أخرجت البادية اثقالها وقالت الصفوة مالها.. إذا كان حميدتي بصدد التنازل عن أبيي لفرانسيس دينق فقد سبقه أشاوس معارضة الإنقاذ
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
أخرجت البادية اثقالها وقالت الصفوة مالها
إذا كان حميدتي بصدد التنازل عن أبيي لفرانسيس دينق فقد سبقه أشاوس معارضة الإنقاذ إلى هذا (3-3)
عبد الله علي إبراهيم
استاء القوم مما ذاع عن تنازل السودان، متى دان للدعم السريع، عن أبيي إثر لقاء رشح عن المنظر فرانسيس دينق وحميدتي. ولكن وجب التذكير بأن حميدتي مسبوق إلى هذا.
وكتبت في أيامها أعرض لقلمي منصور خالد وعمر القراي (الذي لا يقرأ) اللذين نشطا في حملة تجريد المسيرية من الحق في منطقة أببي إلا كرعاة لهم الكلأ والماء ومحل ما تمسى. فإلى المقال القديم الثالث:
3-المسيرية: حقها في رجليها
أسفر القراي في مقالاته عن أبيي عن كل عيوب الصفوة المعارضة للإنقاذ حيال مطلب المسيرية التصويت في استفتاء المنطقة القادم. فهو بندري “ود مدن” وكالة أو أصالة يستهجن حياة البادية السيارة. فلا يأتي بطلب المسيرية الاشتراك في هذا الاستفتاء على مصير أبيي إلا وسارع بالتذكير بأنهم ” لا يقيمون في المنطقة، بل يتجولون فيها”. فحق المسيرية إذاً “في رجليها”. ولا يطرف لمثل القراي، ممن “فلقونا” بحقوق الإنسان، جفن وهو يفرق بين الناس بالنظر إلى أسلوب حياتهم. وحجبت حداثته عنه حقيقة أن “التجوال” لا يصادر حق “الجائلين”. فالكبابيش التي زرتها في آخر الستينات جائلة حتى ناظر عمومها. ولها دار حدادي مدادي. ولكن تحكيم القاضي هيز في أوائل الخمسينات حمى دارها من دعاوى قبائل أخرى فيها.
والقراي كذلك يقصر حق المسيرية التاريخي في منطقة أبيي على الرعي. ولذا فإن تحول أبيي إلى الجنوب، في قوله، لن يمنعها “أن تواصل حقها في الرعي، كما كانت تجوب المنطقة شمالاً وجنوباً.” وفي نظر القراي أنه لم يحرم أحد المسيرية الرعي. فضمنه لها تحكيم لاهاي والحركة الشعبية. وزاد بأن ذلك “هو ما يمثل مصلحتهم الحقيقية، ولكن المؤتمر الوطني، يريد ضم أبيي للشمال ليحوز كل البترول في المنطقة، وهو لو فعل، لن يعطي المسيرية منه شيئاً كما لم يعط كل أهل السودان الذين ازدادوا فقراً بعد ان ظهر البترول”. وغاب مطلب المسيرية بحق تاريخي في أبيي في غبار صراع الإنقاذ ومعارضها.
والقراي مثله مثل عتاة معارضي الإنقاذ بالسليقة “يٌخَلِب” المسيرية ويعاقبهم على ذلك. ف”التخليب” هو اعتقاد رائج بين أولئك المعارضين مفاده أن المسيرية في نزاعها مع الدينكا والحركة الشعبية كانت مجرد مخلب قط لحكومات الشمال. فسلحتهم باسلحة متقدمة للإغارة على قرى الدينكا المشتبه في ولائها للحركة الشعبية لتحصد الغنيمة من الرقيق والبقر. وأعاد القراي على مسامعنا كل تقرير لحقوق الإنسان جرَّم المسيرية لعدوانها على الدينكا. والتخليب معناه أن المسيرية لم تكن لها مصلحة خاصة في خصومة اقتحمت صحن دارها. وهذا شطط. فأبيي منذ الستينات صارت عظمة نزاع لاصطفاف جديد تحالفت فيه الدينكا مع الحركات القومية الجنوبية المسلحة واقترنت المسيرية بالدولة المركزية بما شرحته في كتابي “الثقافة والديمقراطية” (1996. بل رأينا القراي أمس ينوه ب “كتيبة دينكا نقوك” التي كانت من طلائع جند الحركة الشعبية. وعاد القراي إلى التخليب بسؤال المؤتمر الوطني إن كان يريد أن يزج بالمسيرية هذه الأيام” في حرب ليس لهم مصلحة في خوضها، مادام حقهم في الرعي محفوظ، ولم يقل أحد بحرمانهم منه؟”
كل ما تقدم من عيوب القراي من فساد الرأي وعتو الغرض. وهو مستنكر من عالم مثل القراي حسن التدريب بالضرورة. وهي سقطات مقدور عليها. أما أن يخوض العالم في ما لاعلم له به فهو عوار وجلافة. فلا أعرف كتاب القراي المنير الذي دله على أن الدينكا نقوكك “مزارعون ورعاة مستقرون” في منطقة أبيي بينما المسيرية رحل جوابون فيها. ومن أين عرف أن المسيرية “لم يكونوا ابداً مستقرين كقبائل الدينكا”؟ ومهما كان الرأي في زعم المسيرية بحقهم في أبيي إلا أن الدينكا نقوك سيارة مثل المسيرية. ومؤسف أن يحمل القراي إصراً على بداوة المسيرية يذهله عن هذه الحقيقة البسيطة من حقائق سبل كسب العيش في السودان. فلولا هذا الغل لتحوط كما ينبغي لحامل دكتوراة مثله من التفريط في لسانه بجهالة ولتحقق من المعلومة في مرجع مناسب.
العلم نور. وهو شفاء لا تشفياً كما قلت قبل نحو 25 عاماً لدي صدور “مذبحة الضعين” لبلدو وعشاري.
عبد الله علي إبراهيم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: عن أبیی
إقرأ أيضاً:
عندما هتف الكيزان ( حميدتي لحماية الاسلام)
عندما هتف الكيزان ( حميدتي لحماية الاسلام)
مقال قديم حادث 25/4/2024
????قول عسكرية.. قول جاهزية!
✍️ بثينة تروس
لا يخفي على أحد بعد مرور عام من الحرب ان مسرح الفوضى، وانتشار السلاح، واستباحة البلاد، ونهب مواردها، قد اكتمل اعداده، بالفتن لختام انشطار الوطن الي غير أمان. وخاب فأل الفلول حين نجح شباب وشيوخ قبيلة البني عامر في اخماد نيران مخططهم، لانشطار مكونات الشرق. ولو قدر للذاهبين بمعركتهم شمالاً من قوات الجنجويد فليستعدوا، لأنهم لن يجدوا غير التهميش المدهش وتغبيش الوعي، فلقد سبقتكم عليها ايادي الحركة الإسلامية لمدى ثلاثين عام حسوم. وسيجدون نفس علة ما يشتكون من إخفاقات دولة 56. كما لم يستطيع الجيش بمليشياته الجهادية من تحرير الجزيرة وتلبية استغاثة أهلها العزل، إذ لا خير في المعتدي ولا خير في الذي فرّ من المعركة.
بالأمس القريب وحينما كانت الشوارع تهتف (لا اله الا الله، الكيزان أعداء الله) و (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) كتب الكيزان، أعداء التغيير، علي الجدران: (حميدتي لحماية الإسلام).. الم يكونوا اخوة متحابين نفذوا سوياً مجزرة القيادة العامة في يونيو ؟2019 أي ذاكرة تلك التي تنسي منظر قوات الجيش، والدعم السريع، وكتائب الظل الاسلاموية، واللجنة الأمنية، وهم يتحلقون بوحشية حول الشباب المعتصمين امام القيادة العامة، وهم يفترشون الأرض وايديهم فوق رؤوسهم، واخرون مقيدون لا يكادون يقوون علي المشي، و قوى الشر تصرخ فيهم بهستيريا (قول عسكرية) فيما يشبه الاستتابة علي مطالب المدنية، وهتافات (مدنيااااو) ويواصلون ضربهم بأعقاب البنادق وبالعصي، بوحشية غاشمة ويتصايحون بحقد أعمى (مدنية ولا عسكرية؟) والشباب والكنداكات ما بين الدم وإزهاق الأرواح يرددون (لا.. عسكرية، عسكرية) ثم يصورونهم بفيديوهات يتبارون في تسجيلها وبثها، (وحدس ما حدس).
نفس المشهد يتكرر في أحد فيديوهات اعلام الحرب الان، قوات الدعم السريع يتحلقون حول مجموعة من أسرى مليشيات كتائب الجيش بعد معركة الجيلي، في نفس حالة هستيريا جنون الاعتصام (قول جاهزية، سرعة، حسم) مستعرضين قوتهم وسيطرتهم. ثم لا تبعد بعيدا عن ذلك المشهد، فيطالعك اعلام الطرف الاَخر، مشهد لأفراد من منتسبي الجيش وهم يصوبون دوشكاتهم واسلحتهم، على رؤوس اسراهم من الدعم السريع، يصرخون مكبرين ومهللين لانتصارهم في نفس المعركة على المتمردين. لكن المختلف عن المشهد الأول ان جل رسالتهم موجهة للقوي المدنية، أي باختصار الطرف الذي لا يحمل سلاح في المعركة، من الواضح انها ليست بمعركة (الكرامة) للوطن وانما تقودهم حفائظ نفوسهم والضغائن من ضياع سلطتهم، وهم دائما ما يهددون بأنهم عائدون، وسوف ينتصرون.
ولم يخفوا نيتهم بأن أول مهامهم بعد انتصارهم أعادة قوانين النظام العام سيرتها الاولي، وضبط اللبس، والسلوك، وسوف ينظمون الشارع السوداني، وتأديبهم بالضرب (والمتق) وحسم الفوضى وإقامة الحدود من حد السرقة وقطع الايدي، والرجم.. وبالطبع عجزوا عن شرح أسباب فشل حكومتهم عن تطبيق هذه الحدود على الفاسدين (وجلهم من المنتسبين إليهم) طوال ثلاث عقود.. انهم اقواما لا تعلمهم التجارب ولا يورثهم قبح الحروب حكمتها، فبدلا من تطمين المواطن بأنهم سوف يعمرون الأرض، ويستخلفون الدمار بالعمار، والموت بالحياة الرخية، ويعيدون المستشفيات، والمدارس والمدن سيرتها الاولي، فها هم يتوعدونهم بالانتقام والويل والثبور والمزيد من الموت وكأن ويلات الحرب لا تكفيهم انتقاماً من الشعب الذي ثار عليهم واقتلع نظامهم.
الشعب السوداني بلا شك ضحية هذه الحرب التي لا تخضع لقوانين الحروب، اذ تظل الانتهاكات والمجازر البشعة مستمرة والتتطور الوحيد يقع في ادواتها ومنهجيتها القمعية بعد ان استبيحت المدن والقرى، واحتلت بيوت المواطنين ونهبت من طرفي الحرب! وقصفت منازلهم بلا رحمة فزهقت الأنفس وضاع حصاد السنين، وتدمرت المنظومة الصحية والتعليمية المتهاويتان اصلاً! وحصاد عام من الاحتراب كان ما يزيد عن ثلاثة عشر ألف قتيل، وما يفوق العشرين مليون يواجهون الموت بالمجاعة، وجل النازحين من الشيوخ، والأطفال، والنساء والفتيات اللائي واجهن العنف الجنسي والقهر والذل.
اما الحرب الإعلامية بين طرفي القتال فلقد بلغت حدا من الاحترافية، اتقنوا فيها صناعة الفتن التي اعجز المدنيين صدها، فتصدعوا وانقسموا بأكثر مما كانوا عليه من تصدع وانقسام، حتي انهم عجزوا عن ان يوحدوا شتاتهم في مظلة إعلامية موحدة لجميع السودانيين الذين يؤمنون بوقف الحرب بلا تمايز بين انتماءاتهم السياسية او العقائدية، يستطيعون من خلالها كسب المجتمع الدولي لصفهم، ليقف معهم وهم يسعون لاستعادة الوطن، وينشرون من خلالها رسالة السلام وضرورته الملحة، ويرفعون مستوى الوعي بكيفية وقف الحرب، والتخطيط لما بعدها، واحياء مطالب التغيير وفاء لجيل الشباب الذي آمن بالسلمية لتحقيق العدالة، واستشهد عدد كبير منه فداء لها.. الشاهد في الأمر ان اعتي واشرس الحروب انتهت بوضع السلاح والانحياز للتفاوض والسلم ولحفظ حقوق المواطن، وحفظ كيان الأوطان وتبقى الحقيقة الثابتة أنه لا يحل مشكلة السودان الا السودانيون أنفسهم.