أكراد إسطنبول لمن سيصوتون في الانتخابات المحلية؟
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
بعد أن حدّدت الأحزاب التركية المتصارعة على رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى أسماء مرشّحيها لخوض السباق الانتخابي المقرّر في الواحد والثلاثين من مارس/ آذار المقبل، وبدأ كلّ منها الإفصاح عن برنامجه الانتخابي، والقيام بجولات مكثفة على أحياء المدينة ومناطقها التجارية؛ لشرح رؤيته حول مشاكل سكانها وسبل حلها، برز سؤال مهم يتمحور حول أصوات الأكراد المقيمين في إسطنبول، لمن سيذهب الصوت الكردي هذه المرّة؟.
لطالما كانت أصوات الأكراد هي البوصلة التي توجّه سير العملية الانتخابية، والعصا السحرية التي تحسم نتائجها لصالح المرشح الذي تفضله وتختاره، فهي الحصان الرابح الذي يؤمن لفارسه تحقيق الفوز والانتصار على خَصمه مهما بلغت قوته وأيًا كان من يمثله على الساحة السياسية.
حقيقة مؤكدة لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها، ولعلّ ما أفرزته نتائج الانتخابات المحلية التي جرت عام 2019 لخير دليل على صحة هذا الطرح، إذ اختار الأكراد حينذاك الاصطفاف خلف أكرم إمام أوغلو؛ مرشّح "تحالف الأمة" الذي ضمّ أحزاب المعارضة الرئيسة ضد بن علي يلدريم؛ مرشح "تحالف الشعب"، مما أهله للتغلب على خَصمه، وحصد نسبة 54.2% من أصوات الناخبين، مقابل 45% لمنافسه مرشح "تحالف الحكومة".
وهي نسبة لم يكن من الممكن الوصول إليها دون دعم حقيقي من جانب الناخبين الأكراد، الذين أرادوا معاقبة حزب "العدالة والتنمية" لتراجعه عن المضي قدمًا في خُطته الرامية لإنهاء المشكلة الكردية عبر الأطر السياسية، وعودته للتعاطي معها أمنيًا.
إعادة الحساباتوهو الدرس الذي أدركه "العدالة والتنمية" سريعًا، وسعى منذ هذا الوقت إلى إعادة حساباته، وفتح قنوات تواصل جديدة مع العديد من الشخصيات الكردية الفاعلة والمؤثرة سياسيًا وثقافيًا في الأكراد، شخصيات معتدلة في توجهاتها، وفي رؤيتها لحلّ المسألة الكردية، التي تتوافق مع رؤية الدولة لها.
مما يمنح ذلك الأكراد المزيدَ من الحرية للعيش وَفق العادات والتقاليد والموروث الثقافي لهم كقومية، ويؤمّن لهم التواجد بفاعلية داخل المجتمع، بما لا يتناقض مع الحفاظ على الأسس والآليات التي تقوم عليها الدولة التركية، ويحافظ على تماسك وَحدتها الوطنية، ويمنع تفتّت أراضيها بأيّ شكل من الأشكال.
ومن هنا كان تحالفه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة مع حزب "الهدى بار"، الذي يمثل الأكراد المحافظين، الأمر الذي استفادَ منه الطرفان، حيث اقتنص "الهدى بار" مقعدين من المقاعد التي طالما سيطر عليها حزب "الشعوب الديمقراطي"، ودخل البرلمان للمرّة الأولى في تاريخه، بينما حصد "تحالف الشعب" أصوات الأكراد الإسلاميين والمحافظين في المناطق ذات الكثافة السكانية الكردية، مما ساهم في احتفاظه بالأغلبية داخل البرلمان.
وهو التحالف المستمرّ في معركة الانتخابات المحلية، حيث من المتوقع أن يكون له تأثير كبير على نتائجها في ظلّ استمرار الخلاف القائم بين الأحزاب الكردية اليسارية كحزب "الديمقراطية والمساواة"، والأحزاب العِلمانية والقومية كحزبَي "الشعب الجمهوري"، و"الجيد" حول رؤية كل منها لحزب "العمال الكردستاني"، المصنف حزبًا إرهابيًا من جانب الدولة، وعجز هذه الأحزاب المطلق عن إيجاد آلية محدّدة للتعامل معه.
اللعب على كل الحبالحزب "الشعب الجمهوري" يواجه موقفًا صعبًا حاليًا مع الأكراد بعد أن وجّه رئيسه أوزغور أوزيل انتقادات حادَّة للعمال الكردستاني وزعيمه عبدالله أوجلان، رغم ما يبديه شخصيًا من تعاطف شديد مع الأكراد، ويعلن دومًا عن استعداده لحلّ مشاكلهم حال وصول حزبه إلى السلطة في البلاد، ويطالب الحكومة بالإفراج عن السياسيين المعتقلين منهم، وفي مقدّمتهم صلاح الدين دميرتاش الرئيس السابق لحزب "الشعوب الديمقراطي" المتّهم بدعم حزب "العمال الكردستاني"، والتواصل مع عدد من عناصره.
إلا أن محاولات اللعب على كافة الحبال، والسعي للمساس بشخص أوجلان إرضاءً للقوميين الأتراك لضمان أصواتهم في الانتخابات أدّى ذلك إلى رد فعل لم يكن متوقعًا من جانب قيادات الأكراد، الذين أعربوا عن غضبهم، ورفضهم توظيف قضيتهم لتحقيق أهداف حزبية وانتخابية على حساب رموزهم السياسية، الأمر الذي يعني إمكانية تخليهم عن دعم مرشح "الشعب الجمهوري" كرد عملي من جانبهم على محاولات استغلالهم.
ردة الفعل هذه تنذر بإمكانية خَسارة "الشعب الجمهوري" لشريحة لا يستهان بها من أصوات الأكراد، حتى وإن قرر حزب "الديمقراطية والمساواة" تخطي هذا الخلاف والاستمرار في التحالف الانتخابي القائم بينهما منذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما سينتقص من أصوات أكرم إمام أوغلو، وسيصبّ في صالح مرشح "تحالف الشعب" مراد كوروم.
خصومة مع الأكرادأما حزب "الجيد" فقد استطاع الحفاظ على قاعدته التصويتية التي يمثل القوميون غالبيتها من خلال موقفه الرافض للتحالف مع أي حزب يمثل الأكراد على الساحة السياسية، وإعلان دعمه المطلق لتوجهات الحكومة، وآليات تعاطيها مع هذا الملف، الذي يهدد الأمن القومي التركي، وينذر في حال التهاون تجاهه بعواقب وخيمه تهدد الوحدة الترابية للدولة التركية.
وهو الموقف الذي زاد من حجم الخصومة القائمة بين القوميين الأكراد؛ الذين يمثلهم حزب "الديمقراطية والمساواة"، والقوميين الأتراك الداعمين لحزب "الجيد"، مما أغلق الباب تمامًا في وجه أي سيناريوهات انتخابية يمكن طرحها لجمع الطرفين في قائمة واحدة، وحرمان الأخير من أصوات الأكراد على وجه العموم.
لكنه في الوقت نفسه رفع من أسهم حزب "العدالة والتنمية" و"تحالف الشعب" لدى شريحة من القوميين واليساريين الأتراك إلى جانب المحافظين الأكراد، خاصة أن حزب "الحركة القومية"- رغم تعصبه للقومية التركية- إلا أنه لم يعارض انضمام حزب "الهدى بار" الكردي لـ "تحالف الشعب".
تجاهل مصالح الأكرادمواقف أحزاب المعارضة التركيّة المعلنة من الأكراد – وسعيها للاستفادة منهم، لتحقيق انتصارات حزبية وانتخابية- تصبّ في صالحها أكثر مما تفيد الأكراد أنفسهم. كما أن رؤيتها لآليات حل المشكلة الكردية – بغض النظر عما إذا كانت هذه الآليات تتوافق أو تتعارض مع رؤية الأكراد أنفسهم للحل، مع تجاهل وجودهم كأحد أهم المكونات العِرقية للمجتمع التركي، مثلهم في ذلك مثل الأتراك – أحدثت شرخًا عميقًا في علاقات الأحزاب الكردية عمومًا بنظيرتها التركية، خاصة القومية واليسارية منها.
وهذا يشير إلى أننا بصدد مشهد سياسي يختلف تمامًا عما سبقت رؤيتُه عام 2019 عقب انتخابات المحليات الأخيرة، أو ما تم توقعه للمرحلة المقبلة، سواء من جانب المراكز البحثية المختصة أو من خلال استطلاعات الرأي العام التي يجريها العديد من الشركات العاملة في هذا المجال.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الشعب الجمهوری تحالف الشعب من أصوات من جانب
إقرأ أيضاً:
بوادر حرب أهلية في سوريا.. استبعاد الأكراد من "الحوار الوطني" تضع سوريا عند مفترق طرق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أثار استبعاد التنظيمات الكردية من الحوار الوطني السوري، الذي أقيم في فندق روز في العاصمة دمشق، والذي ألقى كلمته الافتتاحية الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، بجانب دعوات تسليم أسلحتهم ردود فعل واسعة النطاق، ما يهدد أمن البلاد، في ظل امتلاك الأكراد في سوريا أذرعًا عسكرية مسلحة تتمثل في قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تناصب تركيا العداء، كون أنقرة تصنفها كمنظمة إرهابية نتيجة ارتباطها بحزب العمال الكردستاني المصنف أيضًا على قوائم الإرهاب في تركيا.
ونقلت صحيفة ذا ناشيونال الناطقة باللغة الإنجليزية عن منظمين للحوار الوطني السوري قولهم إن المؤتمر يأتي قبل تغيير متوقع في حكومة هيئة تحرير الشام، ومع تخفيف الاتحاد الأوروبي للعقوبات المفروضة على سوريا، ووصف الاتحاد الأوروبي ذلك بأنه خطوة "لدعم الانتقال السياسي الشامل في سوريا، والتعافي الاقتصادي السريع، وإعادة الإعمار، والاستقرار".
وبحسب مسئول سوري كبير شارك في المؤتمر الذي استمر ليوم واحد، وحضره أكثر من 600 شخص، وقال إن معظمهم "غير منتمين إلى هيئة تحرير الشام أيديولوجياً أو سياسياً". وأصدرت لجنة مكونة في الغالب من موالين لهيئة تحرير الشام الدعوات للمؤتمر إذ تم استثناء مسئولين أكراد من تلقي تلك الدعوات، كما أشار أحمد الشرع لهم ضمنيًا في حديثه في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، حين ركز على رفضه أن تتولى مجموعة ما أو فصيل ما في سوريا مسئولية تقسيم البلاد.
فأكدت المصادر أن أعضاء الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة لم يشاركوا في الحضور في هذا المؤتمر، وكذلك الزعيم الروحي للطائفة الدرزية حكمت الهجري، الذي رحب بإزاحة الأسد. ودعا الهجري إلى إدارة مدنية شاملة لتحل محل النظام السابق، مما يعني أن الدولة الجديدة يجب أن تكون علمانية.
وقال حسن الدغيم، المتحدث باسم مؤتمر الحوار الوطني السوري، إن المنظمين رفضوا التواصل مع البوابة العسكرية للشعب الكردي والمتمثلة في قوات سوريا الديمقراطية، مضيفًا: "الأكراد جزء من الدولة السورية والمجتمع السوري. نحن نستمع إليهم بشكل مباشر. كما أننا لا نتبع نهج المحاصصة - لا حسب الحزب أو المجموعة الاجتماعية أو الطائفة، لأننا بصراحة رأينا ما فعله ذلك في لبنان والعراق. نحن أرضنا، ونتحدث مع بعضنا البعض كرجال ونساء سوريين، بكل كفاءاتهم وأفكارهم. وإذا اختلفنا، وإذا اجتمعت هذه الآراء، في النهاية سيتم رسم الصورة العامة للمجتمع السوري".
ولم يسفر المؤتمر عن تشكيل لجنة مكلفة بصياغة دستور جديد لسوريا، لكن مجلسا تشريعيا مؤقتا سيتم تشكيله لملء الفراغ الحالي الناجم عن حل البرلمان السوري السابق.
وما يعقد المسألة أن الشرع وعد بتشكيل حكومة انتقالية تعمل على "بناء مؤسسات سورية جديدة" في الفترة التي تسبق الانتخابات الحرة والنزيهة، لكن دون تحديد موعد نهائي، كما لم يذكر الشرع التعددية أو الديمقراطية بشكل مباشر، ولكنه قال إن سوريا سوف "تحكمها الشورى"، وهو شكل من أشكال اتخاذ القرار الجماعي في الإسلام.
يأتي ذلك بعد أيام قليلة من إعلام حكومة هيئة تحرير الشام توصلها لاتفاق لاستيراد النفط والغاز من مناطق تديرها ميليشيا غالبيتها كردية في شرق سوريا، في خطوة تكشف حالة الصراع العرقي والتنافس على الموارد في المنطقة والتي أبقت البلاد مجزأة منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد.
وقال مسئول في إدارة شمال شرقي سوريا، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة، إن الشاحنات بدأت في نقل نحو 5 آلاف برميل يوميا إلى الحكومة المركزية، وأضاف أن النفط سيستخدم في مصفاتي البلاد في محافظة حمص وعلى الساحل، مضيفا أن كمية غير محددة من الغاز ستتدفق قريبا عبر خط الأنابيب في البلاد.
وتواجه المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام وتخضع الآن لسيطرة هيئة تحرير الشام نقصاً حاداً في الكهرباء والمنتجات النفطية المكررة. وكان الوضع أفضل في الشرق بسبب سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على كل إنتاج البلاد من النفط والغاز تقريباً، فضلاً عن أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية، على الرغم من أن البنية التحتية للإنتاج والنقل كانت بحاجة إلى إصلاح منذ ما قبل الحرب الأهلية.
على مدى العقد الماضي، باعت قوات سوريا الديمقراطية النفط لكل من النظام السابق والمناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام والجماعات المتمردة المتحالفة مع تركيا في شمال غرب سوريا. وعلى الرغم من الاقتتال الداخلي، حافظ كل جانب على طرق التهريب التي ساعدت في تمويلهم.
وخلال اليومين الماضيين، طالب عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الحزب إلى إعلان حل نفسه وتسليم أسلحته، في خطوة أثارت قلقًا كبيرًا في الأوساط السياسية، وانقسامًا داخليًا وسط الحزب الكردي الشهير، حيث أكد سياسي كردي أن الحركة لن تسلم أسلحتها طالما أن تنظيم داعش ما يزال موجودًا ونشطا على الأراضي السورية.
ويهيئ إعلان أوجلا الساحة في سوريا لاستمرار تفتيت البلاد في ظل تعهد الرئيس الجديد أحمد الشرع باستعادة السيطرة المركزية على كامل الأراضي السورية، حيث ترى إلهام أحمد القيادية في حزب العمال الكردستاني إنه "من الضروري الاحتفاظ بالأسلحة لأن هناك معركة ضد داعش. وسوف يتعين علينا أيضاً تعزيز قواتنا، لأنه من الواضح أن داعش عادت مؤخراً إلى الظهور بشكل أقوى من ذي قبل في بعض المناطق في سوريا".
وقالت السيدة أحمد، الرئيسة المشاركة للشئون الخارجية في الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إن الأكراد السوريين، الذين يمثلون حوالي 10 في المائة من السكان وعانوا من التمييز تحت حكم بشار الأسد، يشعرون بالإقصاء من عملية الانتقال السياسي التي يقودها حكام دمشق الجدد.
ويقول الدكتور فراس إلياس، أستاذ العلاقات الدولية والباحث بمعهد واشنطن، إن المتتبع لتاريخ حزب العمال الكردستاني وتحديداً منذ عام 1999، يدرك تماماً بأن الحزب لم يعد يهتم بشكل أساسي بالصراع مع أنقرة، بقدر ما إنه بدء يطرح نفسه في سياق إقليمي عام، وأنتج علاقات وثيقة مع إيران، وبدء يفرض الوصاية السياسية على العديد من الجماعات الكردية المسلحة في العراق وسوريا، وبالتالي فإن قيادة الحزب الحالية أو التي جاءت بعد إعتقال أوجلان، قد لا تجد نفسها معنية للالتزام بخطابه الأخير، أو على أقل تقدير التفاعل معه.
وأضاف أن رغم دعوة أوجلان للحزب بحل نفسه وإلقاء السلاح، إلاّ إن السنوات التي قضاها أوجلان في السجن، أنتجت قيادة جديدة للحزب، وجماعات محلية في سوريا والعراق، وبالتالي ليس من المتوقع أن تلتزم هذه الجماعات بخطاب أوجلان، على أقل تقدير دون ضمانات حقيقية من أنقرة، والرئيس أردوغان شخصياً.