محمود محمد طه… ونبوءة العرفانيين!
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
فتحي الضَّو
كنت قد دأبت على الكتابة الراتبة كلما هلَّت علينا ذكرى شهيد الفكر الإنساني الحر الأستاذ محمود محمد طه، وقد تواتر ذلك منذ أن ترجل كالطود الأشم وأعتلى منصة الإعدامات في سجن كوبر بأمدرمان، مُتكئاً على خُطاه الراكزة كجلمود صخرٍ يهُز الأرض من علٍ. تُزين وجهه تلك الابتسامة التي حيَّرت كل من رآها وعجز عن الوصول لغموضها الساحر، سواء من الأبعدين والأقربين، بل ما يزال الناس مذهولين جراء تلك الشجاعة النادرة، والتي واجه بها الموت مبتسماً.
(2)
في مثل هذا اليوم (18/1/2024/) أي قبل نحو ثمانية وثلاثين عاماً، أغتال الرئيس المخلوع جعفر نميري شهيد الفكر الإنساني الحُر الأستاذ محمود محمد طه، بعد محاكمة هزلية تبارى في ظلاماتها جلاوزة الهوس الديني، وأظهروا ما ضمرته نفوسهم الظلامية، في حين عمد الأستاذ محمود محمد طه إلى تعرية ترهاتهم وفضح جهلهم بمرافعة رصينة كان ينبغي أن تكتب بماء الذهب على صفحات التاريخ. ومع ذلك ظلَّ الناس يتداولونها على مر الأزمان كمنجز حضاري لا يمكن تجاهله. أما أنا محب الأستاذ لوجه الله، فقد أعجبني في هذه المرافعة الفكرية السياسية الفلسفية الدينية شيئين هامين: الأول تلك الشجاعة البالغة منقطعة النظير، أما الثاني فهو الثبات على المبدأ ولو كان مقابله الموت!
(3)
سيظل كل ذلك متوهجاً في ذاكرتنا وأفئدتنا نستلهم منه العبر والدروس الكثيرة التي تركها لنا الأستاذ المفكر وأهمها: الوقوف بصلابة في مواجهة الديكتاتوريات وخاصة المتسربلة بالدين الإسلامي، والثبات على المبدأ ومناهضة ظلم السلطان الجائر مهما كان الثمن. لقد افتدى الأستاذ أمته بتبصيرها بمآلات حكم الإسلام السياسي، وما ينجم عنه من دمار عقدي وأخلاقي سيكون وبالاً على الدين نفسه. لو كان الأستاذ المفكر جباناً لآثر الهروب بجلده ولو كان الأستاذ المفكر أنانياً لراوغ الديكتاتور كما يفعل سدنة دولة الفساد والاستبداد. ولو كان الأستاذ المفكر فظاً غليظ القلب لأنفض من حوله محبيه ومريديه، لكنه كان رؤوفاً رحيماً، أختار طريق المجادلة بالتي هي أحسن، ودفع حياته ثمناً لتضحيته!
(4)
نحن مدينون للأستاذ محمود محمد طه، فقد نصحنا في يوم عزَّ فيه النصح، ولم نستبن نصحه إلا ضحى الغد. بل لم نعلم أننا أضعنا شيئاً ثميناً إلا بعد أن تكالبت الضباع على الوطن الوديع وشرعت في نهش جسده الطاهر بلا وازع ولا ناهٍ يردع الأحياء وهي رميم. ثمَّ مضوا في مكايدات السوء ومخططات التآمر لأجل أن يشعلوها حرباً شعواء لا تبقي ولا تذر. ظلوا يأججون نيرانها ويقرعون طبولها ويحرصون كل الحرص على أن تمضي إلى نهاياتها التدميرية. طالما أن الوطن في عرفهم محض (بقرة حلوب) يرضعون ضرعها.. مُعرضين عن التذكرة كأنهم حُمر مستنفرة!
(5)
منذ أن أنشبت الحرب أظفارها الجارحة، عمد كثير من الناس إلى استدعاء مقولات نُسبت إلى الأستاذ المفكر، وهي في مجملها تشير إلى أن الفتنة الهوجاء التي أشعلها الإسلامويون سوف تكون وبالاً عليهم، وسيعود ناعقها إليهم وهو حسير. وقال المُبرأ من العيوب: سوف يتلجلجون ويختصمون ويفرون فتُصبح عندئذٍ ترهاتهم الظلامية هشيماً تذروه الرياح. ونحن نقول حينما قال الصادق الأمين ذلك لم يدَّع علم الغيب ولم يكن ضارباً بالرمل، وإنما كان ذلك تحليلاً واقعياً ومنطقياً غاص في دقائق الأشياء بنظرة عرفانية لا يُلقاها إلا الذين صبروا ولا يُلقاها إلا ذو حظٍ عظيم. ونقول كذلك إن حدسنا يعضد أيضاً قول من لا ينطق عن الهوى لأن الخالق - سبحانه وتعالى - هو القائل (ولا يحيقُ المكرُ السّيئ إلا بأهله).
(6)
لقد كان الأستاذ المفكر يعلم ما لا يعلم غيره أن الدرب الذي سار فيه شاق وطويل، تأسياً بالرسل والأنبياء، فمسيرة ما يناهز نصف قرن تؤكد زعمنا، بدأت بدخوله سجن المستعمر البريطاني، كأول سجين سياسي سوداني، ومضت المسيرة في طريق الآلام لتؤدي به إلى حبل المشنقة. كنت قد كتبت كثيراً وسنظل نكتب من أجل تخليده بذكرى تليق بمقامه السامي. الموسي أن الذكرى تأتي هذه المرة والوطن غارق في حرب البؤساء التي تنشر ظلالها السوداء على أرجاء الوطن كافة. وما يزال المبعثرون ينتشرون في فجاج الأرض بحثاً عن مأوى وطمعاً في الذي يمكن أن يقيم الأود، بينما نجد الإسلامويين قتلة الشهيد عاكفون على ضخ الأكاذيب وإشاعة الأباطيل، يحيكون الدسائس وينشرون الفتن، ولن يهدأ لهم بال إلا إذ أصبح هذا الوطن صعيداً جرزا.
(7)
سلام عليك يوم ولدت، وسلام عليك يوم مقتلك وسلام عليك يوم تبعث حياً. يومئذٍ سيجتمع في ملكوت الله الخصوم بين يدي مليك مُقتدر، سيقف ضحايا الهوس الديني صفاً صفاً يتقدمهم المبعوث فيهم، سوف يُطأطيء الظالمون والفاسدون والمستبدون رؤوسهم، يشكون الذين قتلوا والذين عذبوا والذي ادعوا الربوبية ولات ساعة منم. أما أنت يا سيدي ومولاى، لقد منحت هذا الوطن المكلوم هوية بعد أن ذاع صيتك كمفكر متفرد وملأت سيرتك الآفاق، وهنئاً لك ذلك الموقع الرحيب بين المفكرين الشجعان الذين كتبوا أسمائهم بأحرف من نور على صفحات التاريخ الإنساني الذي لا يظلم عنده أحد!!.
آخر الكلام: لابد من المحاسبة والحرية والديمقراطية وإن طال السفر!
faldaw@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
بالأسماء.. ارتفاع مصابي حادث الطريق الدولي الساحلي بالإسكندرية إلى 13 شخصًا
ارتفع عدد المصابين حادث الطريق الدولي الساحلي محور التعمير غرب الإسكندرية، الذي وقع بين ثلاث سيارات، إلى إصابة 13 شخصًا، وذلك تزامنًا مع بدء نوة الفيضة الصغرى وهطول أمطار غزيرة أثرت على الرؤية وسلامة القيادة.
تعود تفاصيل الحادث إلى تلقي الأجهزة الأمنية إخطارًا من إدارة شرطة النجدة عن وقوع تصادم بين عدة سيارات على محور التعمير بالقرب من كوبري كارفور العروبة غرب الإسكندرية.
وعلى الفور، انتقلت قوات الشرطة وإدارة المرور إلى موقع الحادث، حيث رافقهم طاقم سيارات الإسعاف لتقديم الدعم الطبي ونقل المصابين و أظهر الفحص الأولي وقوع اصطدام وانقلاب ثلاث مركبات، تشمل شاحنة (تريلا) وميكروباص وسيارة ربع نقل.
وأوضحت التحريات أن السبب وراء الحادث يعود إلى الأمطار الغزيرة التي أحدثت انزلاقًا للمركبات، مما أدى إلى فقدان السائقين السيطرة عليها.
تم نقل المصابين إلى المستشفيات القريبة لتلقي العلاج اللازم، حيث تم إحالة 7 مصابين إلى مستشفى العامرية العام، و6 مصابين آخرين إلى مستشفى برج العرب وقد قامت الفرق الطبية بتقديم الرعاية الصحية العاجلة للمصابين، الذين تراوحت إصاباتهم بين كسور وجروح متفرقة. كما تم تحرير محضر بالواقعة في قسم شرطة العامرية، وأُحيلت القضية إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات.
وجاءت بيانات المصابين كالتالي: «محمود حلمي كامل، يبلغ من العمر 37 عامًا، يقيم في منطقة مينا البصل، مصاب باشتباه كسر وخلع في الكاحل الأيسر، بالإضافة إلى اشتباه في وجود نزيف في البطن والصدر و محمود محمد فتحي، يبلغ من العمر 28 عامًا، يقيم في منطقة الدخيلة، يعاني من اشتباه ما بعد الارتجاج، ارتشاح رئوي وكسر في الساق و آية مصطفى أحمد، تبلغ من العمر 25 عامًا، مقيمة أيضًا في الدخيلة، مصابة باشتباه ما بعد الارتجاج، بالإضافة إلى اشتباه في نزيف في المخ وكسر في الساق محمود حلمي كامل، 37 سنة، مقيم بمينا البصل، مصاب باشتباه كسر وخلع بالكاحل الأيسر واشتباه نزيف بالبطن والصدر
ومحمود محمد فتحي، 28 سنة، مقيم بالدخيلة، مصاب باشتباه ما بعد الارتجاج وارتشاح رئوي وكسر بالساق آية مصطفى أحمد، 25 سنة، مقيمة بالدخيلة، مصابة باشتباه ما بعد الارتجاج واشتباه في نزيف بالمخ وكسر بالساق و محمد عبد الحميد كامل، البالغ من العمر 43 سنة، مقيم في منطقة العامرية، يعاني من اشتباه في نزيف بالمخ ونزيف في الصدر. أما المريضة رقية عبد الله أحمد، التي تبلغ من العمر 16 سنة، مقيمة في برج العرب القديمة، وتعاني من اشتباه في كسر بالكوع الأيمن.
ومنى رضوان كامل، البالغة من العمر 36 سنة، مقيمة في برج العرب، من كدمات متعددة في مختلف أنحاء الجسم وعلي محمود عبد الرحيم، الذي يبلغ من العمر 64 سنة ومقيم بالدخيلة، يُظهر علامات اشتباه في ما بعد الارتجاج مع وجود كدمات وسحجات متعددة و محمود عبد الهادي عبد المعطي، البالغ من العمر 48 عامًا، من منطقة الهانوفيل، للاشتباه في كسر في الأضلاع والكتف الأيمن، بالإضافة إلى كدمات في الساق اليمنى
ومحمد جابر السيد مصطفى، البالغ من العمر 34 عامًا، من منطقة المكس، يعاني من اشتباه في كسر في الفخذ الأيمن والسنوسي محمد إبراهيم، 45 عامًا، من محافظة البحيرة - كفر الدوار، يعاني من اشتباه في كسر بالفخذ الأيسر و محمد فوزي حسين، 39 عامًا، من نفس المنطقة، من اشتباه في كسر بالعمود الفقري وكدمة في الركبة اليمنى وقد تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم.
تجدر الإشارة إلى أن محافظة الإسكندرية، تواصل تحذيرها للسائقين بضرورة توخي الحذر أثناء القيادة، خاصة مع بدء نوات الشتاء التي تؤدي إلى تقلبات جوية، منها الأمطار الغزيرة التي تتسبب في ضعف الرؤية وانزلاق الطرق، مما يتطلب الالتزام بالسرعات المحددة وترك مسافة أمان كافية بين المركبات.