هل تحولت أخيرا محاربة الفساد في المغرب من نهج موسمي إلى عملية مؤسساتية؟
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
يحتدم النقاش في المغرب بشأن خطوات حكومية لمكافحة الفساد في المملكة، سواء عبر ملاحقة 25 شخصا، بينهم “مسؤولون كبار”، في شبهة اتجار بالمخدرات وتزوير وثائق رسمية، أو تجديد عرض بالعفو عن آخرين مقابل إعادة أموال غير مشروعة مهربة إلى الخارج.
وبينما أكد حقوقي مغربي ضرورة ألا تكون هذه الخطوات “ظرفية وانتقائية”، بل ضمن “رؤية مستدامة”، أشاد آخر بتوقيف مسؤولين، معتبرا أن “السياسة لم تعد مجالا للاختباء”، فيما تحدثت الحكومة عن جهود مستمرة في عملية مكافحة الفساد وتقدم في تشريعاتها.
وفي 4 يناير الجاري، أعلن مكتب الصرف عن إجراءات تحفيزية لاستعادة الأموال غير المشروعة المهربة إلى خارج المغرب، تشمل العفو عن أصحابها وعدم كشف هويتهم وإعفائهم من غرامات مالية، في حال إعادتها خلال مهلة تمتد لعام من 1 يناير الجاري إلى 31 دجنبر المقبل.
ووصف الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، أمام مجلس النواب في نوفمبر الماضي، عملية استعادة الأموال المهربة مقابل العفو بأنها “ناجحة وممتازة”.
وأفاد بأنها أسفرت في عام 2020 عن استعادة 6 مليارات درهم، و880 مليون درهم في 2019، بينما بلغت نحو 27 مليار درهم في 2014.
ولا يوجد تقدير حديث بشأن إجمالي الأموال المهربة من المغرب.
ووفقا لتقرير صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” (UNCTAD)، في عام 2020، فاحتلت المملكة المرتبة الرابعة لأسوأ الدول الإفريقية من حيث تهريب الأموال، بين عامي 1970 و2008، حيث بلغت 25 مليار دولار.
ومن بين المتورطين في تهريب الأموال في المغرب مسؤولون وبرلمانيون سابقون، بحسب بيانات حكومية.
وفي 22 دجنبر الماضي، أوقفت السلطات المغربية 25 شخصا، بينهم “مسؤولون كبار”؛ في شبهة الاتجار الدولي في المخدرات وتزوير وثائق رسمية، وفقا للتلفزيون الحكومي.
ونقلا عن مبارك المسكيني، وهم محامٍ مطلع على ملف القضية، أضاف الموقع أن قاضي التحقيق قرر إيداع الـ25 شخصا السجن لحين استكمال التحقيق، ومن بينهم رجال أمن وبرلماني سابق ومسؤولون عن شركات.
خطوة غير كافية
“هذه الخطوة إيجابية، لكنها غير كافية”.. هكذا عقَّب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، على إيقاف الـ25 شخصا.
وأضاف الغلوسي، وهو حقوقي وباحث في قضايا مكافحة الفساد، للأناضول، أنه “يجب ألا تكون عملية مكافحة الفساد ظرفية أو انتقائية، بل في إطار تصور وسياسة ورؤية مستدامة”.
و”على غرار العديد من الدول الديمقراطية”، دعا إلى “اعتماد برنامج للوقاية من الفساد وتصور آخر من أجل التصدي للظاهرة، ففي الدول الديمقراطية توجد مؤسسات تحمي وتقي من الفساد وقوانين ومؤسسات تتصدى له”.
وأردف: “لا يجب أن يتم التعاطي مع الفساد بمنطق الحملة، أي بشكل موسمي أو ظرفي، بمعنى أن يتداول الرأي العام أسماء تم توقيفها، وبعد مدة تتم العودة إلى نفس الوضعية السابقة، في انتظار تفشي الفساد وإطلاق حملة جديدة”.
ومعتبرا أن “القضية كشفت أن الفساد وصل إلى مراحل متطورة”، قال الغلوسي إنه “بعدما كنا نتحدث عن الرشوة والاختلاس وتبذير أموال عمومية عبر التلاعب في الصفقات، انتقلت هذه الشبكات إلى مستويات أخرى لها امتدادات خارجية”.
الاختباء وراء السياسة
أما رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان إدريس السدراوي، فقال إن خطوة توقيف المسؤولين “شجاعة وتبعث رسائل مهمة من طرف الأجهزة الأمنية والقضائية، في انتظار انتهاء الملف”.
واعتبر السدراوي، في حديثه، أن “هذه الخطوة رسالة لكل مافيات المخدرات والمال العام، مفادها أن المجال السياسي لم يعد مجالا للاختباء، وهي فرصة أيضا لتصحيح وتخليق المجال السياسي”.
ولكنه قلل من مبادرة استعادة الأموال المهربة مقابل العفو، معتبرا أن “التسوية التلقائية خطوة ليست لها جدوى، خاصة أنها ليست المرة الأولى”.
وتابع أن “الاقتصاد يحتاج إلى خطوات شجاعة، عبر تشجيع المقاولات الصغيرة.. والمبادرة يمكن أن تشجع على التهرب الضريبي وغيرها من الممارسات غير المشروعة”.
السدراوي دعا إلى “ربط المسؤولية بالمحاسبة مع استرجاع الأموال المنهوبة، والتحقيق والتنسيق الدولي عبر الإنتربول لمتابعة ناهبي المال العام، وليس التساهل معهم والسماح باسترجاع أموالهم”.
تجفيف منابع الفساد
وبحسب الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في تقرير عن عام 2022، تلقى الخط المباشر الخاص برئاسة النيابة العامة أكثر من ثمانية آلاف اتصال للإبلاغ عن رشوة في 2021، أي بمعدل أكثر من 60 مكالمة يوميا؛ مما أدى إلى ضبط 205 حالات تلبس بجريمة الرشوة، صدرت بشأنها أحكام قضائية.
وحصل المغرب على 38 نقطة فقط من 100، ليحتل المركز 94 من بين 180 دولة، وفقا لمؤشر الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، مسجلا تراجعا مستمرا منذ عام 2018 حين كان في المركز 71.
ويرى منتقدون أن أحد أسباب الفساد في المغرب هو وجود انفصال بين التشريع لمكافحة هذه الظاهرة والتطبيق الفعلي للقوانين.
وتشدد الحكومة، وفقا لمراسل الأناضول، على استمرار جهودها في مكافحة الفساد، وتستشهد بفتح ملفات عديدة، أحدثها المثار على الساحة في الوقت الحالي.
ووفقا لرئيس الهيئة محمد بشير الراشدي، خلال مؤتمر صحافي في الرباط في دجنبر الماضي، فإن المغرب حقق تقدما في مجال التشريع لمحاربة الفساد.
وأضاف أن البلاد في حاجة لتجفيف منابع الفساد، وتطبيق قوانين مكافحته على أرض الواقع، مشددا على أن محاربة الفساد تتطلب وجود رؤية شمولية في السياسات العمومية.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: مکافحة الفساد فی المغرب
إقرأ أيضاً:
تفاصيل عملية مغربية قرب جزيرة ليلى لكن دون توترات مع مدريد
مع اقتراب الذكرى الثالثة والعشرين للنزاع الدبلوماسي بين المغرب وإسبانيا حول جزيرة ليلى، لا تزال مدينة سبتة تشهد أزمات خاصة بالدولة كلما وقعت حادثة مرتبطة بهذه القطعة الصخرية الصغيرة.
وقعت هذه الحادثة خلال الاحتفال بعيد الفصح العسكري، حيث كان الجميع مصطفين لإعلان وداع القائد العام، ماركوس لاغو نافارو. بدا وكأن أزمة مشابهة للأزمة التي حدثت عام 2002 على وشك التكرار، ولكن هذه المرة لم تكن هناك أي توترات تُذكر.
أكدت مصادر رسمية لصحيفة الفارو أن الحرس المدني لم يتدخل، وأن المهاجرين لم يصلوا إلى جزيرة ليلى.
في البداية، تم رصد مجموعة مكونة من 10 مغاربة يرتدون بدلات غوص بالقرب من منطقة « بونتا ليونا »، مما أثار شكوك السلطات المغربية حول نيتهم السباحة للوصول إلى جزيرة ليلى.
كان تحقيق هذا الأمر يعني إعادة تفعيل مسار استخدمه في السابق مهاجرون من جنوب الصحراء للوصول إلى الجزر الصخرية القريبة من مليلية، على أمل أن يتم إنقاذهم من قبل السلطات الإسبانية.
في البداية، أُبلغ عن أن المجموعة تضم مهاجرين من جنوب الصحراء، لكن تبيّن لاحقًا أنهم من أصول مغربية.
وتولت السلطات المغربية مسؤولية المجموعة، واعتقلت اثنين منهم باعتبارهما « محركات بشرية » كانا يوجهان الآخرين.
أكدت المصادر الرسمية أن المهاجرين، وعددهم عشرة وجميعهم بالغون ومغاربة، لم يكن لديهم نية الوصول إلى جزيرة ليلى.
تم إبلاغ السلطات الإسبانية، بما في ذلك مندوبة الحكومة التي كانت حاضرة في احتفالات عيد الفصح العسكري مع قائد الحرس المدني، بكل التطورات.
وفي الماضي، شهدت جزيرة ليلى حالات دخول لمهاجرين. على سبيل المثال، في 3 يونيو 2014، دخلت قوات مغربية إلى الجزيرة وأخذت 13 مهاجرًا من جنوب الصحراء، بينهم رجال ونساء وطفل رضيع، بعد أن قضوا 10 ساعات هناك.
في ذلك الوقت، أوضح رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، أن المغرب يمكنه الوصول بحرية إلى الجزيرة بموجب اتفاق ثنائي تم توقيعه عام 2002، شريطة أن تظل الجزيرة غير مأهولة.
وفقًا لذلك الاتفاق، تعهدت إسبانيا والمغرب بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل النزاع، مع عدم البقاء على الجزيرة من قبل أي قوة.
عن (الفارو)
كلمات دلالية إسبانيا المغرب جزر سبتة ليلى مليلية