يوافق اليوم الذكرى السادسة على وفاة الكاتب صبري موسى، المولود في دمياط 19 فبراير عام 1932، والذي تنوعت أعماله الروائية منها «فساد الأمكنة» تناول خلالها المجتمع الصحراء، فيما طرح تصوراته لما سيكون عليه الإنسان في المستقبل في روايته «السيد من حقل السبانخ» الصادرة طبعتها الأولى في 1982م.

ويناقش الكاتب في هذه الرواية موقف الإنسان من التطور التكنولوجي المتسارع، من خلال استشراف المستقبل ومصير الإنسان في ظل تزايد اعتماده على الآلة وتعاملاته المختلفة مع مظاهر هذا التطور، داخل المجتمع الجديد الممثل بـ(القبة الزجاجية) وهو النموذج الذي يحاكي المدينة الفاضلة، أو اليوتوبيا التي ما زالت حلما يراود البشر عبر الأزمنة ومنذ أفلاطون (428- 347 ق.

م) والذي طرح أسس وملامح مدينته الفاضلة في أبرز محاوراته وهو كتاب «الجمهورية»، كما طرحت الثقافة الإسلامية الفكرة نفسها في القرن العاشر الميلادي من خلال الفارابي (874 م- 950م) عبر كتابه «آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها».

ويأخذنا صبري موسى في رحلة مع الرواية إلى سنة 2481 م، يقدم فيها نموذجا جديدا مغايرا للمدن الفاضلة القائمة على القيم والأخلاق عند كل من أفلاطون والفارابي، لكنها قائمة على العلم هذه المرة في رواية «السيد من حقل السبانخ»، وبالمقابل تجد يوتوبيا صبري موسى من يعارضها من داخلها حيث يحمل أحد سكان المدينة وهو البطل هومو (السيد) عددا من المفاهيم الفلسفية المجردة والجدلية مثل الحرية والإرادة والجمال وغيرها، والتي تشتبك مع مظاهر التقدم داخل هذه المدينة أو القبة الكائنة (خارج نطاق كوكب الأرض)

تقدم الرواية أيضا نوعا من التحذير الخفي، إلى جانب نقد مضمر للواقع الإنساني المعاصر ومآلات صراعات القوى الدولية المتناحرة من أجل الأرض والقوميات، والتي سيكون مصيرها الهلاك بسبب توظيفها للتطور التكنولوجي في الحروب فيما تطلق عليه الرواية الحرب الالكترونية، والتي بلغت فيها الآلة مبلغا هائلا من التطور مكّنها من التسيُد على الإنسان نفسه، ومن بعدها لم تعد الأرض مكانا صالحا لحياة البشر.

وتطرح أيضا فكرة اغتراب الإنسان رغم كل الرفاه المادي المتواجد فيه، سؤالا جوهريا أساسيا عن ماهية طموحات الإنسان، وهل يشعر بالرضا والسعادة إذا حصل على العيش الآمن، والحرية (شبه المطلقة)، والعدالة الاجتماعية؟.

قصة هومو (المتمرد)

تقدم الرواية حكاية هومو البالغ من العمر 50 سنة، والموظف في حقل السبانخ، والمتمرد على النظام القائم، المنشق عن الطابور، وهو رجل يشعر بالملل والتعاسة، لذلك يبدأ في تبني آخر ثورة - لم تكن ثورته (العاطفية) تحمل أية أهداف في البداية- لذلك ينقطع عن ممارساته المعتادة ولا يعود إلى بيته وزوجته، ويضطر في النهاية إلى الانتظار في العراء لليوم الثاني لدخول حقل السبانخ، لكن مركز التحقيقات الآلي يستدعيه للاستفسار، تلبية لرغبة زوجته التي أبلغت النظام عن تغيب زوجها وعدم عودته إلى البيت في الموعد المعتاد.

يستعرض المؤلف مظاهر التطور التكنولوجي بتصوير الوسائل المستخدمة من رفع جودة الحياة ورفاهية الإنسان، والتي تحمل أيضا تطلعاته المشروعة للمستقبل، وفق منهج علمي بحت ينظر إلى التفكير العاطفي باحتقار. إذ يقدم المجتمع الجديد حلولا للمشكلات التي يعاني منها الإنسان المعاصر، بل يلبي مطالب الثورات زيادة من؛ عيش، حرية، كرامة اجتماعية، هذا إلى جانب الحرية المتاحة للأفراد للتعبير عن أنفسهم بلا محاذير، وإتاحة المعلومات، وممارسة العلاقات الجنسية ببساطة وبدون تعقيدات في نوادي الحب الحر.

القضية الفلسفية للسيد هومو:

فقدان الحرية: القضية الأساسية التي يطرحها صبري موسى من خلال هومو تتضمن، قضية فقدان الحرية الشخصية عند الإنسان لهذا السبب ينشق هومو عن الطابور (من دون أن يكون لديه خطة ما سوى الحنين للأرض) قضية فقدان الشغف: هومو بات فاقدا للشغف الذي يدفعه للتفاعل مع كل ما هو متاح من رفاهية في مدينته الفاضلة (داخله روح فنان تعجز عن الانخراط في المجموع، لذلك تشعر بالألم)

إحساس بفقدان الإرادة: إذ لا يشتبك مع شيء بعينه، بعد أن حل النظام جميع المشكلات

الحنين إلى ملامسة الطبيعة وبالتالي العودة إلى الأرض، والذي يدفعه إلى طلب الخروج من القبة الزجاجية في النهاية.

- تشابه البشر: ما اشتكى منه هومو في الفصل الثامن "إن البشر أصبحوا متشابهين إلى درجة مقلقة"

 

مصير هومو:

النظام العام في المدينة يواجه حجج هومو وفريقه، بتقدم مشروع إصلاحي لتصحيح مساره، ويطرح المشروع للتصويت عليه حتى لا تتكرر الانشقاقات في المستقبل. وهو المشروع الذي يلاقي تأييدا واسعا من أهل المدينة، في حين لا يقدم هومو وفريقه أية مشاريع، وإنما يكتفي بعرض أطروحات كلامية، وقرارا عاطفيا أهوج وغير مدروس بالعودة إلى الأرض، وبالتالي يكون مصيره الهلاك وهو بالمناسبة مصير مماثل للبشر حين أفرطوا في استخدام التكنولوجيا ومصير هومو ورفاقه الذين قرروا رفض استخدام وسائل التكنولوجيا، وكأن الرواية تحذر القارئ من هذه وتلك على السواء.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: صبري موسى المستقبل يوتوبيا صبری موسى

إقرأ أيضاً:

مباحثات أمريكية عمانية بشأن مستجدات الأوضاع في اليمن

أجرت الولايات المتحدة الأمريكية، وسلطنة عمان، مباحثات بشأن مستجدات الأوضاع في اليمن على وقع حملة الاختطافات الحوثية بحق موظفي المنظمات والبعثات الدبلوماسية واستمرار الهجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن.

 

وذكرت الخارجية الأمريكية -في بيان لها- أن المبعوث الأممي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، التقى السفير العماني في واشنطن موسى حمدان موسى الطائي.

 

وناقش اللقاء حسب البيان تنسيق المواقف بشأن "الاعتقالات غير المشروعة التي قام بها الحوثيون مؤخرًا لموظفي الأمم المتحدة والدبلوماسيين والمنظمات غير الحكومية وهجماتهم المتهورة على السفن المدنية التي تعرض عملية السلام في اليمن للخطر".

 

والأحد الماضي بدء المبعوث الأمريكي إلى اليمن، جولة إلى السعودية وعُمان، لبحث تصعيد جماعة الحوثي المتمثلة بحملة الاعتقالات الجماعية لموظفي المنظمات الدولية، واستمرار الهجمات البحرية على سفن الشحن، وانعكاسات ذلك التصعيد على جهود إحلال السلام.

 

 


مقالات مشابهة

  • في دورتها الثانية .. جائزة عبدالفتاح صبري للقصة القصيرة تُكرّم الفائزين
  • جائزة عبد الفتاح صبري للقصة القصيرة تُكرّم الفائزين بدورتها الثانية
  • مباحثات أمريكية عمانية بشأن مستجدات الأوضاع في اليمن
  • هيئة الحج: عازمون على إجراء قرعة حج 2025 قريبًا
  • طارق صبري: والدتي توفت بعد وفاة والدي بعام حزنًا عليه
  • بإطلالة صباحية من داخل سيارتها.. أحدث ظهور لـ ياسمين صبري
  • تدشين الهوية الجديدة لنادي العروبة
  • انتصار تنضم لقائمة أبطال مسلسل "زمالك بولاق" لـ عبير صبري
  • الأسعار والكهرباء.. وصية أحمد موسى للوزراء الجدد لإرضاء المواطنين (فيديو)
  • انزلوا الشارع.. أحمد موسى يوجه رسالة للوزراء الجدد (فيديو)