سودانايل:
2025-01-26@07:46:59 GMT

مارسيل غوشيه في مواجهة الشيوعي السوداني والكوز

تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT

مارسيل غوشيه عالم اجتماع و مؤرخ و فيلسوف فرنسي له مكانته المميزة الآن وسط الفلاسفة الفرنسيين. و الساحة الفكرية الفرنسية ساحة لا تفتح أزرعها بسهولة إلا لمن يأتي بالجديد تحت الشمس و ما أكثر الجديد الذي يأتي به الفلاسفة في فرنسا.
مثل أفكار مارسيل غوشيه تندر في وسط ساحة النخب السودانية كندرة الكبريت الأحمر لأسباب عدة نذكر منها سببين الأول أن الساحة الفرنسية تمثل ساحة فلاسفة ورثوا أفكار عقل الأنوار و بالتالي أتاحت لمارسيل غوشيه أن يدرك مفهوم الدولة الحديثة و مفهوم السلطة بالمعنى الحديث و يتحدث و هو يرى مسيرة الإنسانية التاريخية و الإنسان التاريخي.


مارسيل غوشيه يؤكد بأن السياسة و ليس الإقتصاد كما يتوهم ماركس في أنه موتور الماكنة التي تسحب العالم. لهذا نجده في فلسفته يتحدث عن الشرط الإنساني أي السياسة و ليس الإقتصاد كما يتوهم ماركس و لأنه بارع في تفكيك و هدم أفكار ماركس من هنا جاءت فرصة قبوله وسط الساحة الفكرية الفرنسية و خاصة أن الماركسية كانت مهيمنة على ساحة الفكر الفرنسي على أيام فلاسفة ما بعد الحداثة.
أيام فلاسفة ما بعد الحداثة كان فكرهم الموشح بالماركسية المقنّعة هو المسيطر على أفق فرنسا من ناحية الماركسية كفلسفة تاريخ و تعتبر مسألة مقاومة فلاسفة ما بعد الحداثة أشبه بالمستحيل و لكن مع مارسيل غوشيه لا مستحيل تحت الشمس و تعد مسألة مجابهة فلاسفة ما بعد الحداثة و ماركسيتهم المقنعة من السهولة بمكان.
عند مارسيل غوشيه أن فلاسفة ما بعد الحداثة في هجومهم على عقل الأنوار ما هم إلا ضحايا إلتباس في فكرهم عن مفهوم ممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و كذلك إلتباس فكرهم فيما يتعلق بمفهوم الدولة كمفهوم حديث و هو متأتي من ماركسية ماركس في عدم قبولها بفكرة الدولة من الأساس و سيرها نحو غايتها الدينية أي ما بعد السياسة فمثلما تتخطى الماركسية فكرة الدولة و ترفضها من الأساس فكذلك ترنو الى ما بعد السياسة.
ثمرة أفكار فلاسفة ما بعد الحداثة كانت ثورة الشباب في فرنسا عام 1968 و قد وصفها ريموند أرون بأنها الثورة الزائفة التي لا يمكنك أن تمسك بها و هي رافلة في رفضها لفكرة الدولة من الأساس و بحثها لموقع ما بعد السياسة كمقابل لما بعد الحداثة. و هذا في نظر مارسيل غوشيه مغالطات لا داعي لها و من هنا جاءت فلسفة مارسيل غوشيه في ترسيخ لفكرة الشرط الإنساني هو السياسة و ليس الاقتصاد كما يتوهم ماركس في أن البنى التحتية و إفتكاره أن الاقتصاد هو موتور الماكنة التي تسحب العالم نحو غايته اللاهوتية الدينية الماركسية و هي فكرة نهاية التاريخ.
قلنا في أعلى المقال أن أفكار مارسيل غوشيه تندر في وسط الساحة السودانية و ذكرنا السبب الأول و السبب الثاني لغياب مثل فلسفة مارسيل غوشيه بأن ساحتنا السودانية ما زالت مسيطر علي أفقها الشيوعي السوداني و هو في أحسن أحواله يعاني من إلتباس في مفهوم الدولة في فكره من الأساس و كذلك إلتباس في ممارسة مفهوم السلطة كمفهوم حديث و لهذا نبّهنا النخب السودانية أن حال الساحة الفكرية السودانية في أحسن تقدير ما زالت محبوسة في فكر ستينيات القرن المنصرم و كله بسبب تكلس الشيوعية بنسختها السودانية و تقزّم أتباعها و خطاء فهمهم لفكرة المثقف العضوي.
لهذا السبب لا تستغرب من الحالة الجنونية التي يعاني منها الحزب الشيوعي السوداني و تخوينه لكل من يبادر بالقبول لخطوة تقدم من أجل توحيد القوة السياسية حتى تستطيع أن توقف الحرب و بالتالي تفتح الطريق الى السياسة كشرط انساني و عندها يمكننا إبعاد الجيش و الجنجويد من ممارسة السياسة و الإقتصاد في المستقبل بعد أن تضع الحرب أوزارها.
لكن الشيوعي السوداني يرنو الى ما بعد السياسة و ما بعد الدولة و بالتالي يصاب بالجنون و هذا هو سبب بياناتهم التي تحبط كل سوداني يعاني من ويلات الحرب و تحمل في جنونها حديثهم عن النقابات و نحن في زمن الحرب العبثية و أوهام الشيوعيين عن تفتيت فكرة الدولة التي فتتها الحرب الدائرة الآن و ما زال الشيوعي السوداني يهلوس بالنقابات في زمن الحرب.
و عكس جنونهم أي الشيوعيين نجد عمل تقدم بقيادة حمدوك تقدم عمل سياسي يسير بإتجاه وضع أسس للسياسة كمفهوم حديث و ممارسة السلطة بمفهومه الحديث و تفتح على فكرة الدولة كمفهوم حديث و الفكرتين أي السياسة و الدولة لا تهم فكر الشيوعي السوداني الذي لا يؤمن بفكرة الدولة من الأساس و لهذا تأتي بيانات الحزب الشيوعي في وادي آخر لأن عالمهم عالم آخر يشغلهم عن معانات الشعب السوداني في زمن الحرب العبثية.
يمكن للقارئ أن يسأل من أين أتى الشيوعي السوداني بقسوة القلب التي تجعله لا يتعاطف مع ضحايا الحرب الدائرة الآن في السودان؟ و لا يريد أن يتوحد مع القوة السياسية السودانية في تقدم لإيقافها. الإجابة ساهلة جدا لأن الشيوعي السوداني بنسخته المتكلسة يمثل روح ماركسية ماركس و هي لا ترى الإنسان أو الفرد كغاية بل تراه كوسيلة فقط و الشيوعي السوداني يرى موت ضحايا الشعب السوداني في الحرب كوسيلة توصل الى غايتهم و هي الشيوعية التي لا تؤمن بفكرة الدولة و في ظل الحرب الدائرة الآن ها هي الدولة تلفظ أنفاسها و هذا هو حلم الشيوعي السوداني و مناه و عموما الشيوعية لا تنظر للإنسان كغاية بل كوسيلة مثله مثل عتلة أو مطرقة أو منجل لا غير.
تساعدنا أفكار مارسيل غوشيه في تفكيك عقل الشيوعي السوداني و توضيح طريقة تفكيره و قد رأينا مكاجرتهم و عرقلتهم و كسيرهم للمجاديف و دس المحافير في زمن حكومة حمدوك الإنتقالية فكانوا عونا للكيزان في إفشال حكومة حمدوك الإنتقالية لأنهم لا يريدون أن ينجح حمدوك في تأسيس فكرة الدولة التي لا يؤمن بها الشيوعي السوداني من الأساس و يؤسس أي حمدوك لفكرة ممارسة السلطة بمعناها الحديث.
و لا يمكن تحقيق ذلك بغير السياسة كشرط إنساني و الشيوعي السوداني لا يؤمن بها لأنه مشغول بما بعد السياسة كما يقول مارسيل غوشيه كمعادل لما بعد الحداثة و هو عقل الشيوعي السوداني عقل ستينيات القرن المنصرم الذي تجاوزه مارسيل غوشيه بمنهجه الغائب من رفوف مكتبتنا السودانية.
مارسيل غوشيه في بحثه عن مفهوم السياسة في المجتمعات البشرية منذ ليل الحياة جعله أيضا أن يقول لنا أن الحركات الإسلامية في العالم العربي و الإسلامي و منذ ظهورها في بداية سبعينيات القرن المنصرم و قد ورثت حشود جمال عبد الناصر بعد فشله و بدأت مسيرة الصحوة الإسلامية كانت كل مناشطها تفتح على عكس ما تريده أي الرجوع بالمجتمع الى ماضي ذهبي متخيّل بل فشلها فتح الطريق الى علمانية المجتمع لأننا في زمن الحداثة و قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس.
و بالفعل ها هي السعودية تقول أن الحداثة و أفكارها و التنمية لا يمكن أن تكون في ظل فكر الوهابية و رجال دينها المزعجيين و البديل قد قدمت السعودية مشروع 2030 و ها هي تونس بعد عشرية الغنوشي الفاشلة تدخل مرحلة لا يلوح في أفقها فكر الحركات الإسلامية و مصر فشل كيزانها و بسبب فشلهم فتحوا الطريق لدكتاتور جديد و هو السيسي الذي يريد تأسيس نظام حكم تسلطي و في السودان قد كانت ثورة ديسمبر للكيزان كمنجل الحصاد الاكبر و مكنسة الفنا الأبدي.
وقوف كيزان السودان وراء الحرب الآن سيبعدهم أكثر من مبتغاهم كعادة الكيزان ما من مشروع فتحوا بابه إلا أبعدهم من هدفهم المتخيل الذي لا يمكن تحقيقه و هو فكرة دولة الإرادة الإلهية و الكوز على الدوام عدو نفسه و قد رأينا فشلهم الذي يجسد غباءهم.
في ختام المقال ننبه الى أن فكر مارسيل غوشيه يعتبر غائب تماما من مكتبتنا السودانية و هو فكر يمكن تصنيفه فكر فلاسفة ساعدوا في محو أوهام فلاسفة ما بعد الحداثة و هذا هو الفكر الذي نحتاجه لأن ساحتنا ما زالت تحت تأثير أفكار أتباع الشيوعية المقنعة و تحت إشعاع فكر فلاسفة ما بعد الحداثة.
و تنبيه آخر لمن يريد قراءة مارسيل غوشيه ننصحه بقراءة كتب مارسيل غوشيه باللغة الفرنسية لأنها تتيح له فرصة نادرة و هي فرصة الهروب من تحجر اللغة العربية و تكلسها كما يصفها عالم الإجتماع الفلسطيني هشام شرابي.

taheromer86@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشیوعی السودانی ما بعد السیاسة فکرة الدولة من الأساس لا یمکن فی زمن

إقرأ أيضاً:

السودان ودولة الحرب العميقة

 

السودان ودولة الحرب العميقة

ناصر السيد النور

إن مفهوم الدولة العميقة الذي بات مصطلحا ومفهوما لا يقل غموضا لتفسير السياسيات والقرارات غير الرسمية للحكومات ويبدو قد توطنت عمليا في الشئون السياسية والحكومية حتى بات شبحا تعزى اليها القرارات السياسية الجريئة وغيرها من توجهات لا تفصح عنها أجهزة الدولة الرسمية في صناعة القرار. ولكن هذا المفهوم ساد وأصبح مرجعا ومستودعا تستعيد به الجماعات المتحكمة في الدولة سلطاتها وتحافظ عليها وسلاحا سريا تستخدمه في حال تهديد النظام القائم الذي يضمن استمرار التحكم بالتوجهات السياسية والمصالح لتلك المجموعات في النظم الديكتاتورية التي يعج بلاد المحيط العربي في العالم الثالث ونظمه الموروثة منها والعسكرية الجمهورية. وقد اجهضت أذرع الدولة العميقة مشروع ثورات الربيع العربي بمناوئتها المتجذرة للديمقراطية والحرية   في البنية السلطوية السياسية والعسكرية للنظم العربية. ويعمم مفهوم الدولة العميقة حتى في الديمقراطيات الغربية الراسخة، كدولة تحمى قيما ونظما ايدولوجية قارة في مجتمعات النخبة!

تحولت الحرب في السودان من حرب يقودها طرفان صراعا على السلطة ومن ورائهما تحالفات متعددة تتفاوت في القوة والعدة والعتاد إلى حرب لمحاولة استعادة سلطة ونفوذ بما يكشف في الوقت ذاته عن واجهة خلفية تدخل إدارة وتوجيها للحرب. فمنذ ارهاصاتها التي سبقت تفجر الحرب في الخامس عشر من ابريل/نسيان 2023 ظل المشهد السياسي السوداني في مرحلة الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة ديسمبر/تموز 2019 في حالة سيولة تمكنت فيها أذرع النظام السابق حينها على تأكيد حضورها القوي في المشهد السياسي بعد ثلاثين عاما من الحكم المستمر. ولأن طبيعة النظام السابق (الإنقاذ) بخلفيتها الإسلامية قد تمكن عبر سياسة التمكين التي اتبعها في تأمين اركان نظامه من تكوين هياكل وواجهات في موازاة الدولة القائمة بما يشمل حزبا سياسيا (المؤتمر الوطني) وجماعات مسلحة (كتائب الظل) وكيانات عشائرية أخرى كقواعد قد يضطر للجوء اليها وقد كان. فمنذ أن أطاح الفريق البرهان قائد الجيش في انقلابه على الحكومة الانتقالية بمساندة قوات الدعم السريع في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وهو ما مهد الطريق للعودة المفتوحة إلى السلطة ومؤسساتها للحزب السابق الحاكم. وبرزت عناصر النظام السابق من فجوة الدولة العميقة مستعيدة لسلطة يدعمها العسكريون والعناصر المدنية الموالية. وتحولت هذه العناصر بالتالي من قوة مختبئة تخشى الملاحقة إلى سلطة بكامل اطقمها وقياداتها إلى الواجهة السياسية تقوم بأدوار غامضة ولا تترد في الكشف عن خطابها ورؤيتها للحرب والتحشييد لها تحت مظلة الشعارات السابقة.

وكانت الحرب الجارية أكبر اختبار أمام الدولة العميقة وأدواتها حيث لم يعد من الممكن التخفي وراء السلطة القائمة فكل ما حملته الحرب من توجهات وشعارات تكشفت عن الواجهة الحقيقة للدولة العميقة ومدى تأثيرها في مجريات الأمور. والحرب لم تقتصر على ميدان المواجهات بين الطرفين الجيش والدعم السريع بل في المحاولة المستميتة لإقصاء المدنيين الواجهة التي تمثل الاتجاه الديمقراطي والحكومة الفترة الانتقالية أكثر ما استهدفته عناصر الدولة السابقة بعمقها التنفيذي وتحكمها بالقرار العسكري بالإضافة الى كتائبها الشعبية المقاتلة.  فقد اعادت الحركة الإسلامية صراعها القديم محمولا على انتقام من الكيانات السياسية المدنية التي تسببت في انهيار سلطتها متدرعة بقوة تنظيمية عسكرية تدعم وجودها في السلطة والامساك بمفاصل الدولة مثلما بدأت. إلا أن هذه التوجهات التي تستند إلى شرعية بحكم التمدد الزمني في السلطة وبالطريقة التي ادارت بها سلطتها وما رافق ذلك من انتهاكات جسيمة وحروب على طول البلاد وعرضها وانهيارات على كافة الأصعدة. وإذا كان الهدف المبدئي للدولة العميقة هو استعادة السلطة والتمسك بمقاليد الحكم فلأنها تستند إلى بنية الدولة الصلبة لا على شعاراتها أو برامجها السياسية فإن التحكم بالأجهزة الأمنية المختلفة أولوية لدى عناصرها.  فالعناصر المتحكمة بتسيير دفة الحرب من داخل الدولة العميقة لا تعمل من خلال مواقع أو مناصب لها صفة رسمية في أجهزة الدولة، ولكنها تعمل من خلال قنوات تنظيمية. فقد كشفت العقوبات التي فرضتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوربي على شخصيات سودانية من خارج المنظومة الرسمية أثناء هذه الحرب لدورهم كما إشارات بيانات العقوبات في الحرب واعاقة مجهودات السلام وأكدت بالتالي على دورهم النافذ في الحرب. ومن بين هذه الشخصيات ما لها موقع بارز في حكومة البشير السابقة مثل شخصية صلاح عبد الله قوش أحد مهندسي القوة الأمنية ومن يزعم بدورهم في قيادة الحرب. فأن تفرض عقوبات من خارج الحدود على شخصيات سودانية معروفة بتوجهاتها السياسية والايدولوجية يزيد من ادانة دورها الخفي وتأثيرها المباشر على أخطر القضايا الوطنية كالحرب الجارية والمسئولية الأخلاقية والسياسية.

أن تكون ثمة دولة عميقة في السودان بتعقيدات تكويناته العرقية والجهوية والسلطوية فهذا يعني أن تنطوي على تناقضات تاريخية واجتماعية شكلت جزء من أسباب صراع الحرب الدائرة في سياق المنازعات القائمة بين الجماعات المناطقية بين مركز وهامش في اختلال ميزان ما يعرف بتوزيع الثروة والسلطة بين ولايات السودان وسكانه.  فإذا كان عمق الدولة وجماعات الظل ونفوذها يتأسس على هذه التناقضات في بنية الدولة السودانية وتركيبتها الاجتماعية فإن عناصرها تعمل على الحفاظ على هذه المعادلة المختلة بدلا عن تفكيكها الذي سيؤدي إلى فقدان تلك الامتيازات. وهذه الامتيازات تمثلها كيانات ليست بالضرورة سياسية بل كيانات عشائرية وقبلية تتقاطع تاريخيا مع السلطة السياسية وهو ما برز بشكل لافت في المجموعات القبلية المسلحة بعيدا عن جيش الدولة.  ومن المفارقة أن قوات الدعم السريع كانت إحدى الأدوات التي كونتها الدولة العميقة في السودان وقننت وجودها كمظهر قانوني ودستوري لتعمل على تثبت اركان النظام كقوة ضاربة لا يتعدى دورها الحراسة والدفاع عن النظام. من قبل أن تتصاعد دورا ومهام وطموحا وقوة.

ومثل الموقف من الحرب صراعا محتدما بين أطراف الدولة العميقة المتحكمة وحكومة الواجهة المعترف بها على الأقل بشرعية وجودها، فقد لوحظ أن إدارة الحرب وبياناتها والموقف من المفاوضات والعلاقات الدولية وطريقة تنفيذها بما يعكس من تناقضات في الخطاب الرسمي للدولة أي وجود أكثر من جهة تملك حق التفويض المطلق في صنع القرار السياسي والعسكري على تنوع مجالاته. فالدولة العميقة هي تعدد في مراكز القرار ومراكز قوى داخل أجهزة السلطة بأقسامها الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية وباختصاصات تتجاوز القنوات التقليدية في إدارة الدولة.  ولأن الحرب خلقت في السودان بتركيبته الاجتماعيِّة المتداخلة حيث المجتمعات المحلية اقوى من سلطة الدولة فقد أعادته الحرب إلى مرحلة للادولة في ظل إدارة الدولة العميقة. فالهياكل المترهلة التي خلفها النظام السابق أوجدت كيانات ذات نظم إدارية ضعيفة الكفاءة وعانت الآن من فوضى الحرب كنتيجة منطقية لخلل أزمة الدولة وسيادة البربرية أو الطبيعة بمفهوم الفيلسوف السياسي توماس هوبز التي أعادت بغياب القانون والدولة شريعة الغاب إلى شوارع المدن وزعزعت أمنها ومزقت نسيجها الاجتماعي.

واستطاعت الدولة العميقة بسياساتها البراغماتية من الاستفادة من مثليتها في دور الجوار السوداني مما شكل دعما لوجستيا وتدخلا مباشرا في الحرب لصالحها تنازلا ومغامرة بأمنها القومي وسيادتها الوطنية. وحرب السودان التي أصبحت حرب محاور تورط فيها الطرفان في صراعهما على سلطة يعصب التنبؤ بعودتها على ما كانت عليه ما قبل الحرب.  وإن المعاناة التي خلفتها الحرب لسكان السودان تجعل من وجود الدولة العميقة بعناصرها مهددا دائما للسلام طالما أن الهدف يستدعي عودة السلطة مهما كلف ذلك على حساب المواطنين وامنهم.

الوسومالدولة العميقة حرب السودان

مقالات مشابهة

  • الخطاب السياسي للحرب
  • الجيش السوداني يعلن كسر حصار الدعم السريع لمركز قيادته وسط الخرطوم
  • في بداية الحرب اندهش العديد من المراقبين من خارج السودان في صمود الجيش السوداني
  • يوتوبيات الشيوعيين: قراءة نقدية في مسارات الحزب الشيوعي السوداني للمنعطفات الثورية
  • نائبة: الرئيس السيسى قدم رؤية متكاملة حول الجهود المبذولة لحماية الأمن القومي
  • في قراءات الحزب الشيوعي السوداني للمنعطفات (الثورية)
  • وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي وزير السياسة الزراعية والأغذية الأوكراني
  • مستشار السوداني: تخفيض تصنيف المستوى الأمني للعراق يؤكد مسار الدولة المستقرة
  • أستاذ علوم سياسية: مواجهة الشائعات تتطلب استراتيجية تعتمد على الوعي المجتمعي
  • السودان ودولة الحرب العميقة