مختار غميض ربما يبدو العنوان مبالغا فيه، لكن الواقع يقول، إن الفوضى مستمرة منذ أكثر من نصف العام، والتطبيع متوقف. ما تمر به حكومة بنيامين نتنياهو تؤكد لأول مرة حجم التحديات والعراقيل والتحولات التي تعصف بسياسات الاحتلال الغاصب ربما هي الأشد منذ نشأته، وهي الأشد بعد الإجهاز على ثورات التحرر العربية ومزاعم الاحتلال ببقائه كواحة متفردة للديمقراطية في المنطقة.
فمحاولة حكومة بنيامين نتنياهو الاستمرار في التشريع لقانون “الإصلاح القضائي” الذي قد ينزلق بالكيان في غياهب الدكتاتورية، تصل تأثيراتها إلى المؤسسة العسكرية، عصب الكيان داخليا وخارجيا، مع تهديدات طياري الاحتياط في سلاح الجو بعد تلويح مساعديهم من الأطباء، والقوات شبه العسكرية بالدخول في إضرابات وتعليق العمل العسكري نهائيا. فهل بدأ الربيع العبري؟ انفجار داخلي حالة من الفوضى التشريعية والبلبلة تسود أوساط كيان الاحتلال، وسببه ما يُعرف لدى المعارضة، بقانون “الانقلاب القضائي” الذي تصر حكومة نتنياهو على الانتهاء من إقراره وتمريره قبل عطلة الكنيست نهاية الشهر الجاري. إذًا، معظم التجمعات الصهيونية الكبرى والصغرى وخاصة تل أبيب تتأهب لمسيرات ومظاهرات غير مسبوقة في تاريخ الكيان منذ إعلانه، بينما يرتب المحتجون للمظاهرة الأكبر قادم الأيام بالتزامن مع تمرير المشروع الحكومي المبشر بنهج استبدادي وفق المناوئين. الصراعات داخل الحكومة التي يعاني منها نتنياهو تُعد من أحلك الأوضاع السياسية التي تجتمع عليه والتي ستكون لها ارتدادات سيئة على الاقتصاد والأمن خاصة. إلى ذلك لا يمكن إغفال حجم رفض الشارع لتلك التبعات والتداعيات، فلا يكاد الشارع يهدأ مرفوقا بفوضى وتخبط كبيرين في إقناعه بالهدوء والقبول بما يراد تمريره مما يسمى إصلاحات قضائية. وقد لوّحت شريحة أخرى من العسكريين بالتصعيد تضامنا مع الجيش، فقد لوّح مئات الأطباء والأطباء النفسيين والمضمدين من مجنّدي الاحتياط بالتوقف نهائيا عن خدماتهم العسكرية. كما بات تمسك الصهاينة برفض خطة نتنياهو لترسيخ استبداده السياسي، والتمكين للمتطرفين من التأثير في السياسة، واقعا يقض مضجعه، بعد أن أطلقت أيديهم في القدس وفي المستوطنات، حتى أن دعوات تسليحهم أصبحت واقعا مريرا لا على حياة الفلسطيني بل حتى من يعارضهم في اغتصاب الأراضي أو ينافسهم في ذلك، بالتالي ظهر للعيان خطورة هذه العصابات التي ارتفع فيها النشاط الاستيطاني إلى مستويات قياسية. تآكل الردع يكفي هنا الإشارة إلى التسريبات الأخيرة لنتنياهو نفسه التي يقول فيها إن “أمن إسرائيل في خطر”، ما يؤكد مدى احتدام أزمة الكيان ليس أمنيا فقط، بل عسكريا حيث ظهرت هذه المرة التسريبات بالصوت، ليست توقعات ولا تكهنات، عن رفض طياري سلاح الجو أداء الخدمة العسكرية. وقد تساءلت إحدى صحف الاحتلال (يديعوت أحرنوت) بنبرة من التخوف والجدية عن كيفية أداء طياري الجيش لمهامهم في ظل غياب الدولة أو الحكومة. فذلك يتزامن مع انتفاضة بالضفة الغربية ونمو أعمال المقاومة فيها وإقرار الخبراء والمحللين العسكريين الصهاينة بتآكل قوة الردع، ويكفي هنا الإشارة إلى القفزة النوعية لأبطال مخيم جنين الذي أثار جنون آلة الاحتلال وترسانته المسلحة. تلك القفزة أعادت بنا الذاكرة إلى العشرية الأولى من هذا القرن مع هزيمة إرييل شارون في مخيم الصمود جنين، بعد مقتل عشرات من جنوده، بالتالي نفس السيناريو يثبت تمدد المقاومة التي ستجعل جنين بؤرة جديدة لعرين الأسود، للفعل الفصائلي والنضالي، والتي ستتعزز إلى خارج جنين لترتبط بنابلس وما جاورها التي جند لها نتنياهو جيشا وطائرات ثم مني بالاستسلام وإنهاء الاقتحام. إنها غزة جديدة أو قطاع آخر في طور التشكل بالضفة الغربية والأدل على ذلك، هو محاولات نتنياهو المتكررة لتركيعها، وقيام الجيش بعدة عمليات تمهيدية لتنفيذ اقتحامات واجتياحات بعد أن أصبحت حديث الإعلام العبري رغم التطور التكنولوجي والحربي والاستخباراتي. ويعد حديث فصائل المقاومة برباطة جأش قوية، في حد ذاته انتصارا معنويا وهزيمة نفسية “للجندي الذي لا يهزم”، الذي يصدق مصادر المقاومة أكثر مما يصدق كلام قادته. كما أن امتلاك الفصائل خاصة من الجهاد وحماس للقذائف والصواريخ يأتي ضمن استعدادات ينظر إليها الكيان بخطورة كبيرة لعدة أسباب، منها خاصة قربها للتجمعات الاستيطانية والعمق الصهيوني. في المقابل فإن الزخم المقاوم يعمل على الاستفادة من مجاورة الكتل الديمغرافية الوازنة، وهي بمثابة الدرع الواقي المتقدم والحصن الذي يمنح المقاومين حرية التحرك عند الحاجة وخلال أي تفكير للاحتلال في الاجتياح أو القيام بعمليات مطاردة واقتحامات. وبالتالي تعمل مخابرات الاحتلال على التنصت وتتبع المقاومين واستهدافهم بشكل فردي بدل تسخير إمكانيات مكلفة وغير مجدية في مجال حيوي شاسع نسبيا كالضفة الغربية، بينما تظل منظومات الدفاع الجوي عاجزة عن اعتراض صواريخ غير مطابقة لمواصفاتها. هذا بالإضافة إلى كثرة البؤر الاستيطانية التي تتطلب تركيز منظومات دفاع، وعليه تظل خيارات الاحتلال محدودة، فلا تتم إما بالقصف الجوي للأحياء أو بالمطاردة كما يقع عادة، وهو ما جعل الفصائل تجد آليات لمراكمة نضالها وتصنيع السلاح وتهريبه أحيانا بطرق معقدة. وباختصار، يزداد اليمين الصهيوني المتطرف تطرفا، وقبل أيام فقط مزقوا القرآن الكريم في نابلس بعد أن عاثوا فسادا في أحد مساجدها، وأدخلوا كلابهم النجسه للمسجد وسرقوا كتب القرآن الكريم وأحرقوها، لم يدينهم نتنياهو أو حكومته هذا العمل المشين. نحو التفكك أكثر! وعليه، فإن سلطة الاحتلال الهشة أمام امتحان حقيقي قادم الأيام، بخصوص التعديلات القضائية، وتقييم الضغط الأمريكي المتزايد لإدارة بايدن ما يعتبره نتنياهو تدخلا في شأنه، ثم خاصة بخصوص التوترات الأخيرة مع حزب الله، فضلا عن الإنقسامات المستمرة بالجيش كما أشرنا سابقا. ومن إرهاصات هذا الخلاف، ظهرت الأوساط النقابية لتدعو إلى الالتحام بالحراك الاحتجاجي، والالتحاق بالاضرابات العامة التي يسعون لتنفيذها أوخر الشهر الجاري. هذه الحالة من الانقسامات والشرخ تنذر بحالة الانهيار التي لم تصلها “إسرائيل” من قبل، وهي التي يتبجح قادتها بأنها الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط وسط غابة من الدكتاتورية. ولسنا في حاجة للتذكير بأن الكيان هو الذي سعى جاهدا منذ انطلاق ثورات الربيع العربي لزعزعة الدول العربية وإفشال انتقالها الديمقراطي بشتى الطرق، للعودة بها إلى حضيرة الاستبداد والاستعباد للحلول دون تمكين الشعوب من حقها في الاستقلال الداخلي والسيادة على مقدراتها. ولطالما عملت استخبارات الكيان على رسم صورة الثورات ووضع بديل التطبيع محلها، لكن كل ذلك جوبه برفض شعبي كبير الذي لا يزال وسيظل الحجرة الكأداء في طريق الاعتراف الشعبي بكيان الاحتلال. مجموعات من المستوطنين ورأيناهم حاصروا منزل نتنياهو والسفارة الأمريكية في كيان الاحتلال، وهم من أنصار المحافظة على عدم تراجع العلاقات مع الولايات المتحدة وقد عبروا عن تخوفهم مرارا من تداعيات الخلافات بخصوص برنامج التعديلات القضائية. كما عملت الدوائر واللوبيات المتحالفة مع تل أبيب في الغرب والشرق على الإقاع بدول الثورات في صراعات أخرى بعيدا عن الأهداف الحقيقية، وهي حق اختيار العربي لمن يحكمه بإرادته الحرة، وهو خيار لا شك أنه سيدفع نحو التحرر في المنطقة بأسرها، وأولها حق تحرير فلسطين، وهو الشعار الذي أطلقته الثورات في بدايات ربيعها المغدور. وهو لا ريب الربيع الذي حولته آلة الدعاية الصهونية إلى ربيع للخراب والتدمير والقضاء على حلم الاستقرار والسيادة التامة ليصبح وفق الرؤية الصهيونية -المدعومة من قوى الاستبداد العربي- ربيعا عبريا. واليوم والربيع العربي يترهل ويترنح، فإن الكيان “الإسرائيلي” غير بعيد عن الصورة وهو في قلب الصراع، يتفكك بهدوء ويتداعي مع كثرة الانفجارات الداخلية، حيث لم يعد هناك شيء متماسك، فهل تغيرت المعادلات الداخلية رغم توسع هالة المحتل الخارجية مع اتساع دائرة تطبيعه؟ نختم بالقول، يبدو فعلا أن جميع التحولات في المنطقة اليوم ليست في صالح العدو وحكومته، على ضوء المأزق الذي تواجهه بالداخل، وتضاؤل فرص توسيع نطاق التطبيع، بل ربما التطبيع الوحيد الذي سيتوسع سيكون مع الفوضى بعد ستة أشهر من المظاهرات. كاتب تونسي
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
أيمن الرقب: نتنياهو يعيش نشوة انتصار رغم استمرار الأسرى في غزة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية، إن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في كلمته أمام الكنيست أمس، ظهر وكأنه يعيش نشوة انتصار، حيث قدم نفسه كمنتصر.
وأضاف، خلال مداخلة ببرنامج "مطروح للنقاش"، وتقدمه الإعلامية مارينا المصري، على قناة القاهرة الإخبارية، أن المعارضة الإسرائيلية، ممثلة في يائير لابيد وأفيجدور ليبرمان، هاجمته بشكل مباشر، متسائلين: "عن أي انتصار تتحدث وما زال لديك أسرى في غزة؟"، ومع ذلك، استمر نتنياهو في التحدث بنشوة الانتصار، مشيرًا إلى أنه كسر شوكة حزب الله ووجه له ضربات قاسية.
وأوضح “الرقب” أن نتنياهو ألمح إلى مشاركته في إسقاط نظام بشار الأسد، وأكد أن طائرات الاحتلال بات بإمكانها قصف طهران انطلاقًا من الحدود السورية، مشيرًا إلى تهديده لليمن بسبب الصواريخ التي تُطلق بين الحين والآخر باتجاه دولة الاحتلال، وهو أمر يثير قلقًا كبيرًا لدى القيادة الإسرائيلية.
وعن صفقة التهدئة، قال الدكتور الرقب: "إن نتنياهو لم يتحدث بتفاصيل واضحة، رغم أن القاهرة كانت تعمل بجهد مكثف على مدى ثلاثة أشهر متواصلة لإيقاف المذبحة الكبرى في غزة".
وأشار إلى أن حركة حماس عبرت عن تقدم إيجابي في المفاوضات من خلال لقاءاتها مع الفصائل، وهو ما أُعلن رسميًا عبر الإعلام العربي والإسرائيلي، مضيفًا أن هذه الصفقة كانت قابلة للتنفيذ منتصف الشهر الجاري، إلا أن الاحتلال يماطل بسبب مطالبته بتغيير بعض الأسماء المدرجة في الصفقة.