شبكة اخبار العراق:
2024-12-18@17:04:02 GMT

الاختلاف

تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT

الاختلاف

آخر تحديث: 18 يناير 2024 - 12:53 م محمد صابر عبيد ينطوي مفهوم «الاختلاف» على رؤية جوهرية تؤسس لقيام فضاء يحقق الديمقراطيّة التي تطمح إلى بلوغها شعوب الأرض كافة، لأن التوافق المطلق رهين بإيصال الحال إلى حافة الهاوية؛ حين يهيمن رأي واحد يتفق عليه الجميع وكأنه منزل لا يقبل النقاش أبداً، وليس المقصود بالديمقراطيّة هنا الفضاء السياسيّ فحسب؛ بل الاجتماعيّ والثقافيّ والإبداعيّ أيضاً، وربما ما يهمنا على نحو أكبر وأعمق وأوسع هو الفضاء الإبداعيّ القادر على التأثير في المستويات الأخرى كلها، فالشعر المتشابه والقصص المتشابهة والروايات المتشابهة والكتابات الإبداعيّة الأخرى المتشابهة تقود إلى تلق كسول، لا يحتاج إلى تطوير أدوات الاستقبال لديه بحكم هذا التشابه، في حين يؤدي الاختلاف إلى صدم الذائقة وإحراجها وامتحان أدواتها؛ على نحو يضطرّها إلى تجديد عدة استقبالها وتطويرها باستمرار، والعمل المتواصل على ترصين أدوات الاستقبال لتكون في درجة من الكفاءة تمكنها من التعاطي المتجدد مع النصوص المختلفة.


ثمّة ضرورة قصوى لا بدَّ منها للاختلاف كي تتحوّل الحياة بمجملها من مسار محايد ورتيب ومملّ إلى مسار حركيّ ومتدفّق ومُنتِج، إذ لا يمكن أن نرى الورود بشكل واحد ولا الطيور ولا الأشجار ولا البشر ولا الأفكار ولا القيم ولا الأشياء كلّها، لأنَّ ذلك يُضعِف الرؤية والمخيلة والحلم ويمنع الاحتمال والتوقّع والتصوّر والحساسيّة، ويجعل حركة الحياة تنوء بحملٍ ثقيلٍ تتشابه فيه الحيوات والجمادات إلى درجة تعدم الفنّ والجمال والتطلّع إلى كلّ ما هو مغاير ومختلف؛ لذا نرى الطبيعة محمّلة بالاختلاف بما يجعلها ساحرة ومدهشة وقادرة باستمرار على ضخّ الحياة بالتنوّع والمغايرة، ولولا هذا الاختلاف في الطبيعة لتحوّلتْ إلى وحش مرعب يستحيل التفاهم معه والعيش في كنفه.
لا يتحقّق الاختلاف المطلوب بمجرّد الرغبة والنيّة؛ بل يحتاج الأمر إلى ما يمكن أن نسميه «وعي الاختلاف»، الذي يجعل منه حالة فلسفيّة تحتاج إلى رصد وتقويم وفهم وإدراك وهندسة ورؤية وموقف، بحيث يبقى هذا القدر العالي من الإحاطة بالمتطلّبات الضروريّة التي تساعد الاختلاف كي يكون منتِجاً وقادراً على التأثير الحقيقيّ في المحيط، فالوعي هنا هو الحارس الأمين الذي يحوّل الاختلاف إلى حالة تسهم في تطوير حركة الحياة والإبداع نحو الأفضل والأمثل والأجمل، وبما أنّ مفهوم الاختلاف يقوم على جذور ومرجعيّات فلسفيّة تهدف إلى شحن الحياة بطاقة فعلٍ وحركةٍ وتغييرٍ، فإنَّ الوعي ينبغي أن يكون المرافق الأقدم والأهم والأقرب كي تحصل النتائج على أعلى صورة من صور التخصيب والتثمير، ويكون الاختلاف عندها أفقاً حيويّاً يجتهد في بعث الحياة من جديد وباستمرار.
يستمر عمل الوعي في هذا السياق حتى يصل الأمر إلى ما يمكن تسميته «ممارسة الاختلاف»، أي تحويل الاختلاف إلى سلوك ميدانيّ ظاهر وبارز على الأرض؛ بما يجعله قادراً على التأثير وإلفات الانتباه وتوفير فرص عمل تجعل من الاختلاف وسيلةً منتِجةً، وينتشر على مساحات تتدخّل في صلب حياة الناس ويصل إلى أدقّ التفاصيل، إذ إنّ جوهر الممارسة يعبّر عن المدى الذي يمكن استظهار قوّة حضور الاختلاف في الوعي الجمعيّ، فالممارسة القائمة على استثمار طاقة الاختلاف في الميدان الاجتماعيّ والثقافيّ والإبداعيّ هي التي تعطي المعنى للمفهوم.
أمّا الجانب النظريّ المتعلّق بنظريّة الاختلاف من حيث المنطلقات والمقولات والأسس فهو جانب لا يفي بالغرض تماماً من دون الممارسة، فالأفكار في حاضنتها النظريّة تبقى قيد المعاينة الفوقيّة لا تترك أثراً في أرض الإجراء والتطبيق؛ إلّا حين تتحوّل إلى ممارسة عن طريق شبكة من الفعاليّات الميدانيّة، فترسم صورة المفهوم على شكل أفعال وجوديّة حقيقيّة بوسع الجميع رؤيتها ولمسها والإنصات إلى إيقاعها، على النحو الذي يحقّق ما يرجوه المفهوم ويتطلّع إليه من فائدة؛ بوسعها أن تؤثّر في إعادة صياغة الأشياء وتحديثها وتطوير أدائها وتحصيل نتائجها.
إنّ تحويل المنطق النظريّ لمفهوم الاختلاف إلى ممارسة ميدانيّة يؤسّس حتماً لـ «ثقافة الاختلاف»؛ وهي تقوم على إشاعة هذا النوع من الفكر الموضوعيّ الحرّ القائم على احترام الآخر مهما كان رأيه، وهذا الاحترام يمثّل الجوهر الفعليّ لسريان ثقافة الاختلاف داخل ميدان العمل الإنسانيّ بشتّى أشكاله وأنشطته وفعاليّاته، حين تنتشر هذه الثقافة وتتحوّل إلى سلوك يوميّ لا يخشى فيه أحد من طرح رأيه؛ بصرف النظر عن مخالفته لقناعات الآخرين، ويتعلّم طرفا الحوار في أيّ قضيّة مهما كانت خطورتها أدبَ الحوار وإن كان الاختلاف عميقاً وواسعاً وكبيراً، فالإصغاء إلى الآخر من شأنه فهم وجهة نظره بدقّة ووضوح وشمول؛ ومن ثمّ معرفة الكيفيّة التي يمكن محاورته بما يقوّض فكرته فارضاً فكرته المختلفة عليه، في ضوء حجاج أصيل وموضوعيّ وكفوء لا يستعين بما هو خارج لحسم ما هو داخل.
ينبغي أن يكون الاختلاف قائماً على أسس وقواعد وقوانين راسخة لا مجردَ اختلافٍ لأجل الاختلاف، بما يشمل بالدرجة الأولى الإيمان بالتطوير والتجديد والتحديث كخطوة أولى نحو الانتقال من السائد والمألوف والمتداوَل إلى فضاء مغاير، وبما أنّه لا ثبات للأفكار مهما كانت فعّالة ومفيدة وناجحة؛ فإنَّ فعاليّة التغيير تمثّل الفعالية الأكثر حضوراً في حركة الحياة، وعلى المبدع أولاً أن يعيَ أهميّة حتميّة التغيير وخطورته كي لا يتشبّث بنمط معيّن واحد مهما كان مغرياً، لأنّ الاختلاف صنو التغيير بما ينسجم تماماً مع المفهوم العام والجوهريّ للحياة، بوصفها فرصة ذهبيّة للأحياء من البشر كي يتفاهموا مع تفاصيل الحياة على أساس التحوّل لا الثبات، والهجرة لا المكوث، فضلاً على قيمة التغيير الدائم لأجل رؤية أوضح وحياة أفضل قابلة للتجديد والتطوير والتحديث بلا توقّف.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: الاختلاف إلى ة الاختلاف

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: التغيير في سوريا فرصة لبناء مستقبل جديد

دمشق (الاتحاد، وكالات)

أخبار ذات صلة غارات إسرائيلية تستهدف مواقع عسكرية في اللاذقية وطرطوس مصر والأردن يؤكدان أهمية بدء عملية سياسية شاملة في سوريا

شدد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، أمس، على حاجة سوريا الملحة إلى عملية انتقالية سياسية شاملة مبنية على المبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن رقم 2254 تلبي طموحات الشعب السوري، وتضمن إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية.
وذكر بيان صادر عن مكتب بيدرسون أن ذلك جاء خلال لقائه مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ورئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير لمناقشة الأولويات والتحديات التي تواجههما وإحاطتهما بمخرجات اجتماعات العقبة بشأن سوريا التي عقدت السبت الماضي لبحث آخر التطورات. 
ونقل البيان عن بيدرسون تأكيده استعداد الأمم المتحدة لتقديم المساعدات كافة للشعب السوري وإعرابه عن عزمه إجراء مزيد من الاتصالات على مدار الأيام المقبلة. 
كما أعرب بيدرسون عن أمله في رفع العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بطريقة منظمة من أجل دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار في سوريا.
وأشار إلى أن التغيير الذي تشهده سوريا يمثل «فرصة كبيرة» لبناء مستقبل جديد، محذراً في الوقت ذاته من التحديات الكبيرة التي تواجهها خاصة في العمل على النهوض بمؤسسات الدولة وتقديم الخدمات الأساسية وضمان القانون والنظام والأمن. 
وتأتي زيارة المبعوث الأممي إلى دمشق مباشرة عقب مشاركته في اجتماعات العقبة بالأردن لبحث التطورات في سوريا، وهي زيارته الأولى إلى العاصمة بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وفي السياق، أعلن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة، توم فليتشر، أمس، عزمه التوجه إلى دمشق.
وقال فليتشر عبر حسابه على منصة «إكس» عن زيارته المرتقبة: «أسبوع من التغيير في 5 عقود، ثم 5 عقود من التغيير في أسبوع».
وكان فليتشر وصل إلى العاصمة اللبنانية بيروت صباح أمس، وقال إنه سيعود إليها في وقت لاحق هذا الأسبوع.
وفي سياق متصل، طالبت اللجنة الدولية للتحقيق في سوريا التابعة للأمم المتحدة جميع أطراف الصراع بحماية المدنيين، وحماية أدلة الجرائم والانتهاكات لضمان العدالة والمساءلة في المستقبل، وكذلك الامتثال الكامل للقانون الدولي، وضمان التزام الحكومة المؤقتة في دمشق والأطراف الأخرى في الصراع السوري بتعهداتها المعلنة بمنع العنف.
 وقالت اللجنة الدولية إنها حققت في حالات الاختفاء القسري والانتهاكات في مرافق الاحتجاز السورية منذ عام 2011، مؤكدة ضرورة حماية الأدلة ومسرح الجريمة، لاستخدامها في المساءلة والتعويضات.
 وأضافت أن «تقدم القوات الإسرائيلية إلى ما هو أبعد من المنطقة التي أنشئت بموجب اتفاق 1974 لفض الاشتباك، وتنفيذها لأكثر من 500 غارة جوية، يمثل انتهاكات واسعة النطاق لسيادة سوريا وسلامة أراضيها»، داعيةً إلى «توفير المساعدات العاجلة إلى سوريا، وتعليق العقوبات التي تتسبب في ضرر غير متناسب للفقراء والأكثر ضعفاً».

مقالات مشابهة

  • معاً نحو التغيير والبناء
  • خيارات العرب الصعبة
  • هل يقع التغيير بالثورة في اليوم العاقب لها: الثورة الفرنسية مثالاً (1-2)
  • أين موقع الخرطوم؟ تعرّف على أسوأ 10 مدن حول العالم يمكن للمغتربين العيش فيها
  • حماس: الحملة الأمنية في جنين تعزز المقاومة ولا تقضي عليها
  • الأمم المتحدة: التغيير في سوريا فرصة لبناء مستقبل جديد
  • حماس : الحملة الأمنية في جنين لن تنهي المقاومة
  • «احتضن التغيير».. توقعات الأبراج 2025 لمواليد برج الثور
  • ‏إلى الشعب العراقي والرأي العام / حول التغيير المرتقب‬
  • حلمي النمنم: إسرائيل لن تترك الجولان مهما حدث من مفاوضات مستقبلية