قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن سكان الأحياء التي احتلتها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة يتعرضون لحملات اعتقال جماعية، تشمل الرجال من سن المراهقة إلى الستينيات، حيث يجردون من الملابس ويتعرضون للضرب والترهيب والمعاملة المهينة، حسب بعض من أطلق سراحهم.

وبدأت الصحيفة -في تقرير بقلم كلوتيلد مرافكو من القدس المحتلة- بإخراج جنود الاحتلال سكان بيت لاهيا من منازلهم تحت تهديد السلاح واحدا تلو الآخر، وتجريد الرجال من ملابسهم، ليجد المحامي والباحث في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أيمن لباد (31 عاما) نفسه بملابسه الداخلية راكعا على الرصيف بين جيرانه جميعا.

وقد كشفت عشرات مقاطع الفيديو التي صورها غالبا الجنود أنفسهم -كما تقول الصحيفة- عن الاعتقالات الجماعية في غزة، حيث يحاصر الجنود مجموعة من المنازل، ويهتفون بأسماء العائلات في المنطقة عبر مكبرات الصوت، ويعزل الأطفال جانبا، وفي بعض الأحيان يتم فصل النساء عنهم، وقد يخلع حجاب بعضهن ويتم القبض عليهن.

وبشكل منهجي يجرد الرجال من ملابسهم "للتأكد من أنهم لا يرتدون أحزمة ناسفة، ثم يصرح لهم بارتداء ملابسهم في أسرع وقت ممكن"، كما يزعم جيش الاحتلال، لكن مقاطع الفيديو والشهادات التي جمعتها لوموند تُظهر أن السجناء يبقون نصف عراة لساعات، وقال رئيس مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية المحتلة أجيث سونغاي "إن بعض مقاطع الفيديو مهينة للغاية وهي انتهاك واضح للقانون الدولي".

استهداف متعمد

وبمجرد جمع المعتقلين الفلسطينيين، يتم التعرف عليهم باستخدام نظام التعرف على الوجه -حسب تقرير الصحيفة- ثم ينقلون في معظم الأحيان إلى خارج الحي الذي يعيشون فيه، وأفاد بعضهم بأنهم سمعوا إطلاق نار وأن الأشخاص الذين كانوا معهم لم يعودوا، ويفترض مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني أن العديد منهم قتلوا في عمليات إعدام خارج نطاق القانون، حيث يقول من القاهرة "ليست لدينا مقاطع فيديو ولا شهود مباشرون ولكنه عثر على جثث عارية ومثقوبة بالرصاص".

ومن ناحيتها، أفادت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها "تلقت تقارير مثيرة للقلق تفيد بأن القوات الإسرائيلية قتلت ما لا يقل عن 11 رجلا أعزل أمام أفراد عائلاتهم في حي الرمال بغزة"، وأشار البيان إلى وقائع أخرى عن "استهداف وقتل مدنيين بشكل متعمد على يد القوات الإسرائيلية".

ويقول المصور الصحفي المستقل سعيد كيلاني الذي اعتقل في الغارة الإسرائيلية على مستشفى كمال عدوان، إن أحد الجنود ألقى بطاقته الصحفية على الأرض قبل نقله إلى حقل قريب مع فلسطينيين آخرين، وقد أفرج عنه بعد 24 ساعة دون أن يتم استجوابه، ويقول "ضربني جنديان بطريقة بشعة وهدداني بالقتل".

عقوبات دون سبب

ونقلت الصحيفة شهادة أيمن لباد الذي نقل مع رفاقه في المحنة من شارع إلى آخر، ثم عصب الجنود عينيه وقيدوا يديه، وهو يرجح أنهم نقلوا أولا إلى قاعدة زيكيم العسكرية شمال غزة، ثم نقلوا على متن حافلة في جو بارد مجردين من ملابسهم، و"وضعت في الردهة ويدي خلف ظهري ورأسي للأسفل، ومشى الجنود فوق جسدي، فوق كتفي وفوق رأسي، لقد كنت بساطهم".

وبعد رحلة طويلة، وصل الأسرى إلى معسكر "سدي تيمان"، وهو عبارة عن ثلاث حظائر أقيمت وسط الصحراء بين بئر السبع وغزة في جنوب إسرائيل، وينقل الجيش الرجال إليه، في حين تحتجز النساء في معسكر عناتوت العسكري بالقرب من القدس.

وفي "سدي تيمان"، يقول المحامي الذي أُرسل للعقاب ثلاث مرات دون أن يعرف السبب "من الساعة الخامسة صباحا حتى منتصف الليل عليك أن تبقى على ركبتيك، يجبرونك على الوقوف أمام السياج وذراعاك مرفوعتان لمدة ساعتين أو ثلاث"، وقد "رد أحدهم على الجنود وسمعنا صوت إطلاق نار، لا نعرف ماذا حدث له".

تعذيب بالكهرباء

وقال رجل إنه تعرض "للتعذيب بالكهرباء"، وأضاف "مات اثنان منا بسبب البرد ونقص الرعاية"، وبالفعل اعترف الجيش بوفاة عدد من السجناء في "سدي تيمان" دون أن يحدد عددهم، وأكد أنه تم فتح تحقيق في كل حالة، مع العلم أن جميع السجناء تحدثوا عن نقص الغذاء وصعوبة الوصول للمراحيض والتعرض للضرب، مع أن الجيش ينفي هذه الاتهامات ولكن شهادة جندي احتياطي إسرائيلي مكلف بالأمن تضفي مصداقية على رواية السجناء.

وترفض إسرائيل الحديث عن السجناء، ولكن مصلحة السجون الإسرائيلية أفادت باحتجاز 661 "مقاتلا غير شرعي" حتى الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، وهذا الوضع خارج نطاق القانون الدولي، حيث تحتجز إسرائيل معتقلين لا تعترف بهم كأسرى حرب، ولم تتمكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الاتصال بأي معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وذكر تقرير الصحيفة حالات عديدة لصحفيين أو أطباء اعتقلوا ولم يعرف عنهم ذووهم شيئا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن أيمن لباد أطلق سراحه بعد أسبوع من الاعتقال عند معبر كرم أبو سالم بين غزة وإسرائيل، وسار عدة كيلومترات في العراء ليصل إلى رفح، وهو لا يستطيع الانضمام إلى عائلته التي بقيت في شمال غزة المغلق.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: لحقوق الإنسان

إقرأ أيضاً:

الصحافة..مهنة في محنة

حيدر المكاشفي

تلزمني الأمانة الصحفية أن أشير في البدء الى أن العنوان أعلاه (مهنة في محنة)، هو عنوان كتاب أصدره الدكتور محمود قلندروهو حاليا استاذ جامعي لمادة الاعلام، وكان قبلها قيادي بالجيش السوداني بلغ فيه حتى رتبة اللواء، وشغل في وقت سابق رئاسة تحرير صحيفة القوات المسلحة، وقد وثق الدكتور محمود قلندر الذي غادر الجيش وتخصص في الاعلام ونال فيه درجة الدكتوارة وتفرغ للتدريس الجامعي، وثق في كتابه المار ذكره محنة الصحافة السودانية وما عانته وكابدته منذ الاستعمار، والى فترة نظام الانقاذ البائد..ولست هنا في معرض استعراض ما جاء في الكتاب الذي خلص فيه المؤلف إلى عدة أبعاد مادية لمحنة الصحافة السودانية، واعتمادا على القوانين واللوائح والقرارات الإدارية التي صدرت من السلطات السياسية الحاكمة منذ الإدارة البريطانية وعبر أنظمة ديمقراطية ثلاثة وعسكريتين، وحتى عهد الإنقاذ، تلخصت أشكال الضبط في الترخيص والغرامة والرقابة والإغلاق ومنع التوزيع والمنع من الكتابة وطرد المحررين والحبس والتأميم والاغتيال، اذ أنني معني هنا بالمحنة الحالية والكبد والكبت الذي تعانيه الصحافة السودانية في زمان الحرب العبثية هذا، بما يشكل امتدادا للمحن التي ماتزال تعانيها الصحافة..

وتلزمني الامانة ايضا (رضي من رضي وأبى من أبى ولكنها الحقيقة المؤلمة) ان اشير الى ان الصحافيين السودانيون ليسوا كلهم سواء في الاحترافية والتمسك بأسس المهنة واخلاقياتها، منهم من هم كذلك يؤدون دورهم بكل تجرد ومهنية، وهؤلاء دائما ما يعانون من الخطوط الحمراء التي تضعها السلطات الحاكمة، وغالبا ما تتم جرجرتهم بسبب هذه الخطوط المنتقصة والمنتهكة لحرية الصحافة والأداء المهني الصحيح والاحترافي الى النيابات والحراسات، كما يتم التضييق عليهم لدرجة الايقاف عن العمل والمحاربة في الرزق، ونوع اخر ارتمى في احضان السلطة وتمرغ في نعيمها واصبح بوقا لها يناصرها بالحق وبالباطل، وهؤلاء منهم من هو محسوب على المهنة بحكم تاريخه وممارسته للمهنة ولكنه أعلى مصالحه الخاصة على حساب مهنيته، ومنهم كذلك اصحاب الانتماءات السياسية الصارخة والاجندة الحزبية، وهنالك الادعياء الذين لا علاقة لهم بالمهنة الذين جئ بهم من خلفيات مختلفة أمنية وسياسية وعسكرية لدعم السلطة ووزعت عليهم شهادات القيد الصحفي وبطاقات الانتماء للمهنة..هذه باختصار بعض محن الصحافة من داخل بيتها للأسف الشديد..

أما محنتها من خارجها وتحديدا في ظل هذه الحرب المدمرة قد تضاعفت مرتين، بسبب وجود طرفين يتقاسمان السيطرة على البلاد، فكل طرف يسعى للسيطرة على الصحافة واخضاعها لمشيئته وما يشاءه كل طرف في الجزء الذي يليه، والصحافة في الحالتين هي الضائعة لتضيع معها الحقيقة المجردة التي لا يسمح بها أي طرف (الجيش من جهة والدعم السريع من جهة اخرى)..لتفقد الصحافة بذلك حرفيتها ومهنيتها وتصادم أخلاقياتها وركائزها وثوابتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد تسببت الحرب كذلك في قتل عدد من الصحافيين والصحافيات الذين فقدوا ارواحهم بنيرانها، ورصدت نقابة الصحفيين حتى الان ان 15 صحفياً وصحفية على الأقل لقوا حتفهم بنيران الحرب، اما بالقتل المباشر المتعمد مع سبق الاصرار والترصد، أو نتيجة العمليات العسكرية التي تدور في المناطق المدنية، مقابل أكثر من 500 انتهاك ضد الصحفيين والصحفيات، هذا غير عمليات الاعتقال والتعذيب والتهديد بالقتل والعنف الجنسي والمنع من التغطية المتوازنة..ومازال حبل القتل والانتهاكات على الجرار طالما ان الحرب ما زالت مستمرة..

الوسومحيدر المكاشفي

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تسلّم لبنانيين اعتقلتهم بعد وقف الحرب
  • بلال الدوي: مصر الدولة الوحيدة التي أجبرت إسرائيل على السلام
  • تعرف على الدول التي تضم أطول الرجال والنساء في العالم
  • إسرائيل تنشئ أول وحدة قتالية للمتدينات لمواجهة نقص الجنود
  • بعد التوغل فيها..إسرائيل تعتقل مدنيين في جنوب سوريا
  • صور تظهر ما نجم عن صاروخ الحوثي الذي استهدف إسرائيل وفشلت باعتراضه
  • ليبرمان يدعو للخروج من غزة وضرب منشآت إيران النووية
  • ما قصة نسيم خليبات الفلسطيني الحامل للجنسية الإسرائيلية الذي سلمه المغرب لإسرائيل؟
  • الصحافة..مهنة في محنة
  • إعلام عبري: اليمنيون هم الجهة التي تجد إسرائيل صعوبة في ردعها