حزب الأمة حالة توهان أم تغيير قادم «1- 4»
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
حزب الأمة حالة توهان أم تغيير قادم «1- 4»
زين العابدين صالح عبد الرحمن
رؤية الإمام إلى الوسطية “السياسية” كانت تشغل جل تفكيره
يعتبر حزب الأمة من خلال نتيجة آخر انتخابات ديمقراطية أكبر الأحزاب السودانية بحصوله على “103” دائرة إنتخابية ولكن بعد 34 سنة من آخر انتخابات والتغييرات الديمغرافية التي حدثت في البلاد، وأيضا انتشار رقعة التعليم، والتطور الذي حدث في وسائل الإعلام ثم وسائط الإتصال الاجتماعية، إلى جانب التطورات العسكري والنزوعات والحروب وتكوين الكيانات المسلحة في مناطق نفوذ حزب الأمة التاريخية، سوف تحدث تغييرات جوهرية.
في أول خطاب للإمام الصادق المهدي بالجمعية التأسيسية أشار فيه أن حزب الأمة أصبح يمثل تيار الوسط. هذه المقولة لم تأتي إعطباطا، بل الإمام كان يحدد وجهته الفكرية، بعد ذلك الخطاب توسعت مساحة مصطلح ” الوسطية” أن كان في العمل السياسي أو الرؤية الدينية للقضايا المطروحة. في ذلك الوقت كتبت مقالا كان قد نشر في جريدة السياسة؛ تسألت فيه ما هو المقصود عند الإمام بالوسط هل هو موقع جغرافي من خلال كسب الحزب دوائر انتخابية في المدن و الحضر، أم هو فكر سياسي سوف يشكل المرجعية الفكرية لحزب الأمة، إذا كان تيارا فكريا يجب على الإمام أن لا يجعل على كتفيه إشارتين متناقضتين.. الإمامة التي تجعل الكل يتعاملون معه تعامل الحيران بالسمع و الطاعة. و الثانية الزعيم السياسي الذي يجب أن تتعامل معه عضوية الحزب من خلال ما تنص عليه اللوائح. أن الوسطية تيارا فكريا يؤسس الرؤية و نقدها و الاختلاف معها وفق معايير المنهج النقدي.. تسألت ما هي فكرة الأمام عن النقد و خاصة من عناصر الحزب الذين يجب أن يتعاملوا معه بخاصيتين.
بعد إنقلاب الجبهة الإسلامية على النظام الديمقراطي و خروج الإمام في رحلة” تهتدون” و وصول الإمام القاهرة، اتاحت لي الجلوس فترات طويلة مع الإمام أن كانت تلك جلسات عامة أو خاصة ” ندوات – سمنارات – جلسات حوارية – و جلسات ثقافية – و جلسات فنية عن الحقيبة و تطور الفن في السودان” أن اللقاءات مع زعيم سياسي و مفكر تحتاج من المرء أن يكون أكثر استماعا و طرح للأسئلة من المداخلات. وجدت الإمام رجلا متواضعا بكل ما تحمله هذه المفردة من معاني عظيمة، و مستمع جيد و صدره واسع يقبل، النقد و الحوار. كما وجدت الإمام يرتاح عندما يكون الحوار فكريا أو ثقافيا بعيدا عن تشنجات السياسة. بعد ما وصل الإمام القاهرة أول ندوة عملها كانت في إحدى قاعات الجامعة الأمريكية، و أول ما لفت نظري و جعلني أنتبه بكل حواسي حديثه عن ” التنوع بالفهم العام و التنوع الثقافي في السودان” و قال: الحديث عن التنوع في السودان يجعلنا كسياسيين أن نقف على منبر النقد و ننقد نفسنا بإننا لم ننظر لهذا العامل بصورة جادة في قضايانا السياسية، و يجب علينا نولي القضية أهتماما، و على المثقفين أن يتناولوا القضايا التي يجب أن تكون معضلة للوحدة الوطنية. هذه المحاضرة ذكرتني بخطابه في الجمعية التأسيسية الذي تطرق فيه للوسطية.. قلت لنفسي أن الرجل بالفعل جاد في مشواره نحو الوسطية. و في إحدى الفعاليات كنت جالسا بجواره و سألته لماذا مبادراتك و أرائك لا تجد الحوار الكافي من قبل النخب السياسية و المثقفين؟ قال ماذا تعتقد أنت؟ قلت له أنت زعيم حزب و إمام هل تعتقد الأخرى مؤثرة على الثانية؟ كرر نفس الإجابة ماذا تعتقد أنت؟ قلت له أن المبادرات و أرئك السياسية يجب نقدها و التعليق عليها من عضوية الحزب، هؤلاء هم المناط بهم فتح حوارات حولها و مناقشتها. مادام عضوية الحزب بعيدة عن ذلك، تكون الإمامة لها التأثير الكبير على احجام العضوية من نقد أفكارك، لأنهم لا يستطيعون الخروج من دائرة الحيران إلي دائرة السياسة المفتوحة، و لكل واحدة لها مواصفاتها.
من خلال حواراتي مع الإمام و أيضا مع الدكتور عمر نور الدائم كانت فكرة الوسطية و الانفتاح على المثقفين و حتى النخب السياسية المثقفة تسيطر على جل تفكيرهم. كان الدكتور عمر نور الدائم رجل ذو ذكاء ثاقب، و حضور ذهني، و يمتاز بسرعة البديهة، و رغم الاحترام الذي يفرضه على جالسه، إلا أنه أيضا رجل ساخر ليس بالمعنى المنفر و لكن تلطيفا لجو الحوار، لذلك كانت مكانته كبيرة جدا عند كل قيادات و قاعدة حزب الأمة بمافيهم الإمام و مبارك المهدي. في مقال للإمام في مجلة ” السياسية الدولية العدد 141 يوليو 200 ” قال في تلك المقالة ( أن أحزاب تنقصها شروط مطلوب توافرها لتقوم بدورها اللازم في إنجاح النظام الديمقراطي – أن يكون تكوينها واسعا قوميا و أن يكون عملها مؤسسيا و ديمقراطيا بعض الأحزاب الكبيرة مدركة تماما لهذه النقائص عاملة بجهد للتخلص منها بقدر ما يسمح به الواقع الثقافي و الاجتماعي، و بعضها يعيش واقعه لا تؤرقه هذه التحديات) كان الإمام عنده النية أن يفصل الإمامة عن زعامة الحزب، و كل واحدة عليها أن تنمو في بيئتها الصحيحة. عندما سافرت اسمرا جلست هناك عدد من الجلسات مع شيخ العرب عمر نور الدائم، رجل كما قلت لا تمل الجلوس معه، خاصة عندما يتحدث عن الإدارة الأهلية و مناطق السودان الحضر و الريف فيها، يجذبك بالفعل مثل الشريف زين العابدين الهندي لا تمل الجلسة و فجأة تجد أن الزمن تعدى ثلاث أربعة ساعات. قال لي شيخ العرب أن الصادق عازم تماما بعد سقوط هذا النظام أن يفصل الإمامة عن الزعامة، حتى يعطي عضوية الحزب مساحة واسعة من النقد كما تريدون أيها المثقفون. عرفت أن الإمام أخبره بما قلت. عرفت أن الإمام لا يدس عن شيخ العرب لاشاردة و لا واردة و كذلك شيخ العرب. رحل الإمام بعد الثورة. و دخل الحزب في دوامة الصراع الداخلي. هل غابت الفكرة أم الكل ينتظر فكرة جديدة مغايرة…!؟ نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
الوسومالإمام الصادق المهدي الانتخابات الجمعية التأسيسية السودان القاهرة حزب الأمة القومي زين العابدين صالح عبد الرحمن عمر نور الدائمالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإمام الصادق المهدي الانتخابات الجمعية التأسيسية السودان القاهرة حزب الأمة القومي عضویة الحزب فی السودان حزب الأمة شیخ العرب من خلال أن یکون
إقرأ أيضاً:
أحمد الطيب.. شيخ الأزهر الإمام الزاهد
الإمام الزاهد الورع البسيط، حامل أخلاق العلماء وتواضعهم، تلك الصورة الزهنية التى لاقت رودد فعل كبيرة جدا فى مصر والعالم العربى والإسلامى، بعد المشاهد القادمة من القرنة بالأقصر، مسقط رأس الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، هذا العالم الجليل الذى تلقى العزاء فى وفاة شقيقته الكبرى التى وافتها المنية الأربعاء الماضى. الصور والأخبار والتعليقات المتداولة والقادمة من جنوب الصعيد، تشير لطبيعة وتربية وبيئة رجل أزهرى وسطى مستنير صوفى من قلب صعيد مصر، متمسك بعاداته وتقاليده التى نشأ وتربى عليها، ممسك بمقاليد العلماء والأولياء والشيوخ والأساتذة الذى نهل من علمهم وأخلاقهم وصفاتهم، مستهديا بالقدوة والأسوة الحسنة غارس مكارم الأخلاق وحميد الصفات، سيد الخلق سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم»، معلما للأجيال الحالية والناشئة والقادمة فى مصر والعالم العربى والإسلامى، الذين يرون فى الإمام الأكبر شيخ الأزهر نبراسهم وشيخهم وقدوتهم.
١- قطع الزيارة لأذربيجان والعودة للقاهرةمطلع الأسبوع الماضى تحديدا يوم الإثنين الماضى وصل فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، العاصمة الأذربيجانيَّة «باكو» للمشاركة فى افتتاح الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطاريَّة بشأن تغير المناخ COP٢٩، وذلك لأوَّل مرة فى تاريخ مؤتمرات الأطراف؛ حيث جاءت تلك المشاركة بناءً على دعوة رسميَّة وجهها الرئيس إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان، خلال لقائه فضيلة الإمام الأكبر فى مشيخة الأزهر بالقاهرة فى شهر يونيو من العام الحالى. وكان من المقرر أن يلقى شيخ الأزهر كلمة تتناول موقف الإسلام من قضية الحفاظ على البيئة وأزمة تغير المناخ، وسبل الاستفادة من صوت الدين فى تعزيز دور قادة ورموز الأديان لرفع الوعى بهذه الأزمة والعمل على إيجاد حلولٍ لهذه القضية الخطيرة التى تهدِّد الحياة على سطح الكوكب. يُذكر أن فضيلة الإمام الأكبر قد وقَّع العام الماضى مع عددٍ من قادة ورموز الأديان (وثيقة نداء الضمير: بيان أبوظبى المشترك من أجل المناخ)، قبيل COP٢٨ بدولة الإمارات العربية المتحدة وشارك افتراضيًّا مع قداسة البابا فرنسيس فى تدشين النسخة الأولى من جناح الأديان الذى ينظمه مجلس حكماء المسلمين.
٢- تواضع الإماميوم الأربعاء الموافق ١٣ يونيو، قطع شيخ الأزهر زيارته لأذربيجان بعد لقائه عدد من الرؤساء والزعماء، واعتذر عن جدول أعماله وعاد إلى أرض الوطن لتلقى العزاء فى وفاة شقيقته الكبرى، الحاجة سميحة محمد أحمد الطيب، التى وافتها المنية مساء الثلاثاء.
عاد لقريته البسيطة، وبيته المتواضع، ومضيفته الصغيرة، لاستقبال واجب العزاء فى وفاة شقيقته، وقد توافد عليه لتقديم العزاء جمع كبير من رجال الدولة، والقادة والساسة من داخل مصر وخارجها، فى مشهد بسيط لا يعرف مظاهر الترف أو التباهى أو المفاخرة، فلم يحضر شركات الضيافة، ولم يقم السرادقات الفاخرة، ولم يجلب الكراسى المذهبة، ولا الستائر الذهبية، ولا مكبرات الصوت، ولا المقرئين الذين يقرأون القرآن بآلاف الجنيهات. جاء عزاء الحاجة سميحة محمد أحمد الطيب، الشقيقة الكبرى لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب ليكسر تلك الصورة النمطية وتعيد للأذهان دروسًا فى البساطة والتواضع والرقى، فى زمن أصبح فيه المظهر يغلب الجوهر، كانت الصورة الأكثر تداولا وصخبا هى لفنجان شاى زجاجى بسيط، وضع على طاولة حديدية، يتوسط مشهدا جمع بين الحزن والوقار، وبين البساطة التى تليق بمكانة من يعزى ومن يتقبل العزاء. قُدم الشاى الساخن فى فنجان بسيط لكل من القيادات الأمنية بمحافظة الأقصر، ووزير الأوقاف، ومفتى الديار المصرية، والسفراء، وسفراء الدول، ووفد الإمارات الذى أنابه سمو محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.
ربما كان البعض يتوقع مراسم عزاء فاخرة تليق بمكانة أسرة فضيلة الإمام الأكبر الاجتماعية والدينية، ولكن ما جرى كان أقرب إلى جوهر الحياة البسيطة التى تتماشى مع مبادئ شيخ الأزهر الداعية للزهد والتواضع، فليس من الصعب أن نستشعر رسالة صادقة ومباشرة بأن العبرة ليست فى المظاهر أو الماديات، بل فى صدق المشاعر وعمق الارتباط بالقيم الأصيلة التى تتجاوز البذخ وحدوده. ومن الصور التى تم تداولها وستظل راسخة فى الأذهان وتحمل فيضًا من أدب العلماء، وتعتبر درسا للأجيال هى خروج الإمام الأكبر شيخ الأزهر لسيارة رائد الساحة الجيلانية لتلقى العزاء فى شقيقته حتى لا يكلفه عناء النزول من السيارة ومراعاة لحالته الصحية.
٣- ساحة آل الطيب بالأقصرحيث دفعت الحشود المتوافدة لتقديم واجب العزاء للإمام الأكبر شيخ الأزهر لمد العزاء بساحة الطيب لمدة يومين إضافيين، لإتاحة الفرصة للوافدين على الساحة، التى امتلأت جنبات ساحة الطيب خلال الـ٣ أيام بالمعزين، والمحبين لفضيلة الإمام وآل الطيب.
قبل أكثر من قرن من الزمان وتحديدا فى عام ١٩٠٠ ميلادية، أسس الشيخ أحمد الطيب الحسانى، جد شيخ الأزهر الشريف، ساحة كبيرة على مساحة ٥ قراريط، تتضمن عددا من الغرف لإلقاء دروس العلم بها، وتتكون من ساحتين صغيرتين إحداهما للنساء، تتكون من طابقين الأول لحل مشاكلهن والثانى للصلاة، تزوره كل جمعة نحو ٥٠٠ سيدة، وكان الدافع الأساسى لإنشاء الساحة هو ندرة المدارس وكتاتيب تحفيظ القرآن الكريم فى المدينة الغربية للأقصر، وباتت تعرف بـ«ساحة الطيب»، وتقع الساحة بمنطقة السيول، وسط مدينة القرنة غرب نيل مدينة الأقصر. وباتت الساحة الكبيرة والعريقة ملتقى لأسرة الطيب حيث تقام بها الأفراح والمآتم والعزاءات، إضافة إلى استقبال أهالى القرية فى المناسبات المختلفة، وباتت الساحة مقصدا روحيا لزائرى وساكنى المحافظة من أجانب وكبار المسؤولين والوزراء من مصر ودول العالم، ويشرف على الساحة العائلة ومنهم الشيخ محمد الطيب، شقيق شيخ الأزهر، بينما ينظم الإمام الأكبر بعض الدروس والندوات بها خلال إجازاته، وعكست ساحة الطيب كل تلك المعانى والصور والعبر والدورس التى كانت منارة لغرسها عبر السنين فى عزاء الشقيقة الكبرى لشيخ الأزهر.
٤- الحاجة سميحة الطيب( الكريمة) الحاجة سميحة الطيب، الشقيقة الكبرى للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والتى عُرفت بطيبها وكرمها وعطائها الدائم، وحظيت بمكانة خاصة فى قلوب الجميع، وتوفيت عن عمر يناهز الـ ٩٠ عامًا، بعد صراع مع المرض، وتعرضت الحاجة سميحة الطيب لوعكة صحية منذ حوالى أسبوعين دخلت على إثرها لمستشفى الكرنك الدولى بالأقصر.
وعرفت الحاجة سميحة بين أهالى القرنة بصلاحها وعطائها المستمر ومشاركتها الدائمة فى أعمال الخير، كما كان العديد من السيدات الفقيرات يقصدن بابها فتجزل لهم العطاء. وكانت الحاجة سميحة تحظى بمحبة كبيرة فى قلوب مريدى ومريدات ساحة الطيب التى تعد مقصد الآلاف من أهالى الأقصر والمحافظات المجاورة.