السودان.. اقتتال الجنرالات مأساة المدنيين
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
منذ ربيع عام 2023، ومع اندلاع الصراع على السلطة في السودان، بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع فر نحو 1.8 مليون شخص إلى دول الجوار، ووفقا لأرقام أممية ينتمي ثلث هؤلاء لإقليم دارفور غربي البلاد.
كثيرون منهم عانوا رحلة نزوح محفوفة بالموت. وقالت تقارير صحفية إن نزوح سكان دارفور هو للهروب مما وصف بالإبادة التي تتهم قوات الدعم السريع بتنفيذها ضدهم، بسبب انتمائهم لعرقيات غير عربية.
الطريق الطويل ينتهي بهم إلى مخيمات لجوء، ومنها في الجارة تشاد لتتصاعد ظروف إنسانية صعبة.
في هذا التحقيق من "الحرة تتحرى" نبحث في خلفيات العنف الذي شهده إقليم دارفور، وتسبب بمقتل آلاف الأشخاص على أساس عرقي.
Sorry, but your browser cannot support embedded video of this type, you can download this video to view it offline.
عبد المنعم عبدالله ـ لاجئ سوداني في تشاد قال إن "التحرك كان صعبا جدا والسكان كلهم فارون، والأمر المؤسف أن زوجتي كانت حبلى في شهرها الثالث لكن حصلت حالات اعتداء جنسي، وكانت زوجتي ضمن الضحايا تعرضت للعنف وأجهضت".
وينقل تقرير لوكالة رويترز عن عشرات شهود العيان الذين قالوا إن المذبحة في دارفور نتجت "عن هجمات على قبيلة المدينة ذات الأغلبية العرقية الإفريقية، من جانب قوات الدعم السريع السودانية وهي قوة شبه عسكرية، تتكون إلى حد كبير من مجموعات عربية إضافة الى الميليشيات العربية المتحالفة معها والمعروفة بالجنجويد".
محمد عثمان، باحث ملف السودان بمنظمة هيومان رايتس ووتش، قال "في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، لم نجد دلائل كثيرة، على أنه كانت اشتباكات بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، بمثل ما نشاهده في أماكن مختلفة من السودان، قوات الدعم السريع والقبائل العربية المتحالفة معها، أثبتت بشكل تام استهدافهم، على أساس الإثنية والعرق، لقبيلة المساليت تحديدا".
شهادات مروعةودخلت "الحرة تتحرى" لمخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد، حيث تواصلت مع ضحايا وناجين من أحداث قتل وعنف واغتصاب.
سهى وهو (اسم مستعار) لضحية اغتصاب تقول "كنت في البيت في محلية كرينك، حاصروني في البيت، ربطوني، وطارد أفراد الدعم السريع أطفالي الثلاثة، واغتصبوني".
وتضيف "بعدها حرقوا بيتي، انقطعت عني الدورة الشهرية لشهرين، كنت خائفة بشدة ولم أقل لزوجي فلو صارحته قد يذهب لقتالهم ويموت ويتيتم أطفالي".
في منتصف أبريل من 2023 امتدت معارك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لإقليم دارفور بولاياته الخمس، حيث سعى طيران الجيش لاستهداف تجمعات خصمه في نيالا ما أدى لسقوط قتلى بين المدنيين.
وأفاد تقرير لمرصد حرب السودان "قتل 40 شخصا على الأقل في غارة جوية شنتها القوات المسلحة السودانية على مدينة نيالا حاضرة جنوب دارفور..".
لكن تفوق الدعم السريع في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور أجبر الجيش على التزام معسكراته هناك.
ويقول الباحث بهيومان رايتس ووتش عثمان "فورا تحول هذا الأمر، إلى اعتداء من قبل قوات الدعم السريع والمجموعات العربية ضد منازل المدنيين. تم تدمير عدد كبير جدا من مراكز الإيواء للنازحين بالولاية نفسها".
الهجمات المنسوبة لقوات الدعم السريع والقبائل المتحالفة معها وثقتها صور أقمار صناعية، ووفقا لبيانات وكالة ناسا لأبحاث الفضاء عبر منصة FIRMS المخصصة لرصد الحرائق النشطة، حيث تحول قلب مدينة الجنينة لكتلة نار بنهاية أبريل الماضي، وتم محو بلدات وأحياء بأكملها في دارفور خلال فترات لاحقة.
دارفور.. عدد الضحايا الحقيقي مجهولمديرة مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان في السودان، جيليان كيتلي تقول "لقد أجرينا الكثير من المقابلات مع النازحين من الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور وبناء على إفادات شهود عيان علمنا أن عددا من الجثث، ربما يقدر بمئات قد تم إخراجها من المدينة ودفنها في مقبرة جماعية بتعليمات من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، ويعتقد أن معظم القتلى من قبيلة المساليت".
فيما لا يعرف العدد الحقيقي للضحايا المدنيين نظرا للقيود المفروضة على شركاء المفوضية في مجال الحماية تفيد التقارير الواردة إليهم بأن 3900 شخص ربما قتلوا، كما جرح 8400 آخرين بين منتصف أبريل ونهاية أغسطس 2023، حيث تشير تقارير إلى أن القتلى استهدفوا على أساس العرق أو انتماءات أخرى.
وتشير كيتلي إلى أن "التهجير القسري للسكان من المدن، وتدمير التجمعات والقتل العمد لمئات الأشخاص جعلنا نشعر بقلق بالغ إزاء ما حدث في غرب دارفور، وخاصة مع تشابه أنماط هذه الهجمات مع تلك التي وقعت ضد المدنيين على أساس عرقي في الفترة بين عامي 2003 و2005".
ومطلع 2003 شهد إقليم دارفور تمردا مسلحا، من حركات من عرقيات إفريقية خرجت على نظام الرئيس السابق عمر البشير بسبب الاستياء من تهميش نظام الخرطوم لهم.
وقال تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش إن "مصطلحي إفريقي وعربي، استخدم خلال الصراع في دارفور منذ بدايته عام 2003، بواسطة قبائل الزغاوة والفور والمساليت لوصف الاستقطاب العنصري والعرقي المتزايد في الإقليم، والذي ينظر إليه كنتيجة للتمييز وللتحيز ضدهم من الحكومة المركزية".
الكاتب والمحلل السياسي السوداني، محمد الفاتح يقول إن "حركات الكفاح المسلح، وحركات التمرد في دارفور، أدت إلى اضطراب إقليم دارفور اضطرابا كبير جدا، وبدأت أشهر معركة، قامت بها هذه الحركات المسلحة، معركة الفاشر في 2003، هذا الحادث أدى إلى ضرورة التعامل مع قوة تكون حركتها سريعة تعرف تضاريس المنطقة".
ولوأد التمرد لم يعتمد الرئيس حينها على الجيش النظامي وإنما استحدث قوات بديلة، ويقول رئيس تحرير صحيفة "السوداني"، محمد عطاف إن "الجيش لم يرد الحرب في دارفور، لذلك لم يكن هناك تدخل بري كبير، لاعتبارات كثيرة جدا. الحركات المسلحة ضربت كثيرا من الحاميات، فتم تجنيد القبائل العربية، ما يعرف بالجنجويد".
ويذكر الفاتح "الجنجويد هو جن يركب جوادا، على حصان يحمل سلاحا، ولذلك ظهرت كلمة الجنجويد، وهو مصطلح غير محبب لأهل دارفور، يعني هو ليس مصطلح للشجاعة والفروسية، إنما هو مصطلح للنهب والسلب، وما إلى ذلك".
واتهمت مليشيا الجنجويد بالمسؤولية عما وصفته الحكومة الأميركية بالإبادة الجماعية الأولى في القرن الحادي والعشرين، وأفاد تقرير مكتب المساءلة الحكومي الأميركي أن "وزارة الخارجية الأميركية ذكرت أن ما مجموعه 98 ألفا إلى 181 ألف شخص لقوا حتفهم في الفترة ما بين مارس 2003 ويناير 2005"، فيما تشير تقديرات إلى مقتل 400 ألف شخص.
وفتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا عام 2005 وفي أوائل عام 2009 أصبح الرئيس المخلوع البشير أول رئيس دولة تصدر بحقه مذكرة اعتقال، ورغم الملاحقة الدولية أسس الرئيس السوداني في عام 2013 قوات الدعم السريع من رحم الجنجويد برئاسة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي.
Sorry, but your browser cannot support embedded video of this type, you can download this video to view it offline.
ويشير الكاتب عطاف إلى أن "حميدتي كان أحد أولئك القادة، هو قائد قبلي بامتياز، يعرف عنه القتال الضاري في تلك المناطق، استفاد من نظام البشير، إذا كان في الذهب، أو جبال الذهب التي كان يخرج منها الذهب بدون حسيب أو رقيب، ودون أن تعود إلى ريع البلاد".
وتحت عباءة الرئيس، سيطر حميدتي في عام 2017 على جبل عامر أحد أبرز مناجم الذهب في إقليم دارفور، ورغم تلك المكاسب تخلى حميدتي عن البشير حين واجه الرئيس ثورة شعبية بنهايات عام 2018.
وبعد أربع سنوات من سقوط الرئيس اندلع الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، فتصاعدت أهمية دارفور أكثر وأكثر بالنسبة لحميدتي.
وأفاد تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست أن "قوات الدعم السريع تسيطر على حقول الذهب غربي البلاد، والحدود الصحراوية سهلة الاختراق والتي تؤدي إلى مخيمات اللاجئين في تشاد وأسواق الأسلحة في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، كما أنها توسع سيطرتها ببطء على خط أنابيب النفط، الذي يمتد من جنوب السودان إلى البحر الأحمر".
لاستمرار ذلك الرافد، مارست قوات الدعم السريع سياسة العصا والجزرة، فبينما بدأت سلسلة عنف ضد القبائل غير العربية في الإقليم استمالهم حميدتي، بدعوة الجنرال خميس أبكر والي غرب دارفور، وأحد زعماء قبيلة المساليت إلى تحالف ضد الجيش السوداني.
ويقول صالح أرباب سليمان وهو قيادي من قبيلة المساليت بغرب دارفور "حصلت زيارات كثيرة جدا لقائد قوات الدعم السريع فظن أن الجنرال في صفه، وأن ولاية غرب دارفور ستكون معقلا أو معبرا".
وأضاف "لكننا رفضنا كإدارة أهلية، فمليشيات الدعم السريع والقبائل المتحالفة معها هي نفس المكونات المسؤولة عما مجازر 2003 ولكن بمسميات مختلفة".
انتهى الأمر بمقتل الوالي واتهمت تقارير أممية وحقوقية الدعم السريع بالمسؤولية عنه، بعدها تصاعدت وتيرة الانتهاكات بحق أبناء قبيلته المساليت بشكل لافت.
ماذا فعلت قوات الدعم السريع في دارفور؟وتنفي قوات الدعم السريع الاتهامات بحثها، وتصر على نفي أي تجاوزات ارتكبها أفرادها.
المستشار الإعلامي لقائد قوات الدعم السريع، أحمد عابدين قال "بعد المعركة تحصل مراجعات ويحصل التمام، وفي كل المعارك، يقيم الجانب العسكري فيها، والجانب الإنساني، وعدد الأسرى وعدد القتلى، قواتنا بما استطاعت، تدفن قتلى العدو وتعالج الأسرى، حقيقة نتعامل بشكل راقي".
تحرك فريق التصوير المحلي شرقا من العاصمة التشادية نجامينا، ولمسافة تعدت 800 كيلومتر باتجاه مخيمات لاجئي دارفور في مدينتي أدري وأورانق القريبتين من الحدود السودانية، التقوا بشهود عيان للوقوف على حقيقة ما حدث.
أبكر إسماعيل، لاجئ سوداني في تشاد يقول "كنت أسكن في أحد مراكز الإيواء بالجنينة. تم الاعتداء علينا مرتين. في المرة الأولى قتل ابني الكبير ضمن قتلى كثيرين من الشباب، وأنا كنت بين الجرحي التهبت ساقي ونحفت فتم بترها، الدعم السريع هم من قتلوا ونهبوا وحرقوا".
خلال الأيام الأولى من القتال أحصت الأمم المتحدة 96 قتيلا من القبائل غير العربية، لكن بعد مقتل والي غرب دارفور خميس أبكر خرج العنف عن السيطرة.
فضيلة أبكر، لاجئة سودانية في تشاد قالت "كنت ضمن النازحين في مخيم هاشاب، المجاور لمعسكر الدعم السريع، وفي يوم مقتل الوالي، هاجمونا وقتلوا زوجي، وضربوني برصاصة في ساقي، ورغم إصابتي هربت لأدري في تشاد، لأنجو بأطفالي وهناك تم نقلي لمستشفى في مدينة أخرى وبتروا ساقي لأن وضعها ساء بسبب الإصابة".
وتنتشر حالات بتر الأطراف بين مصابي أحداث العنف في دارفور، فالنجاة بالنسبة لهم وقتها كانت أهم من تلقي العلاج الذي لم يكن متاحا بالأساس.
ويقول آدم خميس وهو لاجئ سوداني في تشاد "أصبحت معاقا ضربني مقاتلون يرتدون زي الدعم السريع وبعضهم في ثياب مدنية، وبسبب غياب العناية الطبية التهب الجرح، كانوا يضربوني وأنا مصاب، حتى أزيل الضمادة لأريهم الإصابة كان وضعا سيئا حتى الأطفال تعرضوا لظروف قاسية".
الاغتصاب "العقاب القاسي"تفيد تقارير أممية بانتشار حالات العنف الجنسي والاغتصاب في السودان عموما، وفي دارفور على وجه الخصوص.
إيمان، التي تنتمي لقبيلة المساليت وتصف نفسها بالناشطة الحقوقية، أخبرتنا أنها كانت توثق انتهاكات الدعم السريع خلال الأسابيع الأولى للحرب، لذا كان عقابها قاسيا.
وقالت إيمان (وهو اسم مستعار) لقد "ضربوني وهددوني وسألوني لمصلحة من أعمل، ولماذا أتواصل مع وسائل الإعلام، وبعدها عذبوني وتم الاعتداء علي جنسيا، اغتصبوني".
والتقى فريق "الحرة تتحرى" في مخيمي أدرى وأورانق بتشاد أخريات من قبائل غير عربية، يتهمن أفرادا من الدعم السريع باغتصابهن على أساس عرقي.
رجاء (اسم مستعار) تقول "دخلت معه والتصقت بالحائط قال لي اجلسي، فقلت له أنا مثل أختك ماذا ستفعل بي؟.. بدأت أبكي وهو لا يستجيب، ضرب طلقة في الهواء، وقال اجلسي، رفضت فضرب طلقة أخرى، وقال إذا لم تجلسي سأقتلك، جلست أبكي خائفة، اعتدى علي وقتها لم أقاوم بسبب انهياري".
الوحدة الحكومية لمكافحة العنف ضد المرأة سجلت 136 ضحية في السودان، منها 120 في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، سليمى إسحاق رئيسة الوحدة الحكومية السودانية لمكافحة العنف ضد المرأة تقول "إن ما تم توثيقه لا يزيد على 2 في المئة من العدد الحقيقي".
وقالت "أي حالات عنف جنسي متصل بالنزاع حدثت في دارفور، هي منسوبة لأشخاص يرتدون زي الدعم السريع، خصوصية الجنينة إن هي انهارت فيها حتى سبل الإبلاغ، حتى 21 حالة التي رصدناها تم رصدها لاحقا، عندما استطاعوا يقطعوا الحدود، ويصلوا تشاد.
ما بعد العبور إلى تشادعبور الحدود إلى تشاد لم ينه معاناة نحو نصف مليون سوداني لجأوا لهذه المخيمات، فالبلد المضيف ليس لديه الإمكانات لاستقبال هذه الأعداد الضخمة من النازحين، وحتى اللحظة لم تلب تبرعات الكيانات المانحة سوى ربع احتياجات هذه المخيمات وساكنيها.
وقالت اللاجئة فضيلة "الإغاثة التي تصلنا غير مستمرة، وأنا اعتمد عليها تماما نظرا لساقي المبتورة ووجود أطفالي اليتامى معي لذلك فالوضع مأساوي للغاية بالنسبة لنا".
ويقول اللاجئي خميس "هناك مصابون لم يتلقوا علاجا جيدا حتى الآن، ومنهم من يعاني من كسور وجروح لم يتم علاجها الوضع مأساوي هنا".
وأوضاع الأطفال في المخيمات سيئة. فوفق تقارير أممية تفشى بينهم سوء التغذية الحاد وأمراض كالحصبة والملاريا.
منظمة أطباء بلا حدود سمحت لفريق "الحرة تتحرى" بدخول مستشفياتها في مخيمات تشاد والتي أعلنت حالة الطوارئ القصوى.
وقالت مسؤولة مستشفى أطباء بلا حدود، بيتريز مارتينيز "لدينا برنامج لتطعيم اللاجئين خاصة الأطفال، بسبب انتشار حالات الحصبة، كما أن سوء التغذية يقلقنا كثيرا، لدينا بالفعل أكثر من 130 طفلا ضمن حالات سوء التغذية الحادة".
وبينما يعاني مئات آلاف الأشخاص من تلك الظروف القاسية أظهرت صور الأقمار الصناعية مطلع نوفمبر الماضي اشتعال الأوضاع مجددا في دارفور، وجاء ذلك رغم إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن فتح تحقيق في اتهامات متعلقة بجرائم إبادة بدارفور، وفرضت الإدارة الأميركية عقوبات طالت الشقيق الأكبر لقائد الدعم السريع".
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان "تفرض وزارة الخزانة عقوبات على القائد البارز لقوات الدعم السريع، عبد الرحيم حمدان دقلو لعلاقته بقوات الدعم السريع التي ارتكب أعضاؤها انتهاكات لحقوق الإنسان، ضد المدنيين في السودان بما في ذلك العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والقتل على أساس العرق".
ويقول الباحث عثمان "في دارفور، غياب المحاسبة والعدالة والإصلاح الأمني للقوات الموجودة، كان من العوامل الرئيسية لاشتعال الجنينة، بشكل مختلف مما تشهده بعض مناطق السودان، للأسف الشديد في الأسابيع الأخيرة هناك معلومات عن أن قوات الدعم السريع تقوم بدفن الأدلة وطمسها تفاديا لأي محاسبة مستقبلية".
ويرهن اللاجئون عودتهم إلى دارفور بمحاسبة من تسببوا في مأساتهم وأجبروهم على النزوح إلى وضع إنساني قاس في مخيمات اللجوء.
ويسود التخوف أن يعيد التاريخ نفسه فيمر عقدان آخران دون إنصاف أو عقاب للجناة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع المتحالفة معها قبیلة المسالیت إقلیم دارفور فی السودان سودانی فی فی دارفور على أساس فی تشاد
إقرأ أيضاً:
حملة الجيش لاصطياد الرؤوس الكبيرة بالدعم السريع.. مَن بعد الجنرال حسين؟
قال مصدر عسكري مطلع في الجيش السوداني للجزيرة إن مسيّرة للجيش السوداني قتلت الاثنين الماضي قائدا كبيرا من قوات الدعم السريع عبر قصف سيارته، وقد أعلن القيادي بقوات الدعم السريع عمر جبريل مقتل اللواء عبد الله حسين قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة.
مقتل الجنرال حسين يأتي في سياق حملة للجيش السوداني استهدفت عددا من قادة الدعم السريع البارزين. وفي التقرير التالي، يسعى المنتج التنفيذي في مكتب الجزيرة بالخرطوم عبد الباقي الظافر إلى تقديم صورة عن حملة الجيش السوداني ضد قيادات الدعم السريع، وعن المستهدف القادم.
كيف انتهت حياة المحارب اللواء حسين؟
يرسم الصحفي عزمي عبد الرازق الساعات الأخيرة للواء عبد الله حسين قائد قوات الدعم بولاية الجزيرة، ويقول إن اللواء حسين كان قد انسحب مع قواته إلى منطقة جياد الصناعية شمالي ولاية الجزيرة عقب سيطرة الجيش على مدينة ود مدني يوم 11 يناير/كانون الثاني الماضي.
ويضيف عبد الرازق أن مجموعة من القوات الخاصة في الجيش قامت بالهجوم على مدينة الكاملين ثم انسحبت، لاستفزاز قوات الدعم السريع المسيطرة على المدينة، ونجحت الإستراتيجية، إذ اندفع اللواء حسين على رأس قوة كبيرة لدفع الأذى عن دفاعاته بمدينة الكاملين، وبالفعل نشر اللواء حسين قواته في أنحاء متفرقة من المدينة، لكنه وجد نفسه وقواته تحت فوهة النيران الكثيفة من قبل الجيش والقوات المساندة له، في حين أكد مصدر في الجيش السوداني للجزيرة نت أن اللواء حسين لقي مصرعه الاثنين الماضي بعد استهدافه بمسيرة عقب تحديد إحداثيات وجوده بشكل دقيق.
لكن من اللواء عبد الله حسين الذي بات عنوانا للأخبار؟ حسين يقدم نفسه في حديث لقناة "الحقيقة" الناطقة باسم قوات الدعم السريع قبل مقتله بالقول إنه سليل أسرة عريقة تولت شؤون العشيرة في بادية دارفور، مما مكنه من الميل للحلول عبر التسويات حتى في الأعمال العسكرية.
إعلانلكن الصحفي يوسف عبد المنان، في حديثه للجزيرة نت، يتتبع حياة الجنرال حسين الذي ولد في منطقة المرعزو القريبة من مدينة عد الفرسان بولاية جنوب دارفور، حيث ينتمي حسين لقبيلة البني هلبة، من كبرى القبائل العربية في دارفور. وحسب عبد المنان، لم يتجاوز حسين في تعليمه المرحلة الابتدائية، وانخرط منذ صباه الباكر في الصراعات المسلحة ذات الطبيعة القبلية في المنطقة، وكان أحد أبرز قادة تنظيم "أم باغة" الذي يتخطى في أعماله السودان ويعبر حدود الدول المجاورة ويرفعون شعار "أم باغة لا جنسية لا بطاقة" كناية عن توجهاتهم العابرة للحدود.
عقب اندلاع الحرب في دارفور عام 2003، يجد حسين الطريق ممهدا لاحتراف الجندية، إذ انضم لسلاح حرس الحدود الذي كان يقوده موسى هلال الذي ساند الجيش في نسخة الحرب الأولى في دارفور.
برز اسم عبد الله حسين في تحقيقات اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق التي شكلها الرئيس المعزول عمر البشير برئاسة الوزير والقاضي السابق دفع الله الحاج يوسف، وحسب عبد المنان، فقد أوصت تلك اللجنة بالتحقيق مع محمد عبد الرحمن -الشهير باسم كوشيب والذي يحاكم حاليا في المحكمة الجنائية في لاهاي- وآخرين كان من ضمنهم عبد الله حسين.
وبما أن نتائج تحقيقات تلك اللجنة قد غطاها الغبار ولم يعمل بها، غاب حسين عن الأنظار لحين تكوين قوات الدعم السريع، التي انضم لها وكانت بداياته حول مضارب أهله، قبيلة بني هلبة ذات الأصول الهلالية في منطقة عد الفرسان، ثم صعد للقمة مستندا على الرافعة القبلية، إذ كانت إستراتيجية قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي الاستقواء بالقبائل المؤثرة، ومنح أبنائها رتبا رفيعة في قواته.
كيف تدرج الجنرال في ميادين المواجهة؟
ارتبط اسم الجنرال عبد الله حسين بعدد من المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بولاية الخرطوم، حيث كان موجودا بشكل مكثف في قيادة القوات التي استهدفت سلاح المدرعات، كما انتقل إلى أم درمان، حيث حاول إسقاط سلاح المهندسين إلا أن مساعيه هنا وهنالك لم تنجح.
إعلانانتقل عبد الله حسين -طبقا لمصادر عسكرية تحدثت للجزيرة نت- إلى قيادة العمليات العسكرية في شمال ولاية الجزيرة، وكانت له وقتها خلافات مع قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة الجنرال أبو عاقلة كيكل، وبعيد انسلاخ كيكل عن الدعم السريع وانضمامه للجيش السوداني، بات الطريق معبدا لأن يصعد حسين في منصب قائد بقوات الدعم السريع ليصبح أحد أبرز القادة الميدانيين لقوات الدعم السريع حتى لقي مصرعه.
ومنذ إعلان قوات الدعم السريع مقتل اللواء حسين، بدأت روايات التشكيك في ولائه تتناثر هنا وهنالك، ومن بين ذلك أنه كان يخطط للانسلاخ عن الدعم السريع والانضمام للجيش، وهي روايات لم تجد لها الجزيرة نت سندا غير كتابات منثورة من غير عنوان في وسائل التواصل الاجتماعي، كما لم تنجح مساعي الجزيرة نت في التواصل مع 4 من قادة الدعم السريع للتعليق على تلك الروايات، وهنا يقول اللواء المتقاعد من جهاز المخابرات المعتصم الحسن للجزيرة نت إن إستراتيجية استهداف الرؤوس الكبيرة من فوائدها بذر بذرة التخوين وسط أفراد مليشيا الدعم السريع.
#السودان.. احتفالات جنود الجيش السوداني بالتقدم في عدة مدن pic.twitter.com/yexJngNaO9
— قناة الجزيرة (@AJArabic) February 5, 2025
من الرؤوس التي قنصها الجيش؟منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل/نيسان 2023، تمكن الجيش من قتل عدد من القادة الميدانيين في قوات الدعم السريع، أبرزهم:
الجنرال على يعقوب قائد قوات الدعم السريع الذي قتل يوم 13 يونيو/حزيران العام الماضي في أثناء العمليات العسكرية بالقرب من مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور. الجنرال عبد المنعم شيريا الذي قتل في السابع من مايو/أيار الماضي في عمليات بشمال كردفان. عبد الرحمن البيشي الذي لقى مصرعه إثر غارة جوية في 20 يوليو/تموز الماضي في مناطق سنار وسط السودان. أحمد مدلل أحد أقارب قائد قوات الدعم السريع الذي قتل يناير/كانون الثاني الماضي. ثم الجنرال رحمة الله مهدي جلحة الذي لقى مصرعه يوم 28 يناير/كانون الثاني الماضي بمناطق شرق النيل بولاية الخرطوم. ثم آخرهم اللواء عبد الله حسين. إعلانواستطاع الجيش السوداني اصطياد قادة آخرين لا تسع القائمة لذكرهم كان يربط بينهم أنهم قادة ميدانيون مؤثرون في عمليات قوات الدعم السريع ولهم ظهور كثيف في المنابر الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
نتوقف عند نظرية استهداف الرؤوس الكبيرة ومدى فاعليتها، وفي هذا الصدد يقول اللواء الحسن إن استهداف الرؤوس الكبيرة تمثل واحدة من إستراتيجيات إضعاف وإنهاك العدو، وقد نجحت في روسيا في تعاملها مع تمرد قوات "فاغنر" كما استخدمتها إسرائيل مع حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين.
يوسف عبد المنان، في حديثه للجزيرة نت، يقول إن نظرية استهداف الرؤوس الكبيرة عمل بها طرفا الحرب منذ اليوم الأول، إذ حاولت مليشيا الدعم السريع تصفية القائد العام للجيش الفريق عبد الفتاح البرهان في داخل القيادة العامة بالخرطوم عبر هجوم موسع. وهنا يتفق اللواء الحسن مع وجهة النظر هذه، ويقول إن الجيش السوداني في الأيام الأولى استهدف قائد القوات المتمردة حميدتي وأصابه قناص جعل مصيره غامضا حتى يوم الناس هذا.
من بقي في قائمة الاستهداف؟
ويفصل الخبير العسكري علي ميرغني قائمة الرؤوس المؤثرة في قوات الدعم السريع، حيث تشمل القائمة الأولى الضباط الذين تخرجوا في الكلية الحربية السودانية، ثم انضموا لقوات الدعم السريع قبل الحرب، ثم آثروا الاستمرار بعد الحرب.
في حين أن القائمة الثانية تشمل الجنرالات الذين لم يتخرجوا في الكليات العسكرية، وهؤلاء حسب ميرغني، ليس لهم ثقل عسكري بسبب افتقارهم إلى القدرة على التخطيط العسكري الجيد، مما أدى لاستنزاف القوات التي تعمل تحت إمرتهم وتحولها إلى جزر معزولة، ومن ثم، يعتقد ميرغني أن تحييد هؤلاء القادة ليس هدفا يسعى له الجيش، بل يحدث عرضا في أثناء العمليات العسكرية.
ويقول اللواء المتقاعد والمتخصص في فض النزاعات الدكتور أمين إسماعيل، للجزيرة نت، إن الجيش السوداني لديه قدرات استخباراتية كبيرة وقدرة على التقاط المحادثات، مما يمكنه من استهداف الرؤوس الكبيرة في الدعم السريع عبر الطيران أو الطيران المسير أو حتى القصف المباشر. ويضيف إسماعيل أن نقص الخبرات لبعض هؤلاء القادة واندفاعهم وعدم التزامهم بقواعد السلامة يجعلهم صيدا سهلا.
إعلانهنالك بعض الخبراء يعتقدون أن الجيش السوداني، ولحاجة في نفس يعقوب، لا يركز في حملة اصطياد الرؤوس الكبيرة على ضباط الدعم السريع المتخرجين في الكلية الحربية السودانية.
ويؤكد ذلك الصحفي يوسف عبد المنان بقوله إن التفاهم مستقبلا في قضايا ذات طبيعة فنية أسهل مع منسوبي الدعم السريع المتخرجين من كليات عسكرية محترفة، في حين ينفي اللواء أمين مجذوب وجود استثناء لأبناء الكلية الحربية، فالقادة المحترفون في صفوف الدعم السريع يعملون خارج الميدان القتالي وتنحصر مهامهم في التخطيط وإدارة الإمداد والتدريب، كما أن بعضهم حوله حراسات بدافع الحماية أو عدم الثقة.
من التالي؟
مع تقدم الجيش في مسارح العمليات وقدرته على تحييد رؤوس كبيرة في قوات الدعم السريع، يصبح السؤال من القائد التالي في قوات الدعم السريع الذي تبحث عنه غرف الجيش المظلمة؟
مصدر عسكري ميداني أكد للجزيرة نت أن سلاح الطيران السوداني كان قاب قوسين أو أدنى من إدراك رأس عبد الرحيم دقلو، الرجل الثاني في قوات الدعم السريع، وذلك في غارة جوية في منطقة مليط بولاية شمال دارفور. ويقدم عبد المنان تفاصيل أكثر للجزيرة نت، وأن كل قادة الدعم السريع باتوا هدفا مشروعا للجيش السوداني عقب تمردهم، وأن عبد الرحيم دقلو يعد صيدا ثمينا للجيش السوداني. وأشار عبد المنان إلى أن دقلو فلت من القتل في هجوم موسع استهدف متحركا عسكريا لقوات الدعم السريع قبل نحو شهر في منطقة مليط أقصى شمال دارفور.
لكن الخبير العسكري والكاتب الصحفي على ميرغني يعتقد -في حديثه للجزيرة نت- أن الجيش لا يخطط لتحييد عبد الرحيم دقلو شخصيا، حتى الآن، وقبل إعلان انهيار قوات الدعم السريع، لأن غيابه في هذا الوقت يؤدي لما سماها ظاهرة الذئاب المنفردة وتشظية الدعم السريع لمجموعات صغيرة تعمل بنظام حرب العصابات.
من جهته، يرى اللواء معتصم الحسن أهمية تغييب القيادات العسكرية من أسرة دقلو، لأن ذلك يصب في خفض الروح المعنوية، ثم انفضاض سائر هذه القوات المتمردة وفقا لتعبيره، لكن ميرغني يرى أن تحييد اللواء عثمان حامد المعروف بـ"عثمان عمليات" المتخرج في الكلية الحربية السودانية أو إقناعه بالانسحاب من الدعم السريع يمكن أن يمثل ضربة قاضية لقوات الدعم السريع باعتبار أن اللواء "عمليات" يملك خبرات قتالية جيدة اكتسبها من خلال خدمته في الجيش وقوات الدعم السريع لاحقا.
وتبدو الحرب في السودان التي بدأت منتصف أبريل/نيسان 2023 في منعطف جديد، خاصة بعد تقدم الجيش السوداني في محاور عديدة للقتال، وكذلك تمكنه من تحييد قيادات ميدانية مؤثرة من صفوف خصمه. وهنا تبدو نظرية تحييد الرؤوس الكبيرة أمام امتحان في السودان لمدى فاعليتها، إذ لم يتم استخدامها في حروب السودان السابقة على نطاق واسع كما في هذه الحرب.
إعلان