عقب إعلان يوآف جالانت، وزير دفاع جيش الاحتلال، عن انتهاء عملية الاجتياح البرى فى قطاع غزة، بدأ الحديث يتصاعد فى إسرائيل عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والعسكرية فى البلاد بعد 4 شهور من الحرب المتواصلة وتدنى شعبية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث أثرت الحرب على الاقتصاد، إذ توقع البنك المركزى الإسرائيلى تسجيل ميزانية البلاد هذا العام عجزاً يصل إلى 6.

6% فى ظل استمرار وجود العمال فى الخدمة العسكرية وتركهم المصانع، وهو ما دفع جيش الاحتلال لسحب عدة ألوية تابعة له من غزة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد المتعثر الذى كشفت الحرب هشاشته، خاصة أن اقتصاد الاحتلال يرتكز على السياحة والتكنولوجيا ومبيعات الأسلحة.

وقال خبراء إن عملية طوفان الأقصى أصابت الاقتصاد فى مقتل، حيث هرب السياح من إسرائيل وتعطلت التكنولوجيا نتيجة تعثر مرور السفن فى ظل إيقاف الحوثيين عبور السفن، وتدنى مبيعات الأسلحة نتيجة تركيز الجيش فى الحرب على الفصائل، وهو ما ستسعى إسرائيل لعلاجه فى أقرب وقت، ولعل تعطل معونة أمريكية لإسرائيل قيمتها 14.3 مليار دولار نتيجة استمرار العدوان أحد الدوافع الإسرائيلية لإيقاف الحرب فى أسرع وقت، والتى تدخل أيامها الأولى بعد الـ100 وسط ارتفاع أعداد الشهداء الفلسطينيين إلى أكثر من 24 ألفاً أغلبهم من السيدات والأطفال، فيما سحب الجيش الإسرائيلى الفرقة 39 من القطاع بعد ارتفاع أعداد قتلاه إلى أكثر من 520 جندياً، وإعلان إصابة 4000 جندى بإعاقة وسط خسائر فادحة يتكتم الجيش على إعلانها.

«الرقب»: بناء مزيد من الجدران العازلة بين المستوطنات وغزة

وقال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن إسرائيل بعد انتهاء الحرب ستبذل قصارى جهدها لإعادة تسويق حلم الدولة العبرية الموحدة لليهود عبر الإعلانات المختلفة فى وسائل الإعلام الغربية وعلى مواقع التواصل، وعلى أرض الواقع ستعمل على بناء مزيد من الجدران العازلة فوق الأرض وتحتها بين المستوطنات وغزة ورام الله، وتوسيع بناء الملاجئ كخطة احترازية ضد أى هجوم فلسطينى من الفصائل، ولكى ترمم الشرخ الأمنى الحادث بين المؤسسات الأمنية وشعب دولة الاحتلال الذى اهتزت ثقته فى جيشه وشرطته منذ صباح السابع من أكتوبر.

وأضاف «الرقب»، لـ«الوطن»، أن توقف الحرب سيجعل فرص نتنياهو صعبة للاستمرار فى منصبه، حيث سيتم حل حكومة الوحدة فى بداية الأمر ثم إجراء انتخابات ولكنه سيضغط للاستمرار من أجل عمل حكومته على استعادة المواطنين الإسرائيليين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، لأن أى رئيس وزراء سيرفض تحمل مسئولية استعادة المحتجزين، لأنها لم تتم فى ولايته، كما أن الجيش الإسرائيلى فشل فى استعادة أى محتجز، وهو الأمر الذى لا يشجع أى سياسى على تحمل مسئولية استعادتهم.

وقال عمر رأفت، الخبير السياسى، إن الأوضاع فى إسرائيل بعد طوفان الأقصى، ستتركز فى إعادة ترتيب البيت من الداخل، حيث سيتم التعجيل بإجراء انتخابات وتغيرات أمنية واسعة وإطلاق حملات تبرعات واسعة لإسرائيل لإعادة الإعمار ودعم الاقتصاد الإسرائيلى المتعثر.

وأوضح «رأفت» أن الولايات المتحدة ستجبر إسرائيل على إنهاء الحرب لرغبتها بالتركيز فى الانتخابات التى تتم نهاية العام الجارى وسط منافسة شرسة بين الحزب الديمقراطى والجمهورى، فى ظل حلم الرئيس السابق دونالد ترامب بالعودة إلى مقاليد الحكم مجدداً فى البيت الأبيض بواشنطن، لافتاً إلى أن هناك خلافاً حاداً بين الحزبين الرئيسيين فى الولايات المتحدة على استمرار تقديم الدعم الإسرائيلى السخى فى ظل تعثرات يمر بها الاقتصاد الأمريكى.

وتابع: «ستعمل إسرائيل على زيادة التضييق الأمنى على الفلسطينيين، فى محاولة لتنفيذ موت بالبطىء مع استمرار التعنت فى إدخال المساعدات الإنسانية عبر المعابر المختلفة، ولن تختفى الضربات الإسرائيلية لقطاع غزة أو جنوب لبنان، حيث يتمركز حزب الله، ولكن ستقل الضربات لتكون مكثفة فى محاولة لاغتيال قيادات أمنية من أجل تحقيق انتصار معنوى للجيش الإسرائيلى الذى أربكته الفصائل الفلسطينية وكبَّدته خسائر لم يكن يتوقعها حتى فى أسوأ الظروف».

على صعيد آخر يؤدى الإعلام الإسرائيلى منذ أحداث 7 أكتوبر والحرب التى تلتها على قطاع غزة، والممتدة لأكثر من 100 يوم، دوراً مسيئاً من خلال تشويه إطار المأساة الإنسانية الناجمة عن جرائم الاحتلال فى القطاع، وذلك عن طريق استخدام المعلومات المضلّلة غير الموثوقة، إلا أنه مع تزايد جرائم الاحتلال خسرت إسرائيل حربها الدعائية.

وتبنّت وسائل الإعلام الإسرائيلية تأطيراً معيناً، يعمل على تبرير وحشية جيش الاحتلال الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين، ويحاول تجييش الرأى العام العالمى لخدمة المصالح الصهيونية المتطرفة، معتمداً فى الأساس على تشويش وجهة نظر الرأى العام فى تحديد مَن الضحية ومَن الشرير، لتسير آلات الحرب الإعلامية جنباً إلى جنب مع الآلات العسكرية فى قصف الأبرياء من الفلسطينيين.

ديفيد باتريكاراكوس، المراسل الحربى الخبير فى حرب المعلومات العسكرية، قال فى تصريح لمجلة «فورين أفيرز» الأمريكية إن المعركة العسكرية بين حركة حماس وإسرائيل محددة النتائج سلفاً، فحماس لا تستطيع هزيمة جيش إسرائيل، ولا يستطيع جيش إسرائيل القضاء على حماس، لذا فما يحدث معركة أوسع، تدور رحاها فى حرب المعلومات والدعاية، موضحاً أن الإغراق الدعائى الذى تمارسه وسائل الإعلام الإسرائيلية، والذى يصاحب الحرب الدائرة فى قطاع غزة لا يجعل من أهدافها المعلنة إلا أهدافاً تضليلية تخفى حالة من الثأر والرغبة فى استعادة صورة الكيان المتفوق والمنتصر دوماً، ليتجسد معنى الانتصار لدى الرأى العام الإسرائيلى فى الحجم الضخم من القتل والتدمير.

ويرى خبراء إعلام أن الإعلام الإسرائيلى تجاوز التأطير بمفهوم التحيز المباشر فى الأخبار، إلى لعب دور بإعادة بناء الواقع ومنح الأحداث معنى خاصاً للتأثير طويل المدى فى المعتقدات والقيم، وقال د. باسم الطويسى، رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتليفزيون الأردنى، إنّ هناك أُطراً جديدة فى تغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مشيراً إلى أن أبرز هذه الأطر هى الإرهاب، وإطار نزع الإنسانية عن الفلسطينيين، وإطار الدفاع عن النفس، وإطار نزع السياق، وأوضح «الطويسى»، فى ورقة بحثية نشرها المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، أن قادة إسرائيل وصفوا عملية «طوفان الأقصى»، منذ اللحظات الأولى، بالعمل الإرهابى، وتصوير المقاتلين الفلسطينيين بكلمات وأوصاف تغذى مفهوم الإرهاب، مشيراً إلى أن هذا الإطار مر بأكثر من مرحلة، الأولى وصف أحداث 7 أكتوبر بأنها «هولوكوست جديد»، والثانية هى ربط صورة حركة حماس ومقاتليها بتنظيم «القاعدة»، ثم ربط صورة حماس بتنظيم «داعش».

أما عن إطار نزع الإنسانية عن الفلسطينيين، أشار «الطويسى» إلى أن وسائل الإعلام ظلت تنقل مغالطات الساسة الإسرائيليين بوصف المقاتلين الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية»، يجب القضاء عليها، وأن على العالم الوقوف ضد «الأعمال البربرية» التى ارتكبها مقاتلو حركة حماس.

وحول الدفاع عن النفس، أكد «الطويسى» أن تغطية الإعلام الإسرائيلى ظلت ثابتة على تقديم مفهوم مضلل وهو أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تجرى فى إطار «الدفاع عن النفس»، مقابل «الإرهاب الفلسطينى»، مضيفاً: «نجد أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، عملت على تأطير نزع السياق، إذ إن التغطية الإعلامية للحرب فى قطاع غزة نزعت السياق التاريخى عن الأحداث، فإذا تفحصنا وسائل الإعلام الإسرائيلية بمختلف توجهاتها وأنواعها، لا نجد ذكر أن ما حدث فى 7 أكتوبر الماضى هو نتيجة لمواجهة بطش قوات الاحتلال المتواصل، وأنه حق فى مقاومة المحتل».

وكشف «الطويسى» أن إسرائيل خسرت حربها الدعائية، وذلك لأن التوحش الإسرائيلى والاستهداف المباشر للمدنيين، ومشاهد التدمير المروعة، وتفاقم الوضع الإنسانى نتيجة الحصار، ومنع دخول الغذاء والوقود، مثّلت كلها عوامل أساسية أسهمت فى كشف الوجه الحقيقى للاحتلال الإسرائيلى، والسياق الذى تقع فيه الأحداث، ما جعل الدعاية الإسرائيلية فى مأزق عملى شديد.

وأوضح أن رواية الإعلام الإسرائيلى استطاعت أن تسيطر على الرأى العام العالمى خلال الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب، لكن التحول فى الرأى العام العالمى كشف تضليل الإعلام الإسرائيلى فى 17 أكتوبر الماضى، مع قصف المستشفى الأهلى العربى «المعمدانى»، مؤكداً أن التحولات التى شهدها الرأى العام شوهدت فى نتائج استطلاعات الرأى المتعددة فى أوروبا والولايات المتحدة وفى التصويت على مشاريع قرارات مجلس الأمن، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقال د. طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، إن الإعلام الإسرائيلى فوضوى وموجه للداخل الإسرائيلى، كما أن الجمهور متطرف، يريد استمرار الحرب، موضحاً أن مصر طالبت دوماً بالاشتباك فيما يطرحه الجانب الآخر، لتوضيح الحقائق، وأشار إلى أننا سندخل مرحلة من السيناريوهات متعلقة بالترتيبات الأمنية، التى سيكون لها تأثيرات على المنطقة كلها، مؤكداً أن الإدارة الأمريكية متواطئة مع ما يحدث، وتابع أن ارتدادات حرب غزة، سيكون لها تأثيرات على الإقليم، موضحاً أنه لن تكون هناك دولة بمنأى عن تأثيرات ما يحدث فى القطاع.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: غزة قطاع غزة فلسطين إسرائيل وسائل الإعلام الإسرائیلیة الإعلام الإسرائیلى قطاع غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

عاجل | الرئيس السوري أحمد الشرع: سنعمل على تشكيل حكومة انتقالية شاملة

عاجل | الرئيس السوري أحمد الشرع: سنعمل على تشكيل حكومة انتقالية شاملة

عاجل | الرئيس السوري أحمد الشرع: سنعلن في الأيام المقبلة عن لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني

مقالات مشابهة

  • الشرع: سنعمل على تشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
  • عاجل | الرئيس السوري أحمد الشرع: سنعمل على تشكيل حكومة انتقالية شاملة
  • بكري الجاك: لا نسعى إلى تشكيل حكومة منفى أو حكومة موازية .. الهادي إدريس يرد: تصريح بكري الجاك لا يعبر عن الموقف الرسمي لــ(تقدم)
  • حماس: مماطلة إسرائيل بإدخال المساعدات قد تؤثر على إتفاق وقف الحرب وإطلاق سراح الرهائن
  • وزير جيش الاحتلال: إسرائيل أعلنت الحرب على مخيمات الضفة
  • القضاء الإداري: إجراءات تشكيل حكومة كركوك قانونية
  •  الدين العام لـ”حكومة الاحتلال” يرتفع بسبب حرب غزة والحروب الموازية لها 
  • الحزبان الكورديان يعقدان اجتماعهما الاخير بشأن تشكيل حكومة كوردستان
  • عاد الغزيّون ولم يعد المستوطنون.. لابيد يتهم حكومة الاحتلال بالعجز
  • بعد طوفان العودة.. المعارضة الإسرائيلية تهاجم حكومة نتنياهو