الكل في واحد.. هكذا أحيت حرب غزة محور المقاومة المدعوم إيرانيا
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
سلط الخبيران في الشؤون الإيرانية، ولي نصر ونرجس باجوغلي، الضوء على إحياء الحرب في غزة لـ "محور المقاومة" الإقليمي، المدعوم إيرانيا، وأشارا إلى أن هجمات جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين) على السفن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر جعلتها، في فترة وجيزة، أبرز أعضاء التحالف العسكري الإيراني، الذي أصبح نشطا في جميع أنحاء المنطقة.
وذكر الخبيران، في تحليل نشره موقع "فورين أفيرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن اغتيال القيادي في حركة حماس، صالح العاروري، ببيروت في الثاني من يناير/كانون الثاني الجاري استدعى تعهد الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، بالانتقام، وهو ما تلاه قصف الحزب لقاعدة ميرون للمراقبة الجوية الإسرائيلية بـ 62 صاروخا.
كما أرسلت جماعات المقاومة الإسلامية المتمركزة في العراق طائرات مسيرة لمهاجمة القواعد الأمريكية في سوريا والعراق واستهدفت مدينة حيفا بصاروخ كروز بعيد المدى، وضرب الحوثيون السفن المتجهة إلى إسرائيل البحر الأحمر؛ واستولت إيران على ناقلة نفط في خليج عمان.
ورغم أن الدول الغربية والإقليمية تزعم أنها لا تريد أن تتحول الحرب في قطاع غزة إلى حريق إقليمي، إلا أن إيران وحزب الله والحوثيين وغيرهم من أعضاء "محور المقاومة" يلعبون لعبة مختلفة تماما، ويعملون بصبر ومنهجية على تعزيز تحالف المحور عبر ساحة المعركة الإقليمية، حسبما يرى نصر وباجوغلي.
بدأ المحور بإيران وحزب الله، لكنه تطور بسرعة إلى انضمام أعضاء الآخرين، مثل الحوثيين في اليمن، وحرمتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا.
ويشكل هذا المحور تحديا مباشرا للنظام الإقليمي الذي أنشأه الغرب ودافع عنه في الشرق الأوسط لعقود من الزمن، خدمة للنظرة الاستراتيجية الإيرانية.
فالحرس الثوري الإيراني هو من زود حركات المحور بقدرات عسكرية فتاكة ودعم منسق، لكن طهران لا تتعامل مع تلك الحركات باعتبارها "سيدة الدمية"، بحسب تعبير الخبيرين، بل إن الواقع يعكس تماسك المحور ودوره الإقليمي بأبعد من إملاءات إيران، إذ تربط حركاته الكراهية المشتركة للاستعمار الأمريكي والإسرائيلي.
وبدلاً من كونه أداة في أيدي إيران، يرى المحور نفسه كتحالف مبني حول أهداف استراتيجية مشتركة بروح "الكل من أجل الفرد والواحد من أجل الجميع"، ويعتقد أعضاؤه أنهم جميعاً يخوضون الحرب نفسها ضد إسرائيل، وبشكل غير مباشر، ضد الولايات المتحدة، ما يعني أن التحذيرات أو حتى الهجمات الأمريكية لن تجبر المحور على التنحي.
وما لم يقف عمل المدافع الإسرائيلية في غزة، وما لم يتم التخطيط لمسار جدير بالثقة نحو السيادة الفلسطينية وتقرير المصير، فإن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على إخراج نفسها من دوامة التصعيد الخطيرة، حسبما يرى نصر وباجوغلي.
تصميم طهران
ولم ينشأ محور المقاومة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بل تكوّن في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، إذ قام القائد السابق لفيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ببنائه على خلفية علاقات إيران الوثيقة مع حزب الله، وبالاعتماد على تجارب إيران وحزب الله في قتال العراق وإسرائيل في الثمانينيات.
ومنذ البداية، سعى سليماني إلى إنشاء شبكة مرنة يكون فيها كل جزء من المحور مكتفياً ذاتياً. وعلى الرغم من أن التدريب والذخائر قد تأتي من إيران، إلا أنه كان من المتوقع من كل وحدة أن تتقن وتنشر التكتيكات والتكنولوجيا والأسلحة.
وفي أيامه الأولى، كان الهدف الأساسي للمحور الناشئ هو هزيمة الخطط الأمريكية لاحتلال العراق. ولتحقيق هذه الغاية، نجحت طهران وحزب الله في إنشاء ميليشيات محلية قاتلت القوات الأمريكية.
وبعد سيطرة تنظيم الدولة على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا في عام 2014، تم إنشاء ميليشيات مماثلة لمحاربة القوى المسلحة التي هددت نظام بشار الأسد في سوريا والسيطرة الشيعية في العراق.
وأصبحت الحرب الأهلية السورية نقطة تحول بالنسبة للمحور، حيث قاتلت إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا ضد عدوها المشترك.
ومن خلال القيام بذلك، قامت هذه الدول والمجموعات بتعميق قدراتها العسكرية والاستخباراتية وصقل المنطق الاستراتيجي لتحالفها، وخلال هذه الفترة، عززت إيران علاقاتها مع الحوثيين في اليمن، وضمتهم إلى التحالف المزدهر الآن، وتبنت راية "محور المقاومة".
اقرأ أيضاً
حزب الله: محور المقاومة لن يترك غزة مهما كانت الضغوطات
وعلى مدى العقد الماضي، نشرت إيران صواريخ وطائرات مسيرة وصواريخ متقدمة في غزة والعراق وسوريا واليمن، كما قامت بتدريب حماس والحوثيين على بناء أسلحتهم الخاصة. ويتجلى نجاح هذا النهج في تطوير تصنيع محلي للأسلحة واستخدام الصواريخ الماهر من جانب حماس والحوثيين، ونجاح أعضاء المحور في الاتصالات الإعلامية، وإنشاء القنوات المالية.
وبنى خليفة سليماني، إسماعيل قاآني، على هذا الإرث وزاد من لامركزية المحور، وفوض بشكل متزايد عملية صنع القرار التكتيكي والعملياتي إلى الوحدات المحلية وقادتها.
وساعدت شبكة المحور طهران على تعزيز هدفها الدائم المتمثل في إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. ومنذ ثورة 1979، ركزت طهران على حماية البلاد من واشنطن، التي يعتقد القادة الإيرانيون أنها عازمة على تدمير الجمهورية الإسلامية.
ولتحقيق هذه الغاية، سعت إيران إلى الاستهزاء بالمحاولات الأمريكية لاحتوائها اقتصاديًا وعسكريًا، وسعت إلى طرد الجيش الأمريكي من البلدان المتاخمة لإيران والخليج العربي، وإجبار الولايات المتحدة على مغادرة المنطقة. وكان محور المقاومة ذا قيمة بالنسبة لطهران، لأنه صرف انتباه القوات الأمريكية بعيدًا عن حدود إيران.
ونمت هذه القيمة الاستراتيجية بالنسبة لطهران على مدى السنوات الثماني الماضية بسبب تزايد العداء لواشنطن. وفي عام 2018، انسحب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران وفرض أقصى العقوبات على البلاد، وفي عام 2020 أمر بقتل سليماني، ما أقنع طهران بالحاجة إلى محور أكثر قوة وتماسكاً من الحلفاء، يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي، وهو ما يمكن أن يزيد الضغط على واشنطن.
وفي هذا السياق، أصبح البرنامج النووي الإيراني مهمًا، ليس فقط كورقة مساومة للتفاوض على إزالة العقوبات، ولكن أيضًا كرادع يمكن أن يحمي المحور من الهجوم الأمريكي.
ويصطف الأعضاء الآخرون في محور المقاومة مع أهداف طهران في جميع أنحاء المنطقة، والتي تعكس أيضًا مصالحهم المحلية.
فحزب الله، على سبيل المثال، تحركه الرغبة في حماية جنوب لبنان مما يعتقد أنها طموحات توسعية لإسرائيل، تمتد لتشمل مناطق في سوريا والأردن.
وتركز الميليشيات الشيعية في العراق على إخراج القوات الأمريكية من البلاد، فضلاً عن الانتصار فيما يعتقدون أنها حرب أهلية غير منتهية مع السنة في البلاد.
ويريد الحوثيون السيطرة على كامل اليمن، وهم مستاؤون من الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لعرقلة طريقهم.
الكل في واحد
ومع ذلك، فإن محور المقاومة هو في نهاية المطاف تحالف عسكري، وبالتالي فإن أعضائه أقوى معًا. وعلى الرغم من أن حماس خططت ونفذت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن إيران وحزب الله كانا مسؤولين إلى حد كبير عن تطوير قدرات حماس.
وكما أظهرت مجموعة من الاجتماعات في بيروت، حضرها كبار قادة حماس، وحزب الله، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، والحرس الثوري، والميليشيات الحوثية والعراقية قبل الهجوم، فمن المرجح أن أعضاء المحور كانوا على علم بخطط حماس ودعموها.
وبالنسبة لحماس، كان الهدف الرئيسي للهجوم يتلخص في تعطيل تهميش القضية الفلسطينية، وإعادة نضالها إلى واجهة السياسة العربية.
وبالنسبة لإيران وحزب الله أيضاً، فإن إعادة القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام كان لها ميزة وضع إسرائيل في موقف دفاعي، وبالتالي تقليص احتمالات المزيد من تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
كما أن إيران وحزب الله مهتمان بإمكانية توريط إسرائيل في حرب متعددة الجبهات من شأنها أن تستهلك مواردها. وفي كلتا الحالتين، يحقق الصراع هدفاً إيرانياً طويل الأمد: فقد اعتقدت طهران منذ فترة طويلة أنه إذا لم تكن إسرائيل منشغلة بشؤونها الخاصة، فإنها ستكون منشغلة بشؤون إيران.
ولكن نتيجة هجوم حماس، وحجم وشراسة الرد الإسرائيلي، والكارثة الإنسانية التي أعقبته، ومدى الاهتمام العالمي، كانت غير متوقعة، إذ لم تتوقع حماس وحلفاؤها في المحور أن يكون الهجوم في 7 أكتوبر/تشرين الأول ناجحا إلى هذا الحد، بل من المرجح أنهم تصوروا غزوا سريعا داخل إسرائيل من شأنه أن ينتهي بسرعة وبخسائر وعدد محدود من الأسرى.
اقرأ أيضاً
إنترسبت: دعم أمريكا الراسخ لإسرائيل بحرب غزة يوحد محور المقاومة المدعومة من إيران
ويرى نصر وباجوغلي أن عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحجم رد الفعل الإسرائيلي أثار الذهول في أجزاء المحور، الذي أعاد نتيجة لذلك معايرة أهدافه واستراتيجيته.
وعلى الرغم من أن إيران وحزب الله لا يريدان حرباً إقليمية أوسع نطاقاً، إلا أنهما استهدفا القوات الإسرائيلية والأمريكية بالطائرات المسيرة والصواريخ.
وانضم الحوثيون إلى المعركة من خلال هجماتهم على السفن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر، لإظهار الدعم للفلسطينيين من جانب، ولردع الولايات المتحدة وإسرائيل عن توسيع الحرب إلى لبنان، من جانب آخر.
وبذلك شارك جميع أعضاء محور المقاومة في حرب غزة، وبالتالي فهم متورطون في نظر إسرائيل والولايات المتحدة، ما أدى إلى تعزيز الروابط بين حركات المحور، التي باتت تعتمد على بعضها البعض وعلى منع تحقيق نصر إسرائيلي واضح في غزة، لأنه إذا انتصرت إسرائيل، فمن المرجح أن تحول انتباهها إلى أعضاء آخرين في المحور، بدءاً بحزب الله وانتهاءً بإيران.
الحروب الإعلامية
وكانت الكاميرات في "طوفان الأقصى" لا تقل أهمية عن الأسلحة، فباستخدام كاميرات "جو برو GoPro"، المثبتة على رؤوس المسلحين والطائرات المسيرة لتسجيل خروقات الجدار الأمني الإسرائيلي، بدأت حماس في نشر مقاطع فيديو جاهزة لوسائل التواصل الاجتماعي في غضون ساعات من الهجوم، وسيطرت على السرد الخاص بالأحداث منذ البداية.
وظلت حماس تتمتع بنفس القدر من الذكاء الإعلامي منذ ذلك الحين، فعلى سبيل المثال أطلقت الحركة، خلال وقف إطلاق النار المؤقت وتبادل الأسرى في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سراح أسراها الإسرائيليين في وسط مدينة غزة، وكانت الكاميرات جاهزة لالتقاط ابتساماتهم ومصافحاتهم مع آسريهم، ما ساعد حماس على مواجهة روايات السياسيين الإسرائيليين عن الإرهابيين "المتوحشين" و"الحيوانات البشرية".
وبات الرأي العام في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، والجنوب العالمي، بل وحتى الغرب، ينظر إلى الصراع باعتباره نتيجة لاحتلال دام عقوداً من الزمن وليس رداً على "الإرهاب الإسلامي" كما تروج الرواية الإسرائيلية، ما يؤكد ضمنيًا صحة نظرة المحور المناهضة للاستعمار، ويساعد في جعل حركاته أكثر شعبية في جميع أنحاء المنطقة.
ويأمل المحور أن تزداد شعبيته العالمية، فلأول مرة منذ عقود أصبحت القضية الفلسطينية بارزة دوليا، وهو ما يعتبره قادة المحور نعمة، إذ يؤدي صعود القضية إلى عزل إسرائيل والولايات المتحدة وزيادة الانتقادات العالمية للاستعمار الاستيطاني والاحتلال والفصل العنصري.
ويرحب قادة المحور بالمواجهة مع الغرب بينما تكتسب الأفكار المناهضة للغرب اهتماماً جديداً، ولتحقيق هذه الغاية وضعوا هذه الأفكار في قلب رسائلهم، فقد اختفت المصطلحات الدينية الغامضة التي كانت لفترة طويلة عنصرًا أساسيًا في خطاب إيران وحزب الله؛ وحلت محلها كلمات وعبارات مألوفة من أدبيات حقوق الإنسان والقانون الدولي.
كما نشر الحوثيون مقطع فيديو باللغة الإنجليزية عبر منصات التواصل الاجتماعي يعلنون فيه أن عملياتهم "تتقيد بأحكام المادة الأولى من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".
وتنص هذه المادة على أن جميع الأطراف في الاتفاقية ملزمة بمنع حدوث الإبادة الجماعية ومعاقبة المسؤولين عن ارتكابها. وينتهي الفيديو برسالة: "يتوقف الحصار عندما تتوقف الإبادة الجماعية".
اقرأ أيضاً
عقب عودته من سوريا.. عبداللهيان: إيران لن تتخلى عن محور المقاومة
وطوال الأشهر الثلاثة الماضية، اكتسب الحوثيون، على وجه الخصوص، قاعدة جماهيرية عالمية بين قطاعات الجيل الشاب، مع انتشار مقاطع الفيديو الخاصة بهم على "تيك توك"، فالمحور يقاتل إسرائيل والولايات المتحدة ليس فقط في ساحات القتال بالشرق الأوسط ولكن أيضًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي لكسب الرأي العام العالمي.
وتشير تصريحات نصر الله والمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، إلى أن قادة المحور ينظرون إلى الرأي العام الدولي باعتباره "الجائزة الاستراتيجية الأهم على المدى الطويل"، ويعلمون أنهم لا يستطيعون هزيمة الولايات المتحدة عسكرياً، ولذلك يأملون في خلق ضغط شعبي كافٍ لإجبار واشنطن على الانسحاب من الشرق الأوسط واحترام سيادة الفلسطينيين. ولهذا السبب احتفل نصر الله بحقيقة أن "إسرائيل يُنظر إليها الآن على أنها دولة إرهابية تقتل الأطفال، وذلك بفضل وسائل التواصل الاجتماعي".
كما احتفل نصر الله بقدرة وسائل التواصل الاجتماعي على نشر الرأي القائل بأن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية، قائلا: "الحرب على غزة هي حرب أمريكية، والقنابل أمريكية، والقرار أمريكي، والعالم يعرف هذا اليوم".
وبالنسبة للمحور، تأتي هذه الحملة الإعلامية في الوقت المناسب، فقد أدركت إيران وحزب الله منذ فترة طويلة أهمية القوة الناعمة، لكنهما لم ينجحا تاريخياً في التأثير عليها، لكنهم أدركوا هذا القصور، وأمضوا العقد الماضي في بناء بنية تحتية إعلامية، قوية وذكية، تعمل الآن بلغات متعددة، لهذا النوع من اللحظات التي تمر بالمنطقة.
وفي هذا الإطار، ينشر محور المقاومة مقاطع فيديو يومية للعمليات في ساحة المعركة، مكتملة بتأثيرات الحركة البطيئة لتسليط الضوء على الضربات المباشرة للجنود الإسرائيليين والمنشآت العسكرية، كما ينشر مقاطع فيديو للحوثيين وهم يرقصون على متن السفن التي تم الاستيلاء عليها في البحر الأحمر.
وتمثل الحملات العسكرية وحملات القوة الناعمة التي دبرها المحور تحديات إقليمية غير مسبوقة للغرب، ولواشنطن على وجه الخصوص، حسبما يرى نصر وباجوغلي، وهو ما عبرا عنه بالقول: "إذا لم تنته الحرب في غزة قريباً، ولم يتم تأسيس طريق واضح للتوصل إلى تسوية عادلة للفلسطينيين، فإن الولايات المتحدة ستواجه منطقة ستتشكل سياساتها على نحو متزايد بفعل الغضب الذي يجتاح قطاع غزة".
وأضاف أن توسع الصراع إلى ما هو أبعد من غزة، أو من قبل إسرائيل في لبنان أو من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في اليمن، لن يؤدي إلا إلى تغذية هذا الغضب وزيادة تأجيج الرأي العام، وترسيخ نفوذ محور المقاومة، ولا يمكن لواشنطن أن تعكس هذا الاتجاه إلا من خلال التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة ومن ثم تشكيل عملية سلام ذات مصداقية تؤدي إلى تسوية نهائية للقضية الفلسطينية.
ويخلص الخبيران إلى أن الحرب أعطت لمحور المقاومة أكبر فرصة لشن هجوم عسكري وإعلامي على الغرب، وفرض نفسه في المنطقة من خلال أسلحته وجنوده، وعلى المستوى العالمي من خلال رسالته.
وعليه فإن الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية غيرت منطقة الشرق الأوسط، فقد نشأ غضب شعبي هائل، وقد يؤدي العداء تجاه الغرب إلى إشعال شرارة "تطرف جديد وعدم استقرار سياسي"، بحسب نصر وباجوغلي.
اما بالنسبة لحكام المنطقة، فقد غيرت الحرب الافتراضات الأساسية بشأن أمنهم وعلاقاتهم مع الغرب حتى بالنسبة للحلفاء منهم، إذ لا تستطيع الولايات المتحدة تفكيك محور المقاومة بسهولة ولا هزيمة الأفكار التي ولدته، والسبيل الوحيد لإبعاد الريح عن أشرعة المحور هو إنهاء الحرب في غزة والتفاوض على تسوية حقيقية وعادلة للقضية الفلسطينية.
وما لم يتم ذلك، فإن المحور سيكون واقعاً إقليمياً سيتعين على الولايات المتحدة مواجهته لسنوات عديدة قادمة.
اقرأ أيضاً
حزب الله يهدد إسرائيل: محور المقاومة مستعد للمواجهة في كل الساحات
المصدر | ولي نصر ونرجس باجوغلي/فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إيران حزب الله حماس محور المقاومة إسرائيل حيفا لبنان طوفان الأقصى غزة أکتوبر تشرین الأول التواصل الاجتماعی الشیعیة فی العراق الولایات المتحدة محور المقاومة العراق وسوریا الشرق الأوسط البحر الأحمر الرأی العام إسرائیل فی اقرأ أیضا الحرب فی من خلال وهو ما إلا أن
إقرأ أيضاً:
إستراتيجية محور المقاومة بعد التهدئة.. استخلاص الدروس وإعادة البناء
طهران- منذ دخول اتفاق التهدئة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس حيز التنفيذ في قطاع غزة، برزت تساؤلات لدى الأوساط الإيرانية حول دور طهران في معركة طوفان الأقصى، والدروس المستفادة منها، وإستراتيجية محور المقاومة في اليوم التالي للحرب؟.
وتسعى الجزيرة نت في هذا التقرير، للرد على هذه الأسئلة وغيرها بعرضها على خبراء سياسيين وعسكريين ودبلوماسيين إيرانيين سابقين، يجمعون على انتصار المقاومة في الجولة الأخيرة من الصراع مع العدو الإسرائيلي، ويقدمون تصورا لضرورة اتخاذ فصائل المقاومة خطوات لا بد منها عقب وقف إطلاق النار بشكل نهائي.
كيف تنظر الأوساط الإيرانية إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة؟يعتقد الباحث العسكري الإيراني علي عبدي، أنه "لا يمكن النظر إلى نزول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من فوق شجرة الحرب التي استمرت أكثر من 15 شهرا إلا في إطار الهزيمة التي مُني بها".
وبرأي عبدي، ثمة عناصر تحدد الجهة المنتصرة في النزاعات، لعل أبرزها:
مدى تحقيق الأهداف المعلنة. وتحييد العدو أو قدراته من الساحة. وأخيرا، التحكم بمجريات الصراع والسيطرة على ساحات النزال. "وهذا ما عجزت تل أبيب عن تحقيقه" بحسب عبدي.وفي حديثه للجزيرة نت، يقول عبدي إنه فضلا عن إحياء القضية الفلسطينية جراء عملية طوفان الأقصى وتعاطف الرأي العام العالمي مع الفلسطينيين وضغطه على الأنظمة السياسية بضرورة دعم إقامة الدولة الفلسطينية، فإن الجبهة الداخلية الإسرائيلية في اليوم التالي للوقف الكامل للعمليات العسكرية في غزة لن تعود إلى ما كانت عليه قبيل أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.
إعلانوبرأي الباحث العسكري، فإن صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان وعدم تخليه عن دعم المقاومة الفلسطينية في غزة كان سببا رئيسا في إفشال مخططات تل أبيب الرامية إلى القضاء على فصائل المقاومة المسلحة وتحييد التنظيم الإداري والسياسي لحركة حماس.
مؤكدا أن "مناورة شرطة حماس وإدارتها لملف تبادل الأسرى عقب دخول الهدنة حيز التنفيذ كانت مباغتة من العيار الثقيل بالنسبة للحرب النفسية التي طالما سوقت لها حكومة نتنياهو للاستهلاك الداخلي واستعراض قوتها في الإعلام".
وتابع أن دخول فصائل المقاومة على خط العمليات الإسنادية لغزة حال دون استفراد العدو الإسرائيلي بالقطاع المحاصر، وأربك مخططات حلفائه الغربيين لا سيما في البحر الأحمر، مما أقنع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بأن إسرائيل غير قادرة على القضاء على حماس. وبالتالي لابد من الضغط على تل أبيب للقبول بالهدنة، على أمل تعويض الخسارة العسكرية بمناورة سياسية تديرها واشنطن لتطبيع المزيد من الدول العربية مع تل أبيب خلال المرحلة المقبلة.
ما أسباب إطالة أمد الحرب الأخيرة على غزة؟
"رؤية إسرائيل حيال غزة وما أرادت تحقيقه بذريعة مهاجمتها فجر السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 تعتبر سببا رئيسيا لاستمرار الحرب على مدى نحو 15 شهرا" وفق الباحث العسكري علي عبدي، الذي أوضح أن تل أبيب رأت في نتائج عملية طوفان الأقصى "معركة وجودية" تفضي إلى وضع "كيان الاحتلال" على سكة الضعف والزوال أو القضاء على أعدائه اللدودين، فقررت مواصلتها حتى تحييد غالبية التحديات الماثلة أمام أمنها القومي من دون جدوی.
ويضيف المتحدث نفسه، أن القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ترى في وجود إسرائيل "قاعدة وأرضية لمواصلة الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط"، ما برر لها أن تمده بشتى أنواع الدعم التسلحي والمادي والأمني، حيث أسهمت في إطالة أمد العدوان.
إعلان ما الدور الذي لعبته طهران في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة؟يصف السفير الإيراني السابق في النرويج وسريلانكا وهنغاريا، عبد الرضا فرجي راد، بلاده بأنها "الغائب الحاضر" في جميع محطات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وذلك في إطار سياستها المبدئية الداعمة للقضية الفلسطينية.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح الدبلوماسي الإيراني السابق أن طهران أخذت على عاتقها أدوارا مختلفة لدعم غزة، بدءا من تفعيل أوراقها للضغط العسكري على إسرائيل وحلفائها الغربيين في سياق "وحدة الساحات" وصولا لتنشيط دبلوماسيتها لوقف العدوان من جهة ومنع تشريد أهالي غزة إلى خارج القطاع من جهة أخرى.
ولدى إشارته إلى إطلاق بلاده الصواريخ والمسيرات باتجاه الأراضي المحتلة دعما للمقاومة في لبنان وغزة، يضيف فرجي راد أن طهران قدمت ما بوسعها من الدعم المناسب لحلفائها مما قد لا يمكن الكشف عنه بما فيه الدعم الأمني والاستشاري.
عناصر الحشد الشعبي تضرم النيران قرب السفارة الأميركية ببغداد لإدانة الضربات الجوية على قواعدهم (رويترز) ما مسوغات التحرك الإيراني لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان وإشهارها الضوء الأخضر للحشد الشعبي العراقي بتجميد عملياته ضد إسرائيل؟يذكّر فرجي راد بأن منع إسرائيل من تحقيق أهدافها في غزة لا يعني أن حلفاء إيران لم يتلقوا ضربات موجعة خلال أكثر من عام من الحرب، مستدركا أن طهران عملت من أجل وقف إطلاق النار في غزة منذ الساعات الأولى للعدوان الأخير على القطاع تفاديا لسقوط ضحايا بين المدنيين العزل.
وأرجع الدبلوماسي الإيراني السابق السبب الآخر لدفع طهران باتجاه وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، إلى إنقاذ حلفائها وقدراتهم البشرية والعسكرية من آلة الدمار الإسرائيلية ومنحهم الفرصة اللازمة لاستعادة قوتهم.
أما عن إظهار طهران الضوء الأخضر للحشد الشعبي العراقي من أجل الانصياع لإرادة الدولة العراقية، فيعزو المتحدث نفسه السبب إلى تزايد الضغوط الدولية على بغداد وتفويت الفرصة على العدو الإسرائيلي وحلفائه الغربيين الذين يمَنون أنفسهم بالعبث في الأمن العراقي بذريعة استمرار إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه الأراضي المحتلة.
إعلان ما هي إستراتيجية محور المقاومة بعد وقف العدوان في المنطقة؟يعتقد الباحث الإيراني في الشؤون الإسرائيلية مجيد صفا تاج، أن معركة طوفان الأقصی ورغم آلامها للشعب الفلسطيني في غزة فإنها حشرت كيان الاحتلال الإسرائيلي في الزاوية ووضعته في أسوأ حالاته خلال العقود الأخيرة، مؤكدا أنه لا بد من توظيف مكتسبات عملية طوفان الأقصى في الإستراتيجية التي ستعتمدها المقاومة في اليوم التالي للهدنة.
وأوضح صفا تاج، أن مجريات معركة طوفان الأقصى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وصولا إلى قبول الاحتلال بشروط حركة حماس لوقف إطلاق النار وضعت العدو الإسرائيلي أمام ضعفه وهشاشة أجهزته الاستخبارية التي عجزت عن التنبؤ بالمعركة ثم تحرير الأسرى وكسرت هيبة قواته البرية وأفشلت مخططاته الرامية للدمج في نسيج الشرق الأوسط.
ورأى الباحث الإيراني، أن إستراتيجية محور المقاومة "ستركز على إعادة بناء قدرات فصائله خلال المرحلة المقبلة وإعادة صياغة معادلات القوة وقواعد الاشتباك، مستفيدة من التجارب التي اكتسبها خلال الجولة الأخيرة من الصراع مع الحرص على إبقاء البوصلة ثابتة نحو القدس".
وأشار إلى أن إسرائيل دشّنت مرحلة جديدة من الصراع بشنها حربا إلكترونية على المقاومة وجمهورها في لبنان واستعانتها بالذكاء الاصطناعي لتدمير غزة، مضيفا أن إستراتيجية المقاومة خلال المرحلة المقبلة ستأخذ جميع الدروس المستفادة من معركة طوفان الأقصى ومنها تعزيز القدرات السيبرانية والإلكترونية والأمنية.
ما الدروس التي استفادتها إيران من حرب غزة؟يقول صفا تاج، إن إيران دشنت لأول مرة إستراتيجية "وحدة الساحات" في مواجهة الكيان الإسرائيلي ودعم أهالي غزة ومقاومتها. مضيفا أنه مما لا شك فيه فإنها ستقوم بتقييم نجاعة هذا الخيار والعمل على تعزيزه أو تعديله وفقا لمدى تحقيقه الأهداف المرسومة له.
ويضيف الباحث الإيراني، أن معركة طوفان الأقصى أفضت إلى أول مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب وبرهنت عن ضعف الدفاعات الجوية الإسرائيلية وكشفت عن مدى نجاعة الأسلحة الإيرانية في اختراق أحدث الدفاعات الجوية الغربية. مستدركا أن طهران ستأخذ الدروس المستفادة من تصدي دفاعاتها الجوية للهجوم الإسرائيلي علی أراضيها بعين الاعتبار، وستعمل على تعزيزها ورفع قدراتها الردعية.
إعلانوأشار إلى الاغتيالات الإسرائيلية التي طالت عددا من القيادات السياسية والعسكرية لفصائل المقاومة المتحالفة مع الجمهورية الإسلامية، مشددا على ضرورة تعزيز الأجهزة الأمنية لدى الفصائل خلال المرحلة المقبلة.
وخلص صفا تاج إلى أن معركة تحرير الأقصى المبارك ليست محطة وإنما مسار طويل يتطلب ثباتا وإرادة صلبة في مجابهة التحديات المستحدثة، مؤكدا أن بلاده ستعكف على استخلاص الدروس من الحرب الأخيرة على غزة ومعالجة عناصر الضعف وتعزيز قدرات المشروع المقاوم.