ماهر أسعد بكر لا يمكن في عجالة توصيف القيمة الهائلة للمياه في حياة الإنسان و الحضارة، و على الرغم من أنها تشكل الجزء الحيوي الأكبر في سبب وجود البشرية، إلا أن جزءً كبير من البشرية نفسه متورطً في أزمة مياهٍ معقدةٍ و متوسعة، تهدد وجودها بالكامل، و تتفاقم هذه الأزمة يومياً و تتسع، بسبب عوامل باتت خارجةً عن السيطرة، من تزايد أعداد البشرية، و تركيز السكان في المراكز الحضرية، و تكثيف الزراعة و الصناعة بشكلٍ لا يراعي الموارد المحدودة للمياه العذبة، و بالتالي فإنها أزمةٌ ناجمةٌ عن التقدم الحضاري و ما جلبه من فوضى في مقدرات كوكبنا.

كل ذلك أتى مترافقاً بالتصرفات اللاعقلانية التي تقوم بها الدول التي تمر بها أنهرٌ مشتركة، كدول حوض النيل و أراضي دجلة و الفرات، و غيرها, فالبناء الغير مدروسٍ للسدود، و التوزيع الغير عادلٍ لحصص المياه، قد أثر بشكلٍ كبيرٍ، ليس فقط على تلبية الحاجات الأساسية لمياه الشرب و الري، و إنما على النظام البيئي لبعض الدول، بدون التطرق لما يخلفه ذلك من تأثيراتٍ سلبيةٍ على طبقات القشرة الأرضية، و ذلك بحثٌ آخر. و تبعاً لهذه الأزمة المتفاقمة، تزداد الحاجة اليوم إلى تحقيق التوازن بين النظام و الفوضى في مسألة تأمين، و المحافظة على موارد المياه العذبة، فمع تزايد أعداد السكان، و تركزهم في المدن الكبرى، يتصاعد الطلب على المياه إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، و بالتالي ضخ كمياتٍ أكبر من المياه الجوفية التي باتت تشكل المصدر الأكبر للمياه العذبة، لسد الحاجة، هذا الأمر بدوره بات يشكل ضغطاً على مخزون المياه المتاح للبشرية و يشكل تهديداً في حال نضوبه، وفي الوقت نفسه، تتفاقم أزمة تلويث مصادر المياه في التزايد، حيث تواصل الصناعات تصريف النفايات السائلة السامة في المجاري المائية، مما يقوض استخدامها لأي غرض، و مع تغير المناخ و مشاكل الاحتباس الحراري، أصبحت أنماط هطول الأمطار حول العالم في حالةٍ من الفوضى. قد تبدو أزمة المياه للبعض أزمةً في مسارٍ واحد، إلا أن حقيقة الأمر أكبر من مجرد شربٍ و ري، حيث أن نتائج الخلل المتزايد في التوازن قد تكون ذات آثارٍ مستدامة، فاليوم أكثر من ملياري شخص يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة في منازلهم، و يفتقر ضعف هذا العدد إلى الصرف الصحي المدار بأمان، مما يؤدي إلى تفشي المرض كالإسهال و الكوليرا و التيفوئيد و الأمراض الأخرى التي تنقلها المياه، و يتحمل الأطفال بشكلٍ خاصٍ العبء الأكبر من هذه المشاكل الصحية، و يصبحون غير قادرين على متابعة التعليم و التمتع بحياةٍ أفضلٍ بسبب العبء اليومي المتمثل في جلب المياه و مكافحة المرض من شرب المياه الملوثة. و تعتبر المجتمعات الزراعية الخاسر الأكبر، فهي تعاني من تناقص المحاصيل و بالتالي تناقص الدخل بسبب أزمة المياه و آثار الجفاف، هذا الأمر بحد ذاته أجج النزاعات بين البلدان حول أحواض الأنهار المشتركة مثل نهر النيل، و بين مجتمعات الرعاة و المجتمعات الزراعية في أماكن مثل نيجيريا. في نهاية المطاف، لن يكون هناك حلٌ واحدٌ كافٍ يمكن للبشرية من استعادة التوازن و الوصول المشترك لموارد المياه بسبب تعقيد العوامل المؤثرة و المسببة لأزمة المياه، و بالتالي تحتاج البشرية لنهجٍ متعدد الجوانب يرتكز على المسؤولية الفردية و التعاون المجتمعي و الدولي، يجب أن تتطور العقليات و السلوكيات حول استخدام و استجرار و توزيع المياه، على البشرية أن تدرك أن الاستهلاك المفرط للمياه أمرٌ غير مقبولٍ أخلاقياً و لا يصب في مصلحة استمرارية وجودها، كل شخصٍ منا لديه دور يلعبه في التغلب على هذه الأزمة المعقدة، من خلال تحمل المسؤولية الفردية في كيفية استخدامنا للمياه، و التعاون بين الشركاء في الموارد المائية، ربما يمكّننا ذلك من إعادة التوازن إلى نظام المياه العالمي و تجنب كارثةٍ أعمق تهدد جوهر الحياة نفسها.

 

كاتب و مؤلف سوري

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

رانيا يوسف تعيش أزمة نفسية بسبب "أوراق التاروت".. وهذا موعد عرضه

بعد سلسلة من الأزمات والتأجيلات، كشف صناع وأبطال فيلم "أوراق التاروت" عن موعد عرضه أخيراً، إذ يضم العمل نخبة من نجوم الفن، في مقدمتهم الفنانة رانيا يوسف.

ومن المقرر أن يبدأ عرض فيلم "أوراق التاروت" في 15 يناير (كانون الثاني) المقبل بدور السينما المصرية.

وتجسد رانيا يوسف في الفيلم شخصية تدعى "ماري"، وهي امرأة تعيش أزمة نفسية حادة بعد حادث مفاجئ يغيّر مجرى حياتها تماماً، ويعرّضها لسلسلة من المشكلات العاطفية والاجتماعية. فيما تقدّم سمية الخشاب ومي سليم أدواراً مليئة بالصراع الداخلي خلال أحداث الفيلم.

فيلم "أوراق التاروت" من بطولة رانيا يوسف، وسمية الخشاب، ومي سليم، ومحمد عز، ومنذر رياحنة، وعبد العزيز مخيون، ومحمد سليمان، ونورهان حفظي، وعلاء مرسي، وخالد محروس. من تأليف معتز المفتي، وإخراج إبرام نشأت.

وكانت نقابة المهن التمثيلية في مصر قد هددت بإيقاف تصاريح فيلم "أوراق التاروت"، بسبب مخالفة صناعه لقرار منع مشاركة "البلوغرز" في الأعمال الفنية.

وسبق ذلك أنباء عن منع عرض الفيلم بسبب تضمنه مشهداً غير لائق لبطلته. وحينها نشرت رانيا يوسف، بياناً صدر من الشركة المنتجة للفيلم، عبر صفحتها الرسمية على فيس بوك، قالت فيه إن "الشركة المنتجة تنفي بشكل قاطع كافة الشائعات عن الفيلم"، وأن العمل يسير وفق جدول زمني محدد، للعرض في ليلة رأس السنة كما هو محدد سلفاً.
وأشارت الشركة إلى أن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية لم يعترض أو يمنع الفيلم أو مشاهده، لأنه لا يتضمن أي مشاهد خادشة للحياء.

مقالات مشابهة

  • أزمة بين وزيري الدفاع الأمريكي والإسرائيلي بسبب المستوطنين
  • أزمة في الجيش الإسرائيلي.. الجنود يتخلصون من حياتهم بسبب حرب غزة ولبنان
  • "فورين بوليسي": اقتصاد الحرب في روسيا "قنبلة موقوتة" تهدد أوروبا
  • بسبب أزمة قلبية .. تشيع جثمان محمد رحيم بعد صلاة الظهر
  • مركز الملك سلمان يحل أزمة نقص المياه في ذوباب بتعز
  • أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
  • موقع روسي: هل يفجر الاحتباس الحراري حروب المياه بآسيا؟
  • أزمة في بيراميدز بسبب تأخر رواتب مدربي قطاع الناشئين
  • أزمة في منتخب ألمانيا بسبب ناجلسمان
  • رانيا يوسف تعيش أزمة نفسية بسبب "أوراق التاروت".. وهذا موعد عرضه