مارسيل غوشيه في مواجهة الشيوعي السوداني والكوز
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
مارسيل غوشيه عالم اجتماع و مؤرخ و فيلسوف فرنسي له مكانته المميزة الآن وسط الفلاسفة الفرنسيين. و الساحة الفكرية الفرنسية ساحة لا تفتح أزرعها بسهولة إلا لمن يأتي بالجديد تحت الشمس و ما أكثر الجديد الذي يأتي به الفلاسفة في فرنسا.
مثل أفكار مارسيل غوشيه تندر في وسط ساحة النخب السودانية كندرة الكبريت الأحمر لأسباب عدة نذكر منها سببين الأول أن الساحة الفرنسية تمثل ساحة فلاسفة ورثوا أفكار عقل الأنوار و بالتالي أتاحت لمارسيل غوشيه أن يدرك مفهوم الدولة الحديثة و مفهوم السلطة بالمعنى الحديث و يتحدث و هو يرى مسيرة الإنسانية التاريخية و الإنسان التاريخي.
مارسيل غوشيه يؤكد بأن السياسة و ليس الإقتصاد كما يتوهم ماركس في أنه موتور الماكنة التي تسحب العالم. لهذا نجده في فلسفته يتحدث عن الشرط الإنساني أي السياسة و ليس الإقتصاد كما يتوهم ماركس و لأنه بارع في تفكيك و هدم أفكار ماركس من هنا جاءت فرصة قبوله وسط الساحة الفكرية الفرنسية و خاصة أن الماركسية كانت مهيمنة على ساحة الفكر الفرنسي على أيام فلاسفة ما بعد الحداثة.
أيام فلاسفة ما بعد الحداثة كان فكرهم الموشح بالماركسية المقنّعة هو المسيطر على أفق فرنسا من ناحية الماركسية كفلسفة تاريخ و تعتبر مسألة مقاومة فلاسفة ما بعد الحداثة أشبه بالمستحيل و لكن مع مارسيل غوشيه لا مستحيل تحت الشمس و تعد مسألة مجابهة فلاسفة ما بعد الحداثة و ماركسيتهم المقنعة من السهولة بمكان.
عند مارسيل غوشيه أن فلاسفة ما بعد الحداثة في هجومهم على عقل الأنوار ما هم إلا ضحايا إلتباس في فكرهم عن مفهوم ممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و كذلك إلتباس فكرهم فيما يتعلق بمفهوم الدولة كمفهوم حديث و هو متأتي من ماركسية ماركس في عدم قبولها بفكرة الدولة من الأساس و سيرها نحو غايتها الدينية أي ما بعد السياسة فمثلما تتخطى الماركسية فكرة الدولة و ترفضها من الأساس فكذلك ترنو الى ما بعد السياسة.
ثمرة أفكار فلاسفة ما بعد الحداثة كانت ثورة الشباب في فرنسا عام 1968 و قد وصفها ريموند أرون بأنها الثورة الزائفة التي لا يمكنك أن تمسك بها و هي رافلة في رفضها لفكرة الدولة من الأساس و بحثها لموقع ما بعد السياسة كمقابل لما بعد الحداثة. و هذا في نظر مارسيل غوشيه مغالطات لا داعي لها و من هنا جاءت فلسفة مارسيل غوشيه في ترسيخ لفكرة الشرط الإنساني هو السياسة و ليس الاقتصاد كما يتوهم ماركس في أن البنى التحتية و إفتكاره أن الاقتصاد هو موتور الماكنة التي تسحب العالم نحو غايته اللاهوتية الدينية الماركسية و هي فكرة نهاية التاريخ.
قلنا في أعلى المقال أن أفكار مارسيل غوشيه تندر في وسط الساحة السودانية و ذكرنا السبب الأول و السبب الثاني لغياب مثل فلسفة مارسيل غوشيه بأن ساحتنا السودانية ما زالت مسيطر علي أفقها الشيوعي السوداني و هو في أحسن أحواله يعاني من إلتباس في مفهوم الدولة في فكره من الأساس و كذلك إلتباس في ممارسة مفهوم السلطة كمفهوم حديث و لهذا نبّهنا النخب السودانية أن حال الساحة الفكرية السودانية في أحسن تقدير ما زالت محبوسة في فكر ستينيات القرن المنصرم و كله بسبب تكلس الشيوعية بنسختها السودانية و تقزّم أتباعها و خطاء فهمهم لفكرة المثقف العضوي.
لهذا السبب لا تستغرب من الحالة الجنونية التي يعاني منها الحزب الشيوعي السوداني و تخوينه لكل من يبادر بالقبول لخطوة تقدم من أجل توحيد القوة السياسية حتى تستطيع أن توقف الحرب و بالتالي تفتح الطريق الى السياسة كشرط انساني و عندها يمكننا إبعاد الجيش و الجنجويد من ممارسة السياسة و الإقتصاد في المستقبل بعد أن تضع الحرب أوزارها.
لكن الشيوعي السوداني يرنو الى ما بعد السياسة و ما بعد الدولة و بالتالي يصاب بالجنون و هذا هو سبب بياناتهم التي تحبط كل سوداني يعاني من ويلات الحرب و تحمل في جنونها حديثهم عن النقابات و نحن في زمن الحرب العبثية و أوهام الشيوعيين عن تفتيت فكرة الدولة التي فتتها الحرب الدائرة الآن و ما زال الشيوعي السوداني يهلوس بالنقابات في زمن الحرب.
و عكس جنونهم أي الشيوعيين نجد عمل تقدم بقيادة حمدوك تقدم عمل سياسي يسير بإتجاه وضع أسس للسياسة كمفهوم حديث و ممارسة السلطة بمفهومه الحديث و تفتح على فكرة الدولة كمفهوم حديث و الفكرتين أي السياسة و الدولة لا تهم فكر الشيوعي السوداني الذي لا يؤمن بفكرة الدولة من الأساس و لهذا تأتي بيانات الحزب الشيوعي في وادي آخر لأن عالمهم عالم آخر يشغلهم عن معانات الشعب السوداني في زمن الحرب العبثية.
يمكن للقارئ أن يسأل من أين أتى الشيوعي السوداني بقسوة القلب التي تجعله لا يتعاطف مع ضحايا الحرب الدائرة الآن في السودان؟ و لا يريد أن يتوحد مع القوة السياسية السودانية في تقدم لإيقافها. الإجابة ساهلة جدا لأن الشيوعي السوداني بنسخته المتكلسة يمثل روح ماركسية ماركس و هي لا ترى الإنسان أو الفرد كغاية بل تراه كوسيلة فقط و الشيوعي السوداني يرى موت ضحايا الشعب السوداني في الحرب كوسيلة توصل الى غايتهم و هي الشيوعية التي لا تؤمن بفكرة الدولة و في ظل الحرب الدائرة الآن ها هي الدولة تلفظ أنفاسها و هذا هو حلم الشيوعي السوداني و مناه و عموما الشيوعية لا تنظر للإنسان كغاية بل كوسيلة مثله مثل عتلة أو مطرقة أو منجل لا غير.
تساعدنا أفكار مارسيل غوشيه في تفكيك عقل الشيوعي السوداني و توضيح طريقة تفكيره و قد رأينا مكاجرتهم و عرقلتهم و كسيرهم للمجاديف و دس المحافير في زمن حكومة حمدوك الإنتقالية فكانوا عونا للكيزان في إفشال حكومة حمدوك الإنتقالية لأنهم لا يريدون أن ينجح حمدوك في تأسيس فكرة الدولة التي لا يؤمن بها الشيوعي السوداني من الأساس و يؤسس أي حمدوك لفكرة ممارسة السلطة بمعناها الحديث.
و لا يمكن تحقيق ذلك بغير السياسة كشرط إنساني و الشيوعي السوداني لا يؤمن بها لأنه مشغول بما بعد السياسة كما يقول مارسيل غوشيه كمعادل لما بعد الحداثة و هو عقل الشيوعي السوداني عقل ستينيات القرن المنصرم الذي تجاوزه مارسيل غوشيه بمنهجه الغائب من رفوف مكتبتنا السودانية.
مارسيل غوشيه في بحثه عن مفهوم السياسة في المجتمعات البشرية منذ ليل الحياة جعله أيضا أن يقول لنا أن الحركات الإسلامية في العالم العربي و الإسلامي و منذ ظهورها في بداية سبعينيات القرن المنصرم و قد ورثت حشود جمال عبد الناصر بعد فشله و بدأت مسيرة الصحوة الإسلامية كانت كل مناشطها تفتح على عكس ما تريده أي الرجوع بالمجتمع الى ماضي ذهبي متخيّل بل فشلها فتح الطريق الى علمانية المجتمع لأننا في زمن الحداثة و قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس.
و بالفعل ها هي السعودية تقول أن الحداثة و أفكارها و التنمية لا يمكن أن تكون في ظل فكر الوهابية و رجال دينها المزعجيين و البديل قد قدمت السعودية مشروع 2030 و ها هي تونس بعد عشرية الغنوشي الفاشلة تدخل مرحلة لا يلوح في أفقها فكر الحركات الإسلامية و مصر فشل كيزانها و بسبب فشلهم فتحوا الطريق لدكتاتور جديد و هو السيسي الذي يريد تأسيس نظام حكم تسلطي و في السودان قد كانت ثورة ديسمبر للكيزان كمنجل الحصاد الاكبر و مكنسة الفنا الأبدي.
وقوف كيزان السودان وراء الحرب الآن سيبعدهم أكثر من مبتغاهم كعادة الكيزان ما من مشروع فتحوا بابه إلا أبعدهم من هدفهم المتخيل الذي لا يمكن تحقيقه و هو فكرة دولة الإرادة الإلهية و الكوز على الدوام عدو نفسه و قد رأينا فشلهم الذي يجسد غباءهم.
في ختام المقال ننبه الى أن فكر مارسيل غوشيه يعتبر غائب تماما من مكتبتنا السودانية و هو فكر يمكن تصنيفه فكر فلاسفة ساعدوا في محو أوهام فلاسفة ما بعد الحداثة و هذا هو الفكر الذي نحتاجه لأن ساحتنا ما زالت تحت تأثير أفكار أتباع الشيوعية المقنعة و تحت إشعاع فكر فلاسفة ما بعد الحداثة.
و تنبيه آخر لمن يريد قراءة مارسيل غوشيه ننصحه بقراءة كتب مارسيل غوشيه باللغة الفرنسية لأنها تتيح له فرصة نادرة و هي فرصة الهروب من تحجر اللغة العربية و تكلسها كما يصفها عالم الإجتماع الفلسطيني هشام شرابي.
taheromer86@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشیوعی السودانی ما بعد السیاسة فکرة الدولة من الأساس لا یمکن فی زمن
إقرأ أيضاً:
أكاديمية الشرطة تُنظم ورشة عمل حول «مواجهة مخططات إسقاط الدولة»
انتبهت الدولة مبكراً لمخاطر الشائعات وتزييف الوعى تحت شعارات براقة هدمت إستقرار الأوطان من هنا كان حرص وزارة الداخلية على بناء وعى مجتمعى للتصدى للشائعات والأفكار الهدامة من خلال تنظيم سلسلة ورش عمل تدريبية لتوعية الشباب وكافة فئات المجتمع بما يحاك من مخططات لإسقاط الدول، وفى هذا الإطار نظمت أكاديمية الشرطة مركز بحوث الشرطة بمقر مركز الدراسات الأمنية والإستراتيجية ورشة عمل تدريبية موجهة لطلبة الجامعات المصرية الحكومية الخاصة خلال الفترة من ( 15-19/12/2024م).. تحت عنوان دور الجهاز الحكومى فى مواجهة مخططات إسقاط الدولة، بمشاركة نخبة متميزة من الأساتذة والخبراء الأمنيين والمتخصصين.
وقد إستهدفت ورشة العمل عدد من الموضوعات ذات الصلة بالأمن القومى المصرى من أبرزها:تطور مفهوم الحرب وحروب الجيل الرابع ومشروعات تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وحرب اللاعنف وصناعة الدولة الفاشلة، وآليات وأدوات هدم الدول من الداخل الإرهاب والشائعات والحروب النفسية، تخريب الإقتصاد والتدخلات الخارجية والتمويل الأجنبى للأنشطة الهدامة، وإستخدام مواقع التواصل الإجتماعى لتزييف الوعى وإثارة الرأى العام، والإعلام الموجه ودوره فى إسقاط الدول من الداخل، وجهود الدولة المصرية فى كافة المجالات العسكرية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية لإحباط مخططات إسقاط الدولة.
وفى إطار حرص وزارة الداخلية على إطلاع المشاركين بجهود الوزارة فى التصدى للشائعات فقد تم تنظيم زيارة لهم لمقر قطاع الإعلام والعلاقات بوزارة الداخلية للتعرف على إمكانياته ودوره فى رصد الشائعات والرد الفورى عليها بالحقائق وإعداده مواد وتقارير صحفية وإذاعية وتلفزيونية حول جهود كافة قطاعات الوزارة لتنشر فى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعى.
وقد أثمرت المناقشات الثرية التي تناولتها تلك الورش عن الخروج بعدد من النتائج والتوصيات شديدة الأهمية من أبرزها نجاح جهود الدولة المصرية فى مواجهة مخططات هدمها وإسقاطها من الداخل وإحتواء الآثار السلبية لتلك المخططات من خلال الإهتمام برفع الوعى لدى المواطنين بعدم الوقوع كأداة فى يد القوى المناوئة والإحتشاد خلف القوى الوطنية، وأن القيادة السياسية للدولة قد إنتهجت فى إحباط تلك المخططات منهجاً فريداً تمثل فى حشد كافة الجهود من مختلف مؤسسات الدولة وكياناتها، وإلغاء الحواجز بين كافة الأجهزة لتعمل كلها بتناسق وتناغم من أجل إحتواء مخططات الهدم والتحول نحو التعافى، ومن ثم الإنطلاق صوب التطوير الشامل ومناخ الإستقرار الذى تشهده الدولة حالياً.
يأتي ذلك إستمراراً للدور الرائد الذي تضطلع به وزارة الداخلية في مجال تنظيم المبادرات التوعوية الهادفة لإحباط تلك المخططات.
اقرأ أيضاًتسرب غاز.. «أمن القليوبية» يكشف غموض العثور علي جثة ربة منزل وإصابة نجلها بطوخ
الانتظار بفلوس.. الداخلية تكشف ملابسات تضرر مالكي سيارات من سياس أمام مولات بالقاهرة
ضبط 12 قضية مخدرات وأسلحة في حملة مكبرة استهدفت دمياط وأسوان