العرب لن ينسوا المجازر الصهيونية فى فلسطين
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
الغرب فقد منظومة القيم.. والحفاظ على عادات المجتمع مسئولية النقاد
الثقافة هى خندق الدفاع عن الوطن.. وشبابنا فى حاجة للمحاورة لا المحاضرة
نحتاج إلى التجديد فى القصيدة العربية بعد تحولها لنسخ كربونية
اللغة ليست أحجارًا صماء.. والشعر لصيق المشاعر الإنسانية
لدينا نقاد وليس نقد..والصراع بين القدامة والحداثة أزلي
الدكتور محمد أبوالفضل بدران الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة رمز من رموز الساحة الأدبية والثقافة المصرية، وهو واحد من شعراء مصر البارزين، وناقد من النقاد المخضرمين.
ولد «بدران» بقرية العويضات مركز قفط بمحافظة قنا فى صعيد مصر، وأتم تعليمه حتى المرحلة الثانوية بها، ثم التحق بكلية الآداب جامعة أسيوط وحصل على الليسانس 1981 ثم عين معيدًا بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب فرع قنا جامعة أسيوط، وحصل على الماجستير 1985 وكانت أطروحته بعنوان «دور الشعراء فى تطور النقد الأدبي»، وعمل مدرسًا مساعدًا حتى نال درجة الدكتوراه حول موضوع «قضايا النقد والبلاغة فى تراث أبى علاء المعرى»، وسافر إلى ألمانيا فى بعثة علمية للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة بون بالاشتراك مع جامعة أسيوط، حيث حصل على الدكتوراه 1990 ثم عمل بجامعة جنوب الوادى.
شغل رئاسة قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة جنوب الوادى، ثم وكيلا للكلية ذاتها، حتى أعير للعمل بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الإمارات العربية حتى 2006 ثم عين عميدًا لكلية الآداب بقنا جامعة جنوب الوادى حتى شغل منصب نائب رئيس جامعة الوادى لسنوات طوال.
حاز «بدراوى» العديد من العضويات والجوائز، فقد حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب 2022، كما حصل على منحة مؤسسة Humboldt هيمولت العالمية الألمانية، وهو عضو اللجنة العلمية بمركز أبوظبى للغة العربية وعضو الهيئة العالمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب وهو عضو المجمع العلمى المصري.
أشرف على العديد من الرسائل العلمية، وأصدر الكثير من المؤلفات، بالإضافة إلى الأبحاث النقدية والأدبية حول الشعر والرواية والاستشراق والعروض والفكر باللغتين العربية والألمانية، وله العديد من الكتب أهمها «قضايا النقد والبلاغة فى تراث أبى العلاء المعرى» و«رؤى عروضية نحو تبسيط العروض» و«أدبيات الكرامة الصوفية» و«الخضر فى التراث العالمى» وغيرها من الكتب المهمة، إضافة إلى أربعة دواوين شعرية أهمها «النوارس تحكى غربتها» و«ديوان بدران».
«الوفد» التقت الدكتور محمد أبوالفضل بدران الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة نائب رئيس جامعة الوادى السابق، وهذا نص الحوار،،،
● بداية كيف ترصد الصراع العربى - الإسرائيلى وما رؤيتك لأحداث غزة مؤخرا وكيف تصف هذه الحرب ضد الشعب الفلسطينى؟
●● هذه الحرب بكل مأساويتها جعلت طلاب كبريات الجامعات الأوروبية والأمريكية يقفون مع القضية الفلسطينية ورؤساء جامعات دولية يستقيلون عندما يُطلب منهم قمع احتجاجات طلابهم ضد السياسة الأمريكية المؤيدة إسرائيل، ورأينا العالم يقف مشدوها وهو يتابع ممثلى دولة جنوب إفريقيا (العربية!) أمام المحكمة الدولية عارضين للعالم أجمع جرائم إسرائيل ومن يقف وراءها؛ رأينا كيف تنتفض بلدان العالم فى مظاهرات لم نشهدها من قبل مؤيدة حق الفلسطينيين فى دولة أصبحت وشيكة الإعلان والإشهاد، لقد رأيت حكايات الصمود خارج كتب التراث وهى تتجلى على أرض غزة.
● الغرب يتعامل منذ بدء الصراع بمنطق حق إسرائيل فى الوجود... فكيف ترد على ذلك؟
●● الغرب يخاف من عودة الإسرائيليين إليهم إذا انتصر الفلسطينيون، لقد تخلصوا منهم عبر وعد بلفور لأوروبا وأمريكا وأرادوا أن يتخلصوا من الصهاينة بترحيلهم الطوعى إلى أرض فلسطين، فكيف يقبلون الآن بعودتهم واستخراج جوازات سفر بلدانهم الأوروبية الأصلية؟!
● كيف ترد على المطالبين بالتطبيع الثقافى مع إسرائيل فى ظل هذه الأحداث الجارية؟
●● لقد أثبتت الشعوب العربية أنها لا تنسى مجازر الصهاينة حتى لو طبعت الحكومات، سيظل الضمير العربى حيا وهو يشاهد أطفال غزة ونساءها وأطلالها وخيامها؛ لقد صار التطبيع ورقة دبلوماسية لم تقرأها الشعوب.
● الدين..الجنس..السياسة الثالوث المحرم فى الإبداع.. هل أصبح هذا الثالوث ثنائيًا بعد استبعاد الجنس لانتشارالقنوات الفضائية المتحررة وما مسئولية النقاد؟
●● مسئولية النقاد تجاه هذا الثالوث المحرم هى الحفاظ على قيم المجتمع وعاداته التى يقبلها العقل والنقل، لا توجد حرية مطلقة فى كل بلدان العالم، فهل تدنيس الأنبياء حرية؟ وهل حرق الكتب المقدسة حرية؟ إذا كانت هذه هى الحرية لديهم فلماذا التشكيك فى الهولوكوست باعتباره جريمة ولماذا التشكيك فى أعداد ضحايا الهولوكوست واعتباره جريمة يعاقب عليها القانون؟ رغم أننى ضد الهولوكوست وضد تعذيب أى إنسان كائنًا من كان.. لكن لماذا يضعون القوانين لنا؟ ولماذا نسى السيد ماكرون عاصمة النور والحرية عندما رسمه رسامو الكاريكاتير بصورة ساخرة وطالب بحذف هذه الرسوم ومقاضاة رسّاميها؟ أنا لست ممن ينادون الغرب ألا يكيل بمكيالين، لأن الشعوب تسعى لمصالحها، وقد فقد الغرب منظومة القيم، وللأسف يشجع الشرق على أن يسلك مسلكه، الغرب الآن يتجه إلى الفناء، لقد رأيت بعيني قرية ألمانية كاملة تنتفض وتتظاهر ضد بناء بيت كبير للعجائز، بحجة أنهم لا يريدون أن يروا العجائز فى شوارع القرية، الغرب يتجه إلى التناقص العددى الشبابى، ظهر مفهوم الأنا/ الفردى مقابل الأسرة، وصارت الأسرة عبئًا على الفرد يود التخلص منه، وللأسف هذا ما يسوّق له فى مجتمعاتنا الشرقية وآمن بهذا بعض شبابنا من منطق كل غربى جميل، تفككت الأسرة وصار الزواج عبئًا ماليًا ثقيلًا فتأجل الزواج وزادت العنوسة للأسف. فهناك مرتكزات رئيسية فى البلاد والأوطان ليست قابلة للمساومة ولا للتجريح، ولا للهدم فكيف أقبل تخريب متاحف بلدى وتاريخها وحرق المجمع العلمى تحت مسمى الحرية، إنها ليست حرية وإنما هو التخريب والهدم، وهذا لا أرتضيه ولا يرتضيه عاقل، ومنع هذا ليس دور النقاد فحسب، بل دور الدولة، فالنقاد ليسوا رقباء على المجتمع.
● ما أسباب ضمور النقد الأدبى والعلاقة بينه وبين حركة الثقافة بوجه عام؟
●● لدينا نقاد وليس لدينا نقد، النقاد فى كل جامعات مصر ولكن لا يجدون برنامجًا ثقافيًا واحدًا يُعنى بالنقد فى جميع قنواتنا التليفزيونية، كما لا توجد مجلات نقدية باستثناء «ألف وفصول» وتحولتا إلى مجلات شبه سرية لا تصدر منتظمة، وإذا صدرت فهى أعداد قليلة لا تجد تسويقًا ولا إعلانًا مثل مجلات الكليات الأدبية والعلوم الإنسانية تصدر بعدد كُتّابها الذين يأخذون «المستلات» لتقديمها للجان الترقية، لدرجة أستاذ ودرجة أستاذ مساعد، ومعظم هذه المجلات لم يعد ورقيًا بل صار إلكترونيًا والوصول إليه أصبح صعبًا، تتبقى الصفحات الثقافية بالصحف السيّارة والملاحق، وهى جهود فردية لا تلبى حاجة النقاد والقراء، كما انصرف الشباب عن متابعة النقد لأنه يقدم- إن قُدّم- بصورة جافة لا يقبلها الشباب لغة ولا طرائق تقديم، فتوقف النقاد الجادون عن النقد وأبرزت لنا وسائل التواصل الاجتماعى نقادًا شبابًا نضع عليهم الآمال مستقبلا.
● مصادرة الكتب.. يراها البعض عملية اغتيال معنوى.. هل تؤيد هذا الرأى أم أنت مع الرقابة على الإبداع؟
●● من خلال التجارب أصبحت الرقابة على الكتب بمثابة إعلان ترويجى له، ولو أننا أهملنا هذا النتاج الغث لما التفت إليه الناس ولما التف حوله الشباب، فالممنوع مرغوب ويتحول إلى «ترند» رائج، وليس معنى هذا أن أترك «اللا أدب» الذى يدعو إلى ازدراء الأديان أو إلى العنصرية أو إلى العصبية الدينية أو القبلية، أتركه تحت مسمى حرية التعبير، فهنا تصبح الرقابة واجبة، لقد عشت مذبحة راح ضحيتها 19 إنسانًا بسبب صورة لأحد أفراد قبيلة ما وهو مقتول نائم على عربية كارو فانتقمت القبيلة الأخرى بعد النشر بقتل مسلسل دم وردت القبيلة الأخرى، ولولا النشر لكان من الممكن أن نتوقف أمام قتيل أو قتيلين.
● الصراع بين التجديد والتقليد حظيت به الساحة الأدبية.. إلى أى مدى يمكن التجديد فى اللغة والقوالب الأدبية؟
●● منذ الأزل كان هذا الصراع الأزلى بين القدامة والحداثة، والسائد والجديد والشاعر الفرد هو الذى استطاع أن يخرج عن السائد التقليدى إلى الفرادة، فالشاعر الفرد هو من يقود عصره أدبيًا ويترك النقاد يجرون خلفه، وهؤلاء قلة فى تاريخ الشعر العالمى ولاسيما العربى، ولذلك رأينا امرؤ القيس والكميت بن زيد الأسدى والمتنبى وأبا العلاء المعرى والحلاج والجواهرى وأحمد شوقى وعبدالرحمن الأبنودى ومظفر النواب ومحمد إبراهيم أبوسنة وأحمد الشهاوى ومحمد الشهاوى وعزت الطيرى وغيرهم، هؤلاء يجددون نهر الشعر العربى، يضخون فيه روحًا جديدة تسرى فى أمواجه وقوافيه. ما أحوجنا إلى التجديد فى القصيدة العربية بعد أن تحولت القصائد إلى نسخ كربونية من بعضها البعض، وأصبحت لا تفرق بين قصيدة فلان أخرى، نحن فى انتظار الشاعر الفرد الذى يغير القصيدة إلى وجهة جديدة شكلا ومضمونا وهذا أمر ليس سهلا، لقد شُغلنا نصف قرن بشعر التفعيلة وربما نحتاج قرنًا من الزمان لتقبل القصيدة الومضة والهايكو وقصيدة النثر وإرهاصات تحول بنية القصيدة العربية المستقبلية. واللغة كائن تنمو مفرداتها وتشيخ وتختفى وتبعث من جديد، فاللغة ليست أحجارًا صماء بل تتغير. دلالاتها ومعانيها عبر العصور، ولذلك لن نجد لغة جامدة، واللغة الجامدة تموت، لكن نحن فى حاجة إلى تسهيل النحو لطلابنا، فقد لمست مدى نفورهم منه، وصار النحو بغيضًا إلى نفوسهم، هذا يحتاج إلى مجامعنا اللغوية وأساتذة التربية وعلماء اللغة والأدب أن يجتمعوا كل عام لدراسة حال اللغة وينشروا «تقرير حال اللغة العربية» بعد الاستئناس بَآراء الطلاب فى مختلف الفصول الدراسية والجامعية وبعد استقراء مشكلات الترجمة والتعريب، هنا يصبح هذا التقرير مفيدًا وحبذا لو عُرض على مجامع اللغة العربية ووزراء التربية والثقافة والإعلام العرب حتى يتحول إلى تقرير مفيد نبنى عليه كل عام.
● لك أربعة دواوين شعرية أهمها «النوارس تحكى غربتها» و«ديوان بدران» فما موقفك من الشعر المنثور أو ما يسمى شعر الحداثة؟
●● لى أربعة دواوين وما أزال أبحث عن القصيدة التى لا تجيء، ولا أهتم بشكل القصيدة، إنما ما تتركه من أثر فى المتلقى، القصيدة مشروع تغيير العالم فإذا حققت الهدف، فهذا هو الشعر وإلا فهى شبيهة بالشعر.
● ما ردكم على من يقولون إن الشعر لم يعد مستساغًا فى ظل الحضارة المعاصرة التى نحياها اليوم، وأن الرواية أنسب الفنون الأدبية الآن؟
●● سيظل الشعر ما وُجد الإنسان، لأن الشعر لصيق بالحب والفرح والحزن. والإنسان ربيب هذه المشاعر وعندما استغلق على الإنسان الشعر لجأ إلى الرواية التى أفادت من الشعر فوجد فيها ضالته، حينما أصاب الغموضُ الشعرَ انفضّ الجمهور عنه، وصار الشعراء يكتبون لبعضهم البعض، لم يكن العيب فى الشعر بل فى غموض الشعراء وتعاليهم على الجمهور. والحضارة المعاصرة أحوج ما تكون إلى الشعر غذاء الروح فى ظل ضغوط الحياة وإيقاعها السريع.
● البعض يردد خفوت صوت الشعر الفصيح مع طغيان العامية فى العالم العربى فى رأيك ما مسببات هذه الأزمة؟
●● العامية ليست خطرًا على الفصحى، لأن معظم العاميات العربية بنات العربية الفصحى، ومن تمعَّن فى ألفاظ العامية فإنه يستطيع ردها إلى الفصيح بيسر.
● هناك مقولات أدبية ونظريات تردد عبارة «موت المؤلف»، وأن الثقافة تترفع عن كل شىء، وأن المثقفين يعيشون فى برج عاجى، فإلى أين وصلت هذه المقولات من وجهة نظرك؟
●● «موت النص» هذا هو عنوان أحد كتبى قبل أكثر من عشرة أعوام، لأن النص البشرى ملك قارئه، فعندما أكتب قصيدة ما فإن مستوى التلقى يختلف من شخصٍ لآخر، إذن لا نص، لأن النص الأصلى مات ليبعث فى عيون قارئيه وثقافتهم، وقد لقيت هذه الفكرة موافقات ومعارضات كثيرة وللناس الحق فى هذا وذاك، القارئ أكثر ثقافة من المبدع، وآفة التعالى على القراء يجب أن تنتهى، لأننا أمام قارئ ذكى يعى ما يقرأ ويقرر إما أن يتبع المبدع أو أن ينفض عنه غير آسف على ذلك.
● هل يمكن أن يساهم ما يسمى اليوم بـ«الأدب الرقمي» فى تنمية الإبداع وتنامى روح النقد الأدبى الموضوعى؟
●● الأدب الرقمى «موضة» أفادت الأدب فى إدخال المتلقى فى الإبداع، صار شريكا وهو نتاج الثقافة ومن المبكر الحكم له أو عليه الآن، دعونا ننتظر قليلا.
● ما سبب ضعف تداخل الحضور بين الشرق والغرب فى عالمنا العربى على المستوى الثقافى أو الفكرى أو الأدبى أو الإبداعى؟
●● قام المستشرقون بدورٍ كبيرٍ فى تقريب الهوة بين الشرق والغرب، والأعجب أننا نود منهم أن يكتبوا كما نكتب وهذا لن يكون، ونود منهم تمجيدنا، وهذا صعب، كل ما نود منهم أن يكونوا موضوعيين والحياة كما تعرف مستحيل. لكن الشرق يظل شرقًا والغرب يظل غربًا، ومن يتابع المراكب المهاجرة من إفريقيا وآسيا إلى أوروبا يدرك الهوة الواسعة بيننا وبينهم لكن الثقافة والعقلانية هما سبيل التقارب بين الشرق والغرب، الأدب يجمع البشرية وإذا أعجبتك رواية أو قصيدة أو قصة أو مسرحية فإنك لا تسأل عن دين كاتبها أو جنسيته أو بلده وإنما ستستمتع بالإبداع دون أى اعتبار آخر. قد تتفق مع النص الأدبى أو لا تتفق معه لكن يظل النص هو المهيمن والفيصل.
● تعيش لغتنا اليوم عيشة الغريب فى وطنه وللأسف اتهمها البعض بالعقم والعجز عن اللحاق بمقتضيات العصر، فمن المسئول عن التدهور الملحوظ وبعد الشباب عن استخدام الفصحى؟
●● أختلف معك فى حال اللغة العربية اليوم، اللغة الفصحى فى وسائل الإعلام العربية يسمعها الجميع من المغرب العربى للمشرق دون أن يسأل عن مفردة واحدة، وقديمًا لم يكن هذا متاحًا فى ظل لهجات القبائل، فقد أسهمت وسائل الإعلام والاتصال فى تسويق الفصحى وتفهيم دلالاتها للجمهور العربى، ربما تصادف مفردات محلية غربية فى اللهجات، لكن هذا لا يمنع الفهم والتواصل، أما بُعد شبابنا عن استخدام الفصحى، فنحن مسئولون عنه، تخيل أن طالبا يدخل الجامعة ويتخرج دون أن يكتب جملة واحدة فى امتحانات كليته وإنما امتحانات بنظام MCQ أى صح وخطأ، واختر من متعدد.. كيف ذلك؟ كيف تطلب منه أن يعبّر بأسلوب أدبى أو علمى وهو لا يكتب جملة واحدة؟
ولابد من العودة للتعليم التقليدى مع توظيف طرائق التدريس الحديثة، والكف عن التجريب، نريد تعليما أنتج لنا أحمد زويل وتوفيق الحكيم ومجدى يعقوب وابراهيم السيد وصلاح عبدالصبور وبهاء طاهر وغيرهم من كبار العلماء والأدباء دعونا نعد للتعليم جوهرًا لا مظهرًا.
● هل ترى أن للثقافة دورًا فى يوم من الأيام فى مواجهة الأفكار المتطرفة ومواجهة العنف الطائفي؟
●● الثقافة هى الخندق الأول للدفاع عن عقل الوطن وشبابنا فى حاجة للتثقيف، فهم الدرع الأولى للدفاع عن هوية هذا الوطن، وشبابنا بخير ولكنه يحتاج إلى محاورة لا إلى محاضرة من أجل تنمية الوعى القومى.
● كتابك «الخضر فى التراث العالمى» ماذا عن أهم دوافع تأليفه وما أهم الخطوط العريضة به؟
●● كتابى «الخضر» الصادر عن دار المعارف من الكتب التى استهوتنى موضوعاتها، لأننى بألمانيا اكتشفت أن الخضر ليس عربيًا فقط ولكنه فى الأدب الألمانى والتركى والهندى والفارسى والكردى و.... إنه موجود فى الآداب كافة، وصفاته تكون واحدة، ولذلك من الممكن أن يجمّع الآداب العالمية حتى يتحول الأدب إلى رابط إنسانى يقرب البشر من بعضهم البعض؛ والعجيب أن الخضر حاضر لدى الأزمنة والأمكنة، من هنا وجدت أن هذا الحضور فى الأدب الرسمى والشعبى جدير أن يدرس، فكان هذا الكتاب وكان أبي–رحمه الله تعالى- إذا ذُكر الخضر اعتدل فى جلسته وقال «وعليك السلام ورحمة الله يا أبا العباس» فسألتَه على من تلقى السلام؟ فقال على الخضر، لأنه ما ذُكر فى مجلس إلا كان مارا به» وكل السَّير الشعبية نجد فيها الخضر رمزًا للعدل وإحقاق الحق ونصرة المظلوم، وأعكف الآن على دراسة الخضر فى الأدب المقارن.
● كيف بدأ وِرْد عالم التصوف لديك؟
●● كان أبى رحمه الله تعالى متصوفا وعالما بعلمي الشريعة والحقيقةـ كان يصوم ثلاثة أشهر متتالية (رجب وشعبان ورمضان) وكنا نشفق عليه فى الصيف ونرجوه أن يصوم رمضان فقط مع بضعة أيام فى الشهور الباقية، لكنه كان يجد لذة فى القرب من الله ويبتسم قائلا: «هل اشتكيتُ لكم؟ دعونى وربي» وحينما كنت فى الابتدائية، كنت أذهب مع أبى رحمه الله إلى مجلس الخلوتية الصوفى، وكان المنشِدون ينشدون أشعارا أعجبتنى لجمالها وحلاوة أصواتهم. انضممتُ إليهم واحدا من الجوقة أولا ثم غدوت منشدا. كان الناس يهيمون على صوت المنشدين وكنت أرقبُ هذا الوجد الذى يتخللهم وكأن بهم مَسًّا من سحر جميل، عرفت أن هذه الحالة «جَذْبة» فازوا بها، وعندما ينشد المنشد:
«سلَبتْ ليلى منى العقلا
قلت: يا ليلى ارْحمى القَتْلى
إننى هائمْ، ولكِ خادمْ/ أيها اللائمْ، خلّنى مهلا
طفتُ بالأعتابْ، ولزمتُ البابْ، قلتُ للبوّابْ: أرنى ليلى
قال لي: يا صاحْ، مهرُها الأرواحْ، كم مُتيّمْ راحْ، فى هوى ليلى»
كان الناس يتحولون إلى طيور بيضاء تهيم فى الفضاء. وكنت أتخيلهم كائنات تحلق فى فضاء الله. حفظت صغيرا من المنشدين الكبار ديوان ابن الفارض، وديوان عبدالرحيم البرعى، وبعض أشعار ابن عربى والحلاج والشيرازى دون أن أرى دواوينهم. ولأنه على المنشد أن يغدو ملحنا لهذه القصائد على إيقاع الذكر، لم يكن الأمر سهلا، لكن ألفيتُ نفسى أحفظ وإن نسيت أكمل من عندى حتى لا يختل الإيقاع. فأنا مدين لأبى وكان شاعرا عموديا، ولأخى محمود وكان شاعرا أيضا ولهذه الأجواء الصوفية التى جعلتنى أكتب شعرا فى ليلى المحبوبة وعن الكأس والخمر التى شرب منها ابن الفارض قبل الخلق فسكر بها على حد قوله:
«شربنا على ذكر الحبيب مُدامةً/ سكرْنا بها من قبل أن يُخلق الكرْمُ»
● أخيرًا..ماذا عن كتابك «أدبيات الكرامة الصوفية، دراسة فى الشكل والمضمون»؟
●● عشتُ فى أجواء صوفية منذ ميلادى وقد سمعت عن الكرامات الصوفية منذ نشأتى الأولى واستهوتنى هذه العجائبية. ولذا حصلت على منحة ألكسندر فون هومبولتHumboldt على مشروع (أدبيات الكرامة الصوفية، دراسة فى الشكل والمضمون)، صدر فى طبعاته بألمانيا والإمارات العربية ومصر. ونقلت هذه الحكايا التى كنت أسمعها عن الأولياء الذين يمشون على الماء ويطيرون فى الهواء إلى عالم الإبداع فرأيت أنها جنس أدبى مستقل ربما يكون نواة الحكى والسرد القصصى والروائى. فالكرامة التى تحكى عن ولى يعيش فى قرية مجاورة لنا شرق النيل وصاحبه الولى الذى يقطن غرب النيل. وأن الولى الشرقى يشعل حطبا فى الشتاء ويمسك بيده الجمر فيكوره كرات ويرميها بيديه إلى الولى الغربى فيتناولها بيديه ويتدفأ بها دون أن تضرهما والمسافة بين دفتى النهر تصل إلى قرابة الكيلومتر. هذا النص بعجائبيته وغرائبيته لا يقبل التشكيك لدى معتنقيه. شفوى متناول بين الناس ولا يجرؤ أحد على تكذيب سارده؛ لكن هذا لم يفصلنى عن العقل فقد درست أبا العلاء المعرى فى رسالتى للدكتوراه وانشطر البحث العلمى لدي فى عقلنة المعرى وعرفانية التصوف.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: للمجلس الأعلى للثقافة
إقرأ أيضاً:
معاناة الشعوب العربية بسبب ويلات الحروب تتصدر مسابقة آفاق بـ«القاهرة السينمائي»
نجح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ45، منذ لحظاته الأولى فى خطف الأنظار بقوة ليحافظ على صدارته ضمن أفضل المهرجانات حول العالم؛ لا سيما أنه أحد أعرق المهرجانات فى العالم العربى وأفريقيا، إذ ينفرد بكونه المهرجان الوحيد فى المنطقة العربية والأفريقية المسجل فى الاتحاد الدولى للمنتجين فى بروكسل FIAPF، وقد تميز المهرجان فى دورته الحالية بتنوع كبير فى الأفلام المشاركة بجميع المسابقات، وبخاصة مسابقة آفاق السينما العربية التى سيطرت عليها القضايا الإنسانية والعربية كالقضية الفلسطينية والحرب على لبنان والأزمة السورية، حيث نقل صورة ومعاناة الشعوب من خلال السينما.
«أرزة» يجسد صلابة المرأة اللبنانيةوكان فى مقدمة تلك الأفلام «أرزة» للمخرجة ميرا شعيب، وهو إنتاج مشترك بين مصر ولبنان والسعودية، ويعود اسم الفيلم إلى الأرزة وهى شعار لبنان والعلم اللبنانى، ويتناول معاناة الشعب اللبنانى من أزمات مستمرة منذ عدة سنوات، والعمل من بطولة الفنانة اللبنانية دايموند بو عبود، ووضع زوجها الفنان هانى عادل الموسيقى التصويرية للفيلم، والذى تدور أحداثه حول الأم العزباء «أرزة»، والتى تصطحب ابنها المراهق فى مغامرة عبر بيروت بحثاً عن دراجتهما البخارية التى تُعد مصدر دخل العائلة الوحيد، وتضطر لاستخدام أساليب لحماية نفسها وابنها من خلال التنكر وتغير لهجتها من أجل إيجاد الدراجة.
«وين صرنا؟» يرصد محنة غزةكما تناول الفيلم الوثائقى «وين صرنا» معاناة الشعب الفلسطينى، وهو العرض العالمى الأول للفيلم من خلال مسابقة آفاق للسينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى بدورته الـ45، وهو إنتاج وإخراج الفنانة درة، التى أرادت توثيق معاناة أشخاص حقيقيين من فلسطين ورحلتهم فى النزوح من غزة بعد أيام صعبة تحت القصف المستمر.
وقالت الفنانة درة لـ«الوطن»، إنها أرادت ألا تشارك بالفيلم كممثلة لكى تسلط الضوء على الأبطال الحقيقيين للقصة، قائلة: «أردت فقط دعم القضية الفلسطينية من خلال خبرتى الفنية». وتدور أحداث «وين صرنا»، حول شخصية امرأة شابة من غزة، نزحت إلى مصر بعد نحو 3 أشهر من الحرب، مع ابنتيها الرضيعتين، واللتين أنجبتهما قبل الحرب ببضعة أشهر ومعاناة 5 سنوات.
«سلمى» يعكس الواقع السورى المريرويشارك فى مسابقة آفاق للسينما العربية فيلم «سلمى»، والذى يبرز معاناة الشعب السورى، ورحلته المستمرة منذ سنوات من أجل الوصول إلى الراحة والاطمئنان فى ظل ما يعايشه من أحداث مؤسفة جراء الحرب المستمرة منذ سنوات، من خلال قصة واقعية بعد الحرب وزلزال سوريا، وهو من بطولة وإنتاج الفنانة السورية سولاف فواخرجى، التى أرادت دعم بلادها فى محنتها من خلال رسائل فنية تعبر عنها وترصد واقعاً يعيشه آلاف الأسر السورية تحت ويلات الحرب.
وأوضحت «سولاف»، لـ«الوطن»، أن «سلمى» يخاطب الجمهور العادى ويعبر عن حال المرأة القوية، قائلة: «أحب دائماً فى أعمالى مخاطبة الناس لأن عملى ليهم فى الأساس، وهناك قصص كتيرة صعبة»، وأشارت إلى أن الظروف المعيشية فى سوريا أصعب من التخيل، بسبب توابع الحرب والزلزال، وهو ما جسّدته شخصية «سلمى» من لحظات الضعف والقوة وقلة الحيلة وعدة مشاعر متباينة، فى محاولة للصمود أمام ما يحدث حولها، فهى تجسد دور الأم والمعلمة والمضحية من أجل المجتمع، فتحولت لشخصية أخرى لكى تحمى مَن حولها فى ظل معاناة لا متناهية.