيا تشعر بعقدة ذنب إلى ما لا نهاية، وتتودد للصهاينة إلى أجل غير معروف.. أما نقطة الإحراج ها هنا للعرب والمسلمين تكمن في عدم قيام أي دولة عربية أو مسلمة بعمل مماثل لناميبيا، ولو من باب أضعف الإيمان ورفع بعض الحرج عنها، وذلك بإصدار بيان رسمي عبر منظمة التعاون الإسلامي تعلنه أمام العالم برفض موقف ألمانيا السيئ وغير المبرر، والوقوف مع أعداء الإنسانية والحياة.. لكن حتى هذا الإجراء لم يتم !
نقطة الإحراج للعرب والمسلمين تكمن في عدم قيام أي دولة عربية أو مسلمة بعمل مماثل لناميبيا
المشهد الرابع يدور حول عزم خمسين محامياً من جنوب أفريقيا مرة أخرى للقيام بموقف مشرف ونبيل ورافض للظلم، عبر مقاضاة الإدارة الأمريكية والبريطانية بسبب التواطؤ بالجرائم التي ترتكبها الصهيونية في فلسطين. وتهدف مبادرة المحامين الجنوب أفريقيين إلى محاكمة المتواطئين مع الصهاينة في جرائمهم أمام محكمة الجنايات الدولية المتخصصة في محاكمة مجرمي الحرب من الأفراد.
والمثير أو الغريب أن المحامين يقومون بمبادرتهم تلك بالتعاون مع محامين أمريكان وبريطانيين، وكأنما الأمر لا يعني العرب والمسلمين البتة، في مشهد محرج رابع وكأنما لسان حال الأفارقة يقول بأنه لا فائدة تُرجى منكم يا أمة العرب والمسلمين في مثل هذه الأحداث الدامية المهولة.
هكذا تمضي الأيام والأحداث.. فبعد أكثر من مائة يوم على صمود المجاهدين في غزة أمام إجرام ووحشية ونذالة الصهاينة ومن معهم، وبعد تكرار مشاهد الإحراج، ما زالت الكثير من الرسميات العربية والمسلمة في سباتها.
لم يصدر عنها عمل يثير الانتباه، أو يوجع الصهاينة ومن معهم، فلا تجد تفسيراً منطقياً لهذا الخنوع وهذا الخذلان والتهاون من أكثر من خمسين دولة عربية ومسلمة، سوى أن قيوداً غليظة قد تم تكبيلهم بها من لدن أطراف عالمية نافذة.
لاسيما الولايات المتحدة، وأن مصالح أنظمة تلك الدول مرتبطة بمدى توافقها مع رؤى وسياسات الولايات المتحدة أو عموم الغرب، وشخصياً لم أجد أي تفسير مقنع آخر لهذا الخذلان، الذي لن تكون تبعاته سارة وحميدة، وشواهد من التاريخ عديدة تؤكد هذا المعنى، وإن دروس خذلان دويلات الأندلس لبعضهم البعض، ما زالت ماثلة أمامنا وقابلة للتكرار، وظروفنا الحالية مهيأة لذلك المشهد أيما تهيئة.
فاللهم سلم سلم..
الشرق القطرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة جنوب أفريقيا ناميبيا غزة جنوب أفريقيا الاحتلال ناميبيا العدوان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جنوب أفریقیا
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. 35 عاماً من مكافحة الأمراض المهملة حول العالم
قادت دولة الإمارات على مدار 35 عاما الجهود العالمية لمكافحة الأمراض المدارية المهملة ، وتحديدا منذ عام 1990 الذي بادر فيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، بالتبرع بمبلغ 5.77 مليون دولار لمركز "كارتر"، دعماً لجهود استئصال مرض دودة "غينيا".
وتشارك الإمارات غدا بإحياء "اليوم العالمي للأمراض المدارية المهملة" ، الذي تم اعتماده بفضل جهود الدولة الدبلوماسية بالتعاون مع شركائها وهو اليوم الذي تم الإعلان عنه في منتدى بلوغ الميل الأخير عام 2019 في أبوظبي ، واعترفت منظمة الصحة العالمية رسميا به في عام 2021.
ويعود إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" ، الفضل في إطلاق أهم مبادرة لمكافحة الأمراض المدارية المهملة حول العالم، ففي عام 2017 وبمبادرة من سموه تم إنشاء صندوق بلوغ الميل الأخير.
وشهد مؤتمر الأطراف "COP28" الذي استضافته دولة الإمارات في ديسمبر 2023 الإعلان عن زيادة حجم صندوق بلوغ الميل الأخير من 100 مليون دولار إلى 500 مليون دولار، وذلك بهدف رفع قدرة الصندوق على الوصول إلى المناطق المتأثرة، من سبع دول إلى 39 دولة في جميع أنحاء إفريقيا، إضافةً إلى اليمن.
ويهدف "اليوم العالمي للأمراض المدارية" إلى إشراك المجتمع الدولي في جهود مكافحة هذه الأمراض، وتعزيز الوعي العام بها، والتأكيد على إمكانية استئصالها، والحاجة الماسة إلى الشراكات والاستثمار المستدام لمكافحتها خاصة الأمراض التي يمكن الوقاية منها.
وقال سايمون بلاند، الرئيس التنفيذي للمعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية "غلايد"، إن الأمراض المدارية المهملة تؤثر على أكثر من مليار شخص حول العالم، ما يظهر الحاجة الملحّة إلى تنسيق الجهود العالمية لوضع حد لهذه الأمراض وتسريع القضاء عليها، مؤكدا التزام "غلايد" ببناء الشراكات، وتعزيز القدرات، وتوسيع قاعدة المعرفة لدفع تلك الجهود.
من جانبها قالت الدكتورة فريدة الحوسني، نائب الرئيس التنفيذي لـ"غلايد" إن المعهد الذي يتخذ من أبوظبي مقرا له يفخر بالبناء على إرث دولة الإمارات في ريادة المبادرات الصحية العالمية للمساهمة في تحسين حياة ورفاهية مليارات الأشخاص حول العالم، بما في ذلك الجهود المبذولة للقضاء على الأمراض المدارية المهملة.
وأضافت أن القضاء على الأمراض المدارية المهملة يعد واجبا أخلاقيا يستند تحقيقه إلى قوة العمل الجماعي للدول والمجتمعات ما يتماشى مع إعلان دولة الإمارات بتخصيص عام 2025 ليكون "عام المجتمع" ومن هذا المنطلق يجدد "غلايد" التزامه بالوقوف إلى جانب شركائه في جميع أنحاء العالم في مسيرة القضاء على هذه الأمراض وتحقيق مستقبل أكثر صحة للجميع.
كانت منظمة الصحة العالمية قد وضعت خطة تهدف إلى خفض عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج ضد الأمراض المدارية المهملة بنسبة 90% بحلول عام 2030، وتحقيق خفض بنسبة 75% في سنوات العمر المعدلة حسب الإعاقة والمتعلقة بأمراض المناطق المدارية المهملة، وتحقيق الهدف المتمثل في قضاء 100 دولة على مرض مداري مهمل واحد، والقضاء على اثنين من الأمراض المدارية المهملة عموما.
جدير بالذكر أن "الأمراض المدارية المهملة" هو اسم لمجموعة من 21 مرضا تؤثر على أكثر من 1.6 مليار شخص على مستوى العالم ، وتسبب هذه الأمراض تحديات صحية، وإعاقات، وتشوهات وتصيب ضحاياها بالعمى في بعض الأحيان وتعد تهديدا لمستقبلهم على المستوى البدني، والاقتصادي، والاجتماعي.