بقلم: تاج السر عثمان بابو بعد إخماد تمرد الجيش السوداني 1900 دخلت الحركة الوطنية السودانية فترة جديدة توجت بانفجار ثورة 1924 التي شكلت الأساس للتطورات اللاحقة حتى استقلال السودان في أول يناير 1956، فكيف انفجرت الثورة؟ ثورة 1924 (1) يمكن القول أن الحركة الوطنية السودانية الحديثة ظهرت في الفترة 1922 – 1925 والتي أدت لاستقلال السودان (جعفر محمد على بخيت، المرجع السابق، ص 48)، ذلك أنه تكون في تلك الفترة أول تنظيم حديث كما حدث في الاقطار الأخرى التي خضعت للحكم الأجنبي، وذلك بين المتعلمين الذين حصلوا على تعليم حديث وفق المنهج الأوربي المعاصر، وقامت ثورة 1924 التي رغم هزيمتها الا أنها فتحت الطريق للمقاومة حتى الاستقلال.
. كانت أشكال مقاومة جمعية الاتحاد السوداني واللواء الأبيض فيما بعد حديثة كما في : المنشورات، العمل السري ، المظاهرات، الكتابة في الصحف ، والمقاومة العسكرية المسلحة، اضافة للاشكال الأخرى مثل : تنظيم المسرحيات، الندوات الأدبية، مساعدة الطلاب للدراسة في مصر، والخطب في المساجد. ومن الأمثلة للمقاومة عن طريق الرسائل، المنشور الذي كتبه عبيد حاج الأمين موجها الاتهام لزعماء الطوائف الثلاثة ” بعبادة جورج ونبيه لى استاك – الحاكم العام” وجعل الحضارة بوقا للامبريالية، وطالب الكاتب المتعلمين بتجاهل محاولات البريطانين لبث الفرقة بين السودانيين، واتهم “قيام “مشروع الجزيرة الحكومي سرقة لأراضي السودانيين، وتمكين الشركة الانجليزية من الاستيلاء عليها” ( جعفرر محمد على بخيت، المصدر السابق، ص 50 – 51). اي كان من اسباب قيام الثورة رفض الاستيلاء على اراضي المزارعين بثمن بخس لقيام مشروع الجزيرة ومن المقالات في الصحف مقال نُشر بجريدة الاهرام ، وجهه عبيد حاج الأمين في نوفمبر 1922 للأمير عمر طوسون أحد أمراء العائلة المالكة المصرية الذي اشتهر بحبه للخير واهتمامه بشؤون السودان ومقاومة مكائد الانجليز، وأعلن أن الحركة الوطنية السودانية قد عضدت الأمة المصرية وعارضت انفصال مصر عن السودان تحت أي ظرف من الظروف ( راجع جعفر بخيت ، المرجع السابق، ص 51).
(2) تقويم لثورة 1924
يمكن القول في تقويم عام للثورة الآتي: أ – تُعتبر ثورة 1924 أول ثورة عامة بعد هزيمة الثورة المهدية، اتخذت آساليب جديدة في الكفاح، وهى تحول نوعي نتيجة لتراكم الانتفاضات السابقة التي قامت بها قبائل وفئات الشعب السوداني منذ بداية الحكم الثنائي التي تميزت بأنها حركات منعزلة لا رابط بينها، مما أدي الي أن تنفرد الإدارة البريطانية بكل انتفاضة على حدة وتخمدها، وشملت ثورة 1924 مدن السودان المختلفة، واشترك فيها الجيش والمدنيون كما أبرزت دور الجيش في الحركة الوطنية والذي ظل مرتبطا بها منذ بداية الحكم الثنائي ( تمرد القوات السودانية 1900 الذي أشرنا له سابقا). من أسباب هزيمة ثورة 1924 : أ –انقسام الحركة الوطنية التي لم تكن موحدة حول شعار وحدة وادي النيل تحت التاج المصري كخطوة نحو الاستقلال، لأن الجماهير كانت تتذكر مظالم الاتراك والمصريين خلال سنوات الحكم التركي- المصري، اضافة لتأييد زعماء القبائل والطوائف للإدارة البريطانية، ومناصبتهم العداء للمتعلمين الذين شكلوا قاعدة ثورة 1924، كما نجحوا في ابعاد أقسام كبيرة من اتباعهم لعدم تأييد الثورة ( أو تحييدهم على الأقل). هذا اضافة للخلافات القبلية والعرقية، مما اضعف تنظيمات الحركة الثورية داخل الجيش والمدنيين. ب – الظروف لم تكن ناضجة للثورة، ولم يختار قادة ثورة 1924 توقيتها، وانما فُرضت عليهم بعد مقتل السير لى استاك وقرار الإدارة البريطانية باجلاء القوات المصرية من السودان، بالتالي لم يكن الاستعداد والتعبئة كاملين، اضافة لقلة خبرة صغار الضباط والمدنيين من قادة الحركة وارتكابهم بعض التصرفات الطائشة. ج – اختراق جمعية اللواء الأبيض من عملاء المخابرات البريطانية وكشف تحركاتها وخططها (دس محمد على صالح الذي اصبح شاهد ملك خلال المحاكمات، ومحمد جبر الدار بالابيض). د – فشل انتفاضة الجيش بضعف الاتصال والتنسيق بين الضباط السودانيين في الخرطوم ورفاقهم في المناطق، وكذلك عدم المساندة الكافية لهم من الضباط المصريين.
(3) ما هي آثار ثورة 1924؟ أ- الجلاء التام للقوات المصرية من السودان، وبذلك أمكن للادارة البريطانية أن تنفرد بحكم السودان، وتم توحيد جهاز القمع الذي اصبح يتكون من القوات السودانية بقيادة الضباط البريطانيين. ب – هجوم شامل على المتعلمين وتجمعاتهم، وترسيخ الإدارة الأهلية، وإغلاق المدرسة الحربية، وتقليص عدد المستوعبين في كلية غردون، ومحاربة لسفر السودانيين للتعليم في مصر، مما كرّس التخلف والردة ومكن لزعماء القبائل في الإدارة. ج – اضعفت الثورة دولة الحكم الثنائي، وخلقت عدم استقرار لها، كما خلقت اساسا متينا لسير وتطور الحركة الوطنية فيما بعد، رغم الهزيمة المؤقتة. د – كانت ثورة 1924 حلقة في سلسلة الثورات المناهضة للحكم الأجنبي، وقامت على آساليب ومناهج أرقى من الثورة المهدية، وانتفاضات القبائل وتمرد الجنود، وهى نتاج للنهضة التي بدأت تنتظم البلاد منذ بداية الحكم الثنائي، وما خلقته من فئات متعلمة، وقوى عاملة على أساس الزراعة والصناعية الحديثة، وقطاع الخدمات، ، ومن تناقضات في المصالح والأفكار حول المشاريع الاقتصادية والاجتماعية. ه – استندت ثورة 1924 على شعارات سياسية وعلمانية، ولم تقم على أسس قبلية أو دينية، كما تم فيها اشعال نيران الثورة بوسائل ومناهج جديدة، بعد أن عجزت المناهج السابقة في مواكبة المتغيرات الجديدة، وما عادت تلائم التطورات التي كانت تجري في العالم يومئذ.، واصبحت الحركة الوطنية في احتياج لشعارات ومناهج متطورة تلائم تلك التطورات والتحولات التي انتظمت البلاد نفسها، رغم هزيمة ثورة 1924 وقصور شعاراتها السياسية (وحدة وادي النيل) الا أنها شكلت خطوة جديدة متقدمة كانت الحركة الوطنية في حاجة اليها، لا يعني ذلك أن ثورة 1924 استبعدت الأثر أو العامل الديني ، فقد كان من شعاراتها رفض سياسة التبشير في الجنوب التي اطلقت الإدارة البريطانية لها العنان واحلال الدين المسيحي قسرا محل الدين الإسلامي ، ومقاومة تعليم المرأة في المدارس التبشيرية. الخ. لكن الوجهة العامة كانت سياسية علمانية ( وحدة وادي النيل والكفاح المشترك مع المصريين كخطوة نحو الاستقلال). و _ شكلت ثورة 1924 المنبع لدور المتعلمين والقوى الحديثة في المدن من مدنيين وضباط في الحياة السياسية والاجتماعية، وأكدت هلى أهمية دورهم الواضح في تقرير مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كما أكدت ضرورة اشراك هذه القوة في الحكم وأجهزته بمختلف الأشكال. كما شكلت الثورة الرافد والاساس للتنظيمات الحديثة التي تكونت فيما بعد : مؤتمر الخريجين ، الأحزاب والنقابات والاتحادات التي لعبت دورها في الحركة السياسية والاجتماعية. ز – أكدت ثورة 1924 دور الجيش وضرورة ارتباطه بالحركة الجماهيرية في الحركة الوطنية وطابعه الوطني، رغم الحدود التي حاول أن يرسمها المستعمر، وهذا ما جعل القوات المسلحة منذ نشأتها ذات ارتباط بالحركة الجماهيرية والشعبية، وبالحياة السياسية في السودان، واستمر هذا الدور بعد الاستقلال وحتى الآن صعودا وهبوطا. ح – كانت ثورة 1924 حلقة من حلقات نضال الشعب السوداني في تطلعه للديمقراطية والحرية والاستقلال والسيادة الوطنية ورفض الحكم الأجنبي، وهي تعكس في جانب منها طبيعة السودانيين المناهضة للظلم والمحبة للديمقراطية والحرية التي كلما تم الهجوم عليها ينهضون لاستعادتها. ط – تُعتبر ثورة 1924 من الحركات المبكرة في المستعمرات الافريقية ( السوداء)، وتعكس وعيا متقدما في تلك الظروف المبكرة، وكان لها الأثر في النيل المبكر لاستقلال السودان عام 1956. وكان السودان من اوائل الدول الافريقية التي نالت استقلالها، وكان استقلالا نظيفا غير مرتبط بأحلاف عسكرية، وتم باجماع الحركة السياسية فيما بعد، بعد تراكم وحصيلة نضالات وتضحيات جمة. ى – مهما يكن من أمر، لا يمكن انكار أثر انتفاضات شعوب المستعمرات في بداية القرن العشرين مثل: ثورة 1919 في مصر ، حركة المؤتمر في الهند ، الثورة الديمقراطية في روسيا 1905 ، والثورة الروسية 1917. الخ، كل تلك الثورات كان لها اصداؤها على الشعب السوداني والمتعلمين السودانيين في تلك الفترة. هذا اضافة لاشتراك الجنود السودانيين في الحرب العالمية الأولي واحتكاكهم بشعوب البلدان الأخرى، مما أكسبهم وعيا ومعرفة بما يدور في العالم. ك – لم تسبق ثورة 1924 كثورة سياسية ثورة موازية لها في عالم الأفكار والنظريات الثورية والاجتماعية، صحيح أنه سبقها تطور ضئيل في التعليم وظهور شريحة متعلمة ، وظهور الصحافة السودانية، اضافة للصحافة الأجنبية، والاحتكاك بشعوب العالم المطالبة بالاستقلال.. الخ. لكن المقصود حياة ثقافية تسلح الثوار بأفكار الديمقراطية وحقوق الانسان، حتى لو كانت من باب التنوير التي حدثت في بداية الثورةالبورجوازية في الغرب في ميادين الفسفة والعلم والاقتصاد، التي تخلق اساسا فكريا يحسم ويؤكد الدور القيادي للفئات المتعلمة في العملية الثورية. وهذا راجع الي حداثة التعليم وفئات المتعلمين نفسها والي ضعف الطبقات الفئات الاجتماعية ( رأسمالية، شبه اقطاع)اقتصاديا ، بالتالى أثر ذلك على طلائعها ومفكريها الذين يعبرون عن تطلعاتها ومصالحها بوضوح. وهذا من اسباب ضعف الطبقات الرأسمالية وشبه الاقطاعية في السودان، بالتالى ضعف أحزابها وضعف الحركة السياسية عموما بشقيها المحافظ والثورى، اذ لم يكن لها جذور نظرية وثقافية تعزز نشاطها العملي واليومي، أي ضعف الميل للعمل النظري الذي يعتبر ضروريا ومكملا للنشاط العملي. ل – كما طرحت قضية الهوية على أساس “السودانوية “بمعني مساواة السودانيين غض النظر عن الدين أو اللغة أو العرق أو اللون او الاثنية في دولة المواطنة التي تسع الجميع، كما في رد على عبد اللطيف على سليمان كشة الذي طرح (شعب عربي كريم)، وكان رد على عبد اللطيف ( شعب سوداني كريم).
(4) ما هي أهم معالم الردة بعد هزيمة ثورة 1924؟
بعد هزيمة ثورة 1924 انتصر خط الإدارة البريطانية في تثبيت وترسيخ: – تم نهب اراضي المزارعين بثمن بخس وقيام مشروع الجزيرة وتسوية مياه النيل ( اتفاقية 1929). – فرض الإدارة الأهلية وتعميق الصراعات والتفرقة القبلية والطائفية وفق مخطط الاستعمار ” فرق تسد” . – تقليص التعليم ومحاربة المتعلمين، واغلاق المدرسة الحربية. – اصدار الأوامر والقوانين القمعية التي صادرت الحقوق والحريات الأساسية. – عمل الاستعمار على عزل قبائل الجنوب عن الشمال، وشرع في تنفيذ قانون المناطق المقفولة الذي وُضع عام 1922 لتعميق الفوارق الثقافية والاقتصادية والدينية والاثنية بين الشمال والجنوب، تمهيدا لاضعاف الحركة الوطنية والشعور القومي الموحد، ولفصل الجنوب عن الشمال، بعد أن توجس الاستعمار خيفة من أن بعض قادة ثوار 1924 كانوا من قبائل الجنوب، بالتالي عرقل الاستعمار التطور الاقتصادي والسياسي والثقافي لقبائل وشعوب الجنوب، مما كان له الأثر في تمرد 1955 مع أسباب أخرى. – انشاء قوة دفاع السودان عام 1925 بعد جلاء القوات المصرية عام 1924، والتي اصبحت تابعة للحاكم العام ( قسم الولاء للحاكم العام). – انحسر نشاط الخريجين السياسي وانحصر في الجمعيات الأدبية وأندية الخريجين.
نواصل الوسومتاج السر عثمان بابو
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية:
الإدارة البریطانیة
الحرکة الوطنیة
فیما بعد
إقرأ أيضاً:
استفتاء 19 ديسمبر ..جذوة الثورة ما تزال حية
استفتاء 19 ديسمبر ..جذوة الثورة ما تزال حية
صلاح شعيب
بالأمس مرت ذكرى قيام ثورة ديسمبر المجيدة التي أنهت أسوأ فترة استبدادية في تاريخ البلاد. إنها الثورة التي قدم فيها شبابنا تضحيات عظيمة في فترة كالحة أذاقت السودانيين كل العذاب. فضلاً عن ذلك فإن ما سمي المشروع الحضاري أضاع أكثر من ثلاثة عقود من عمر الدولة، حيث شهدنا كيف أنه تم توظيف الإسلام كأداة تجارية ضد الإسلام نفسه. ولا نحتاج لتذكير الناس أن نسخة الإسلام السياسي السودانية ساهمت في فصل جنوب السودان عن شماله، وخلقت طبقة إسلاموية سيطرت وحدها على مفاتيح السياسة، والاقتصاد، ومنابر الثقافة والإعلام، والخدمة المدنية، والقطاع الخاص، وغيرها من مجالات العمل في السودان. كل هذه السيطرة الاستبدادية تعززت منذ عشريتها الأولى بقبضة أمنية أداتها تعذيب المعارضين، وإغلاق كل المنافذ أمامهم دون الحظر بحياة كريمة.
وقد أدى هذا الوضع إلى هجرة معظم العقول السودانية، وما بقيت في الداخل لُوحقت بالمضايقة المنتظمة حتى قبل لحظات من سقوط نظام الحركة الإسلامية. وأثناء هذا الوضع تفشت المحسوبية، والفساد، وشراء ذمم الناس الضعيفين حتى انهارت مهنية الخدمات، والأجهزة العسكرية، والأمنية. وكذلك أفرزت سياسة الإسلاميين الاغتيالات السياسية، والإبادة الجماعية في دارفور، وقصف الأبرياء بالبراميل الحارقة في مناطق النزاع. ولعل هذه الحرب الدائرة الآن أكبر دليل على انهيار مؤسسات الدولة، وتفريغها من فاعليتها. بل إن هذه الحرب لا تنفصل من تأثير سياسة الإسلاميين السالب على النسيج الاجتماعي في الدولة، إذ استعانت بالمليشيات وسيلة للدفاع عن فساد نخبة المؤتمر الوطني.
إن ما فعله الإسلاميون ما قبل مفاصلتهم، وبعدها، لا يمكن إجماله في هذا الحيز. ولكن المهم القول هو إن الحركة الإسلامية قدمت أسوأ نموذج للاستبداد السياسي في التاريخ الحديث. ولذلك كانت ثورة ديسمبر فرصة للسودانيين لإثبات جدارتهم في إلحاق الهزيمة بأنظمتهم الديكتاتورية التي كلها ذهبت إلى مزبلة التاريخ ليكسو العار وجوه الذين أسّسوا لذلك النظام السياسي الفاسد، والقمعي، والقبيح.
إن استهداف ثورة ديسمبر بدأ منذ نجاحها بتدبير من قيادات في المكون العسكري ربطت بينهم والإسلاميين علاقات خفية. ورغم ما أبداه البرهان، وياسر العطا، وكباشي، وحميدتي، من انحياز مرحلي للثورة إلا أن عرقلتهم لتطلعات رئيس الوزراء وطاقمه، والمؤسسات الأخرى التي شغلها كوادر تحالف الحرية والتغيير كان أمراً ظاهراً ما أدى إلى شل حركة حكومة الانتقال الديمقراطي. ذلك حتى استطاعوا إحداث الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 والذي أنهى المرحلة الانتقالية. ومع ذلك لم ينثن الثوار أمام الآلة القمعية للانقلابيين، وقدموا نضالات غاية في التضحية في سبيل إفشال مخطط تقويض الثورة. وهكذا عجز الانقلابيون في تنفيذ مخططهم الذي بدأ باسترداد الأموال، والأملاك، التي تحكمت فيها لجنة إزالة التمكين، وإعفاء السفراء الذين تم استرجاعهم للخدمة المدنية، وعودة الممارسات القمعية ضد الإعلاميين، وحظر نشاط الحركة الجماهيرية.
جاءت الحرب كخيار أخير للقضاء على ثورة ديسمبر بتوافق البرهان، وأركان حربه مع الإسلاميين بقيادة علي كرتي، وقد أتاح هذا المناخ الاستبدادي الجديد الفرصة للإسلامويين، ودواعشهم، للظهور علناً لدعم الجيش في حربه المقصودة أصلاً ضد الثورة. وبمرور الأيام كشفت أبواق الحرب عن مكنون مقاصدها في استهداف رموز، وأحزاب الثورة، ولجان المقاومة، عبر حملة إعلامية مسعورة تواصل النهار بالليل حتى تخلق رأياً عاماً مشوهاً في رؤيته للحرب، وسير مجرياتها.
وتواصلت أكاذيب، وتلفيقات إعلاميي النظام السابق، وبعض الانتهازيين الذين تم استخدامهم لتزوير الوقائع، وعكس صورة مخالفة للهزائم المستمرة التي مني بها الجيش وتحويلها لانتصار زائف.
ومع ذلك لم تنجح الحملات الإعلامية السافرة التي صرف لها الإسلاميون بسخاء من نزع حلم استئناف الثورة من مخيلة، وأفئدة، غالب الشعب السوداني، والذي ظل يأمل إيقاف الحرب لتنتهي المآسي الإنسانية التي خلفها المشروع الحربي لعودة الإسلاميين للحكم، ومن ثم يضطلع المدنيين بأمر الحكم المدني، ويكتمل الانتقال الديمقراطي لتحقيق شعار الثورة: حرية، سلام، وعدالة، وإعادة بناء ما دمرته الحرب.
لقد مرت الذكرى السادسة لاندلاع ثورة التاسع عشر من ديسمبر 2018، وقد شغلت كل منصات التواصل الاجتماعي، حيث سيطر النشطاء والكتاب الثوريون على منشورات هذا اليوم، مسترجعين ذكريات من النضال المشهدي ضد نظام الحركة الإسلامية، ومؤكدين إصرارهم على هزيمة مشروع إجهاض الثورة التي أتت لتقطع مع عهد التيه والضلال، ومعبرين عن رفضهم لاستمرار الحرب بوصفها وسيلة إنتحارية لقتل حلم السودانيين في عهد ديمقراطي، وإسترداد كامل النظام السابق، وتأديب الثوار. ولكن هيهات فثورة ديسمبر انبثقت لتبقى جذوتها حية مهما طال امد التآمر ضدها.
الوسوماستمرار الحرب النضال ثورة ديسمبر السودانية حلم السودانيين صلاح شعيب