سلط مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي "ستراتفور" الضوء على السيناريوهات المحتملة لاندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، بعد تهديد القادة الإسرائيليين بالقيام بعمل عسكري واسع النطاق ضد الجماعة المسلحة المدعومة من إيران.

وذكر المركز أنه في حين أن الغزو الشامل للبنان أمر غير مرجح في الوقت الحالي، إلا أن إسرائيل سوف تنظر في الأسابيع المقبلة في اتخاذ تدابير تصعيدية تنطوي على عمل أقوى ضد حزب الله داخل لبنان، مما يخلق خطر نشوب حرب متعددة الجبهات وطويلة الأمد بالنسبة لإسرائيل.

واستشهد المركز بتصريحات أدلى بها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، الأربعاء، أكد فيه أن احتمال نشوب حرب على جبهة لبنان بات "أكبر من ذي قبل"، مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي "يزيد من استعداده للقتال في لبنان" من أجل هدف واضح جدا وهو إعادة السكان إلى الشمال، في إشارة إلى حوالي 80 ألف إسرائيلي تركوا منازلهم، بسبب الهجمات اليومية لحزب الله.

وتأتي هذه التعليقات بعد تصعيد بين إسرائيل وحزب الله شهد استهداف إسرائيل لمزيد من القادة العسكريين البارزين لحزب الله في لبنان، ورد حزب الله بمحاولة ضرب أهداف عسكرية إسرائيلية استراتيجية.

واعتبر المركز أن هذه الحوادث هي جزء من نمط أوسع من التصعيد المستمر بين الجانبين حيث يتصرف حزب الله بناءً على ضروراته السياسية لتنفيذ هجمات تضامنية إلى جانب حماس أثناء حرب غزة.

بينما تهدف إسرائيل إلى إنشاء نموذج استراتيجي جديد مع حزب الله يعمل على إبطاء قدرة المسلحين على عبور الحدود وجبهتها الشمالية؛ وعدم تكرار هجوم حماس الخاطف على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

الضغط على حزب الله

ورأي المركز أن الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الحالية تتلخص في استخدام التصعيد المستهدف للضغط على حزب الله لحمله على الانسحاب من الحدود.

وتعتمد هذه الاستراتيجية على التصعيد المستمر للهجمات المستهدفة ضد قادة حزب الله العسكريين واغتيال قادة حماس في عمق لبنان للإشارة إلى التهديدات الوجودية لقادة حزب الله وإقناعهم بقبول مواقع أضعف على الحدود الإسرائيلية دون القيام بعمليات برية إسرائيلية كبرى.

وذكر أن هذه الإستراتيجية تتطلب موارد عسكرية إسرائيلية أقل وتسمح للحدود الشمالية بالبقاء مملوءة إلى حد كبير بقوات الاحتياط بينما تواصل الوحدات القتالية في الخطوط الأمامية عملياتها في قطاع غزة.

كما تشير أيضاً إلى اهتمام إسرائيل المستمر بالتوصل إلى نتيجة سياسية تشهد تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1701، وانسحاب قوات حزب الله من جنوب لبنان.

وفي 11 أغسطس/آب 2006، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم "1701" الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، ودعا إلى إيجاد منطقة بين الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني جنوب لبنان، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات "يونيفيل" الأممية.

ومنذ عام 2006 حتى مطلع أكتوبر/ تشرين أول 2023، شهدت الحدود الجنوبية استقرارا كبيرا رغم خروقات محدودة، حيث لم يظهر "حزب الله" وجودا عسكرياً علنيّاً وسط الحديث عن وجود أنفاق ومخابئ له.

ولكن هذه الاستراتيجية تخلق حوافز سياسية جديدة تدفع حماس وحزب الله إلى الانتقام من إسرائيل بشكل مباشر بسبب عملياتها المستهدفة، وخاصة فيما يتصل باغتيال كبار القادة والمسؤولين.

وهذا الرد الانتقامي بدوره يعزز الضرورة الاستراتيجية لإسرائيل المتمثلة في إبعاد المسلحين عن الحدود من أجل الحد من فعالية هجمات خصومها.

ومنذ أكتوبر/تشرين أول المنصرم، اغتال الجيش الإسرائيلي العديد من قادة حزب الله البارزين، بما في ذلك رئيس برنامج الطائرات بدون طيار لحزب الله وسام طويل، وعضو المكتب السياسي لحركة حماس صلاح العاروري في بيروت كجزء من حملة للإشارة إلى التهديد الوجودي لهؤلاء المسؤولين بسبب مواجهات الجماعات إسرائيل عسكريا.

وردا على مقتلهما، زاد حزب الله من حجم هجماته الصاروخية على شمال إسرائيل واستهدف مقر القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي في صفد.

سيناريو التصعيد

وإذا فشلت الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الحالية في إنشاء منطقة عازلة قابلة للحياة تسمح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم، فمن المرجح أن تصعد إسرائيل هجماتها الأكبر على البنية التحتية العسكرية لحزب الله لزيادة الضغط على الجماعة المسلحة، بما في ذلك استخدام غارات برية متواصلة وضربات أعمق خارج المنطقة الحدودية الجنوبية.

ومن المرجح أن يشمل سيناريو التصعيد هذا المزيد من المدفعية والدبابات والقوة الجوية ضد مواقع حزب الله الراسخة مع احتمال شن قوات العمليات الخاصة غارات محدودة قصيرة المدى، لكنه لن يشمل إرسال قوات حاشدة داخل الأراضي اللبنانية.

وسيكون الهدف من هذا التصعيد مرة أخرى هو إرسال إشارة إلى حزب الله ولبنان بأن إسرائيل تستعد لعمليات توغل برية واسعة النطاق يمكن أن تؤدي إلى إشعال حرب واسعة النطاق.

ويمكن أن تبدأ هذه الحملة حتى قبل أن ينهي الجيش الإسرائيلي عملياته في غزة وتعود الوحدات القتالية على الخطوط الأمامية إلى الشمال، حيث ستعتمد على القوات الجوية الإسرائيلية وألوية الاحتياط المنتشرة بالفعل في المنطقة.

لكن من المرجح أن تتسبب هذه الاستراتيجية في مقتل المزيد من المسلحين والمدنيين. وهذا من شأنه أن يحفز المسلحين مرة أخرى على تصعيد عملياتهم الانتقامية ضد إسرائيل، حيث يسعى حزب الله إلى إظهار قدرته على الوقوف في وجه مثل هذا الهجوم وتعزيز شرعيته كمدافع عن لبنان.

ومن المرجح أيضاً أن تؤدي الحملة الجوية والمدفعية المتصاعدة إلى سقوط المزيد من الضحايا بين المدنيين، مما يزيد من عزلة إسرائيل دبلوماسياً ويدفع الحكومة اللبنانية أقرب إلى دعم حزب الله بدلاً من الضغط عليه للانسحاب.

اقرأ أيضاً

رسائل من "حزب الله" تثير رعب سكان شمال إسرائيل (فيديو)

وتسيطر وحدات احتياط إسرائيلية حاليا على معظم الجبهة الشمالية، في حين تنتشر ألوية القيادة الشمالية في الخطوط الأمامية، مثل لواء جولاني، في غزة.

وفي حالة فشل هذه الهجمات واسعة النطاق، ستستخدم إسرائيل التوغلات البرية على مستوى الكتائب في جنوب لبنان لتطهير الأراضي والسيطرة عليها من المسلحين والإشارة إلى أن إسرائيل قد تصعد إلى غزو واسع النطاق.

لكن إسرائيل ستظل مقيدة فيما يتعلق التوجه إلى خيار القيام بغزو واسع النطاق، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن احتلال غزة يعني أن مواردها سوف تستنزف؛ ولذلك فهي ليست حريصة على الاستيلاء على الأراضي في لبنان والاحتفاظ بها بشكل دائم كما فعلت من عام 1982 إلى عام 2000.

ولكن بوسع إسرائيل أن تشير إلى وجود مثل هذا الخيار من خلال تنفيذ عمليات توغل برية محدودة بكتائب كاملة داخل جنوب لبنان وبألوية في الخطوط الأمامية قادرة على الاستيلاء على المنطقة والاحتفاظ بها بشكل مؤقت.

وستركز هذه العمليات على عمليات تطهير الأراضي والسيطرة عليها، وتدمير البنية التحتية لحزب الله، وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بقدرات حزب الله العسكرية ومقاتليه قبل الانسحاب من المنطقة - وهي حملة قد تستمر لأشهر.

ومن المرجح أن تقترن هذه الإستراتيجية أيضًا بحملة جوية متصاعدة في جميع أنحاء لبنان قد تشمل ضربات عميقة في معقل حزب الله في وادي البقاع وضربات على بيروت.

ولكن هذه الاستراتيجية قد تعيد صياغة الحوافز السياسية التي قد تدفع حزب الله مرة أخرى إلى الانتقام والتشبث بقتال أطول أمداً، وخاصة إذا تسببت التوغلات البرية الإسرائيلية في دفع المواطنين والساسة اللبنانيين إلى حشد الدعم لحزب الله كما حدث في عام 2006.

وفي هذه الحالة، يمكن أن تجد إسرائيل نفسها عالقة في حرب حدودية ممتدة مع حزب الله، حيث يكون الطريق إلى وقف التصعيد مقيداً بالضرورات السياسية لكلا الجانبين.

وستتطلب الحملة البرية عودة الألوية الرئيسية للقيادة الشمالية من غزة وإعادة تسليحها، مما يعني أن التوغلات المستمرة غير محتملة حتى يسيطر جيش الدفاع الإسرائيلي على قطاع غزة.

ستواجه التوغلات البرية للجيش الإسرائيلي مقاتلي حزب الله المتمرسين في القتال والذين يتمتعون بسنوات من الخبرة في سوريا، مما قد يؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي من شأنها أن تضعف الدعم الشعبي في إسرائيل لحملة عسكرية هناك.

غزو واسع النطاق

وذكر المركز أن لدى إسرائيل خيار تكرار غزو واسع النطاق على لبنان قبل انتهاء العمليات القتالية في غزة، على الرغم من أن القيام بذلك من المرجح أن يؤدي إلى انتقام إيراني مباشر ضد إسرائيل نفسها، مما يجعل هذا غير مرجح.

ومن غير المرجح أن تنظر إسرائيل في هذا الخيار إلا إذا حصلت على دعم دبلوماسي كامل من الولايات المتحدة، واستكملت أهدافها العسكرية الرئيسية في غزة، ولديها وحدة سياسية داخلية في الداخل ودعم للعملية، أو إذا صعد حزب الله هجماته إلى مستوى يشمل أشياء مثل شن ضربات على مدن إسرائيلية - مما يجعل من المستحيل تجاهل تهديده.

وهذه عقبات كبيرة، مما يجعل الغزو المماثل لعام 1982 غير مرجح، على الرغم من أن هذا السيناريو قد يظهر بمرور الوقت إذا تورطت إسرائيل في حرب حدودية مع المسلحين وأصبحت غير قادرة على طردهم.

في هذا السيناريو، ستحتاج إسرائيل إلى تعبئة ألوية الخطوط الأمامية والحفاظ على مستوى عالٍ من استدعاء قوات الاحتياط للقيام بهجوم كبير داخل لبنان.

وهو أمر قد يحدد هدف الوصول إلى نهر الليطاني كما فعل الإسرائيليون في عام 2006 في محاولة لطرد حزب الله من المنطقة.

من المرجح أن تستغرق هذه الحملة أشهرًا، وتؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا العسكريين والمدنيين لكلا الجانبين، ما سيثير غضبا دوليا من الحلفاء العرب والغربيين، وتصعيد الانتقام الإيراني ضد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الهجمات الصاروخية الباليستية المباشرة والطائرات بدون طيار الإيرانية المحتملة على إسرائيل نفسها بمجرد تعرض وكيلها الرئيسي لمثل هذا الهجوم واسع النطاق.

وقد تفشل إسرائيل أيضاً في تحقيق أهدافها قبل أن ينهار دعمها السياسي الداخلي أو قبل أن يضغط الغرب على إسرائيل لإنهاء الحملة، كما أنها ستحمل مخاطر سياسية هائلة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية التي أمرت بها.

وتشير التقديرات إلى أن عدد مقاتلي حزب الله يصل إلى ضعف عدد مقاتلي حماس، مما يعني أن الغزو الإسرائيلي سيواجه قوة أقوى بكثير مما تواجهه في غزة. وهذا من شأنه أن يمدد الحملة بالنظر إلى أن الجيش الإسرائيلي استغرق شهرين ونصف في غزة للسيطرة على منطقة جغرافية أصغر مع عدد أقل من الأعداء.

ويرتبط حزب الله بشكل مباشر بإيران عبر سوريا والعراق، مما يعني أنه سيكون من الأسهل إعادة إمداد الجماعة وتعزيزها لخوض قتال ممتد مع إسرائيل.

وفشلت الحكومة الإسرائيلية الأخيرة التي حاولت طرد حزب الله من الجنوب – حكومة رئيس الوزراء السابق إيهود باراك – في تحقيق أهدافها العسكرية وانهارت، مما أنهى مسيرة باراك المهنية وسط غضب شعبي إسرائيلي في أعقاب حرب عام 2006.

اقرأ أيضاً

رئيس الأركان الإسرائيلي: احتمال الحرب مع حزب الله أعلى بكثير من السابق

المصدر | ستراتفور- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: حزب الله حرب إسرائيل وحزب الله هجوم واسع النطاق هذه الاستراتیجیة الجیش الإسرائیلی الخطوط الأمامیة من المرجح أن واسع النطاق مع حزب الله حزب الله من إسرائیل فی جنوب لبنان لحزب الله المرکز أن یعنی أن عام 2006 فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

نصر الله يتحدّث.. وإسرائيل تصغي

عندما يتحدّث حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، فإنه يبعث فينا الأمل ويُحْيي العزائم في الأمة؛ لأنه إذا قال صدق، وإذا وعد أوفى، ويعلم ما يقول؛ فكلُّ كلمة ينطقها تكون محسوبة بدقة، وتحسب لها إسرائيل ألف حساب، وهو ما حدث مع خطابه يوم الأربعاء 19 يونيو 2024م، الذي ألقاه في الضاحية الجنوبية لبيروت في احتفال تأبيني للقائد سامي طالب عبدالله، إذ وصفته وسائل إعلام إسرائيلية، في أول تعليق لها أنّه «من أقوى خطابات نصر الله على الإطلاق، الذي يدرك اليوم أكثر من أيِّ وقت مضى، أنه لن يكون هناك مفرّ من حرب شاملة»، وأنّ «نصر الله مصمّم على الاستمرار في المعركة الحالية من أجل غزة، حتى تحقيق وقف إطلاق النار، وهو غير متأثر بتهديدات إسرائيل والوسطاء»؛ بل إنّ صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية - على سبيل المثال - أكدت أنّ تهديدات إسرائيل طوال الأشهر الماضية بتدمير حماس، وإعادة لبنان إلى العصر الحجري، ما هي إلا تهديدات فارغة و«انكشفت الآن».

جاء خطاب نصر الله، متزامنًا مع نشر حزب الله، مقطع فيديو من الأراضي الفلسطينية المحتلة، في غاية الأهمية، مدته تجاوزت تسع دقائق ونصف، وحمل عنوان «هذا ما رجع به الهدهد»، وهو عبارة عن مشاهد من استطلاع جوي، تضمّنت معلومات استخبارية مهمة عن مواقع «إسرائيلية» داخل فلسطين المحتلة، التقطتها طائرة مسيّرة، وأظهرت هذه المقاطع وصول المسيّرة إلى ميناء حيفا وما رصدته من مواقع حساسة، من الميناء إلى مصافي النفط إلى مصانع عسكرية، بالإضافة إلى مواقع تمركز البوارج الحربية، وأماكن اقتصادية مهمّة، في ضربة عُدَّتْ الأقوى من حزب الله ضد الكيان الإسرائيلي، حيث إنّه حتى مواقع البحث العادية تعتم على المواقع الحساسة في إسرائيل، ولا تستطيع أن تنقل من الجو صورًا واضحة كالتي نقلتها مسيَّرات حزب الله.

كان متوقعًا أمام إنجاز كبير كهذا، أن يتناول نصر الله هذا الموضوع في خطابه، إذ أمدت عملية الهدهد المقاومة بكمٍّ كبيرٍ من المعلومات، ظهر جزء منها فقط في دقائق الفيديو التسع التي اختيرت من بين ساعات طويلة من التصوير فوق حيفا، وهو ما أشار إليه نصر الله بتأكيده أنّ المقاومة «تملك بالتفصيل الممل المعلومات حول المواقع الأمامية، وتعرف تفاصيل كثيرة عنها». ندرك أهمية هذا الإنجاز لحزب الله إذا ما استذكرنا أنّ أكبر إنجازات إسرائيل عبر تاريخها هو التجسس؛ فقد نجحت في تتبع كلِّ صغيرة وكبيرة في الوطن العربي، وزرع رجالها شرقًا وغربًا، وتدخلت في رسم سياسات التعليم والسياسات الإعلامية، ووصل بها الأمر إلى توجيه خطب الجمعة!. وما فعله حزب الله اليوم كأنه يقول لنا إنّ الأيام دول، وإنّ الدور جاء على إسرائيل لتقع هي فريسة التجسس؛ فتصوير مراكز ثقلها ونقاطها الحساسة ومفاصل «دولتها» ونشرها علنًا بكلِّ وضوح، هو أمرٌ لم يخطر ببالها قط، ونزل عليها كصاعقة، أو كقنبلة شلت قدرتها على الحركة، وهذا يعني أنّ تهديدات حسن نصر الله ضد الكيان كانت في محلها.

وعودة إلى خطاب حسن نصر الله الذي بعث فيه رسائل واضحة إلى قيادة الاحتلال و«جيشه»، مفادها أنّ التهديد بتوسيع الحرب على مدى ثمانية أشهر لا يخيف المقاومة في لبنان، وأنّ «العدو يعلم وسيده الأمريكي، أنّ شنّ الحرب على لبنان سيحمل تداعيات على المنطقة والإقليم»، بل إنه أكد أنّ حزب الله حضّر نفسه «لأسوأ الأيام، والعدو يعلم ما ينتظره، ولذلك بقي مرتدعًا»، مضيفًا أنّ «كيان الاحتلال يعلم أنه لن يبقى مكانٌ فيه سالمًا من صواريخ المقاومة ومُسيّراتها الدقيقة، التي لن تقصف أهدافها بشكل عشوائي»، ولم يكتف بذلك، بل أعلن في تحدٍّ واضح أنّ ما ينتظر الاحتلال في البحر المتوسط «كبير جدًا»، إذ إنّ «كلّ سواحله وبواخره وسفنه ستُستهدف»، وأنه «إذا فرضت الحرب، فالمقاومة ستقاتل بلا ضوابط وقواعد وأسقف». ولكي يؤكد على صحة تهديده أشار إلى أنّ المقاومة «لديها بنك أهداف كامل وحقيقي، ولديها القدرة على الوصول إلى كلِّ الأهداف مما يزعزع أسس الكيان».

وهناك نقطة لافتة في خطاب نصر الله، وهي تحذيره للحكومة القبرصية من أنّ تفتح مطاراتها وقواعدها لـ«إسرائيل» لاستهداف لبنان؛ فذلك يعني رسميًّا «أنها أصبحت جزءًا من الحرب». ولم تكن إسرائيل هي الوحيدة التي صغت للخطاب؛ فالرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليدس تابعه بدقة، فمع آخر كلمة نطقها نصر الله، سارع إلى كتابة تدوينة على حسابه في منصّة «إكس»، ليُؤكّد أنّ بلاده لا تُشارك بأيّ شكلٍ من الأشكال في أيّ أعمال عدائيّة ضدّ لبنان، وأنّها «جُزءٌ من الحل وليست جُزءًا من المُشكلة». وفي اعتقادي أنّ تهديدًا كهذا موجهًا لقبرص سيجعلها وغيرها تحسب حسابًا لكلِّ خطوة قد تخطوها في المشاركة في الحرب ضد لبنان، فالقبارصة وغيرهم يعلمون جيدًا أنّ نصر الله إذا قال فعل.

من نافل القول إنه لا يمكن فصل ما يحدث في غزة عما يحدث في لبنان؛ فالجبهتان هما جبهة واحدة، وكان كثيرون قد انتقدوا عدم دخول حزب الله الحرب، متناسين أنّ الحزب أشغل الجيش الإسرائيلي منذ الثامن من أكتوبر 2023، وقد أكّد السيد نصر الله أنّ الضغط من جبهة لبنان والجبهات الأخرى والصمود الأسطوري في غزة، قد أثر على مسار المفاوضات وأعطى للمفاوض الفلسطيني القوة، وأنّ الاحتلال «عجز عن إنهاء معركة رفح المُحاصرة، وفشل أمام صمود المقاومة والقتال الأسطوري في غزة، على الرغم من استمرار القصف، ومشاركة عدة فرق من جيش الاحتلال في العملية».

وإذا كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تهتم بخطابات نصر الله، وتحلل نبرات صوته وحركات يديه، فماذا عن وجهة نظر المسؤولين الإسرائيليين عن حزب الله؟ يجيب عن السؤال مايكل أورين السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، من خلال مقابلة مع مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، ضمن تحقيق بعنوان «كيف قد تبدو الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟»، يقول إنّ حزب الله يشكّل تهديدًا استراتيجيًا لـ«إسرائيل»، واصفًا ما يمكن أن يفعله الحزب بـ«إسرائيل» خلال ثلاثة أيام فقط بـ«المروّع»، إذ يقول: «أنت تتحدّث عن تدمير كلِّ بنيتنا التحتية الأساسية، ومصافي النفط، والقواعد الجوية، ومنشأة ديمونا»، وفي تحقيقها أكدت المجلة أنّ التقديرات تشير إلى امتلاك حزب الله نحو مائة وثلاثين ألف صاروخ وقذيفة يمكن أن تتفوّق على أنظمة الدفاع الجوي المتطورة في «إسرائيل»، وتضرب أكبر مدنها، لافتةً إلى ما يعنيه نشر الحزب للقطات التي التقطتها الطائرة المسيّرة لميناء حيفا، من إثباتٍ لقدرته على اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية والوصول إلى عمق «إسرائيل»، ورجّحت المجلة أن «تكون لدى حزب الله شبكة أنفاق متطورة تمتد تحت لبنان»، ناقلةً عن بعض المحللين الإسرائيليين قولهم إنّ هذه الأنفاق أكثر اتساعًا من تلك التي تستخدمها حركة حماس، وقد يقول قائلٌ إن تصريح أورين وتحقيق مجلة «فورين بوليسي» عن قوة حزب الله ليس سوى مبالغات لها أهداف هم أعلم بها، إلا أنّ ذلك لا يعني أبدًا أنّ الحزب قد يكون لقمة سائغة في أية حرب قادمة، وهو ما يعلمه قادة الاحتلال تمامًا.

ردّدنا كثيرًا من قبل، ولا نزال نردِّد أنّ الكيان الصهيوني - والعالم أجمع - لا يعترف إلا بمنطق القوة، وقد رأينا كيف غيّر صمود غزة العالم، لصالح القضية الفلسطينية التي أدخلت في الثلاجة سنين طويلة، لذا فإنّ القوة التي يتحدّث بها وعنها حسن نصر الله، هي السبيل الوحيد لإيقاف الغطرسة الإسرائيلية؛ فنحن نعيش لحظات تاريخية هي الأعظم منذ عام 1948م، ستغيّر وجه المنطقة وستصنع مستقبلها.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»

مقالات مشابهة

  • إعلام إسرائيلي يكشف نهاية الحرب خلال 10 أيام... ماذا عن جبهة لبنان؟
  • الجامعة العربية وحزب الله.. ماذا وراء الانفتاح؟
  • نصر الله يتحدّث.. وإسرائيل تصغي
  • وزير المالية الإسرائيلي يدعو إلى الحرب مع حزب الله
  • قراءات سياسية تلخص المشهد العام.. هل يحتمل لبنان حربا جديدة مع إسرائيل؟
  • تقريرٌ يكشف مفاجأة عن حرب لبنان.. ماذا قيلَ داخل إسرائيل؟
  • مسؤول اسرائيلي : قوتنا تتلاشى والحرب مع لبنان كارثية
  • هذه آخر دراسة إسرائيليّة عن حرب لبنان.. كيف وصفتها؟
  • دراسة إسرائيلية: قوتنا العسكرية تتلاشى والحرب مع لبنان كارثية
  • خلافات حادة داخل الحكومة الإسرائيلية إثر تصريحات غالانت بشأن الحرب مع لبنان