اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة: الآية32]، صدق الله العلي العظيم.

مائة يومٍ يزيد عليها أربعة أيام، من الإجرام اليهودي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وارتكب العدو الإسرائيلي خلال هذه الأيام أكثر من مائة يوم، يزيد عليها أربعة أيام، ارتكب أكثر من ألفي مجزرة وجريمة (جريمة إبادة جماعية) في استهدافه للشعب الفلسطيني في غزة، أكثر من ألفين جريمة، جريمة إبادة جماعية، معظم الشهداء فيها من الأطفال والنساء، مع الحصار، ومنع الغذاء والدواء، والتجويع للشعب الفلسطيني، بل ومنع الماء، المحاصرة حتى في الحصول على الماء وبقية الاحتياجات الضرورية والإنسانية.

عدوانٌ ظالم، بكل ما فيه من تدميرٍ شامل، ومن قتلٍ جماعيٍ، ومن استباحةٍ للشعب الفلسطيني، وإجرامٌ واضح لا التباس فيه، كل ما يعتبر بحسب القوانين، بحسب الأعراف، بحسب الشرائع، بكل الاعتبارات لدى البشر في التوصيف للجريمة بأنها جريمة، يمارسها العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وضد أبناء الشعب الفلسطيني، وباعتراف ومشاهدة من مختلف دول العالم، الكل يعترف بأن تلك جرائم، وإن تنكر الأمريكي والبريطاني، في موقفٍ شاذ بين كل الأمم وكل الدول وكل الشعوب والبلدان؛ فلانتمائهما الصهيوني ومشاركتهما في الإجرام، مع أنهما يصلان هما إلى مستوى الاعتراف في كثيرٍ من التصريحات.

كل العالم يعترف، ويشاهد ما يحدث هناك، ليس ما يفعله العدو الإسرائيلي يحصل في ظل جهل وعدم معرفة من الدول، فأثَّر عليها ذلك في مدى اهتمامها بما يجري هناك، ومدى إحساسها بالمسؤولية تجاه مظلومية الشعب الفلسطيني، الكل يعرف، والأمم المتحدة كجهة تعتبر نفسها معنيةً بما يحصل من مشاكل، أو أزمات، أو حروب، أو مظالم، تعرف بما يحدث هناك، فمجلس الأمن يعرف، المنظمات التي لها علاقة أخص، كما هو حال منظمة التعاون الإسلامي، التي معنية بالمسلمين وما يحدث على المسلمين، الكل يعرف بما يحصل على الشعب الفلسطيني ومدى المظلومية، الجامعة العربية التي هي في نطاق أخص على مستوى البلدان العربية، أيضاً الكل يعرف، واكتفى الكل منهم ببيانات فيها توصيفات وإدانات، ولم يتجهوا عملياً بما يرقى إلى مستوى المسؤولية من جهة، وإلى مستوى المظلومية الرهيبة للشعب الفلسطيني من جهة أخرى.

كل الجهات التي تُقَدِّم نفسها ذات دور معين، أو مسؤولية معينة، تتفرج إلى حدٍ كبير، فبالرغم من المسؤولية الإنسانية، والأخلاقية، والقانونية على تلك الجهات، هي تعترف على نفسها، وتُقَدِّم نفسها ذات دور وذات مسؤولية وأنها معنية بأن يكون لها موقف أمام أحداث دون مستوى ما يحصل في فلسطين بكثير.

هناك أيضاً تقصير من معظم الدول الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها، بالرغم أيضاً من المسؤولية الإيمانية، والدينية، والأخلاقية، والإنسانية من جهة، وبالرغم من مصلحة كل الأمة في أن تقف مع الشعب الفلسطيني في مواجهة عدوٍ مشترك، هو عدوٌ للمسلمين جميعاً يعاديهم، ويستهدفهم، ويتآمر عليهم في دينهم وفي دنياهم، ويستهدفهم بكل أشكال الاستهداف، وبالرغم من الخطورة الكبيرة على أمتنا في التخاذل، تجاه ما يفعله العدو الصهيوني اليهودي الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني المسلم العزيز، فعندما تعتمد الدول الإسلامية في البلدان العربية وغيرها استراتيجية التخاذل والتفرج تجاه الشعب الفلسطيني؛ سيكون هذا هو الحال مع أي بلد مسلم آخر، سواءً من البلدان العربية أو غيرها، سيتفرجون عليه، فيما يحدث عليه تماماً.

وما وراء استمرار العدو الصهيوني اليهودي في ممارساته الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، ومواصلته لعدوانه على غزة، بالرغم من فشله في تحقيق أهدافه المعلنة، سواءً فيما يتعلق بالأسرى الذين ظفر بهم المجاهدون الفلسطينيين، أو فيما يتعلق بأهداف أخرى: القضاء على المجاهدين في فلسطين، كل تلك الأهداف التي هي أهداف باطلة ومشؤومة سقطت وفشلت، ولم يحققها، ولم يتمكن من تحقيقها، لكنه مستمر بالإجرام بشكلٍ بشعٍ جداً، المحصلة اليومية عادةً ما تكون فوق مائة شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء، أحياناً يصلون إلى عدة مئات، إلى ثلاثمائة،      إلى أربعمائة، إلى... وفي أقل الأحوال فوق المائة شهيد معظمهم من الأطفال والنساء محصلة أربعة وعشرين ساعة، كل أربعة وعشرين ساعة، عدى الجرحى الذين هم بالآلاف إلى اليوم، الشهداء بالآلاف، والجرحى بعشرات الآلاف، كذلك حالات التهجير والنزوح التي هي بمئات الآلاف، فاستمرار العدو الصهيوني في جرائمه الشنيعة البشعة، أمام مرأة ومسمع من كل العالم، الكل يعرف أن وراء ذلك، وراء تلك الجرأة لمواصلة ذلك الحقد والإجرام: المشاركة الأمريكية، والدور الأمريكي، والإسهام الأمريكي المباشر.

الأمريكي متورطٌ مع الإسرائيل في كل جرائمه، وقدَّم كل أشكال الدعم، قَدَّم الصواريخ التي يقتل بها أطفال فلسطين، ونساء فلسطين، والقنابل، وقذائف الدبابات، ومختلف أنواع الدعم العسكري، وحضر من العسكريين الأمريكيين من يشارك في الجرائم، في إدارة العمليات الإجرامية التي تستهدف الشعب الفلسطيني، في وضع الخطط لتدمير غزة وقتل الفلسطينيين، وكذلك على مستوى الطائرات الأمريكية التي ترصد وتقدِّم المعلومات، ويبنى على معلوماتها في الاستهداف للشعب الفلسطيني، أضف إلى ذلك تقديم الأمريكي للمال بشكلٍ مستمر، وتقديمه أيضاً للدعم السياسي الواسع، بما في ذلك في مجلس الأمن، واستخدام الفيتو ضد أي قرار لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، والاعتراض العلني الواضح والمفضوح ضد وقف الحرب على الشعب الفلسطيني، إذا حصل دعوات من دول هنا أو هناك يبادر الأمريكي بالاعتراض، ويصر على استمرار العدوان، واستمرار الإجرام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وَيُقَدِّم الدعم الإعلامي، وَيُقَدِّم من وراء ذلك شكلاً آخر من أشكال الدعم والمساندة والمشاركة للعدو الإسرائيلي، في مواصلة جرائمه البشعة، التي لا مثيل لها في كل العالم، ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، هذا الشكل هو منع الدول الأخرى من تقديم أي مساندة فعلية للشعب الفلسطيني، واستهداف من يقف مثلما هو الحال مع شعبنا العزيز ومع محور المقاومة.

الأمريكي وقف منذ اليوم الأول، في العدوان الأخير والتصعيد الجديد على قطاع غزة، وقف هذا الموقف، يسعى إلى تهديد العالم الإسلامي في البلدان العربية وغيرها من تقديم أي مساندة للشعب الفلسطيني، على مستوى المساعدات الإنسانية؛ ولذلك أين هو السخاء العربي في تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني، بما يحتاج إليه الشعب الفلسطيني؟ ولماذا لم تتجه البلدان العربية وغيرها من البلدان المسلمة لكسر الحصار، وإيصال المواد الغذائية والأدوية إلى الشعب الفلسطيني في غزة؟ لأن هناك منع أمريكي، والبقية استجابوا له، الكثير استجابوا له، وكذلك التهديد من أي مساندة أخرى؛ ليبقى الموقف العام لمعظم الدول العربية، ومعظم الدول الإسلامية بشكلٍ عام، في مستوى تعاطف إعلامي، بيانات، إدانات، تصريحات في بعض الأوقات، وبطريقة فيها فتور وضعف واضح، وتفاعل محدود، بل البعض يتجه على المستوى الإعلامي بتفاعل سلبي ضد الشعب الفلسطيني لمصلحة العدو الصهيوني، كما هو حال بعض وسائل الإعلام العربية للأسف الشديد.

فالأمريكي اتجه مع العدو الإسرائيلي، في المشاركة في كل ما يفعله بالشعب الفلسطيني، ومع ذلك اتجه من وراء ما يقدمه بشكل مباشر لاستهداف الشعب الفلسطيني، لمنع أي مساندة للشعب الفلسطيني، واستهداف من يساند الشعب الفلسطيني، أو يقف معه بشكلٍ عملي، وهذا أمر واضح من جانب الأمريكي.

سعى أيضاً إلى حشد الدعم من دول متعددة للعدو الصهيوني، دفع بالدول الأوروبية، التي تخنع له، وتخضع له، وتطيعه، وتأتمر بأمره، لتقدم أشكال الدعم للعدو الصهيوني، كما هو حال ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بعض البلدان الأوروبية؛ أمَّا البريطاني فهو ذلك التابع، الخاضع، الذليل، وهو أيضاً من أذرعة الصهيونية، هو ذراعٌ صهيونيٌ قديمٌ من قبل أمريكا بنفسها في خدمة اللوبي الصهيوني في العالم، وسعى أيضاً إلى محاصرة الشعب الفلسطيني، والتحريض ضده، والتوصيف له بالإرهاب، يجتمع الاتحاد الأوروبي ليوصِّف الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأبطال وقياداته المجاهدة بالإرهاب.

كل هذه الوقفة مع العدو الصهيوني، بالرغم مما يمتلكه من إمكاناته، في مواجهة الشعب الفلسطيني، بالرغم من ظروفه الصعبة، يعني: أمريكا بكل إمكاناتها الهائلة والمتطورة، وبكل نفوذها الدولي، وبريطانيا بحجم ما تمتلكه كذلك من إمكانات ونفوذ، وتقف معها أبرز الدول الأوروبية، من مثل: ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، كُبريات الدول الأوروبية، يقفون بكل ثقلهم، بكل إمكاناتهم، لتقديم الدعم العسكري، وتقديم الدعم السياسي، وتقديم الدعم المالي، وتقديم كل أشكال الدعم للعدو الصهيوني الإسرائيلي، الذي يمتلك هو إمكانيات هائلة على المستوى العسكري، وصولاً إلى القدرات النووية، والأسلحة النووية، وَيُصَنِّع الدبابات، والطائرات، ومختلف أنواع العتاد الحربي، ويمتلك مختلف أنواع السلاح، ومن أضخم أنواع السلاح تطوراً، ويمتلك المصانع العسكرية، ولديه جيش كبير، عِدَادُهُ مئات الآلاف من المقاتلين، ومن قوة الاحتياط، ولديه وضع عسكري شامل، هو كيانٌ بنا كل وضعه وواقعه ككيان عسكري، ثم أيضاً يمتلك الإمكانات الاقتصادية الضخمة، واليهود عادةً يمتلكون كبريات الشركات العابرة للقارات، والإمكانات المالية الهائلة والضخمة، والإمكانات الاقتصادية الكبيرة، يقفون معه بما يملكه من إمكانات، في العدوان على الشعب الفلسطيني الذي لا يمتلك السلاح، ولا يتوفر سوى السلاح البسيط بكميات محدودة جداً لمجاهديه الأبطال، وبعض من الأسلحة المتوسطة، والصواريخ كذلك بمستويات في مديات محدودة، وإمكانات محدودة، الشعب الفلسطيني الذي هو معذب، ومضطهد، ومظلوم، ومحتلةٌ أرضه، وإمكاناته على المستوى الاقتصادي في نقطة الصفر، ليس لديه إمكانات اقتصادية، شعب احتل الأعداء أرضه، ونهبوا ثرواته، وسيطروا على مقدراته، فالأمريكي، والبريطاني، والألماني، والفرنسي، والإيطالي، كلهم يقفون بكل إمكاناتهم الهائلة مع الإسرائيلي، بما يمتلكه من إمكانات هائلة وضخمة عسكرية واقتصادية، ليقتل الشعب الفلسطيني المظلوم، المحتلة أرضه، الأعزل من السلاح، الذي لا يمتلك إمكانات ولا قدرات اقتصادية، وليعذبوه، وليدمروا مساكن الشعب الفلسطيني، ليدمروا ما يمتلكه من إمكانات بسيطة، ليدمروا المنازل التي يسكن فيها الفلسطينيون، ويقتلوا الفلسطينيين فيها، ليدمروا ويستهدفوا الشعب الفلسطيني، وفلسطين أرضاً وإنساناً، هذا الذي يحصل.

لماذا هذه العدوانية، هذا الإجرام، هذا التوحش؟ لماذا هذه الجدية الكبيرة لأن يتحركوا مع العدو الإسرائيلي بكل إمكاناتهم، ليشاركوه في إجرامه المفضوح والبشع، والذي يستنكره كل دول العالم، تستنكره كل الشعوب في العالم، لماذا يفعلون كل ذلك؟ لماذا هذا الاهتمام الكبير؟ وينطلقون بهذه الجدية والاهتمام الكبير؟

بايد يتجه، وهو طاعٌ في السن، ووصل إلى مستوى في كبره وشيخوخته وضعفه وهرمه في حالة متأثرة، حالة سلبية على مستوى واقعه الصحي، قدرته الذهنية، قدرته البدنية، يصعب عليه حتى الصعود في سلم الطائرة، أو النزول من سلم الطائرة، بادر ما بعد السابع من أكتوبر إلى فلسطين المحتلة؛ ليُعَبِّر بشكلٍ مباشر وشخصي عن مناصرته للعدو الصهيوني، وعن وقوفه معه، لم يعذر نفسه بأنه قد صار طاعناً في السن، وأنه يعاني في وضعه الصحي على المستوى الذهني والنفسي والبدني، رأى أن عليه أن يذهب- بالرغم من كل ذلك- أن يذهب إلى فلسطين من أقصى الأرض، أن يأتي من البعيد، من بعد أكثر من تسعة آلاف كيلو متر، ليصل إلى فلسطين المحتلة، وليقف مع الصهاينة اليهود، وليقول عن نفسه بأنه صهيوني، وأنه سيقف بكل ما يستطيع مع الصهاينة اليهود ضد الشعب الفلسطيني، وفي التنكيل بالشعب الفلسطيني، والاضطهاد للشعب الفلسطيني، والقتل للشعب الفلسطيني.

وهكذا يقف الأمريكيون والبريطانيون، بهذه الجدية والاهتمام والاستمرارية، والإيثار للموقف مع الصهاينة اليهود حتى على حساب المصالح الحقيقية لشعبهم وبلدهم، لماذا هذا الاهتمام؟ من غير الغريب على أمريكا هذا التوجه، وعلى بريطانيا هذا التوجه.

الأمريكيون لديهم تاريخهم الإجرامي، الأسود، تجاه مختلف الشعوب، ليس فقط في العالم الإسلامي، بل وفي البلدان الأخرى، ومعروفٌ ما فعلوا حتى في أمريكا نفسها، وهم الذين أبادوا عشرات الملايين من السكان الأصليين في أمريكا، ممن كان يطلق عليهم (الهنود الحمر)، وما فعلوه بفيتنام، ما فعلوه في اليابان، ما فعلوه في بلدان كثيرة من العالم، معروفٌ عن الأمريكيين الإفلاس الأخلاقي، توجهاتهم السياسية لا ترتبط أي ارتباط بالجانب الأخلاقي، ولا تُعيره أي أهمية، ولا تعطيه أي قيمة، ويشطبونه بشكلٍ نهائي، لكن الدافع الأكبر والأهم من كل ذلك هو: التزامهم الصهيوني.

الكثير من القادة في أمريكا وفي المؤسسات الأمريكية الرسمية هم: إمَّا صهاينة، لديهم التزامات بفعل انتمائهم الصهيوني، وبسبب انتمائهم للصهيونية، وارتباطهم باللوبي اليهودي الصهيوني؛ أو البعض منهم خاضعون رغبةً أو رهبة. يعني: إن لم يكن صهيونياً، أصبح لديه الارتباط العقائدي بالصهيونية، الارتباط الفكري بالصهيونية، يؤمن باليهود أنهم شعب الله المختار، وأنه واجبٌ على كل الغرب أن يقف معهم وأن يؤيدهم، وأنه واجبٌ إبادة المسلمين جميعاً والقضاء عليهم، وتمكين اليهود لحكم العالم، وغير ذلك من الأفكار والعقائد الصهيونية، البعض إن لم يكن لديه هذا الانتماء، وهذا الارتباط، وهذه الصلة بالصهيونية والانتماء الصهيوني؛ فلديه خضوع:

إمَّا بفعل الرغبة: يطمع في مالهم، في علامهم، في نفوذهم، المبني على سيطرتهم على الرأي العام، على وسائل الإعلام، على المؤسسات المالية، قدراتهم المادية الضخمة.

أو رهبة: البعض قد يعرِّض نفسه لأن يحرق مستقبله السياسي في أمريكا؛ لأنهم سيحرقونه بفعل نفوذهم المالي، وتأثيرهم على الرأي العام هناك.

(بايدن) قال عن نفسه بأنه: [صهيوني]، يعني: هو من النوع الذي له صلة الانتماء بالصهيونية، (وبلينكين) قال عن نفسه بأنه أتى إلى فلسطين المحتلة ليعبِّر عن موقفه في وقفته مع اليهود الصهاينة في فلسطين ضد الشعب الفلسطيني، بصفة أنَّه يهودي قبل أن يكون مسؤولاً أمريكياً، وهو بالتأكيد صهيوني أيضاً، وهذا هو حال الكثير من القادة في المؤسسات الأمريكية الرسمية، لديهم انتماء صهيوني، وهم ينظرون إلى اليهود وفق الرؤية الصهيونية، ولديهم توجهات عملية لخدمة اللوبي الصهيوني اليهودي في العالم، ويعتبرون ذلك التزامات عليهم أن ينفِّذوها، وفي سبيل ذلك هم مستعدون أن يفعلوا كل ما يريده اللوبي الصهيوني اليهودي منهم، ولو كان جرائم واضحة، سياسات خاطئة مفضوحة، ولو كان على حساب مصالح بلدهم أو شعبهم، لا يهم، هم يعتبرون الالتزامات الصهيونية فوق كل شيء، وأنها واجبة التنفيذ، وأنَّ عليهم أن يبادروا لتنفيذها مهما كانت النتائج، فهم ينطلقون من هذا المنطلق، فهذا هو حال الكثير أيضاً في الحزبين: الديمقراطي والجمهوري في أمريكا؛ ولذلك يتنافسون حتى في الانتخابات، ويكون من أهم ما يتنافسون فيه: من يقدِّم الدعم أكثر لإسرائيل؛ لأنهم يتوددون إلى اللوبي اليهودي الصهيوني بمستوى نفوذه في أمريكا، له هذا النفوذ، وهذا التأثير.

ثم هم أيضاً يتَّجهون بناءً على ذلك، ويشطبون كل الاعتبارات، أمام التزاماتهم الصهيونية لتنفيذ ما يريده اللوبي الصهيوني اليهودي منهم ليس هناك اعتبار للأخلاق، ولا للقيم، ولا للقوانين، ولا للالتزامات الدولية والمنظمات الدولية، لم يعد هناك من أهمية لا لأمم متحدة، ولا لمجلس أمن... ولا لأي شيء، هم يرون أنَّ تلك الالتزامات لصالح الصهيونية اليهود فوق كل اعتبارهم، يشطبون كل الاعتبارات: القانونية، الأخلاقية، الأعراف، العناوين الإنسانية التي عادةً ما يوظِّفونها في اتجاهات أخرى في غير سياقاتها، لا يبقى هناك حقوق للإنسان، إذا كانت المسألة مسألة لمصلحة الصهاينة اليهود، لا يبقى هناك حقوق للطفل، لا يبقى هناك حقوق للمرأة، قائمة الحقوق تشطب بشكلٍ كامل، ويُبدُون وجههم الحقيقي، يُبدُون حقيقتهم لكل الشعوب، ولكل بلدان العالم، طغيان واضح، إجرام واضح، تعنت وصلف، وتجاوز لكل الحقوق والاعتبارات بشكل مكشوف وواضح، وهذا ما يحصل بالضبط في هذه الأيام بكلها، لأكثر من مائة يوم في فلسطين، الأمريكي يشارك في الجرائم اليومية البشعة، جرائم الإبادة الجماعية، ويقدِّم المساندة الواضحة المكشوفة لاستمرارها، يشارك فيها، ويرعاها، ويحميها؛ لتستمر، وَمُصِرّ على ذلك، ولا يبالي حتى بأن ذلك سيشوهه.

طغيانهم، عدوانهم، إجرامهم، ظلمهم، جورهم وحيفهم، وهم يقتلون الآلاف من الأطفال والنساء في فلسطين في غزة، يهدمون المنازل، يحتلون الأرض، كل هذا يفعلونه بكل جرأة؛ من أجل الصهيونية اليهودية، وهم يعتبرون أن ذلك ما ينبغي عليهم أن يفعلوه؛ لكي يكونوا أوفياء ومطيعين، ويفوا بالتزاماتهم للصهيونية.

في المقابل علينا أن نتساءل نحن، نحن المسلمون في كل العالم الإسلامي علينا أن نتساءل: كيف ينبغي أن نتعامل نحن كأمةٍ مستهدفة؟ أولئك يفعلون ما يفعلون وهم في مقام الظلم، الطغيان، العدوان، الإجرام، ليسوا في مقام دفاع عن النفس، ولا في مقام دفاع عن حقوق، ولا أي شيء، يأتون من أقصى الأرض، من البعيد إلى عالمنا الإسلامي، المسافة دولة هناك تبعد عن فلسطين بأكثر من تسعة آلاف كيلو متر، البعض عشرة آلاف، البعض ستة آلاف، ثلاثة آلاف، وهكذا مسافات بعيدة جداً، ويأتون الى بلداننا، كيف ينبغي أن نتعامل نحن كأمة مستهدفة وشعوب مظلومة؟ وماهي التزاماتنا نحن تجاه قضايانا العادلة، تجاه موقفنا الحق؟

 

الشعب الفلسطيني المظلوم، الذي قامت بريطانيا أثناء احتلالها لبلده باستقدام الصهاينة اليهود، وتمكينهم من احتلال فلسطين؛ حتى لا يذهب البريطاني إلا وقد ضَمِن للصهاينة اليهود تمكينهم من احتلال فلسطين، وبناءهم كقوة تتمكن من تنفيذ هذا المطلب لهم، وتحقيق هذا الهدف من أهدافهم، هم منذ ذلك اليوم والشعب الفلسطيني يعاني، شعب احتُلَّت عليه أرضه، صُودِرت عليه ثرواته، هُدِّمَت منازله، الممارسات الإجرامية التي يعاني منها كل يوم، منذ ذلك الزمن وإلى اليوم، على مدى عقود طويلة من الزمن، قُرابة الثمانين عاماً، نحن على مقربة من ثمانين عاماً وهو يعاني هذه المعاناة، معاناة يومية، هدم للمنازل، كم احتل الصهاينة اليهود عليه من أرضه ومن وطنه، ولا يزالون في كل يوم يمارسون تلك الجرائم بحقه، قتل يومي، في كل يوم وهم يقتلون؛ إنما تتراوح المسألة، في مراحل معينة يكون هناك تصعيد شامل، مثل ما يحصل الآن في غزة، وأحياناً في مستويات أدنى وأقل، استهداف للمزارع، وقلع لأشجار الزيتون، واستيلاء بشكل مستمر على المزارع، على الأراضي، على البيوت، في أنحاء متفرقة من فلسطين، أماكن كثيرة سيطر اليهود عليها واغتصبوها بالكامل، وأماكن لا يزالون يهجِّرون من بقي فيها من الأهالي والسكان، وحصل هذا أيضاً في حدود فلسطين مع الأردن في هذه المرحلة.

الجرائم اليومية التي يرتكبها العدو الصهيوني في الضفة الغربية، إضافةً إلى ما يعمله في غزة، اقتحامات يومية، اعتداءات على الفلسطينيين في منازلهم، الاختطافات اليومية لهم إلى السجون... وهكذا، كل أشكال الظلم يمارسه اليهود بحقهم، مع هذا في نظر الأمريكيين والأوروبيين: هذا الشعب الفلسطيني الذي يعاني من هذا الظلم على مدى عقود من الزمن، ليس له الحق في أن يدافع عن نفسه، عن عرضه، ليس للفلسطيني الحق أن يدافع عن نفسه، عن أسرته، عن منزله، عن وطنه، عن مقدَّساته التي تهدد وتنتهك، وتنتهك حرمتها وقدسيتها من قبل اليهود الصهاينة، وإذا قام بأي عملية يُدَان، ويُسْتَنكر عليه.

الشعب الفلسطيني بما يعانيه من الطبيعي أن يتحرك، من الطبيعي أن يواجه ذلك الظلم الذي يعاني منه، من الطبيعي أن يتحرك ضد أعدائه اليهود الصهاينة، وهم يحتلون أرضه، ينتهبون ثرواته، يمارسون بحقه كل أشكال الظلم والإجرام.

ولهذا يتحرَّك المجاهدون في فلسطين، ومن ورائهم الشعب الفلسطيني، الذي يقف معهم، وهم يؤدُّون هذا الواجب المقدَّس في التصدي لظلم اليهود الصهاينة، في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة الواضحة، وقضيته العادلة الواضحة تماماً، في موقفهم الحق ينطلقون ليجاهدوا في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأداء هذا الواجب المقدَّس، وعلى مدى كل هذه الأيام، أكثر من مائة يوم، والمجاهدون في غزة يقفون بكل استبسال، بكل تفانٍ، بدافعٍ إيمانيٍ عظيم، ويصمدون في مواجهة الآلة الإسرائيلية المدمِّرة والفتَّاكة والقاتلة، يستبسلون وهم متوكلون على الله، معتمدون على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ولا همَّ للغرب إلَّا أن يصنِّفهم بالإرهاب، وأن يستكثر عليهم أن يواجهوا العدو الصهيوني، وأن يتصدوا لعدوانه، بالرغم من كل ما يفعله.

الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأبطال بصبرهم، وصمودهم، وثباتهم، لهم الحق، وعليهم التزامات تجاه أنفسهم، تجاه أطفالهم، تجاه نسائهم، تجاه حقوقهم المشروعة، لديهم حقوق مشروعة، وقضية عادلة، ولديهم التزامات إنسانية، إيمانية، أخلاقية، التزامات بكل الاعتبارات، وحق مشروع بكل الاعتبارات: إنسانياً، قانونياً... بكل الاعتبارات، لهم الحق أن يدافعوا عن أنفسهم، أن يواجهوا العدو الذي يقتلهم، يدمِّر منازلهم، يحتل أرضهم، ينهب ثرواتهم، يبيد أطفالهم ونساءهم، ولكن الأمريكي يستنكر عليهم ذلك.

الأمريكي يرى أنَّه بناءً على التزامه الصهيوني؛ لأنه ينتمي للصهيونية، أنَّ له أن يقف مع الإسرائيلي، ليقتل الأطفال، ليقتل النساء، ليهدم البيوت، ليتفنن في ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ليرسل الكلاب لنهش أجساد الجرحى حتى الشهادة، لاستهداف المستشفيات والمدارس، لتدمير المساجد وتدنيسها، وإحراق المصاحف، يرى أنَّ عليه أن يفعل ذلك؛ لأنه صهيوني، وألَّا يعترض عليه أحد، ولا يستنكر عليه أحد ما يفعله؛ ولكنه يستنكر على الفلسطيني، ويستكثر عليه تحركه الجهادي في قضيته العادلة، في موقفه الحق، في مظلوميته الواضحة ووضوح الشمس.

لاحظوا، عندما نقارن بين ما يرى الأمريكي أنَّه يمتلكه، وأنَّ عليه فعله، وأنَّه ضمن التزاماته لسبب واحد، هو: انتماؤه الصهيوني، وبين ما علينا كشعوب مظلومة ومستهدفة، في إطار حقوقنا المشروعة، وقضايانا العادلة، ومظلوميتنا الواضحة، ومواقفنا التي هي حقٌ واضح، مقارنة عجيبة.

الحق الإنساني، القانوني، الشرعي، الالتزام الإيماني والديني، هو للشعب الفلسطيني في جهاده، في مواجهته للعدو الصهيوني، في تصديه لطغيانه وظلمه، الذي يريده الأمريكي ويريده البريطاني من الشعب الفلسطيني: أن يبقى مكتوف الأيدي مستسلماً وخانعاً ومستباحاً، وألَّا يصدر منه أي ردة فعل تجاه العدو اليهودي الصهيوني عندما يقتل أطفاله ونساءه، ليسكت، ليستسلم، ليتجمَّد من دون أي ردة فعل، عندما تهدم منازله، عندما تحتل أرضه، ويحتل وطنه، عندما تستهدف مقدساته، أن يسكت، وأن يستسلم، لماذا؟! لأن أولئك صهاينة يهود، وهذا ما يفترضه أيضاً الأمريكي من كل العالم الإسلامي، من أي بلد له مشكلة مع العدو الصهيوني، بكل وقاحة قام (ترامب) آنذاك ليعلن عن إهدائه للعدو الصهيوني الجولان السوري، هكذا هي النظرة المستكبرة، نظرة الطغيان، والاستكبار، والإجرام، والعتو لدى الأمريكي، ولدى الصهاينة.

عندما نأتي إلى موقف الأحرار من أمتنا في محور المقاومة، إلى حزب الله في لبنان، وجبهته الساخنة، التي يقدِّم فيها كل يوم شهداء، وضرباته اليومية ضد العدو الصهيوني، عندما نأتي إلى أحرار أمتنا ومجاهديه من أبناء الشعب العراقي... وهكذا بقية الأحرار من أبناء الأمة، عندما يتحركون ضد الطغيان الأمريكي والإسرائيلي، والإجرام الصهيوني اليهودي، فهم يتحركون وهم يستندون إلى الحق الواضح، إلى المظلومية الواضحة، إلى الالتزامات الإيمانية والأخلاقية، هناك كل المشروعية، وكل الاعتبارات التي تبرر لنا كأمة إسلامية في البلدان العربية وغيرها، أن نتحرك لمساندة الشعب الفلسطيني، علينا التزام إنساني، علينا التزام أخلاقي، علينا التزام إيماني وديني.

إذا كان الأمريكي يعتبر أنَّ عليه أن يأتي من بُعْد أكثر من تسعة آلاف كيلو، من آخر الدنيا، إلى منطقتنا، إلى بلداننا، إلى مياهنا وبحارنا، ليساند العدو اليهودي الصهيوني، المحتل، المعتدي، الظالم، المجرم، الذي يقتل الأطفال والنساء، ويعتدي، وهو في موقف العدوان، والبغي، والظلم، والإجرام، فكيف لا يحق لنا في إطار التزامات الإيمانية والإنسانية والأخلاقية أن نقف مع الشعب الفلسطيني المظلوم، المعتدى عليه، الذي يقتل أبناؤه، ويقتل أطفاله ونساؤه، وتدمَّر منازلهم، الشعب الذي يجوَّع ويضطهد ويظلم، وهو جزءٌ منا، ينتمي إلينا كأمةٍ مسلمة، وهو جزءٌ من العرب أيضاً بالنسبة للبلدان العربية للأمة العربية، هو جزءٌ منهم في انتمائه، في نسبه، في دينه، في لغته، في انتمائه القومي... بكل الاعتبارات؟! كيف لا نقف لمساندة الشعب الفلسطيني من أجل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وعلينا التزامات بحكم انتمائنا الإيماني، التزامات لله؟!

(بايدن وبلينكين) الأمريكيون والبريطانيون الذين ينتمون للصهيونية، يعتبرون أنَّ عليهم التزامات لبعض الحاخامات اليهود، ولزعماء الصهيونية في اللوبي اليهودي الصهيوني، لمن هم مجرمون، لمن لديهم توجه وفكر إجرامي عدواني، يحتقر البشرية، يعتبر غيرهم ليسوا ببشر حقيقيين، لديه أطماع في كل العالم، في كل ثروة العالم، لديه توجه عدواني نحو كل العالم، زعماء للوبي اليهودي الصهيوني هم حفنة من المجرمين، من أشر خلق الله، من أسوأ البشر، هم أسوأ البشر إجراماً، لديهم فكر إجرامي، نزعة عدوانية شيطانية، بل من المعروف عنهم أنهم يعبدون الشيطان، وأنهم يؤلِّهون الشيطان، وأنَّ لديهم فكر شيطاني، يؤلِّه الشيطان؛ ولذلك ممارساتهم إجرامية، سياساتهم عدوانية إجرامية.

والقادة الأمريكيون والصهاينة في أمريكا، بناءً على احترامهم لأولئك من زعماء اللوبي الصهيوني، من أولئك المجرمون، أولئك السيئون، الأشرار الطغاة، الطامعون، الظالمون، المفسدون، الذين هم شر وخطر على كل البشرية، من أجلهم، واسترضاءً لهم، وطاعةً لهم، يقف الأمريكي هذه الوقفة مع الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وضد أمتنا بشكلٍ عام، فكيف لا نتوجه نحن بناءً على التزامنا الإيماني المشرِّف، الذي هو حق أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، التزاماتنا لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ربنا العظيم "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، الذي يشرِّفنا أن نطيعه، ربنا "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" الذي يريد لنا الخير، ويأمرنا بالحق والخير، أن نتحرك في إطار التزامنا الإيماني من أجل الله، في موقف حق، ليس فيه باطل، أولئك يفعلون الباطل، يقفون في صف الباطل؛ من أجل زعماء اللوبي اليهودي الصهيوني، وأن نتحرك في القضايا العادلة، أولئك يتحركون في جبهة الظلم، وهم يظلمون الناس، ويظلمون أمتنا، ويظلمون الشعب الفلسطيني بأبشع أنواع الظلم؟!

 

كيف لا نتحرك في إطار القيم والأخلاق؛ بينما أولئك يتحركون في إطار الشر والإجرام والطغيان، وكل المساوئ، وكل المخازي، وكل العيوب، يتحركون بطريقة وحشية، إجرامية، مفلسة من كل الأخلاق والقيم؟!

كيف لا نتحرك في إطار مصلحة أمتنا الحقيقية؛ لدفع أولئك الأشرار، الذين هم شر على أمتنا، يستهدفون أمتنا في دينها ودنياها، ليسوا خطراً فقط على الشعب الفلسطيني، الشعب الفلسطيني هو الآن يقاتل- وهو في الخندق الأول- لقضيته العادلة، ولكنه يقف في وجه عدو الأمة بكلها؟!

كيف لا نتحرك بالاستناد إلى الالتزامات الإيمانية، في كل العناوين التي هي عناوين مشرِّفة: الخير في مقابل الشر، الجهاد في سبيل الله تعالى، في مواجهة أولئك الكافرين، الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت، في سبيل الاستكبار، في سبيل الظلم والعدوان؟!

كيف لا نتحرك لنصرة المظلوم في مواجهة أولئك الظالمين، الذين يقفون مع الظالم؟! كيف لا نتصدى للظالم، للطغيان، للعدوان؟! علينا التزامات إيمانية، التزامات أخلاقية.

إذا كان الأمريكي والبريطاني يرون أنَّ عليهم أن يقفوا بكل ما يقفون فيه: يقاتلون، يدفعون المال، يذهبون من أقصى الأرض ليتحركوا إلى بلادنا، إلى منطقتنا، في موقفهم الإجرامي، الظالم، المعتدي، المحتل...إلخ. كيف لا نتحرك نحن بجدية في إطار التزاماتنا الإنسانية الأخلاقية، حقوقنا المشروعة لشعوب أمتنا، وللشعب الفلسطيني، الذي هو جزءٌ منا؟!

المسؤولية الإيمانية في انتمائنا للإسلام، للإيمان، في إيماننا بالله، ورسله، وأنبيائه، وكتبه، ومنهجه الحق، وتعليماته المباركة، كيف لا نتحرك بناءً على تلك التعليمات المقدَّسة، المباركة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في مقابل أنَّ أولئك يتحركون بناءً على تعليمات سيئة، باطلة، من رموزهم وقادتهم في اللوبي الصهيوني اليهودي؟! نحن علينا التزامات أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، التزامات بحكم انتمائنا الإيماني، أن نجاهد في سبيل الله، جهادنا في سبيل الله إذا لم يكن وقوفاً أمام ذلك الإجرام الصهيوني اليهودي الوحشي البشع جداً، الذي يستبيح كل شيء، يقتل النساء والأطفال بالآلاف، يستبيح حياة البشر، ويحتل الأوطان، وينتهب الثروات، ويظلم الناس بكل أشكال الظلم، يستهدف المقدَّسات برغم صلتها بأنبياء الله، يستهدف القدس، يستهدف المسجد الأقصى، مسرى النبي "صَلَواتُ اللهِ وَسَلَامُه عَلَـيْهِ وَعَلى آلِه"، إذا كان اليهودي يتحرك وله- بحسب تصوره- والصهاينة كذلك، والأمريكيون يتحركون، كيف لا نتحرك في إطار الجهاد في سبيل الله للوقوف بوجه كل ذلك؟! وإلَّا فمتى سيكون الجهاد؟! إذا لم يكن وقوفاً ضد الطغيان الإسرائيلي اليهودي، والأمريكي الصهيوني، والبريطاني الصهيوني، متى سيكون الجهاد؟! ضد من ستجاهد أمتنا؟! في مواجهة أي طغيان، أي إجرام، أي منكر، أي كفر، أي استكبار ستقف أمتنا، إن لم تقف الآن في مقابل ذلك الطغيان، والكفر، والإجرام الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني؟!

نحن بكل الاعتبارات، في انتمائنا للإيمان، في الخير لنا في الدنيا، لنكون أمةً قويةً عزيزة، تتصدى لأعدائها، الذين يستهدفونها، وباعتبار الخير في الآخرة؛ لندخل الجنة، لنفوز برضوان الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، لنسلم من عذاب الله، لابدَّ أن نجاهد، لابدَّ أن يكون لنا موقف.

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قال في القرآن الكريم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: الآية142]، هو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" من خاطبنا في القرآن الكريم: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة: الآية41]، خيرٌ لنا في الدنيا لنكون أمةً عزيزةً حرةً مستقلةً، تدفع عن نفسها الضيم، والظلم، والهوان، تتصدى لأعدائها المجرمين الأشرار، الذين يتَّجهون بكل طغيان واستكبار لسحق أمتنا، واحتلال أوطانها، ومصادرة ثرواتها، واستعباد شعوبها.

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" جعل من مسؤولياتنا الأساسية أن نجاهد في سبيله، بل جعل ذلك اختباراً لمدى مصداقيتنا في انتمائنا الإيماني، وهو القائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد: الآية31].

نحن من هذا المنطلق ننطلق في موقفنا في مناصرة الشعب الفلسطيني، الذي يقتله الصهاينة اليهود بجرائم إبادة جماعية، ويحتلون أرضه، ويدمِّرون مدنه، ويستهدفون مقدَّسات الأمة فيه، وعلى رأسها المسجد الأقصى، هذا التزام إيماني، وعلينا أن نكون ضمن التزامنا الإيماني هذا أكثر جديةً واهتماماً تجاه تحرك الأمريكي من منطلق التزامه الصهيوني.

الأمة اليوم بين التزامين: التزام الأمريكي الصهيوني، والتزام أمتنا الإيماني، ومن هذا المنطلق تحرك شعبنا اليمني المسلم العزيز، يمن الإيمان والحكمة، لو لم يتحرك؛ لكان متنكراً كل التنكر، ومسيئاً إلى قول رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه": ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ))، لكن رسول الله لا ينطق عن الهوى، ينطق عن الله، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو من أخبره عن هذا الشعب، عن دوره في حمل راية الجهاد في سبيل الله، في انتمائه الإيماني على مرِّ التاريخ، منذ فجر الإسلام وإلى قيام الساعة.

من هذا الانتماء الإيماني، من هذا الالتزام الإيماني، وقف شعبنا اليمني المسلم العزيز وقفته الكاملة، بالقول والفعل، لمناصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، ومجاهديه الأبطال، على المستوى العسكري: بالصواريخ الباليستية والمجنحة، وفي الموقف البحري: لاستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، ومنعها من الذهاب إلى موانئ فلسطين المحتلة لدعم الصهاينة اليهود، الذين يجوِّعون الشعب الفلسطيني في غزة، ويمنعون عنه الماء والغذاء والدواء، ويرتكبون بحقهم جرائم الإبادة الجماعية، هذا الموقف هو من منطلق إيماني، وعلى الأمريكي الذي يصر على أن يقف الموقف الباطل، الظالم، الإجرامي، يقف موقف الطغيان المستكبر، عليه أن يفهم ماذا نعني بانتمائنا الإيماني، وموقفنا الإيماني، موقفنا الإيماني عليه نحيا وعليه نموت، نحن مستعدون في إطار موقفنا الإيماني أن نستشهد في سبيل الله، أن نقدِّم النفس والمال في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أن نقدِّم كل شيءٍ في سبيل الله، أن نضحي بأعلى مستوى من التضحية، أن نواجه كل التحديات، وبالاستعانة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبالتوكل عليه، وبالاعتماد عليه "جَلَّ شَأنُه".

إنَّ قيمة وثمرة ومصداقية الانتماء الإيماني، هو في مثل هذا الموقف، في مثل هذه الظروف، في مثل هذه المرحلة، تجاه ذلك المستوى من الطغيان والإجرام، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" حينما قال في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات: الآية15]، الصدق عندما يقترن القول بالفعل، والفعل بالقول، هذه هي المصداقية.

وشعبنا انطلق من هذا المنطلق في التحرك الفاعل المؤثِّر على أعداء الله، المؤثِّر على الصهاينة، الذي كبَّدهم الخسائر بمليارات الدولارات، الموقف البحري كان له أثر كبير جداً، وهذا ما نريده، وهذا ما نسعى إليه، ونحن كنا منذ البداية ندعو الله أن يوفقنا للموقف الفاعل المؤثِّر في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، ومجاهديه الأبطال، والله وفَّقنا لهذا الموقف المؤثر على الأعداء، والذي أغاظهم، والذي أيضاً نلمس مدى تأثيره بالقدر الذي أغاظهم وأغضبهم، والتوجه الأمريكي والبريطاني مع الإسرائيلي إلى درجة العدوان على بلدنا، وإعلان الحرب على بلدنا، والاستهداف للبحرية في البداية، والاستهداف بالغارات وبالضربات الصاروخية من البحر أيضاً لبلدنا، هذا العدوان الذي انتهكوا به سيادة بلدنا، وورَّطوا أنفسهم في حرب مع بلدنا، بناءً على التزامهم الصهيوني، هو يشهد لمدى فاعلية تأثير موقف شعبنا العزيز، وقواته المجاهدة في سبيل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في الموقف البحري، الذي أغاظ الأعداء إلى هذه الدرجة، لم يعد يطاق بالنسبة لهم، لم يعدوا يتحملون أن يستمر هذا الموقف، أصبح يمثل مشكلةً وعامل ضغط حقيقي على العدو الصهيوني، فحركهم الأعداء بدءاً بالعدوان.

العدوان على شعبنا العزيز من جهة الأمريكي والإسرائيلي، بدءاً بالاعتداء على البحرية، الذي نتج عنه استشهاد مجموعة من الإخوة الشهداء، ثم تلاه أربع جولات من الغارات والقصف الصاروخي، آخرها كان البارحة، هو انتهاك وعدوان، وانتهاك مباشر لسيادة اليمن، اعتداء مباشر على الشعب اليمني، يتعمد الأمريكي أن يقول: [الحوثيين، الحوثيين]، الذي يفعله هو اعتداء على الشعب اليمني، الموقف هو موقف الشعب اليمني، من لديه شكٌ في ذلك ليشاهد الخروج المليوني لشعبنا العزيز في صنعاء وفي مختلف المحافظات، الموقف هو موقف شعبنا، والعدوان هو عدوانٌ على شعبنا، والحرب التي تورَّط فيها الأمريكي والبريطاني هي حربٌ ضد شعبنا العزيز.

هذا العدوان أولاً لن يغيِّر من موقف شعبنا والتزامه الإيماني في مناصرة الشعب الفلسطيني وسكان غزة، والاستهداف المستمر للسفن المرتبطة بإسرائيل، وهذا واضح في العمليات المستمرة، آخرها بالأمس، عمليات ضد السفن، بل وسيشمل ذلك السفن الأمريكية والبريطانية، لن يغير شيئاً من موقفنا، على الأمريكي أن يفهم أننا في مواقفنا الإيمانية ننطلق منطلقاً ثابتاً، لا يغيِّره الترهيب، ولا الاعتداء، ولا القصف، ولا الإجرام، ولا الضغط بكل أنواع الضغط، لا يُغَيِّر ذلك أبداً، لا يُغَيِّر موقفنا نهائياً، فموقفنا ثابت ومستمر، ونحن في موقفنا ماضون بكل فاعلية وتأثير، وبالاستعانة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

ثانياً: لن يؤثر على قدراتنا العسكرية.

الأمريكي في الجولة الأولى من غاراته وعدوانه وقصفه الصاروخي، صوَّر للعالم أنه استهدف ما لدينا من منصات صواريخ، ومن قدرات صاروخية، ولكن اعترف حتى هو في الأخير أنه لم يتحقق له هذا الهدف، وفعلاً كان ذلك مجرد وهم، ودعاية إعلامية لا أساس لها، لم يأخذ الأمريكي الدروس والعبر فيما حصل من عدوان لتسع سنوات أشرفه هو عليه، هو يعرف أننا على مدى تلك السنوات كنا كلما تصاعد العدوان علينا؛ طوَّرنا قدراتنا العسكرية بشكل أفضل وأكبر، على مستوى: المديات، الدقة، القوة، على مستوى التعامل مع التقنيات التي يمتلكها الأعداء... إلى غير ذلك، ولذلك نحن نؤكِّد للعالم أجمع، أنَّ العدوان الأمريكي البريطاني سيسهم أكثر وأكثر- كلما استمر- في تطوير قدراتنا العسكرية بشكل أفضل، بل والأمريكي يعرف اختلاف نوعية السلاح الذي استهدفت به سفينة الأمس، فالأمريكي عليه أن يتيقن أنَّ مواصلاته للعدوان الذي أراد به حماية الإجرام الصهيوني على الشعب الفلسطيني، واستمرار الإجرام بحق أهل غزة، ذلك العدوان على بلدنا وشعبنا سيزيد من تطوير قدراتنا العسكرية في هذا البلد.

والحمد لله، أنا أقدِّم البشرى لشعبنا، هناك فعلاً خطوات، خطوات ملموسة من الآن في تطوير قدراتنا العسكرية، لن يؤثر على معنوياتنا شيئاً، شعبنا هو شعبٌ مجاهد، وشعبنا واجه عدواناً لتسع سنوات، وذلك العدوان بإشراف أمريكي، حوصر، دمِّر كل شيءٍ في هذا البلد، واجه شعبنا حصاراً شديداً لا يزال يعاني منه.

شعبنا بانتمائه الإيماني، وهويته الإيمانية، لديه الإرادة الجادة، والاستعداد للتحمل لكل ما يترتب على موقفه الإيماني المشرِّف من تابعات، أو تضحيات، أو معاناة، لديه استعداد لذلك، ومتعود على كل الحروب.

مسألة أنَّ أمريكا وبريطانيا دخلتا في الحرب بشكل مباشر، وأننا أصبحنا في مواجهة مباشرة بيننا وبين الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، هذا شيءٌ لا يخيفنا إطلاقاً، بل ارتحنا لذلك كثيراً، وحمدنا الله تعالى على ذلك، على هذه النعمة الكبيرة، على هذا الشرف العظيم: أن نكون في مواجهة مباشرة بيننا وبين الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني، الذين هم أم الإرهاب، وجذور الإرهاب، ومنابع الإرهاب، وهم منبع الشر والإجرام والطغيان، وهم أشرُّ خلق الله ظلماً، وطغياناً، وإجراماً، وفساداً في الأرض، وهم منبع الفساد، وهم مصدر القلق والشر والمؤامرات على المجتمع البشري، نعمة كبيرة أننا أصبحنا في مواجهة مباشرة معهم؛ لأن سياستهم واستراتيجيتهم في كل المراحل الماضية: أن يضربونا بغيرهم، وأن يكونوا دائماً الطرف الذي يكسب، ولا يخسر، ولا يتعب؛ إنما يستفيد، أن يضربوا أمتنا بعضها ببعض، وأن يسلِّطوا تلك الدول على تلك الدول، وتلك الكيانات على تلك الكيانات... وهكذا، فنحن ارتحنا كثيراً، ومن الشرف الكبير لشعبنا العزيز أن يكون في مواجهة مباشرة مع أولئك الأشرار، المجرمين، أئمة الكفر، الطغاة، المستكبرين، الظالمين، المفسدين في الأرض، هذه نعمة كبيرة أن أصبحت مواجهتنا مباشرة لثلاثي الشر: (إسرائيل، وأمريكا، وبريطانيا)، هذه نعمة، ليس شيئاً يخيفنا، ولا يقلقنا، ولا يؤثر على معنوياتنا.

نحن كشعبٍ يمنيٍ ينتمي للإيمان نثق بالله تعالى، ونتوكل عليه، ونثق بوعده الصادق، هو "جَلَّ شَأَنُهُ" القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: الآية7]، انطلقنا في موقفنا لمناصرة الشعب الفلسطيني في غزة، لمناصرة الشعب الفلسطيني المظلوم في كل أنحاء فلسطين، والذي ترتكب بحقه جرائم الإبادة الجماعية في غزة، انطلقنا من منطلق النصرة لله، الاستجابة لله، الطاعة لله، الالتزام الإيماني بيننا وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، نحن نعتز بالله، نثق به أنَّه ملك السماوات والأرض، أنَّه المهيمن القاهر، أنَّه القوي العزيز، أنَّه العلي العظيم.

شعارنا في هتاف الصرخة في وجه المستكبرين، هتاف الحرية والبراءة مبتدؤه:

الله أكـــــــــــبر

الموت لأمريكـــا

الموت لإسرائيـــل

اللعنة على اليهود

النصــر للإســــلام

مبتدؤه (الله أكبر)، نحن ننطلق بوعي بما تعنيه (الله أكبر)؛ ولذلك قال السيد حسين بدر الدين الحوثي "رضوان الله عليه" في بداية انطلاقة المسيرة القرآنية: ((أمريكا قشة))، من هذا المنطلق، بما تعنيه عبارة وجملة: (الله أكبر)، أمريكا قشة، نحن نعتز بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، نعتمد عليه، نثق بوعده الصادق، هو القائل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: الآية40]، نحن نثق بهذا الوعد الإلهي المؤكد، ونثق بهذا التأكيد الإلهي: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

هل يمكن أن نقارن أمريكا أو بريطانيا، أو كل طغاة وأشرار ومستكبري هذه الدنيا بشيءٍ من بأس الله وقوته وجبروته؟ هم لا شيء أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

نحن نثق بقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}[التوبة: من الآية14]، نحن نثق بوعود الله المتكررة في كتابه الكريم، نحن نؤمن بكتاب الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ولذلك نحن ننطلق بثقة، لا يخيفنا الموقف الأمريكي، ولا يؤثر علينا، ولا يزعجنا في موقفنا إلى أن نتراجع عنه، أو أن يضعف موقفنا، بل بقدر ما تكون المواجهة مع الطغاة المستكبرين، والأشرار السيئين، مع أئمة الكفر، وقادة الظلم؛ بقدر ما نحن أكثر رجاءً لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بأن ينصرنا، وأن يؤيِّدنا، بقدر ما إيماننا بنصر الله وتأييده أكبر، هل نتصور أنَّ التأييد الإلهي يأتي إذا كنت في مواجهة مع عدو تعتبر إمكانياته بسيطة، أو تعتبره ليس في مستوى يملك ما تمتلك من إمكانات وقدرات؟! نحن في مواجهة الأشرار، الطغاة، الظالمين، المفسدين في الأرض، ونحن أرجى ما نكون لنصر الله ومعونته وتأييده.

أمَّا المستجد الأخير في التصنيف الأمريكي بالإرهاب، فهو مضحك، الأمريكي من هو؟! الأمريكي الذي يرعى الإجرام الصهيوني في قتل الأطفال والنساء في غزة في كل يومٍ وليلة، الأمريكي الذي له تاريخه الإجرام الأسود، الذي لا مثيل له، الإجرامي المفلس أخلاقياً في كل القيم والأخلاق، آخرها: مصادرة الأخلاق في العفة والنزاهة الأخلاقية، والتبني لفاحشة الشذوذ الجنسي، الأمريكي المفلس إنسانياً وأخلاقياً، الأمريكي الذي ممارساته إجرامية، سياساته إجرامية، توجهاته كلها طغيانٌ وإجرامٌ واستكبار، يصنِّف الآخرين، الشعوب المظلومة التي يبتدئ هو بالعدوان عليها، ألم يبتدئ الأمريكي بالعدوان على بلدنا؟ ألم يشرف في العدوان على بلدنا لتسع سنوات، ثم يبتدئ بشكل مباشر في الاعتداء على البحرية، ويقتل من أبناء شعبنا، من قواته المسلحة في البحرية؟ ألم يبتدأ هو بالعدوان المباشر على شعبنا، ثم يأتي هو ليصنف الذين يعتدي عليهم، ويظلمهم، ويقتل منهم بغير حق، يصنِّفهم بالإرهاب، وهو هو منبع الإجرام والإرهاب والطغيان؟ الأمريكي أصلاً لا يمتلك الأهلية لأن يصنِّف الآخرين بأي تصنيف، هو في وضعية لا أخلاقية، لا إنسانية، لا يمتلك شيئاً من القيم.

هذه الخطوة هي تأتي في سياق حماية الإجرام الصهيوني فقط، اعتداءاته، غاراته، تصنيفاته، وليس لها أي أهمية، هل يمكن أن نقلق منها حتى لا يترتب عليها غاراته؟ هو ابتدأ بالغارات قبل التصنيف، ابتدأنا بالحصار، ابتدأنا بالعدوان منذ سنوات طويلة.

ولذلك ليس هناك ما يمكن أن يقلقنا، أو أن يؤثر على موقفنا، سنواصل دعمنا كشعبٍ يمني، ومساندتنا ومناصرتنا للشعب الفلسطيني، والضغط بكل الوسائل، بما فيها استمرار موقفنا في استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، بما فيها الوسائل العسكرية في الاستهداف بالقصف إلى فلسطين المحتلة، حتى ينتهي العدوان على غزة، وينتهي الحصار ضد غزة.

من حق غزة أن تتدفق إليها المواد الغذائية والطبية، وأن يصل إليها الغذاء والدواء، من حقها أن يكون إليها منافذ لوصول ما تحتاجه من غذاء ودواء ومتطلبات إنسانية، من البر والبحر والجو، هذا حق مشروع لأهل غزة، من حقهم أن يستمر التدفق من معبر رفح بما يصل إليهم عبر هذا المنفذ من المساعدات دون توقف، ودون إعاقة أبداً، ومن حقهم أن يكون لهم ممر مائي إلى غزة لوصول ما يحتاجونه عبر البحر.

الأمريكي يريد أن تكون البحار آمنة لوصول ما يقدِّمه من مساندة وإمكانات للعدو الإسرائيلي، ولتصل للعدو الإسرائيلي إمكاناته وبضائعه، ما يحتاجه، تجارته، في الوقت الذي يجوِّع فيه الشعب الفلسطيني، من حق الشعب الفلسطيني أن يكون لديه ممر مائي، وأن تصل إليه إضافةً إلى المنفذ المصري، أن يصل إليه أيضاً عبر البحر، وعبر الجو أيضاً، هذا حق مشروع للشعب الفلسطيني، وليس فقط معبر رفح.

سنتصدى للعدوان الأمريكي البريطاني الداعم لإسرائيل، الساعي لاستمرار الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، المساند للإجرام الصهيوني، وبلدنا سيصنفهما في قائمة الدول الحامية والراعية والداعمة للإرهاب الصهيوني، سنصنفهم كذلك، وتصنيفنا لهم تصنيف بحق، وهم يشاركون أصلاً في الإجرام الصهيوني.

في هذا السياق أؤكد أيضاً من جديد الدعوة لكل الدول في الحذر من التورُّط مع أمريكا وبريطانيا في العدوان على بلدنا، وفي العدوان على الشعب الفلسطيني، أمريكا تسعى لجرِّ بقية الدول إلى المشاركة والإسهام المباشر في العدوان على الشعب الفلسطيني، ورَّطوا ألمانيا لتدخل في مواقف خطيرة عليها، وسيئة جداً، تسهم بشكلٍ مباشر في قتل الشعب الفلسطيني بقذائف الدبابات، وبتقديم أشكال أخرى من الدعم للإجرام الصهيوني، وهذا ما تريده أمريكا: تريدنا الآخرين أن يقفوا معها لدعم الإجرام الصهيوني، واستهداف من يقف بوجه الإجرام الصهيوني.

 

نشيد بكل المواقف الإيجابية تجاه مظلومية الشعب الفلسطيني، ونؤكِّد على ضرورة المواصلة النشطة للتحرك في مساندة الشعب الفلسطيني، نحن في كل الكلمات الماضية حذَّرنا من الملل، الشعب الفلسطيني يعاني كل يوم من مظلوميته، بل تتفاقم مظلوميته، كلما استمر الحصار، واستمر التجويع؛ كلما زادت معاناته أكثر وأكثر، استمرار جرائم الإبادة الجماعية أيضاً مأساة يومية، تزيد من معاناته بشكلٍ كبير، والمأساة متفاقمة في غزة؛ ولذلك المسؤولية تتضاعف، ليس الوقت وقت ملل ولا فتور، تتضاعف على أمتنا الإسلامية في المقدِّمة، في البلدان العربية وغيرها، كلٌّ عليه مسؤولية بقدر ما يستطيع، مسؤولية أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، سيسأل عنها يوم القيامة.

في كثير من البلدان بوسع الناس أن يقاطعوا البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وأن يكون لذلك تأثير مباشر على الأمريكي والإسرائيلي، بوسعهم أن يقاطعوا منتجات أي بلد يتورَّط أكثر، ويدخل في الإجرام والصهيوني، ويشارك في الإجرام والصهيوني، ويكون لذلك تأثير كبير، أمتنا أمة كبيرة، البلدان العربية لوحدها ومعها أيضاً بقية البلدان الإسلامية، إذا اتَّجهت هذا التوجه له تأثيره.

للأسف الشديد على المستوى الرسمي في العالم الإسلامي، في البلدان العربية وغيرها، لم تصل المواقف الرسمية إلى مستوى حاسم، على مستوى المقاطعة الاقتصادية، المقاطعة الدبلوماسية، مواقف عملية فاعلة، لكن ينبغي أن نتحرك نحن كشعوب بكل ما نستطيع، فهناك بلدان يمكن تفعيل سلاح المقاطعة فيها بشكل أكبر، مع أنَّ هذا على الجميع، على الجميع، من يقف عسكرياً يقف أيضاً في مسألة المقاطعة، يتحرك على مستوى المقاطعة، كما يتحرك عسكرياً، ولكن بقية البلدان يمكنها المشاركة في سلاح المقاطعة، وفي المناصرة الإعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل المتاحة، يجب أن يكون هناك تصاعد في الموقف، وتحرك نشط.

 

إذا كان الآخرون- كما قلت في بداية الكلمة- تحرَّكوا بدافع التزاماتهم الصهيونية، وتحرك (بايدن) الخرف، الطاعن في السن، الهرم، الذي يصعب عليه حتى الصعود في سلم الطائرة، إلى فلسطين المحتلة من على بعد أكثر من تسعة آلاف كيلو، ويشق على نفسه ليتحرك مع الصهاينة، فكيف لا يتحرك أبناء هذه الأمة بطاقاتهم، بقدراتهم، بإمكاناتهم مع الشعب الفلسطيني، بحكم التزاماتهم الإيمانية بينهم وبين الله؟!

لابدَّ من المواصلة النشطة للتحرك وتوسيعه، بكل أشكال التحرك: المظاهرات والمسيرات في مختلف البلدان، ومنها في البلدان الغربية، في أوروبا وفي أمريكا، يجب أن تستمر، وبوسع الجاليات العربية والإسلامية أن تقود من بقي لديهم شيءٌ من الإنسانية في تلك المجتمعات، في مظاهرات ضاغطة، لها تأثيرها، ولها صداها، في مناصرة الشعب الفلسطيني، والموقف ضد المشاركة الأمريكية والطغيان الأمريكي في الإجرام الصهيوني، هذا شيءٌ مهم.

في هذه المناسبة أيضاً أتوجه إلى الجاليات اليمنية، سواء في أمريكا، أو في أوروبا، لأن تتحرك بشكلٍ نشط، أنا أؤمل في الجاليات اليمنية بقدر ما تحرَّك شعبنا العزيز في الوطن تحركاً مميزاً عن كثيرٍ من الشعوب، أن يتحركوا هم هناك تحركاً مميزاً، بمعنى: أن يكونوا أكثر نشاطاً، أكثر تفاعلاً، أكثر سعياً في تحريك الآخرين في المظاهرات، وفي النشاط الإعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي وغيره، في اظهار مظلومية الشعب الفلسطيني، ومدى الإجرام الصهيوني، ومدى بشاعة الموقف الأمريكي والبريطاني، ومواقف الدول التي اتجهت في نفس الاتجاه، كألمانيا وغيرها، هذا شيءٌ مهم.

بالنسبة لشعبنا العزيز، أتوجه إليه ليخرج يوم الغد- إن شاء الله- يوم الجمعة المبارك في صنعاء في ميدان السبعين عصراً، وفي بقية المحافظات بحسب الترتيبات المعتمدة لها، كالعادة خروجاً مليونياً حاشداً، هذا الخروج- كما قلت في الأسبوع الماضي- هو جزءٌ من موقفنا اليوم، وموقفنا هو جهادٌ في سبيل الله، موقف شعبنا اليوم هو موقف جهاد في سبيل الله تعالى، موقفٌ مشرِّف، موقف حق، موقف في إطار الالتزامات الإيمانية، في مقابل ما يعمله أولئك الأشرار بناءً على التزامات الصهيونية لأشرار ومجرمين وطغاة، ليكون الخروج يوم الغد من أجل الله، في إطار الالتزامات الإيمانية، ابتغاءً لمرضاة الله، نصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم، الذي يقتل المئات من أبنائه، بل استشهد الآلاف من أطفاله ونسائه، الشعب الفلسطيني المظلوم الذي تحرك طغاة وأشرار العالم ليواصل العدو الصهيوني إجرامه بحقه، لنخرج يوم الغد خروجاً مشرفاً كبيراً، ولنحذر من الملل، أنا حذَّرت من الملل، الخروج إلى ساحة المظاهرات شيءٌ بسيط في مقابل التزاماتنا الإيمانية، التي تصل إلى درجة أن نضحي بأنفسنا وأموالنا في سبيل الله تعالى.

ليكون الخروج- إن شاء الله- خروجاً كبيراً ومشرفاً كالعادة، أملي فيكم كبير، أملي فيكم بما تمتلكونه من إيمان، من قيم، من أخلاق، من رجولة، ولتشييع الشهداء في العدوان الأمريكي البريطاني كذلك يوم الغد إن شاء الله.

أَسْأَلُ اللَّهَ "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

 

كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات في المنطقة 7 رجب 1445هـ | 18 يناير 2024م pic.twitter.com/464tibVS7b

— الإعلام الحربي اليمني (@MMY1444) January 18, 2024

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: العدوان على الشعب الفلسطینی اللوبی الیهودی الصهیونی الشعب الفلسطینی المظلوم اللوبی الصهیونی الیهودی جرائم الإبادة الجماعیة الشعب الفلسطینی فی غزة الأمریکی والإسرائیلی الأمریکی والبریطانی إلى فلسطین المحتلة من الأطفال والنساء ضد الشعب الفلسطینی الشعب الفلسطینی العدوان على بلدنا الإجرام الصهیونی العدو الإسرائیلی قدراتنا العسکریة فی مواجهة مباشرة فی القرآن الکریم للشعب الفلسطینی الصهاینة الیهود الیهود الصهاینة العالم الإسلامی العدو الصهیونی للعدو الصهیونی فی العدوان على مع الإسرائیلی الأمریکی الذی شعبنا العزیز فی سبیل الله مع الصهاینة أشکال الدعم على المستوى الصهیونی فی من إمکانات فی الإجرام الله تعالى هذا الموقف موقف شعبنا وقف شعبنا الذی یقتل نفسه بأنه کل العالم أمام الله بالرغم من فی فلسطین على مستوى فی أمریکا فی العالم فی موقفنا إلى مستوى س ب ح ان ه ع ل ى آل ت ع ال ى أن یتحرک أن نتحرک یوم الغد لا یمتلک فی مقابل یؤثر على مع العدو یعانی من مائة یوم علیهم أن ما یفعله الذین هم کل أشکال ما یحصل على تلک التی هی ما یحدث فی موقف م الدعم علیه أن عن نفسه إذا کان وهذا ما على مدى بقدر ما ف الشعب أ

إقرأ أيضاً:

“الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة بمناسبة الانتصار التاريخي للشعب الفلسطيني

الثورة نت/..
نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بمناسبة الانتصار التاريخي للشعب الفلسطيني، الإثنين 20 رجب 1446هـ / 20 يناير 2025م.

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قال الله تعالى في القرآن الكريم: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج:39]، صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم.

بمناسبة الانتصار التاريخي العظيم، الذي منَّ الله به على الشعب الفلسطيني، ومجاهديه الأعزاء في قطاع غزة، بعد خمسة عشر شهراً من الإبادة الجماعية، والعدوان الهمجي الإجرامي الوحشي الإسرائيلي، بشراكةٍ أمريكية، نتوجه أولاً: بالحمد والشكر لله تعالى، رب العالمين، ونصير المستضعفين، ومذل المستكبرين، وقاهر الجبابرة والطغاة الظالمين، الذي له الفضل والمِنَّة، فهو الذي أعان إخوتنا المجاهدين في قطاع غزة، وثبَّت أقدامهم، وسدَّد رميهم، وأنزل السكينة عليهم، وربط على قلوبهم، وأيّدهم بنصره، وهو الذي أمدَّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بالثبات والصمود، بالرغم من وحشية العدو وجبروته، وممارسته الإبادة الجماعية بكل وسائل الإبادة، والإجرام بمنتهى الإجرام.

ثانياً: نتوجه بأطيب التهاني والمباركة للشعب الفلسطيني، بكل فصائله ومكوناته في الداخل والخارج، بدءاً بمجاهديه الأعزاء في قطاع غزة، كتائب القسام، ومعها سرايا القدس، وبقية الفصائل المرابطة المجاهدة، المضحية، التي اتَّحدت وتعاونت مع كتائب القسام جنباً إلى جنب وكتفاً بكتف، وقاتلت العدو الإسرائيلي، وتصدَّت لعدوانه الهمجي ببسالةٍ وتفانٍ وثباتٍ منقطع النظير، وكان لهذا التعاون القائم على قرارٍ حاسمٍ بالمواجهة للعدو، والتصدي لعدوانه، مهما كان حجم التضحيات، ومستوى التحديات، مع الصبر والاستبسال، كان لهذا التعاون القائم على هذا القرار أهميةٌ كبيرةٌ فيما منَّ الله به وتحقق من نتائج عظيمة.

وقد بارك الله تعالى ثبات إخوتنا المجاهدين في قطاع غزة، وصبرهم، وجهادهم، وتضحياتهم، بما أمدهم به من سكينةٍ، وربطٍ على القلوب، وتثبيتٍ، وعونٍ، وتسديد، ونصر، فقد كانوا على مستوى الإمكانات يقاتلون بإمكاناتٍ بسيطةٍ ومحدودةٍ مع حصارٍ شديد، في مقابل ما هو بحوزة العدو، وما شارك به الأمريكي، وهو الكثير، من أفتك السلاح، ووسائل التدمير والقتل الأكثر تطوراً على المستوى العسكري.

وعلى مستوى الظروف الصعبة المعقدة، من عدوانٍ مدمر، واجتياحٍ شامل، ورصدٍ جويٍ كثيف، ونشاطٍ استخباراتيٍ مطبق، وظروفٍ بالغة التعقيد، حشد لها العدو بمشاركةٍ أمريكيةٍ وبريطانية ما يساعده على تدمير أي نشاطٍ مقاوم، والقضاء على أي تحركٍ جهاديٍ للتصدي للعدو، مع ظروفٍ محيطةٍ صعبةٍ للغاية، فيما يستهدف به العدو كل محيطهم الشعبي، ومجتمعهم، وأهليهم في قطاع غزة، من قتلٍ، وإبادةٍ، وتجويعٍ، وتدميرٍ شاملٍ، وتدميرٍ أيضاً لكل مقومات الحياة… وغير ذلك.

ثم مع حجم التضحيات الكبيرة، بقوافل الشهداء من القادة، وفي طليعتهم الشهداء الأعزاء: إسماعيل هنيَّة، والعاروري، والسنوار “رَحِمَهُم الله”، وقادة في الميدان من الكوادر ومن بقية المجاهدين، وجرحى، مع كل ذلك لم تنكسر إرادتهم، {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:146].

وبالرغم أيضاً من التخاذل العربي الرسمي الواسع، والموقف السلبي لبعض الأنظمة العربية، وأيضاً الموقف السلبي- وللأسف الشديد- للسلطة الفلسطينية.

بالرغم من كل ذلك وفَّقهم الله، وأعانهم، وثبَّتهم؛ فكانوا ثابتين وفاعلين في عملهم الجهادي، وتصديهم البطولي للعدو الإسرائيلي، وأبدعوا في التكيُّف مع مختلف الظروف العسكرية، وابتكار التكتيكات اللازمة، واستفادوا حتى من بعض قنابل العدو التي لم تنفجر، وقاتلوه حتى بالسلاح الأبيض، ونفَّذوا عملياتٍ بطوليةٍ وفدائيةٍ جهاديةٍ ستبقى في سجلهم التاريخي العظيم، مُلهِمةً للأجيال؛ ولـذلك فقد كانت عملية طوفان الأقصى بنفسها نقلةً نوعيةً في العمل الجهادي الفلسطيني، وكان أيضاً هذا الصمود العظيم على مدى خمسة عشر شهراً، بما تحقق فيه من إبداعات، وما كان له من نتائج، نقلةً عظيمةً ومهمةً، وتجربةً ناجحةً كذلك.

ثم بثبات حركات المقاومة في الموقف السياسي، حيث حملت حركة المقاومة الإسلامية حماس راية الجهاد السياسي بكل ثبات، ولم ترضخ لكل الضغوط ومحاولات الابتزاز، الرامية إلى إخضاعها للقبول بصيغة استسلامٍ تتنازل فيها عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتعطي العدو في المفاوضات ما عجز عن الحصول عليه في الميدان العسكري، وقد كانت جولات التفاوض وما قبلها وما بينها ساحةً حقيقيةً للمواجهة السياسية، في مقابل حجم الضغوط الأمريكية والغربية، التي كانت ضغوطاً كبيرة، مع الضغط الحاصل في قطاع غزة، لكن حركة المقاومة الإسلامية حماس ثبتت، ومعها حركة الجهاد الإسلامي، وبقية الفصائل الفلسطينية، بتعاونٍ تامٍ وروحٍ أخوية، حتى تحققت النتائج المهمة، التي حافظت على الحقوق الفلسطينية، وعلى النتائج المهمة للفعل المجاهد المقاوم في قطاع غزة.

ثم أيضاً بثبات الحاضنة الشعبية الفلسطينية، بالرغم من الإبادة بكل وسائلها، من قتلٍ وتجويع، ومع الجراح والمرض، والبرد القارس، والحصار التام، والتدمير لكل مقومات الحياة.

ومع ذلك أيضاً ما قدمته الضفة الغربية من تضحيات، وعملياتٍ بطولية، والعمليات التي نفَّذها الاستشهاديون في مناطق متعددة من فلسطين.

فهذا الصبر، وهذه التضحيات، وهذا الجهد، وهذه الجهود، هو القربان العظيم إلى الله تعالى، والعطاء الكبير، والتقدمة المهمة التي باركها الله وحقق لها هذه النتائج المهمة، والتي ستستمر- إن شاء الله- في مسارٍ تصاعدي، وهي نقلةٌ حقيقية في ميدان المواجهة مع العدو الإسرائيلي إلى مستوىً متقدم، له أهميته الكبرى، في مستقبل الشعب الفلسطيني، وزوال الكيان الغاصب المؤقت، وتحقق الوعد الإلهي المحتوم.

قد لا يستوعب البعض أهمية ما تحقق من ذلك، لكن يكفيهم أن هناك إجماعاً إسرائيلياً على فشل المجرم [نتنياهو]، وأن اليوم التالي للحرب، الذي كثيراً ما كان يركز المجرم [نتنياهو] على الحديث عنه، ويرسم لهم صورة انتصارٍ إسرائيلي، بزوال حركة مقاومة الإسلامية حماس، وكتائب القسام، والفصائل الفلسطينية المجاهدة من قطاع غزة، والسيطرة الإسرائيلية التامة، كان اليوم (بالأمس) يوماً للانتصار الفلسطيني، وللمجاهدين الفلسطينيين بكل جلاء، كان يوماً حماسياً في غزة، ظهرت فيه فصائل المقاومة منتصرة.

من أهم أيضاً ما كان بارزاً وفارقاً في هذه الجولة من المواجهة مع العدو الإسرائيلي، من بعد طوفان الأقصى، وكان علامةً فارقةً في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي، هي: جبهات الإسناد، التي استمرت بالإسناد للشعب الفلسطيني، ومجاهديه الأعزاء، بشكلٍ غير مسبوقٍ في تاريخ هذا الصراع، وبشكلٍ مستمر:

جبهة الإسناد في لبنان، وما قدمه حزب الله من تضحياتٍ عظيمة، من قادته، وكوادره، وأفراده المجاهدين، وبشكل غير مسبوقٍ مع الشعب الفلسطيني، وما أسهم به على مستوى النكاية بالعدو الإسرائيلي، والالتحام في العمليات الكبيرة والمواجهات الشاملة، وحجم الاستنزاف الكبير جداً للعدو، وتنكيله الكبير بالعدو، وما ألحقه به من الخسائر الفادحة، والأضرار الكبيرة، في عمله الجهادي العظيم، وفي أثناء مرحلة مواجهته للعدوان الإسرائيلي على لبنان.

جبهة الإسناد في العراق، وعملياتها التي استمرت إلى الآونة الأخيرة، واستمرت بعض فصائلها دون توقف، إلى حين تحقيق الانتصار.

دور الجمهورية الإسلامية في إيران، التي استمرت بالدعم دون توقف، بالرغم من الضغوط والإغراءات، وكذلك عملياتها الكبرى، المدمرة، والكبيرة، والغير مسبوقة، في الوعد الصادق.

جبهة الإسناد في يمن الإيمان، التي فاجأت العالم بمستوى موقفها، واستمرارها، وثباتها، وبزخمها الشعبي، والسقف العالي للموقف.

ونتحدث هنا على نحوٍ من التفصيل، وبالاختصار عن الموقف اليمني، وحديثنا عن الموقف اليمني ليس للتمنن، ولا للمزايدات، فهو أداءٌ لواجبٍ مُقَدَّسٍ، وهو مسؤوليةٌ دينية، وهو بتوفيقٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولـذلك نقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف : 43]، ولكنه يهمنا الحديث عن هذه التجربة المهمة، وللبناء على ما قد تحقق في الحاضر والمستقبل.

ونتحدث أولاً: عن مميزات هذا الموقف:

الميزة الأولى للموقف اليمني: أنه ثمرةٌ للانطلاقة الإيمانية، والتوجه القرآني لشعبنا العزيز، الذي هو مصداقٌ للحديث النبوي: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ))، هذه الانطلاقة، وهذا التوجه، الذي ارتقى بشعبنا العزيز، من مجرد العاطفة الوجدانية، والتعاطف النفسي، والمواقف الشكلية والمحدودة؛ إلى مستوى الشعور بالمسؤولية، والموقف العملي الجهادي الشامل في كل المجالات.

هناك الكثير من أبناء أمتنا الإسلامية، يحملون تجاه الشعب الفلسطيني، ومظلوميته الكبيرة ومعاناته، التعاطف بالشعور الوجداني، والعاطفة النفسية، ولكن لا يرقى هذا التعاطف لدى الكثير من الحالة النفسية إلى مستوى الموقف العملي، قد يرقى لدى البعض إلى مستويات محدودة بحسب ظروفهم وأوضاع بلدانهم، لكنه في واقعنا في اليمن ارتقى بشعبنا العزيز إلى ترجمة هذا التعاطف إلى مستوى أكبر، إلى أن يكون شعوراً بالمسؤولية الدينية، والإيمانية، والأخلاقية، والإنسانية، وأن يتحول إلى مواقف عملية جهادية شاملة.

الميزة الثانية في موقف اليمن: هي الاتجاه الرسمي والشعبي معاً، في توجهٍ واحد، وموقفٍ واحد، بسقفٍ عالٍ أيضاً؛ ولـذلك لم تنجح أمريكا ومن مع أمريكا في التأثير على هذا الموقف، من خلال أسلوبها الذي تستخدمه في بقية البلدان، حيث تُكَبِّل الموقف الشعبي من خلال الجانب الرسمي؛ فتحرك الأنظمة والحكومات والزعامات في بعض البلدان، للضغط على شعوبها، وتكبيلها وتقييدها من أي تَحَرُّكٍ، أحياناً من أي تحرك بأي مستوى، وأحياناً من أي تحرُّكٍ بالمستوى المطلوب، بمستوى المسؤولية وبما ينبغي، وأحياناً تستخدم أمريكا أسلوب الإثارة لمكونات شعبية، وللشعوب، تحت عناوين واصطناع مشاكل وأزمات وقضايا؛ من أجل الانتقام من الموقف الرسمي.

شاهدنا في بعض البلدان الإسلامية، أن يكون على رأسها زعيم، يتبنى موقفاً مناهضاً للسياسة الأمريكية والهيمنة الأمريكية، ومعادياً للعدو الإسرائيلي، ثم تصنع له أمريكا مشكلةً معينة، من خلال أجهزة في نظامه، أو من خلال جيشه، أو من خلال الواقع الشعبي، وتحرك ضده إمَّا انقلاب، وإمَّا موقفاً يطيح به، وينهيه وينهي تأثيره ووجوده.

لكن فشلت في اليمن؛ نتيجةً للتوجه الشامل على المستوى الرسمي والشعبي، فلا هي تمكنت من أن تحرك الموقف الرسمي لتكبيل وتقييد الموقف الشعبي، ولا هي نجحت في التأثير على الموقف الشعبي، ليكون ضاغطاً على الموقف الرسمي بأي عنوان، بافتعال أي قضايا أو عناوين؛ فكانت هذه ميزة: هذا التحرك الشامل المتناغم، وكان الموقف الرسمي يعبِّر بكل صدقٍ ووضوح عن الموقف الشعبي.

ثم الموقف العملي، الذي هو تحركٌ شاملٌ في كل المجالات، بدءاً من العمليات العسكرية، ومراحلها التصاعدية، بالرغم مما واجهته من تعقيدات، كان ما يرغب به شعبنا العزيز، وما يريده، وما طالب به، هو: التفويج، والاشتراك المباشر في القتال، جنباً إلى جنب مع المجاهدين في فلسطين، ولو تهيأت الظروف لذلك فقد كنا جاهزين لتفويج مئات الآلاف للجهاد في سبيل الله تعالى، نصرةً للشعب الفلسطيني، بالقتال المباشر مع المجاهدين في فلسطين، لكن التعقيد الذي حال دون ذلك هو بعد المسافة، والعائق الجغرافي، بوجود أنظمة وحكومات وبلدان فيما بيننا وبين فلسطين، لم تستجب لطلب أن تفتح طرقاً ومنافذ بريَّة آمنة للعبور منها، للوصول إلى فلسطين، والمشاركة مع الشعب الفلسطيني في غزة.

كُنَّا نرصد مسار الأحداث بعد عملية طوفان الأقصى، التي هي نقلة نوعية، وكبيرة، ومهمة جداً، وباتت فعلاً القضية الفلسطينية ببركتها في مرحلةٍ متقدمة، كنَّا نرصد مسار الأحداث، وننسق مع إخوتنا في محور المقاومة، وبقية جبهات الإسناد، واتخذنا قراراً أعلناه في كلمةٍ متلفزة: بأن العدو الإسرائيلي إذا اتَّجه إلى تجاوز الخطوط الحمر، فسنتجه إلى العمليات العسكرية، المساندة للشعب الفلسطيني ومجاهديه في غزة، الخطوط الحمر التي قصدناها، هي:

عندما يرتكب العدو الإسرائيلي المجازر الجماعية.

أو يعمل على الاجتياح البري لقطاع غزة.

أو يستهدف بنية المقاومة الإسلامية في غزة، بشكلٍ يضر بها ويؤثِّر عليها.

عندما ارتكب العدو الإسرائيلي جريمته الكبرى، بالاستهداف للمستشفى الأهلي المسمَّى بـ (المعمداني)، قررنا في تلك الليلة بنفسها التدخل بالإسناد العسكري؛ لأن العدو الإسرائيلي تجاوز الخطوط الحمراء، وارتكب مجزرة إبادة جماعية، كُنَّا نريد في تلك الليلة أن تكون أول عملية عسكرية مساندة، مباغتةً ومفاجئةً للأعداء، لكن الأمريكي مع نشاطه التجسسي في الأجواء اليمنية رصد التحركات والاستعدادات للعملية؛ وبالتالي أرسل برسالةٍ إلينا فيها التهديد، والوعيد، والتحذير، فكان ردنا عليه- بتوفيق الله- رداً قوياً، وأكدنا على ثباتنا على موقفنا، وقررنا تنفيذ العملية في صباح ذلك اليوم، بالرغم من معرفتنا أن الأمريكي سيسعى إلى اعتراض الصواريخ والمسيَّرات، فقررنا تنفيذ العملية بالصواريخ والمسيَّرات باتَّجاه أم الرشراش وجنوب فلسطين، وكانت هذه هي مرحلتنا الأولى في عمليات الإسناد العسكرية، وكان ذلك أقصى ما نمتلكه، وما يتوفر لدينا من إمكانات، هو: القصف إلى ما يسميها العدو بـ [إيلات] إلى أم الرشراش في جنوب فلسطين، الأمريكي كان مستعداً للاعتراض، وتعاون مع بعض الأنظمة العربية، وسعى لاعتراض ما تمكن من اعتراضه من تلك الصواريخ، ومن تلك الطائرات المسيَّرة، ووصل ما وصل.

اتجهنا على أساس الاستمرار في هذه العمليات، مع دراسة خيارٍ إضافي؛ من أجل فاعليةٍ أكبر، وضغطٍ أكبر على العدو، وتقرر لدينا أن نعتمد العمليات البحرية، على أساس أن تكون مساراً إضافياً، مع الاستهداف بالقصف الصاروخي إلى فلسطين المحتلة، لاستهداف العدو في أم الرشراش وجنوب فلسطين، وكانت هذه مرحلةً ثانية.

العمليات البحرية بدأت بدايةً موفقة، بتوفيقٍ من الله تعالى، ومباركة، ومفاجئةً للعدو الإسرائيلي وغيره، وللأمريكي، وللعالم، بدأت بالسيطرة المباشرة على سفينةٍ إسرائيلية، وكانت السيطرة عليها، ومشاهد العملية التي وُثِّقَت أثناء تنفيذ العملية، كان لها صداها الكبير، وتأثيرها الكبير، وتمهيدها المهم لما بعدها من عمليات.

الأمريكي قلق بشكلٍ كبير، وكثَّف من تواجده بقطعه الحربية في البحر، ونشاطه البحري؛ من أجل حماية السفن الإسرائيلية. الإسرائيلي اغتاظ جداً، ومن لحظة السيطرة على تلك السفينة الإسرائيلية، كان هناك تصريحات من المجرم [نتنياهو]، تصريحات من قادة الجيش الإسرائيلي، من كبار المجرمين الإسرائيليين، التي تُعبِّر عن شدة غيظهم، وعن مدى ما كانوا فيه من القهر والضيم، وما كانوا فيه من الغيظ الشديد، لكن العمليات البحرية استمرت، بالرغم من تحرك الأمريكي الواسع لحماية السفن الإسرائيلية، وكانت بتعاونٍ كامل ما بين القوات البحرية، التي كانت في مقدمة من يُقدِّم الشهداء في سبيل الله تعالى في هذه العمليات، والقوات الصاروخية، والطيران المُسيَّر، هذه القوى الثلاث في القوات المسلحة اليمنية لها الدور الكبير جداً في هذه العمليات العسكرية، والذي كان بجهدٍ مستمر، وبتضحيات، وبثبات، وبعملٍ دؤوب، نسأل الله تعالى أن يكتب أجرهم، وأن يتقبل منهم جهادهم وتضحياتهم.

الأمريكي كثَّف الانتشار في البحار، واستعان بالأوروبيين في ذلك، وكان تركيزه مع من يتعاون معه من الأوروبيين على عمليات الاعتراض للصواريخ، وللطائرات المُسيَّرة، وعلى مرافقة السفن الإسرائيلية التي تتحرك في البحر، لكنه بالرغم من كل ذلك فشل، كانت تُقَابَل استراتيجيتهم في الاعتراض بكثرة إطلاق المسيَّرات والصواريخ، فكانوا إن اعترضوا البعض منها، وصل البعض الآخر؛ ولـذلك نجحت العمليات البحرية بالاستهداف للسفن الإسرائيلية، وأثَّرت على حركتها ونشاطها.

ما بعد ذلك تم الانتقال إلى تطوير الصواريخ، وتطوير الطائرات المسيَّرة، وتطوير الزوارق البحرية، وكل هذا تحقق فيه نتائج مهمة ونقلات مهمة، تفاجأ الأعداء بشكلٍ كبير (الأمريكي، وتفاجأ معه الآخرون أيضاً) من استخدام الصواريخ البالِسْتِيَّة في العمليات البحرية، لأول مرة في التاريخ، لم يسبق أن تستخدم الصواريخ البالِسْتِيَّة، التي تستخدم عادةً لاستهداف أهداف ثابتة في البر، ولكن أن تستخدم لاستهداف أهداف بحرية متحركة في البحر، فكان هذا مفاجئاً لهم جداً، وكان هذا بتوفيق الله تعالى، وبجهدٍ تقنيٍ بذله الإخوة في الصاروخية، كذلك تحققت نتائج مهمة في تطوير الطائرات المسيَّرة، والزوارق البحرية بموازاة ذلك؛ ولـذلك كانت عمليات الاعتراض ضعيفة، بعد هذا التطور، على مستوى الصواريخ البالِسْتِيَّة، واستخدامها في العمليات البحرية، وعلى مستوى تطوير الطائرات المسيَّرة والزوارق البحرية، فكان تأثيرها تأثيراً كبيراً، وصل إلى تخوّف العدو الإسرائيلي من حركة أي سفن تابعةٍ له بشكلٍ مباشر، وتوقف عن ذلك.

يعني: بفضل الله تعالى، في تلك المرحلة المهمة، نجحت قواتنا المسلحة بإيقاف النشاط المباشر الملاحي للعدو الإسرائيلي عبر البحر الأحمر بشكلٍ كامل، من خلال سفنه التي يمتلكها، وانتقل العدو الإسرائيلي إلى استخدام طريقةٍ أخرى، هي: نقل بضائعه في سفن لشركات أخرى، ولدول أخرى، بحيث تُنْقَل فيها بضائعه، بدلاً من النقل لها في سفن يمتلكها هو، بالرغم من أنه ما قبل ذلك كان يعتمد على أسلوب التمويه، التمويه لسفنه، من خلال أنها لم تكن تحمل العلم الإسرائيلي وهي تمر في البحر الأحمر وباب المندب، ثم يُمَوِّه أيضاً باسم دول أخرى، وشركات أخرى، فلم ينجح في ذلك، تم الاكتشاف لها، من خلال نشاط معلوماتي مُنَظَّم وقوي، واختراق معلوماتي مهم، بجهدٍ مهم، نجحت فيه القوات المسلحة، ثم انتقل إلى تلك الطريقة، التي هي: نقل بضائعه في سفن لدول أخرى، ولشركات أخرى، وكان الاستهداف لها يمثل أيضاً خطوةً جديدة، ومرحلةً جديدة ذات حساسية كبيرة، لكن كان يترافق مع ذلك تحذير للشركات، وتحذير للدول التي تتبعها تلك الشركات، وتحذير أيضاً للسفن نفسها أثناء تحركها، ثم تستهدف.

كان الانتقال إلى هذه المرحلة أمراً مزعجاً بشكلٍ كبير للأمريكي وللإسرائيلي؛ لأن معناه: المنع للإسرائيلي من نقل بضائعه في التصدير، أو في الاستيراد، بشكلٍ نهائي عبر البحر الأحمر وباب المندب بأي وسيلة من الوسائل، لا في سفنه المباشرة، مع تمويهها، ثم فشل في ذلك، ولا عبر سفن أخرى، وهذا له تأثيره المباشر على العدو الإسرائيلي في اقتصاده.

الأمريكي انتقل للتصعيد مع ذلك في مرحلة جديدة من التصعيد، وحاول أن يحشد لها الآخرين، ولكنه فشل في ذلك، فقط تحرك معه البريطاني، انتقل إلى مرحلة من التصعيد بالعدوان على بلدنا إسناداً للإسرائيلي، وأعلن عن ذلك، ولأنه أصبح يفشل في مسألة الاعتراض، أراد أن يستهدف البنية الصاروخية، في منصات الإطلاق، في المصانع، في المخازن، وأن يستهدف العمليات التي يتم فيها إطلاق الصواريخ والمسيَّرات في داخل بلدنا.

ترافقت العمليات العدوانية على بلدنا، التي ينفذها الأمريكي، مع رصدٍ جويٍ كثيفٍ جداً، بالأقمار الصناعية، وكل أنواع طائرات التجسس التي يعتمد عليها الأمريكي؛ بهدف الاكتشاف للبنية الصاروخية التحتية، لمنصات الإطلاق، لمرابض الإطلاق، للمخازن، للمصانع، وحاول الأمريكي أن يكثِّف من استهدافه للبنية التحتية، لكنه فشل في ذلك، وتوسَّعت دائرة العمليات من البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، إلى بحر العرب، وكانت هذه أيضاً نقلة في العمليات، ومرحلةً مهمةً وجديدة، وتوسَّعت بأكثر من ذلك إلى أقصى البحر العربي، وإلى المحيط الهندي، وبمحاذاة سقطرى، وهذه أيضاً إنجازات كبيرة، وتصعيد في العمليات، له تأثيره على الأعداء.

توسَّعت العمليات البحرية إلى البحر الأبيض المتوسط، وهذه الخطوة تمت بناءً على التنسيق ما بيننا وبين الإخوة في المقاومة الإسلامية في العراق، لكن هذا المسار واجه الكثير من العراقيل، نتيجةً لحجم الضغوط على الإخوة في المقاومة الإسلامية في العراق؛ ولـذلك لم يكن هذا المسار فعَّالاً بقدر ما كُنَّا نريد، وكُنَّا نأمل الاستمرار في تقوية هذا المسار.

أيضاً فيما يتعلَّق بالمحيط الهندي: نجحنا في مستويات معينة، لكن الأعداء عملوا على الابتعاد أكثر في أقصى المحيط الهندي، بمسافات بعيدة، وكان هذا أيضاً يتطلب المزيد من تطوير القدرات؛ للوصول إلى مسافات أبعد في المحيط الهندي.

ثم كذلك فشل الأمريكي في حماية السفن بشكلٍ نهائي، السفن التي تتبع العدو الإسرائيلي، أو التي تحمل بضائع له، وتوقف النشاط الملاحي الذي يتبع العدو الإسرائيلي بشكلٍ نهائيٍ عبر البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي، في هذا المسار توقف بشكلٍ كامل؛ وبالتالي توقف بشكلٍ كامل ميناء أم الرشراش، التي يسميها العدو [إيلات]، توقف بشكلٍ نهائيٍ عن العمل، وهو الميناء الفلسطيني الوحيد المطل على البحر الأحمر، الذي كان يستفيد منه العدو استفادةً كبيرة في كل مساره الملاحي عبر البحر الأحمر، كان لهذا تأثيره الكبير على العدو في الجانب الاقتصادي، في خسارته لما كان يحصل عليه من إيراد مالي من هذا الميناء، وفيما كان يصدِّره عبره أيضاً، للحركة التجارية، أيضاً كان للعمليات تأثيرها الكبير على جنوب فلسطين، وعلى أم الرشراش، وتحوَّل الوضع هناك إلى منطقة شبه مهجورة ومشلولة من أي نشاط اقتصادي ونشاط سياحي، وكان لهذا تأثيره الكبير على العدو.

فيما يتعلَّق بالصاروخية والمسيَّرة: استمرت العمليات بالاستهداف للعدو إلى فلسطين، مع التطوير المستمر لتجاوز حالات الاعتراض، التي ينشط فيها الأمريكي، وأيضاً لتطوير القدرات لتجاوز الاعتراض الإسرائيلي نفسه، فكان النجاح في تطوير الطائرة المسيَّرة (يافا)، التي تمَّ الاستهداف بها في مرحلة متقدَّمة بالوصول إلى يافا المحتلة، التي يسميها العدو [تل أبيب]، إلى المركز الذي يمثِّل مركز الثقل لدى العدو، على المستوى الإداري في كيانه المحتل، ثم بتطوير صاروخ (فلسطين)، الذي كان نقلةً حقيقية فيما يتعلق بالصواريخ، وكذلك للوصول به إلى يافا المحتلة، وإلى أي مكان في فلسطين المحتلة؛ لاستهداف أي أهداف تابعة للعدو الإسرائيلي.

كانت هذه النقلة مزعجة جداً للعدو الإسرائيلي، الذي يرى نفسه يواجه هذه العمليات دون أن يتمكَّن من منعها، أصبحت جبهةً قويةً، مؤرِّقةً للعدو، مؤثرةً عليه، ودون أن يتمكَّن من التخلص منها، من خلال الاستناد على الأمريكي، والاعتماد على الأمريكي والبريطاني، وأصبح العدو الإسرائيلي في وضعٍ صعب؛ وبالتـالي كان يوبِّخ الأمريكي ويلومه: [لماذا لم ينجح في توفير الحماية له؟!].

الأمريكي كان منزعجاً جداً؛ ولـذلك اتَّجه إلى التصعيد في عدوانه على بلدنا، واستخدم وسائل جديدة في تصعيده العدواني على بلدنا، منها:

طائرات الشبح، التي- ربما- هي آخر ما لدى الأمريكي في الطيران الحربي، يأتي بها من أمريكا رأساً لتنفذ عمليات قصف عدوانية في بلدنا، ثم تعود إلى أمريكا؛ لأنها- كما بلغنا، وكما هو منشور ومتداول عن هذه الطائرة- أنها ليست موزَّعةً في القواعد العسكرية الأمريكية في بقية البلدان؛ لأهميتها الكبرى لدى الأمريكي، ولما لها من مميزات كبيرة جداً، يحتفظ بها في أمريكا، وتنفذ عمليات من هناك، ثم تعود إلى أمريكا، وهذا يعتبر- يعني- تصعيداً كبيراً بالنسبة للأمريكي، وخطوةً يعتبرها خطوةً كبيرة، في محاولات ضغطه لمنع العمليات اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني ومجاهديه.

واستخدم أيضاً قاذفات الـ (بي-52)، وهي أيضاً من أهم ما بحوزة الأمريكي من سلاحٍ جويٍ مدمِّر، يعتمد عليه، وله هيبته عند مختلف الدول الكبرى، وجيوشها الكبرى بما تمتلكه.

الأمريكي كثَّف أيضاً من الرصد الجوي، مع كل ذلك فشل، يعني: عمل على مستوى سلاح الجو على التصعيد حتى باستخدام هذه الوسائل، التي لا يستخدمها إلا نادراً، في حالات نادرة، في حالات استثنائية، مع ذلك فشل، استمرت العمليات: سواءً بالقصف الصاروخي، أو بالمسيَّرات، في العمليات البحرية، والعمليات المساندة إلى فلسطين المحتلة؛ لاستهداف أهداف تابعة للعدو الإسرائيلي.

استخدم الأمريكي حاملات الطائرات، التي كان يُرعِب بها كبار منافسيه ومناوئيه من الدول الكبرى في العالم، وأتى بها إلى البحر الأحمر، وإلى البحر العربي، ومع ذلك تم استهداف حاملة الطائرات، وأصبحت في حالة الدفاع، بدلاً من أن تكون في موقع الهجوم، بل تزامنت كثيرٌ من عمليات الاستهداف لها، مع تحضيرها وترتيبها لتنفيذ عمليات عدوانية على بلدنا، مع قوة الاستهداف، وكثافة العمليات التي تستهدفها، اضطُر الأمريكي إلى أن يهرب بحاملة الطائرات [روزفلت] من البحر الأحمر، ثم حاملة الطائرات [لينكولن] حتى من البحر العربي، ثم أتى بحاملة الطائرات [ترومان]، وهي تهرب باستمرار في كل عملية اشتباك معها إلى أقصى شمال البحر الأحمر، وتتموضع بعيداً جداً عن السواحل اليمنية، بما هو أبعد من ألف كيلو متر؛ ولـذلك كلما اقتربت من أجل تنفيذ عملية، يتم الاشتباك معها، ثم تهرب على الفور، وتغادر تشكيلاتها الجوية من الطائرات التي تقلع من فوقها لتنفيذ عمليات، تعود على الفور إلى فوقها، وتهرب وتغادر مسرح عملياتها.

هذا المستوى من التصعيد أيضاً لم ينجح به الأمريكي في الضغط على العمليات اليمنية لإيقافها، مع أنه من الخطوات المتقدِّمة جداً للضغط الأمريكي العسكري، فشلت حاملات الطائرات في أن توفر حالة ردع، لمنع العمليات اليمنية، أو أن تنجح في إيقافها بالفعل، لا بالردع، ولا بالفعل، ولا بالاعتراض؛ ولـذلك استمرت العمليات العسكرية بالقصف الصاروخي، والطائرات المسيَّرة، والعمليات البحرية، ولم تتوقف حتى تمَّ هذا النصر بفضل الله تعالى.

القوات البرية في القوات المسلحة كانت أيضاً في جهوزية مستمرة، ومرابطة دائمة، واستعداد للتصدي لأي محاولات عدوانية برية، وبذلت الجهد المستمر في المرابطة، في الانتباه، في الحضور، في الاستعداد، في التدريب والتأهيل، في كل ما تتطلبه الجهوزية العالية للتصدي لأي تصعيدٍ عسكريٍ عدوانيٍ يشمل الجانب البري، هذا في المسار العسكري، وكانت فيه نقلات وخطوات بفضل الله تعالى، ومواجهة أيضاً لكثير من التكتيكات الحربية الأمريكية، ووسائل التصعيد وأساليب التصعيد التي اعتمد عليها الأمريكي.

وصل الموضوع إلى اشتراك الإسرائيلي، بعد عجز الأمريكي عن حمايته، وعجزه أيضاً عن التصدي للصواريخ التي كانت تخترق الأجواء، ولم تتمكن المنظومات الإسرائيلية المتوفرة للعدو الإسرائيلي من اعتراضها ومنعها، فكان لها تأثيرها الكبير، الضاغط جداً على العدو الإسرائيلي، على مستوى الفزع والرعب الذي تصاعد، وكان يسبب في طرد ملايين المستوطنين الصهاينة من على فراش نومهم إلى الملاجئ، أحياناً خمسة مليون صهيوني أو أكثر يهربون في منتصف الليل، أو في آخر الليل، إلى الملاجئ، في حالة من الرعب والتدافع يهلك فيها بعضهم، وكذلك الأضرار المباشرة، والأضرار على الوضع الاقتصادي، وكذلك التأثير على حركة الرحلات الجوية إلى مطار [بن غوريون]… وغير ذلك من التأثير المباشر على العدو، مع تأثير العمليات البحرية.

العدوان الإسرائيلي الذي تكرر لعدة مرات، لم يحقق أي نتيجة، ولم ينجح أبداً في الضغط لإيقاف العمليات اليمنية، التي استمرت بتصاعد وتصعيدٍ ملحوظ، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة، التي كانت بشكلٍ شبه يومي، هذا في مسار العمليات العسكرية، والتي كانت بأعلى سقف، وبكل جرأة، من منطلقٍ إيماني، بإحساسٍ بالمسؤولية الإيمانية، وأداءٍ جهاديٍ في سبيل الله تعالى، وبجهدٍ وتضحيات قدَّمتها القوة الصاروخية، وقدَّمها الإخوة المجاهدون في الطيران المسيَّر… وبقية التشكيلات التي كان لها إسهام كبير في هذه العمليات، رأس الحربة كان هو: الإخوة المجاهدون في القوات الصاروخية.

فيما يتعلَّق بالتحرك الشعبي: كان التحرك الشعبي مميزاً، ومختلفاً عن غيره في كل الشعوب والبلدان، والمفارقة كبيرة ما بين حال البلدان المتخاذلة، والصامتة، والمكبَّلة، والمقيَّدة، وما بين هذا المستوى العالي من التحرك الشعبي في اليمن.

كان هناك نشاط واسع جداً، من ضمنه:

مسار التعبئة العسكرية، وهو مسار في غاية الأهمية، تمَّ فيه تدريب مئات الآلاف من أبناء الشعب اليمن، مع أنشطة متنوعة، من: المناورات العسكرية، والعروض العسكرية، والمسير العسكري، ولا يزال هذا المسار مستمراً، وإن شاء الله بما هو أكبر وأقوى.

كان هناك مئات الآلاف من الوقفات المتنوعة، ومنها: وقفات كثيرة جداً، بالآلاف، وقفات نسائية، هناك وقفات لمختلف أبناء اليمن، وقفات لطلاب الجامعات، وقفات على مستوى النشاط الاجتماعي، وقفات قبلية عظيمة وكبيرة ومهمة… وقفات متنوعة لكل فئات المجتمع، أمسيات وندوات، كل هذا كان بمئات الآلاف من الأنشطة المكثفة.

كان هناك أيضاً الخروج المليوني الأسبوعي، الذي استمر على مدى خمسة عشر شهراً، بزخمٍ شعبيٍ هائل، في مئات الساحات، وفي مقدِّمتها: ميدان السبعين في صنعاء، بما لا مثيل له أبداً في أيِّ بلدٍ في العالم، ولا لنصرة أي قضية، هذا الخروج المليوني في كل أسبوع استمر أولاً بدون كللٍ، ولا مللٍ، ولا فتور، وبقيت الصورة الهائلة جداً لملايين اليمنيين في ميدان السبعين، وفي غيره من مختلف الساحات، صورةً أسبوعيةً يشاهدها العالم دون أن تتراجع، دون أن تضمحل أو تتلاشى.

كان هناك أيضاً مع هذا الاستمرار، الذي هو ميزة عظيمة جداً؛ لأن الكثير من الناس وبالذات العرب، من أكبر السلبيات التي يعاني منها العرب هي: الملل، والكلل، والفتور، والتوالي، لكن هذا النشاط الكبير في الحضور الأسبوعي دون كلل، كان وراءه إيمان، دافعٌ إيماني، كان هناك استمرار في كل الأحوال:

في شدة الحر، وفي المناطق التي تعاني من شدة الحرارة، في المناطق الشرقية، في الجوف، في صحاريها ومناطقها، التي هي في ذروة الصيف في شدة الحرارة، ومنتهى الحرارة، في مأرب، في الحديدة، كذلك في بعض مديريات محافظة حجة، في كل تهامة، في مناطق كثيرة.

مع حالة البرد الشديد في المناطق الباردة، وفي أوقات البرد.

في حالات المطر، المطر يصب، والمتظاهرون يخرجون، والسيل يتدفق في الشوارع، وهم يسيرون بينه إلى المظاهرات.

في شهر رمضان في فترة الصوم.

في مراحل القصف والتصعيد العدواني، كان أحياناً يأتي التصعيد في الليل ويخرج الناس في النهار، يأتي التصعيد أحياناً في الصباح، ويخرج الناس في الظهيرة، ثم أتى القصف والتصعيد بالتزامن مع المظاهرات، كما حصل مؤخراً في صنعاء، وعمران، والحديدة، وخرج الناس والقصف في صنعاء بجوارهم، وثبتوا، واستمروا، ولم يتزحزحوا، في مشهدٍ عظيم، من أعظم المشاهد للثبات، ورباطة الجأش، والتماسك، والشجاعة.

هذا الاستمرار في كل الأحوال، في كل الظروف، خروج أيضاً لكل الفئات: شيباً، من الطاعنين في السن، من الآباء، وشباناً، وصغاراً، وكباراً، وبتفاعل كبير، تعبِّر الاستصراحات، والهتافات، والبنادق، والخناجر، عن هذا التفاعل، وحتى ملامح الوجوه.

قدَّم هذا الخروج المليوني الشعبي المستمر رسالةً قويةً للأعداء، في حجم مستوى التفاعل الشعبي، وكان محبطاً للأعداء؛ لأن الأعداء ينظرون إلى هذه الصورة، التي تعبِّر عن تفاعل هذا الشعب، ثم يحبطون: [كيف سيتعاملون مع ذلك؟! وماذا سيفعلون؟!].

قدَّم رسالة تضامنٍ قوي مع الشعب الفلسطيني، الذي يجد شعباً يهتف معه، يصرخ له، يناصره، يحمل آلامه وآماله، يتضامن معه تضامناً صادقاً، وكان لهذا أهمية كبيرة جداً.

قدَّم هذا الخروج الأسبوعي المليوني دعماً كبيراً للعمليات العسكرية، والمسارات التصعيدية، والمراحل التصعيدية، وتكاملاً معها، وللموقف الرسمي.

مع الخروج المليوني كان هناك أيضاً الإنفاق بالمال، جهاد في سبيل الله بالنفس وبالمال مع الظروف الصعبة جداً، حتى من الفقراء، والشعب اليمني بأكثره يعيش حالةً من الظروف الصعبة، والفقر، مع الحصار الذي له فترة طويلة جداً، ومع سيطرة الأعداء على ثرواته النفطية وغيرها.

لم يتأثر الموقف الشعبي بالحملات الدعائية، بالرغم من أنَّ الأمريكي نظَّم أكبر حملة إعلامية دعائية موجَّهة لاستهداف الشعب اليمني؛ بهدف التأثير على موقفه، من تشكيك، من إثارة قضايا، من تشويه… من غير ذلك، على مدار أربعة وعشرين ساعة لا تتوقف أبداً، ولا مثيل لها، ومع ذلك فشل فشلاً ذريعاً وكاملاً في التأثير على الموقف الشعبي.

لم يتأثر الموقف اليمني بكل أنواع الضغوط: الضغوط العسكرية، الضغوط السياسية، الضغوط الاقتصادية، الضغوط حتى على الملف الإنساني، التهديدات المستمرة، واستمر وهو مستمرٌ في موقفه والأيدي على الزناد.

فيما تحقق حتى الآن، ومع ما منَّ الله به حالياً من الانتصار الكبير لإخوتنا المجاهدين في قطاع غزة، ومع دخول الاتِّفاق في مراحل التنفيذ، نحن الآن نرصد ما يتم، ونرصد مراحل تنفيذ الاتفاق، ونحن في هذه المراحل بكلها جاهزون للتصعيد، في أي مرحلةٍ يعود العدو الإسرائيلي فيها إلى التصعيد، وينكث بالاتفاق، نحن في جهوزية مستمرة، والأيدي على الزناد، وعملياتنا مرتبطة بمدى تنفيذ العدو للاتفاق.

نحن فيما تعلق بما بعد ذلك، يعني: في المرحلة الحاضرة والمستقبلة، القضية الفلسطينية قضية باقية، المسجد الأقصى والمقدسات، الشعب الفلسطيني، حقه في الحُرِّيَّة والاستقلال، تطهير وتحرير فلسطين كل فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، قضية باقية، والمسؤولية فيها مسؤوليةٌ مستمرة، علينا وعلى كل المسلمين؛ ولـذلك نحن نركز على الاستعداد للجولات الآتية، حتماً لابدَّ من جولات آتية، ما تمَّ حتى الآن هو جولة على مدى خمسة عشر شهراً، هذه جولة من المواجهة مع العدو الإسرائيلي، هناك جولات قادمة، نسعى أيضاً للاستعداد لها، مع الجهوزية المستمرة الآن للتدخل الفوري، في أي وقتٍ يعود العدو الإسرائيلي فيه إلى التصعيد، وجرائم الإبادة الجماعية، والحصار لقطاع غزة، ومنع الغذاء والدواء عن أهالي غزة، جاهزون للعودة إلى التصعيد مرةً أخرى مع إخوتنا المجاهدين في فلسطين، ومستعدون، وعاملون باستمرار للاستعداد للجولات الآتية الحتمية، في كل المجالات؛ من أجل أداءٍ أقوى من هذه الجولة- بإذن الله تعالى- على كل المستويات.

أيضا سنتصدى لكل محاولات الأعداء، ولكل أجندتهم الرامية إلى إزاحة شعبنا عن موقفه وتوجهه، بمختلف الأساليب التي يستخدمها الأعداء، الأعداء لهم أجندتهم لهذه المرحلة، التي سيتحركون فيها، سواءً ضد الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزاء، أو ضد جبهات الإسناد، ومنها: جبهة اليمن.

نحن أيضاً ندعو الجميع من أبناء أمتنا الإسلامية، في المنطقة العربية وغيرها، للوقوف الصادق والجاد مع الشعب الفلسطيني؛ باعتبار ذلك مسؤوليةً على الجميع كما قلنا، تجاه المقدسات، وعلى رأسها: المسجد الأقصى الشريف، تجاه الشعب الفلسطيني، الذي هو جزءٌ من هذه الأمة، يجب عليها نصرته، والوقوف معه، ومساندته؛ حتى يحظى بكامل الاستقلال والحُرِّيَّة، وأيضاً لتطهير فلسطين كل فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، هذه مسؤولية الجميع، على الجميع أن يستشعر هذه المسؤولية، من تجاهل؛ لا يفيده تجاهله.

إذا كان البعض نظراً للهجمة الإسرائيلية، والتدخل الأمريكي الذي كان بشراكة تامة مع العدو الإسرائيلي، في عدوان الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كان البعض من الأنظمة وبعض النخب يائسون من إمكانية انتصار الشعب الفلسطيني، فما حدث من انتصار تاريخي هو درس للجميع، ويفترض أن يبعث الأمل في نفوس الجميع، وأن يكون حافزاً لاستشعار المسؤولية من جديد، والتحرك من الجديد من قبل الجميع.

نحن أيضاً نقول لكل الذين يحاولون- نصرةً للأمريكي والإسرائيلي- أن يشككوا بمواقفنا، أو أن يقللوا من أهميتها: الميدان مفتوحٌ أمامكم، عليكم أنتم مسؤولية، تفضلوا، اعملوا أكثر مما نعمل، أقوى مما نعمل، أفضل مما نعمل، ولن يكون موقفنا تجاهكم مثل موقفكم تجاهنا، سنكون إيجابيين جداً تجاه أي عمل جاد وصادق ومؤثِّر لنصرة الشعب الفلسطيني؛ أمَّا موقف شعبنا فتأثيراته ونتائجه واضحة، يعترف بها العدو، ترتبط بها حقائق في الواقع العسكري، والواقع الاقتصادي… وغير ذلك.

نحن في الختام قلنا لإخوتنا في فلسطين في بداية الأحداث، قلنا لهم: لستم وحدكم، الله معكم، ونحن معكم حتى النصر، وثبتنا بتوفيق الله تعالى، ثبت شعبنا العزيز بتوفيق الله تعالى مع الشعب الفلسطيني ومجاهديه حتى تحقق هذا الانتصار في غزة، ونقول لهم أيضاً من جديد: لستم وحدكم، ولن تكونوا وحدكم، الله معكم، ونحن معكم حتى النصر بتحرير فلسطين كل فلسطين، واستعادة المقدَّسات.

أَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ ينصرنا بنصره، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • “الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة بمناسبة الانتصار التاريخي للشعب الفلسطيني
  • الأمين العام لحركة المجاهدين: العدو الصهيوني فشل في كسر إرادة الشعب الفلسطيني ومقاومته
  • حركة المجاهدين: العدو الصهيوني فشل في كسر إرادة الشعب الفلسطيني ومقاومته
  • السيد القائد يشيد بموقف الشعب اليمني على مدى 15 شهر ا
  • الرئيس الإيراني: الشعب الفلسطيني وقف ضد الكيان الصهيوني بقوة وكرامة
  • محمد الحوثي: العنفوان اليماني الذي سناد غزة قادر على مواجهة أي مخططات تحاك ضد بلدنا
  • السيد القائد: حزب الله قدم تضحيات عظيمة من قادته وكوادره وأفراده المجاهدين وبشكل غير مسبوق
  • السيد عبدالملك الحوثي: هذه الجولة من المواجهة علامة فارقة في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي
  • السيد القائد يبارك للشعب الفلسطيني ومجاهديه الانتصار العظيم
  • مباركاً للشعب الفلسطيني ومجاهديه الانتصار الكبير.. السيد القائد: كان للتعاون بين الفصائل الفلسطينية أهمية كبيرة فيما منَّ الله به وتحقق من نتائج عظيمة