نورالدين برحيلة “ستَبدأُ نهايتُـنا حين نصْمتُ عن الأمور المصيرية” مارثن لوتر كينج. عنوان هذا المقال ليس دُعابة تهكُّمية أومُزحة استفزازية، بل هو حقيقة عميقة، تزداد انتشارا بين الأمريكيين كالنار في الهشيم، بعدما يئسوا من الديمقراطية المُزيّفة، وتعاقُب رؤساء حمقى استطاعوا إدخال أمريكا إلى نادي الدول الفاشلة، والنتيجة فُقدان معظم المواطنين الأمريكيين الثِّقة في الدولة ومؤسّساتها ومسؤوليها، وهذه وجهة نظر الكثير من المفكِّرين والمُثقّفين والأكاديميين الأمريكيين المغضوب عليهم، والخاضعين للمراقبة والإقبار الإعلامي، ماداموا يُعارضون الرواية الرسمية، حيث تعمل الآلة الاستخباراتية الجهنّمية على إقصاء الرأي المغاير بهدوء ودهاء، أمَّا التغنِّي بحرية التعبير في أرض الأحلام، ما هو إلاَّ ضجيج شعار فارغ.
في مقالٍ جرّئ عُنْوانُه “عندما يفشل جو بايدن بشدة لدرجة جعل بوتين يبدو رائعا” صرّحتْ الصحفية الأمريكية لورا ويلينجتون Laura Wellington أن الكثير من الأمريكيين يحترمون الرئيس فلاديمير بوتين، ويرونه بطلا وقائداً مُخلِصا ومُخَلِّصا، بل إن شعبيته تزداد بين صفوف مختلف المواطنين لدرجة أمنيتهم لو كان بوتين هو رئيس أمريكا. حسب لورا الأمريكيون يعتبرون بوتين زعيمًا يمتلك كاريزما فولاذية، وصفات القائد الذي يتفانى في خدمة شعبه وبلدِه، وهو ما لا يفعله الرؤساء الأمريكيون. وقد كشفت استطلاعات الرأي مؤخّرا أن سِتَّة أمريكيين من كلّ عشرة، يرغبون في رئيس على شاكلة بوتين، مؤكّؤدين أن بايدن لم يفعل شيئا لصالح
الشعب الأمريكي، وأنه البلاد يسير بأمريكا في الاتجاه الخاطئ. لعدَّة سنوات دأبت كُبريات وسائل الإعلام الأمريكية على تقديم صورة سيئة للرئيس بوتين، مفادُها أنه شخص مُتعجرف وقنّاصٌ قاتِل وهمجي من الهنود الشُّقر، وغيرها من الصور التضليلية، التي يعود الفضل لمسحها من المخيال الأمريكي إلى حالة اليأس والبؤس والواقع المُزري، الذي تضخَّم أكثر غداة كورونا، جرَّاء ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة والجريمة، والجوع.. نعم الجوع يُهدِّدُ أكبر اقتصاد عالمي، حيث يشعر أكبر من 50 مليون أمريكي بفقدان الأمن الغذائي، بسبب ارتفاع الأسعار، وهو ما دفع بايدن إلى تسريع التوقيع على قانون تحسين التبرع ببقايا الطعام، بمعنى إطعام الفقراء من بقايا فُتات موائد الأغنياء، باختصار مزابل قوم ستُصبح عند قوم موائد، مع تغليف هذا القانون المُهين للكرامة بقناع أخلاق ترشيد الاستهلاك.. لقد نجحت سياسة بايدن في جعل الشعب الأمريكي يُجسِد تفاصيل فيلم المنصّة the platform حيث التراتبية الهرمية المقيتة تمنح الترف والتخمة للأنانيين والجشعين المتواجدين في قمة الهرم، أما القابعين في المستويات السّفلى فيكابدون الحرمان والمجاعة وينزلقون إلى العنف والتخلي عن الكرامة لإشباع حاجاتهم الضروية.. هكذا انهارت الثقة بين الرئيس بايدن والشعب الأمريكي، وتولّدت رغبة أمريكية جامحة في قيادة مثل بوتين، خصوصا وأن الشعب الأمريكي تربّى على احترام المسؤول الذي يخدم مصالح وطنه، ولا يُمكن لأحدٍ أن يُجادل في ولاء بوتين لروسيا، في حين أن الرئيس بايدن يتصرّف ضد مصلحة أمريكا والشعب الأمريكي، الذي يرى أموال ضرائبه تُصرف بملايير الدولارات لدعم الرئيس زيلينسكي في حرب لا علاقة لهم بها، والتضحية بالقضايا المُلجّة الداخلية على حساب المغامرات الخارجية الكثيرة (أفغانستان، العراق، إيران، تايوان، الصين، القائمة طويلة، وفي مقدّمتها الرعاية الخالدة لإسرائيل). طبعا السياسة الخارجية الأمريكية أرهقت الشعب الأمريكي، الذي ينظرُ إلى بايدن كعجوز فاشل، أكثر من كونه رئيس دولة عظمى، على العكس تماما العديد من الأمريكيين يحلمون برؤية شخص مثل بوتين رئيسا يملأ البيت الأبيض، وما عاد بالإمكان اليوم إخفاء هذه الحقيقة التي تعجّ بها مواقع التواصل الاجتماعي، رُغم سياسة الحذف المنتظم لهذا الرأي الأمريكي الضخم الشبكات الاجتماعية، وهو رأيٌ يُعبِّرُ عن وجهة نظر شريحة واسعة من الأمريكيين المُحبطين من الفشل الذريع لإدارة بايدن، التي تُعاكِس إرادة الشعب الأمريكي الذي يحقُّ له فقط أن يُصوِّت، ويُمنع من المشاركة في القرارات والأمور المصيرية، والإحساس المُرُّ بخيبة الأمل من الديمقراطية المُزيفة التي حوّلت حياة الشعب الأمريكي إلى حجيم من الفوضى، والعنصرية والفوارق الاجتماعية السريالية، وتدمير القيم الأمريكية وفي مقدّمتها تقديس الأسرة بعدما دنّسها بايدن بالسماح للشواذ بتكوين أسرة فاشلة تعميقا للدولة الرخوة الفاشلة، وغدا سنسمع حق زواج الأب من ابنه وابنته، والأخ بأخته.. قوة بوتين تنبعُ من داخل روسيا حيث أظهر آخر استطلاع للرأي بخصوص المؤسسات التي يثق فيها الشعب الروسي، وكانت النتائح أنّ %70 من المواطنين يثقون بشدّة في الرئيس بوتين، فين حين أن %15 بالمائة يثقون في نزاهة القضاء، بينما %10 فقط يثقون في الأحزاب السياسية، أما النقابات فقد احتلت المرتبة الأخير بمعدل %8. أغلب الروسيين يعتبرون بوتين حامي للقيم الاجتماعية، وموقفه الصّارم من رفض الشذوذ، هو ما يمنحه لقب القيصر، بخلاف انشغال بايدن المُبالغ فيه بهذا الملف الوهمي، والقفز على الملفات الحقيقية وأهمها ملف الفقر، و العنصرية والعنف والحرب الأهلية الخفية.. وإهمال إرادة الشعب، مع الافْتِـتان بالمثلية وتمجيدها، كل هذا جعل الشعب الأمريكي يعضُّ أصابع الندم لاختيار بايدن ريئسا.. ويحلم بقائد من سلالة بوتين.. ولهذه الأسباب مجتمعة نفهم لماذا يُكرّر بايدن عبارته الكوميدية “بوتين لا يمكنه البقاء في السلطة” .. حسب التحليل النفسي المسألة أصبحت حربا شخصية تندرج ضمن عقدة الخَصاء.. وليست دفاعا عن الديمقرطية… كاتب مغربي
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه كاتبة فلسطينية لـCNN
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)—ألقت الإعلامية والكاتبة الفلسطينية، ليلى الحداد، الضوء على تباين ردة فعل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على صدور مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وردة فعله على إصدار الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
وقالت الحداد في مقابلة مع CNN: "أعتقد أنه من الواضح جدًا أن الولايات المتحدة رحبت بأذرع مفتوحة، كما تعلمون، بمذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد بوتين، وروسيا، وأن بايدن جاء بعد ذلك ووصف فيما يتعلق بنتنياهو وغالانت، وأقتبس ’مشينان‘".
وتابعت: "أعتقد أنه إذا كان هناك أي شيء مثير للغضب، فهو المعايير المزدوجة الصارخة التي كشف عنها ذلك، في النظام القائم بعد الحرب العالمية الثانية، وكما قلت، سيكون هناك دائمًا عذر ومبرر لإسرائيل، ومجددا هذا هو قلب المشكلة".
وأضافت: "أعتقد بشكل متزايد، ليس إسرائيل فحسب، بل الولايات المتحدة أيضًا، ستجد نفسها معزولة ومنبوذة عندما تستمر في الدفاع عن إبادة جماعية وعن ذبح وإبادة الشعب، عند أي نقطة سترسم أخيرًا خطًا أحمر ونقول إننا سنطبق القانون الدولي على قدم المساواة، أم أن الفلسطينيين هم ببساطة كائنات لا إنسانية لا تنطبق عليهم قوانين العالم وقوانين الحرب؟".
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد قال في بيان، الخميس، إن إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت "مثير للغضب"، وانتقد المحكمة لمقارنتها تصرفات إسرائيل بعد هجوم حركة حماس عليها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بتصرفات حماس.
وذكر بايدن أن "إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد زعماء إسرائيليين أمر مثير للغضب، واسمحوا لي أن أكون واضحا مرة أخرى: أياً كان ما قد تعنيه المحكمة الجنائية الدولية، فلا يوجد تكافؤ بين إسرائيل وحماس، وسنقف دائما مع إسرائيل ضد التهديدات لأمنها".
ويذكر أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت بسبب ارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية"، كما أصدرت مذكرة اعتقال بحق القيادي بحماس، محمد "الضيف" لارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".