شبكة اخبار العراق:
2024-10-05@06:54:18 GMT

الاختلاف

تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT

الاختلاف

آخر تحديث: 18 يناير 2024 - 12:53 م محمد صابر عبيد ينطوي مفهوم «الاختلاف» على رؤية جوهرية تؤسس لقيام فضاء يحقق الديمقراطيّة التي تطمح إلى بلوغها شعوب الأرض كافة، لأن التوافق المطلق رهين بإيصال الحال إلى حافة الهاوية؛ حين يهيمن رأي واحد يتفق عليه الجميع وكأنه منزل لا يقبل النقاش أبداً، وليس المقصود بالديمقراطيّة هنا الفضاء السياسيّ فحسب؛ بل الاجتماعيّ والثقافيّ والإبداعيّ أيضاً، وربما ما يهمنا على نحو أكبر وأعمق وأوسع هو الفضاء الإبداعيّ القادر على التأثير في المستويات الأخرى كلها، فالشعر المتشابه والقصص المتشابهة والروايات المتشابهة والكتابات الإبداعيّة الأخرى المتشابهة تقود إلى تلق كسول، لا يحتاج إلى تطوير أدوات الاستقبال لديه بحكم هذا التشابه، في حين يؤدي الاختلاف إلى صدم الذائقة وإحراجها وامتحان أدواتها؛ على نحو يضطرّها إلى تجديد عدة استقبالها وتطويرها باستمرار، والعمل المتواصل على ترصين أدوات الاستقبال لتكون في درجة من الكفاءة تمكنها من التعاطي المتجدد مع النصوص المختلفة.


ثمّة ضرورة قصوى لا بدَّ منها للاختلاف كي تتحوّل الحياة بمجملها من مسار محايد ورتيب ومملّ إلى مسار حركيّ ومتدفّق ومُنتِج، إذ لا يمكن أن نرى الورود بشكل واحد ولا الطيور ولا الأشجار ولا البشر ولا الأفكار ولا القيم ولا الأشياء كلّها، لأنَّ ذلك يُضعِف الرؤية والمخيلة والحلم ويمنع الاحتمال والتوقّع والتصوّر والحساسيّة، ويجعل حركة الحياة تنوء بحملٍ ثقيلٍ تتشابه فيه الحيوات والجمادات إلى درجة تعدم الفنّ والجمال والتطلّع إلى كلّ ما هو مغاير ومختلف؛ لذا نرى الطبيعة محمّلة بالاختلاف بما يجعلها ساحرة ومدهشة وقادرة باستمرار على ضخّ الحياة بالتنوّع والمغايرة، ولولا هذا الاختلاف في الطبيعة لتحوّلتْ إلى وحش مرعب يستحيل التفاهم معه والعيش في كنفه.
لا يتحقّق الاختلاف المطلوب بمجرّد الرغبة والنيّة؛ بل يحتاج الأمر إلى ما يمكن أن نسميه «وعي الاختلاف»، الذي يجعل منه حالة فلسفيّة تحتاج إلى رصد وتقويم وفهم وإدراك وهندسة ورؤية وموقف، بحيث يبقى هذا القدر العالي من الإحاطة بالمتطلّبات الضروريّة التي تساعد الاختلاف كي يكون منتِجاً وقادراً على التأثير الحقيقيّ في المحيط، فالوعي هنا هو الحارس الأمين الذي يحوّل الاختلاف إلى حالة تسهم في تطوير حركة الحياة والإبداع نحو الأفضل والأمثل والأجمل، وبما أنّ مفهوم الاختلاف يقوم على جذور ومرجعيّات فلسفيّة تهدف إلى شحن الحياة بطاقة فعلٍ وحركةٍ وتغييرٍ، فإنَّ الوعي ينبغي أن يكون المرافق الأقدم والأهم والأقرب كي تحصل النتائج على أعلى صورة من صور التخصيب والتثمير، ويكون الاختلاف عندها أفقاً حيويّاً يجتهد في بعث الحياة من جديد وباستمرار.
يستمر عمل الوعي في هذا السياق حتى يصل الأمر إلى ما يمكن تسميته «ممارسة الاختلاف»، أي تحويل الاختلاف إلى سلوك ميدانيّ ظاهر وبارز على الأرض؛ بما يجعله قادراً على التأثير وإلفات الانتباه وتوفير فرص عمل تجعل من الاختلاف وسيلةً منتِجةً، وينتشر على مساحات تتدخّل في صلب حياة الناس ويصل إلى أدقّ التفاصيل، إذ إنّ جوهر الممارسة يعبّر عن المدى الذي يمكن استظهار قوّة حضور الاختلاف في الوعي الجمعيّ، فالممارسة القائمة على استثمار طاقة الاختلاف في الميدان الاجتماعيّ والثقافيّ والإبداعيّ هي التي تعطي المعنى للمفهوم.
أمّا الجانب النظريّ المتعلّق بنظريّة الاختلاف من حيث المنطلقات والمقولات والأسس فهو جانب لا يفي بالغرض تماماً من دون الممارسة، فالأفكار في حاضنتها النظريّة تبقى قيد المعاينة الفوقيّة لا تترك أثراً في أرض الإجراء والتطبيق؛ إلّا حين تتحوّل إلى ممارسة عن طريق شبكة من الفعاليّات الميدانيّة، فترسم صورة المفهوم على شكل أفعال وجوديّة حقيقيّة بوسع الجميع رؤيتها ولمسها والإنصات إلى إيقاعها، على النحو الذي يحقّق ما يرجوه المفهوم ويتطلّع إليه من فائدة؛ بوسعها أن تؤثّر في إعادة صياغة الأشياء وتحديثها وتطوير أدائها وتحصيل نتائجها.
إنّ تحويل المنطق النظريّ لمفهوم الاختلاف إلى ممارسة ميدانيّة يؤسّس حتماً لـ «ثقافة الاختلاف»؛ وهي تقوم على إشاعة هذا النوع من الفكر الموضوعيّ الحرّ القائم على احترام الآخر مهما كان رأيه، وهذا الاحترام يمثّل الجوهر الفعليّ لسريان ثقافة الاختلاف داخل ميدان العمل الإنسانيّ بشتّى أشكاله وأنشطته وفعاليّاته، حين تنتشر هذه الثقافة وتتحوّل إلى سلوك يوميّ لا يخشى فيه أحد من طرح رأيه؛ بصرف النظر عن مخالفته لقناعات الآخرين، ويتعلّم طرفا الحوار في أيّ قضيّة مهما كانت خطورتها أدبَ الحوار وإن كان الاختلاف عميقاً وواسعاً وكبيراً، فالإصغاء إلى الآخر من شأنه فهم وجهة نظره بدقّة ووضوح وشمول؛ ومن ثمّ معرفة الكيفيّة التي يمكن محاورته بما يقوّض فكرته فارضاً فكرته المختلفة عليه، في ضوء حجاج أصيل وموضوعيّ وكفوء لا يستعين بما هو خارج لحسم ما هو داخل.
ينبغي أن يكون الاختلاف قائماً على أسس وقواعد وقوانين راسخة لا مجردَ اختلافٍ لأجل الاختلاف، بما يشمل بالدرجة الأولى الإيمان بالتطوير والتجديد والتحديث كخطوة أولى نحو الانتقال من السائد والمألوف والمتداوَل إلى فضاء مغاير، وبما أنّه لا ثبات للأفكار مهما كانت فعّالة ومفيدة وناجحة؛ فإنَّ فعاليّة التغيير تمثّل الفعالية الأكثر حضوراً في حركة الحياة، وعلى المبدع أولاً أن يعيَ أهميّة حتميّة التغيير وخطورته كي لا يتشبّث بنمط معيّن واحد مهما كان مغرياً، لأنّ الاختلاف صنو التغيير بما ينسجم تماماً مع المفهوم العام والجوهريّ للحياة، بوصفها فرصة ذهبيّة للأحياء من البشر كي يتفاهموا مع تفاصيل الحياة على أساس التحوّل لا الثبات، والهجرة لا المكوث، فضلاً على قيمة التغيير الدائم لأجل رؤية أوضح وحياة أفضل قابلة للتجديد والتطوير والتحديث بلا توقّف.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: الاختلاف إلى ة الاختلاف

إقرأ أيضاً:

العبدلي: مهما فاز الهلال لو خسر البطولة الآسيوية سينسى الجمهور كل هذا.. فيديو

ماجد محمد

علق الناقد الرياضي مساعد العبدلي، على فوز الهلال أمام الشرطة العراقي في دوري أبطال آسيا للنخبة.

وقال “العبدلي” خلال ظهوره ببرنامج برا 18: على الهلاليين الانتباه لجانب مهم، فهو فريق قوي ومستقر ولكن إن لم يحقق البطولة الآسيوية مثل الموسم الماضي فإن الجمهور سينسى كل شئ .

وتابع: أنا لاحظت أن الهلال هذا الموسم يركز على الفوز في أول ربع ساعة من خلال تسجيل هدف أو هدفين تريح الجهد للاعبي الهلال وتحبط الفريق المنافس .

وأضاف: الهلال يستحق الفوز، ولكن نحن كسعوديين علبنا أن لا نبالغ بالغرور .

وفاز الهلال على نظيره الشرطة العراقي بخماسية نظيفة، خلال المباراة التي جمعتهما، في الجولة الثانية من منافسات دوري أبطال آسيا للنخبة.

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2024/10/l7vvYNpLlevXGzrO.mp4

 

مقالات مشابهة

  • اللواء محمد إبراهيم: نصر أكتوبر أثبت أن الإحتلال الإسرائيلي مصيره الزوال مهما طال أمده
  • رئيس القائمة الانتخابية لحركة التغيير في دهوك يعلن استقالته والانضمام للحزب الديمقراطي الكوردستاني
  • السيسي: مصر تؤكد موقفها الثابت بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة
  • وداعا للأرق.. هذه الفواكه تساعدك على النوم!
  • كيف يمكن لضربة واحدة على الرأس أن تحولك إلى مجرم مدى الحياة؟
  • إيهاب عبد الواحد: أغنية أنا بابا كانت مرشحة لـ مسلسل إمبراطورية ميم وهذا سر التغيير
  • حكومة التغيير والبناء تُبارك قصف إيران للعدو الإسرائيلي
  • من كتاب «أحاديث السحاب» للكاتب الصحفى الكبير عادل حمودة.. هيكل الاختلاف لا ينفى الإعجاب (2)
  • العبدلي: مهما فاز الهلال لو خسر البطولة الآسيوية سينسى الجمهور كل هذا.. فيديو
  • التعليم المسرع ومحو الأمية: خطوات نحو التغيير أم مجرد حلول سطحية؟