لو يذكر الناس أن وسائط إعلامية سودانية قد نشرت تصريحا لعبد الرحيم دقلو قائد ثاني مليشيا الدعم السريع المتمردة ينفي فيه نية المليشيا فصل دارفور وذلك أيام دخول قوات الدعم السريع الى نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.. ولأن المريب يكاد يقول خذوني كما في المثل العربي فإن هذا التصريح يثير مسألة انفصال دارفور ويؤكد الشكوك أكثر مما يطمئن ويجعل التساؤلات تكثر حول هذه القضية.

و بعيدا عن تصريحات المتمرد دقلو يبدو أن دارفور _ مثل جنوب السودان _ قد دخلت في الاستراتيجيات الدولية وخاصة الأمريكية والاسرائيلية منذ زمن بعيد واستهدفت هذه الاستراتيجيات على المدى البعيد فصل دارفور عن السودان كما فعلت بالجنوب وذلك لما تتمتع به دارفور من موقع متميز مطل على غرب أفريقيا وهي المنطقة التي تشهد صراعا دوليا محموما بسبب ما تزخر به من موارد نفيسة ونادرة.

والمعروف أن إسرائيل منذ خمسينيات القرن الماضي على ايام بن جوريون قد اعتمدت في مواجهة العالم العربي استراتيجية ( شد الأطراف ) والمقصود بها شغل العالم العربي بمشاكل وقلاقل في اطرافه حتى تخفف ضغط مواجهة العرب لإسرائيل وذلك بإثارة القلاقل في أطراف العالم العربي خاصة مع ذوي الأصول غير العربية في محاولات لإثارة الفتن بين مكونات القطر الواحد كالأكراد في العراق والبربر في المغرب العربي.. وفيما يخص السودان من هذه الاستراتيجية نشطت إسرائيل في دعم حركات التمرد في جنوب السودان في ستينيات القرن الماضي وقد اعترف بهذا الدعم الاسرائيلي جوزيف لاقو احد قيادات تمرد جنوب السودان سابقا في مذكراته التي نشرها لاحقا.

ثم انتقلت الاستراتيجية الاسرائيلية من ( شد الأطراف ) إلى استراتيجية ( بتر الاطراف ) وتعني السعي لانفصال ََأقاليم عن اوطانها.. وهي الاستراتيجية التي تم تطبيقها في جنوب السودان ولعله من تتبع الأحداث يخشى كثير من المراقبين أن يُسعى لتطبيقها على دارفور لا قدر الله.

ولعل المتابعين للشأن السوداني قد لاحظوا بوضوح تبني مجموعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة لقضية دارفور يعاونهم في ذلك بعض أبناء دارفور.. وهذا الأمر لا يمكن أن يكون من فراغ وبلا هدف.

هذا – باختصار – عن الدور الاسرائيلي في السودان وهو دور متشعب ومتشابك ومؤذٍ وتستعين فيه بمعاونين من السودانيين وغير السودانيين فماذا عن الدور الأمريكي باختصار أيضا.

الدور الأمريكي متشعب ومتشابك أيضا وتحكمه استراتيجيات بعضها منشور كما سنرى ولا يستطيع الحزب الذي يحكم في البيت الأبيض تغيير هذه الاستراتيجيات حتى لا نقع في فخ أن الجمهوريين افضل من الديمقراطيين او العكس وهذا وهم كبير يسقط فيه البعض.
ولنضرب مثالا لخطة أمريكية تحدد استراتيجياتها في المنطقة وهي واحدة من خطط كثيرة معروفة ومنشورة وما خفي أعظم.. فقد نشرت صحيفة “الصحافة” السودانية في عددها رقم( 4188) الصادر يوم الثلاثاء 1/2/2005م تقريراً يلخص ورقة عمل أعدها مستشارو بوش الابن للشرق الأوسط بعنوان ” هل يبدأ سقوط القوي الأمريكية العظمي من الشرق الأوسط”.. تحدد الورقة ملامح الاستراتيجية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط وتقدم توصيات واخطر ما في هذا الجزء من الخطة؛ ان الورقة تدعو الي تحديد المفصل الاستراتيجي الذي تتمكن من خلاله الولايات المتحدة من القضاء علي فكرة الرباط الاستراتيجي بين الدول العربية في شمال إفريقيا وبين الدول الإفريقية وتشير الورقة تحديداً الي موريتانيا وجنوب السودان كنقطتين هامتين يجب تعزيز الاهتمام بهما في المرحلة القادمة ثم تأتي الورقة الي اخطر السيناريوهات القريبة؛ إذ لا تستبعد تقسيم السودان الي ثلاث دويلات ترتبط الشمالية منها بمصر والجنوبية بالولايات المتحدة والغربية ” بإسرائيل”. وقد تم للورقة ما أشارت اليه في موضوع جنوب السودان… ومؤكد أن البعض من قادة السياسة الأمريكية سيواصلون بقية المخطط.

ها قد التقينا باسرائل مرة أخرى في ورقة أمريكية قدمت للرئيس الأمريكي وقد تمكنت الولايات المتحدة _ بمساعدة الساسة من الجنوب _ من فصل جنوب السودان _ حسب الخطة _ في العام 2011م.
والملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا أن الورقة الأمريكية التي أشرنا إليها آنفا قدمت الى بوش الابن وهو من الحزب الجمهوري.. ومن تم في عهده فصل الجنوب أوباما وهو من الحزب الديمقراطي وفي هذا دليل آخر على أن الاستراتيجيات الدولية الأمريكية لا تتأثر كثيرا باللون السياسي لساكن البيت الأبيض والملاحظة الأخرى أن الولايات المتحدة رعت مع آخرين اتفاقية نيفاشا وتشارك الآن في رعاية محادثات جدة بين الحكومة السودانية ومليشيا الدعم السريع المتمردة.

ومما يثير القلق في مسألة دارفور ويزيد المخاوف من انزلاقها في المخططات الأمريكية والإسرائيلية أن اتفاقية جوبا التي تم توقيعها مع الحركات المتمردة بعد سقوط الإنقاذ قد جعلت دارفور _ من دون اقاليم السودان _ إقليما قائما بذاته ونصّبت عليه حاكما.. وهكذا أصبح لدينا في دا فور ثلاث مستويات للحكم المستوى الاتحادي ( الفدرالي) والمستوى الولائي وبينهما المستوى الاقليمي… وهو نفس ما حصل في جنوب السودان الذي جعلت منه اتفاقية نيفاشا إقليما قائما بذاته وهو ما قاد لاحقا _ مع عوامل أخرى _ لانفصال الجنوب رغم ان طرفي الاتفاقية نصّا على أن تعمل أطراف الاتفاقية للوحدة الجاذبة!!! فهل يخطط البعض لتكرار نيفاشا في دارفور؟.

كنت أتحدث بعيد انفصال الجنوب مع احد شيوخ الحركة الإسلامية السودانية وهو إمام مسجد شهير بالعاصمة الخرطوم فقال لي لقد تم انفصال الجنوب ولكننا يجب ألا نسمح بانفصال دارفور وجنوب النيل الأزرق لان هاتين المنطقتين شهدتا قيام سلطنة دارفور الإسلامية وسلطنة الفونج الإسلامية.. وما ذهب اليه هذا الشيخ يجب أن يكون مبدأ لا حياد عنه لدي المسلمين في السودان وهم الاغلبية الكاسحة بنسبة تتجاوز 97% بعد انفصال الجنوب.. وإذا اتفق المسلمون في السودان على هذا المبدأ يمكن ان شاء الله أن نهزم المخططات والاستراتيجيات أيا كان مصدرها.

حسن عبد الحميد

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الولایات المتحدة جنوب السودان

إقرأ أيضاً:

وسائل إعلام تكشف القواعد التي أقلعت منها الطائرات الأمريكية في عدوانها على اليمن

يمانيون../
كشفت وسائل إعلام أجنبية عن القواعد العسكرية التي استخدمتها الولايات المتحدة في عدوانها على اليمن مساء أمس وفجر اليوم، حيث أقلعت طائراتها الحربية والاستطلاعية من قواعد متعددة في المنطقة.

وبحسب التقارير، انطلقت طائرة P-8 Poseidon التابعة للبحرية الأمريكية من البحرين، وطائرة MQ-4C Triton من الإمارات العربية المتحدة، بينما أقلعت مقاتلة RC-135V من قطر، وطائرة KC2 Voyager التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني من قبرص.

وأوضحت المصادر أن هذه الطائرات لعبت أدوارًا رئيسية في تنفيذ الضربات، من خلال مهام المراقبة والتزود بالوقود والدعم العملياتي، إلى جانب مشاركة مقاتلات F-18 Hornet التابعة للبحرية الأمريكية والمتمركزة على حاملة الطائرات.

كما أفادت التقارير بأن السعودية والإمارات وقطر شاركت في العدوان، حيث رُصدت طائرة التزود بالوقود البريطانية KC2 بالقرب من جدة أثناء تزويد الطائرات المقاتلة بالوقود جوًا.

وأضافت المصادر أنه تم رصد عودة الطائرة الأمريكية RC-135V Rivet Joint وطائرة التزود بالوقود KC-135R إلى قاعدة العُدَيْد الجوية في قطر بعد تنفيذ الغارات، إلى جانب توجه الطائرة الأمريكية MQ-4C Triton من قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات نحو اليمن، بعد إيقاف أجهزة الإرسال الخاصة بها لإخفاء تحركاتها.

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة: الطبيبة التي تم ترحيلها إلى لبنان لديها صور للتعاطف مع حزب الله
  • تصريحات لممثل الولايات المتحدة بالأمم المتحدة في مجلس الأمن الدولي بشأن السودان وجنوب السودان
  • جنوب السودان يقصف مسلحين في شمال شرق البلاد
  • استهداف الأمم المتحدة واشتباكات دامية.. ماذا يحدث في جنوب السودان
  • وسائل إعلام تكشف القواعد التي أقلعت منها الطائرات الأمريكية في عدوانها على اليمن
  • ارتفاع عدد قتلى العاصفة القوية التي ضربت الولايات المتحدة إلى 28
  • قائمة بالجنسيات .. السلطات الأمريكية تخطط لمنع مواطني دول عربية من دخول الولايات المتحدة
  • تجهيز مدينة سودانية لتكون عاصمة الحكومة الموازية
  • السلطات الأمريكية تحظر مواطني دول عربية من دخول الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة تطرد سفير جنوب إفريقيا لأنه “يكره” ترامب