لجريدة عمان:
2024-07-03@17:11:26 GMT

ثرثرة

تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT

ثرثرة

«الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا».

تلك هي شفافية المساءلة!

سنعود إلى العم أنيس لاحقا، بعد كلام نحاول جهد ضميرنا الأدبي والإنساني ألا يكون ثرثرة.

المونولوج أكثر صدقا من الديالوج، لأن حديث الإنسان داخله مهما حاول البعد عن الحقيقة، إلا أنه يجد نفسه يحدثها بصراحة، أي بصدق. أما في الحوار فمهما حاولنا أن نكون صريحين وشفافين، إلا أن الصدق يظل نسبيا لا يكتمل.

يقودني هذا الحديث إلى تأمل ظاهرة الإبداع الأدبي، خاصة في السرد القصصي والروائي، وهي أن الإبداع فعلا هو ما نقوله في الواقع، أي هو ما نسره، لأنه ببساطة هو الأكثر صدقا.

لذلك، ربما لا نتقبل صراحة وجود مظاهر في حياتنا تجتمع في وقت واحد، بسبب حالة التضامن العامة، لكنه بالرغم مما يعد تناقضا، فإنها تكون.

قد لا يكون كاتب المقال صريحا وصادقا تماما، وربما نتفهم ظروفه، لكن كاتب الأدب لا بد أن يكون كذلك، صادقا.

في إنتاجه الأدبي في الفترة الممتدة من بداية الثلاثينيات إلى نهاية الثمانينيات، ظل نجيب محفوظ صادقا أبدا لا يثرثر، وهو الذي تشرفت بأن عشت عاما جارا له أيام الدراسة. في القهوة التي جمعتنا في شارع النيل، في العجوزة، لم أسمعه إلا مرددا «مساء الخير أو متشكر»، لكنه رحمه الله كان دوما صامتا ينظر إلى النيل بنظارته السوداء، يشرب فنجان قهوته الصغير.

عدت إلى فيلم ثرثرة فوق النيل للمخرج حسين كمال، عن رواية بالاسم نفسه لنجيب محفوظ، وشاهدته 3 مرات، ثم عدت إلى نص الرواية لأقرأه على عجل، ربما للمقارنة.

لعل القارئ/ة يسأل لماذا عدت لعام 1966، عام صدور الرواية، وعام 1971 عام إنتاج الفيلم؟ لقد مرّ 57 عاما على الرواية، و53 عاما على الفيلم، فلماذا الآن! ولأنني كاتب مقال، من الصعب الصراحة التامة، لكن سأحاول.

في مأساة الحرب، والظروف الحزينة، كنت طفلا وشابا لا أتقبل أي سلوك لا ينسجم مع الحال، لكن مع تقدم العمر، صرت أقل لوما وعتابا.

الأصل هو حالة التضامن، وهذا هو الطبيعي الوطني والقومي والإنساني، ولكن على أرض الواقع، وفي الليل، فثمة «عوامات» على الأنهار والبحور، وعلى الجبال، استمر اللهو بها؛ حيث ترددت سمارة الصحفية في الكتابة ما بين النص الصحفي والمسرحي، عن «العوامة» في الرواية والفيلم، لتكتب شيئا عن عالم زوارها المتعاطين للحشيش. وهو تردد فكري ونفسي ليس عن تعاطي الحشيش بحد ذاته، بل عن حالة الانفصام عن المجتمع وقضاياه المصيرية.

في الفيلم، حين يهبط أنيس ورجب لم يباليا بما ركزت كاميرا حسين كمال في صحيفة الأهرام المعلقة للبيع في «الكشك»، التي كان عنوانها متحدثا عن القتال.

وحين يأتي أخوها من الجبهة لقضاء إجازة قصيرة، لليلة واحدة، تقترح عليه أخته أن يخرج إلى الليل لـ «يغير جو»، فيبتسم ويجلس كأنه حسم أمره بالبقاء في البيت. كان أخوها المقاتل متفاجئا ومندهشا لحالة الانفصام ما بين أرض القناة وليل القاهرة، وحين خففت أخته الصحفية مما يشعر به، قائلة إنهم «أقلية»، وتقصد رواد الملاهي، يبتسم في تأمل يترك للمشاهد فرصة التفكير والشعور.

رواية جمعت مثقفين يترددون على عوامة لقضاء وقت بعيدا عن هموم العمل والوطن، حيث وجدوا أنفسهم بلا دور، ولكن يصابون (بتفاوت) بصدمة حين يدهسون بسيارتهم حين اصطحبوا أنيس خارج العوامة لـ «تغيير الجو» بفلاحة، كانوا قد شاهدوا ممارستها مع النساء طقسا قديما عند منحوتة فرعونية لترزق بذكر. ومع زيارة أنيس للجبهة، يصاب بصدمة أخرى يجعله يتساءل عن الدور.

صدمة إنسانية وصدمة وطنية، هل توقظان المخدرين!

«الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا». هكذا يصدم أنيس رفاق العوامة، بعد أن صار «صاحب التعميرة»، لديهم، كأنه تعب من حديثه الداخلي الذي ينتقد فيه ما يحدث في وزارة الصحة والوطن، وبالطبع كان ذلك أيام حكم ناصر، الذي لم ينتقد عصره إلا قله أثناء وجوده؛ فقد تعرض محفوظ لغضب من مجلس قيادة الثورة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بسبب عدد من رواياته مثل هذه واللص والكلاب.

يبدأ الفيلم بالدخان، الذي يصاحبنا طوال الفيلم، للتعبير ليس عن حالة التخدير، بل عن حالة عدم الوضوح، وهذا ما فشلت الصحافة في التعبير عنه فعلا، حيث لم يتم الحديث الواعي الصريح عن التجربة الاشتراكية وما واكبها من سلوكيات تناقضها.

لعل مجموعة العوامة يمثلون الشريحة المثقفة، وربما المجتمع: الموظف المحبط أنيس زكي، وسنية التي تحاول التنفيس عن غضبها بعد اكتشافها لخيانة زوجها لها، وسمارة الصحفية دائمة الانتقاد لكل شيء، وسناء الطالبة الجامعية التي تقاسي من إهمال والديها نحوها. طبعا بالإضافة لرجب الممثل والمحرر وأخريات.

أتساءل وأنا أعيد مشاهدة الفيلم، هل قمنا ككتاب ومواطنين بدورنا؟ هل نقوم به؟

كما لاحظنا كان أنيس معظم الوقت يتحدث مع نفسه، وكان الأكثر صمتا بين رواد العوامة المثرثرين جدا بلا معنى ولا جدوى. حديث أنيس حول الفساد، والسياسة، لكنه يتجاوز ذلك إلى أسئلة الحياة الوجودية، وإلى أزمة الحكم المستبد وهو ينظر إلى مياه نهر النيل: لماذا كل هؤلاء الحكام الآلهة الذين حكموا سكان هذا النهر منذ عصر الفراعنة؟، «قال لنفسه إنه لم يكن عجيبا أن يعبد المصريون فرعون، ولكن العجيب أن فرعون آمن فعلا أنه إله».

لكنه يصحو أخيرا بعد الصدمتين، (الصدمة الثانية ظهرت فقط في الفيلم الذي أنتج عام 1971، التي يظهر فيها الجهد الحربي). لعله دور أنيس الذي ترك الحشيش وبدأ يفكر بتكوين حياة اجتماعية إيجابية، والتطوع في العمل العام الوطني.

أما مجتمع العوامة، فقد برروا لسمارة الصحفية ابتعادهم عن العمل العام بقولهم على لسان علي السيد: «نحن لسنا أنانيين أبدا، وكلٌّ منا يكد في حياته الخاصة والمهنية، لكننا نرى أن السفينة تسير من دون حاجة إلى رأينا أو معاونتنا..» أما خالد عزوز فيقول: «لكن بعد ما قامت الثورة، جالنا إحساس أن دورنا انتهى، وحسينا إنه تم إبعادنا عن المشاركة». لذلك، فإنهم بقوا يثرثرون، في ظل استمرار الحال، كونهم ارتضوا بالتهميش. ربما كانت خاتمة الرواية استفزازا لهم وللمجتمع للتغيير.

في الرواية كانت البطولة للغة والحوار، وسط جماليات لغوية تم توظيفها، أما في الفيلم فكانت الصورة السينمائية وحدها كافية لإيصال الفكرة وبالتالي الرسالة.

«الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا».

قالها واقعيا الموظف أنيس، بعد أن قرأ في الصحيفة وفاة الفلاحة التي صدمتها سيارة عابثين، أي أنه لا بدّ من تسليم أنفسهم للشرطة، ومن ثم للقضاء. لا بدّ من تحمل المسؤولية. وقالها نجيب محفوظ والمخرج حسين كمال رمزيا، أي أنه ما دام الحمل-الحلم لم يكتمل، ولم نحقق أهدافنا، فإنه يجب تحمل المسؤولية والتنحي جانبا.

صحيح أن قاعة الأغاني والرقص اختف صوتها في الشارع الرئيسي في المدينة الجبلية، وغيرها من الصالات، لكن ليس بعيدا، ندلف بالصدفة إلى حياة ليلية أخرى، رجال ونساء، لا نوايا البشر، لكن لعل ذلك ليس مناسبا، ربما سأتذكر فيلما ورواية، تزيد التعيينات في المناصب وما يتعلق به من فساد متنوع تذكري للرواية والفيلم، لكن يصعب علينا أن نثرثر، فليس في مقام الموت بالجملة أية ثرثرة.

وأخيرا لعل المجتمع يكون متضامنا مع نفسه، ولا يبحث فقط عن دور بل يمارسه، وعلى ضوء أهدافه يقوم بالمساءلة.

ذلك هو حديثي الداخل تجاه ما يحدث الآن، وهو حديثي العلني أيضا. أما حالة التضامن، فمتروكة للضمير الذي بعد كل هذه الدماء سيصحو.

صعب أن تستمر الثرثرة، عيب وعار أن يستمر ذلك.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بـ 200 مليون جنيه.. أولاد رزق يحقق اعلى ايراد بتاريخ السينما المصرية

حقق الجزء الثالث من فيلم "ولاد رزق" والذي يحمل عنوان "القاضية"، إنجازات تاريخية بعدما نجح الفيلم في أن يكون صاحب أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية. الفيلم الذي يقوم ببطولته أحمد عز وعمرو يوسف وأسماء جلال وسيد رجب، نجح في 20 يوما فقط منذ بداية عرضه، أن يتجاوز الـ 200 مليون جنيه مصري.

وهو ما يجعله يتربع وحيدا على قمة إيرادات السينما المصرية عبر التاريخ، حيث لم يسبق لأي فيلم الوصول إلى هذا الرقم، فيما كان الرقم القياسي مسجلا لصالح فيلم "بيت الروبي" الذي قام ببطولته الثنائي كريم عبد العزيز وكريم محمود عبد العزيز، بعدما حقق 131 مليون جنيه مصري.

الفيلم الذي تم إنتاجه برعاية موسم الرياض، حقق من قبل أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية، خلال أيام عيد الأضحى، كما نجحت إيراداته في جعله أول فيلم عربي تصل إيراداته لـ 200 مليون جنيه داخل مصر.

وهو ما أعلن عنه المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية، حيث كتب عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قائلا "200.365.910 مليون جنيه دخل ولاد رزق 3 .. أول فيلم عربي يوصل لهذا الرقم داخل مصر".

مقالات مشابهة

  • فيلم أهل الكهف مهدد بالانسحاب من دور العرض.. كم حقق؟
  • كيت وينسلت تتسلم تكريمها في مهرجان ميونخ السينمائي
  • في حالة نادرة.. نحلة تلدغ رجلا في عينه وتترك مضاعفات خطيرة
  • بـ 200 مليون جنيه.. أولاد رزق يحقق اعلى ايراد بتاريخ السينما المصرية
  • بالفيديو.. حاج موسى يباشر التحضيرات الصيفية مع ناديه الجديد
  • حول الرواية التاريخيّة.. محاولة في الفهم والتحليل
  • "انظروا إلينا نرقص".. رواية لـ"هشام النجار" في مواجهة التطرف والإرهاب
  • أريستوفيتش: "رؤوس الأوكرانيين ستنفجر" بسبب ثرثرة زيلينسكي عن المفاوضات
  • شبانة: مجلس الزمالك تسبب في غضب جماهيره.. ومطالب النادي لم يتحقق منها شيئا
  • شبانة: مجلس الزمالك لم يحقق أي مكاسب من الانسحاب أمام الأهلي