(1)
واحدة من أكثر العبارات التي ترددت منذ بداية العدوان على غزة هي «تبا لهراء الحضارة!» ما يُقصد من هذا القول هو استنكار التحويل المتعمّد وغير المتعمّد لأبسط البديهيات، إلى مسائل تبدو مُلتبسة ومعقدة تشوش، تحير، وتُشتت الانتباه. فمسائل لا تقبل النقاش مثل: السرقة شيء غير أخلاقي (لا سيما سرقة الأرض)، والقتل شيء غير أخلاقي (لا سيما قتل الأطفال)، تتحول إلى نقاشات حول ما إذا كان كيان ما يرتكب إبادة جماعية بالمعنى القانوني للكلمة، والذي حددته اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية.
يخطر لنا كشعوب -تجهد في مقاومة البقايا الاستعمارية، ورصد الخطابات الفوقية- أن لغة التشويش هذه تُستخدم ضدنا فقط. وأننا وحدنا من يصعب عليه تعيين اللصوص إذا ما ارتدوا البدل الرسمية، والكعوب العالية. إلا أنك تكتشف مع الأيام أن هذه اللعبة من الإحكام بحيث إنها لا توفر أحدا، وأننا دون استثناء ضحاياها.
هُز الشارع الألماني إثر نشر كوريكتيف مقالا بعنوان «خطة سرية ضد ألمانيا» قبل أسبوع من كتابة هذا المقال. أدلى التحقيق الصحفي بتفاصيل خطة سرية لقوى اليمين المتطرف من أجل تهجير عكسي للملايين سواء من غير الألمان، أو من الألمان القادمين من خلفيات غير ألمانية. تورط في الاجتماع الذي أسفر عن الخطة أعضاء من حزب «البديل من أجل ألمانيا»، ما حفز الجمهور للنزول إلى الشارع مطالبين بحظر الحزب بدعوى تطرفه. علق رينه شبرنغر -عضو البديل في مجلس النواب- أن هذه ليست خطة سرية، وإنما هي وعد من أجل الحفاظ على الهوية، العدل، والأمان في أوروبا.
والآن لو نظرنا إلى دعوات التطهير العرقي هذه والساعية إلى تنقية سكان أوروبا من الإثنيات غير المرضي عنها، مُقابل دعوات المستشار الألماني أولاف شولتز مع بداية الحرب على غزة، والذي جاء كرد فعل لتضامن جزء من الألمان والمقيمين في ألمانيا مع القضية الفلسطينية. اللقاء جرى على النحو الآتي: سألت دير شبيغل شولتز بشكل مباشر حول واقع أن الكثيرين من المعادين لإسرائيل هم من ذوي الأصول العربية، وما إذا كان صنّاع السياسات قد تجاهلوا العداء المتأصل لإسرائيل في بعض الجماعات؟ وحين أتى رد المستشار بأنهم يبقون عينا يقظة، ردت الصحفية ليس بما يكفي كما يبدو، ثم استحثت تعليقه إن كان يُفترض بألمانيا أن تكون حريصة ممن يُسمح له بالقدوم، ومن يُسمح له بالذهاب، ليعترف أن عدد القادمين إلى ألمانيا أكثر مما يجب، وليقول لاحقا -الجملة التي صارت عنوانا للمقابلة، ولصحف أخرى حول العالم- «يتعين علينا الترحيل بشكل متكرر وبسرعة أكبر».
شولتز نفسه شارك مع مجموعة من ساسة البوندستاغ في احتجاجات الشارع ضد حزب البديل. والفارق ربما أن اليمين المتطرف -على عكس آخرين- لا يعمل كثيرا على تزويق عنصريته.
(2)
غيرتنا غزة للأبد، وكذلك تفعل جنوب إفريقيا، وهي تقف بشجاعة في وجه العالم. تُدرك جنوب إفريقيا أنها ليست مواجهة بينها وبين إسرائيل فحسب. وقفت رغم كل الضغوطات التي مرت بها أو تنبأت بقدومها، ورغم أنها لا تملك أي مصلحة -أي مصلحة يمكن أن تجنيها من الوقوف في صف أكثر السلطات المكروهة اليوم أي حماس!
كُنا نعتب على الإعلام الألماني عدم تغطيته الفعالة لجلسات الاستماع، قبل أن نتفاجأ بتدخل ألمانيا كطرف ثالث والانضمام لصف إسرائيل في الدعوى أمام محكمة العدل الدولية. ناميبيا والتي تتذكر -في التاريخ نفسه قبل مائة وعشرين سنة- تمرد شعبها ضد الاستعمار الألماني، لم تسكت.
حين اعتذرت ألمانيا في 2021 عن جرائمها فترة استعمارها ناميبيا ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر، حرصت أن يُصاغ الاعتذار بطريقة لا تلزم ألمانيا بتقديم تعويضات للضحايا. وافقت بالمقابل على تمويل مشروعات بأكثر من مليار يورو.
رؤية جهود دول الجنوب العالمي تتكاتف على هذا النحو يُعيد بعض الأمل. لكن لا يبدو أن الكثيرين يملكون شجاعة جنوب إفريقيا.
يُذكرنا نورمان فينكلشتاين في سلسلة لقاءاته مع معين رباني التي تمت خلال أيام جلسات الاستماع عبر جدلية، أن قرار المحكمة سيتحدد بشكل واضح بوقوف القوى الكولونيالية مقابل القوى المضادة للكولونيالية. ويُذكرنا ألا نتمادى في تفاؤلنا باستقلال القضاة، أولا: لأن مواقف الدول التي ينحدر منها القضاة محددة سلفا في هذه القضية. ثانيا: للتاريخ الطويل من النيل من الأشخاص والمؤسسات التي تُقرر الوقوف في وجه إسرائيل، والذي يعرفه كل قاضٍ من القضاة يُفكر بالمجازفة.
مع هذا، ثمة أمل بأن تُدعم جنوب إفريقيا بما يكفي.
يحيا الجنوب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جنوب إفریقیا التی ت
إقرأ أيضاً:
إعلام ألماني: منفّذ الهجوم “طبيب سعودي داعم للتطرف والصهيونية ومعادٍ للإسلام”
الثورة نت/..
كشفت وسائل إعلام ألمانية أن منفذ الهجوم على سوق عيد الميلاد في مدينة “ماغديبورغ” الألمانية، هو طبيب سعودي يدعى “طالب” ويبلغ من العمر 50 عاماً، ويقيم في ألمانيا منذ 2006 وبحوزته إقامة طويلة الأمد.
وبحسب وسائل الإعلام الألمانية، فإنّ الطبيب السعودي، “مناهض للإسلام وداعم لليمين المتطرف والصهيونية”، كما لطالما أظهر “قلقه من تصاعد الإسلام في ألمانيا” في منشورات على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأظهرت منشوراته، دعمه حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف وغيره من الجهات اليمينية المتطرفة المناهضة للإسلام في أوروبا، كما شارك ما يسمى “خريطة إسرائيل الكبرى”.
وفي معلومات حسابه الشخصي، يتّهم المدعو “طالب”، ألمانيا بـ”مطاردة اللاجئين السعوديين” و”الرغبة في أسلمة أوروبا”.
وحول هذا الموضوع قال في منشور على “إكس”، إنّه “بما أنه لا توجد عقوبة إعدام في ألمانيا، ينبغي أن تقضي ميركل بقية حياتها في السجن بسبب مشروعها السري لأسلمة أوروبا، ولكن إذا أعيدت عقوبة الإعدام، فهي تستحق القتل”.
وهدد “طالب” في منشور سابق، قائلاً: “أؤكد لكم أن الانتقام سيأتي 100 بالمئة، حتى لو كلفني ذلك حياتي، يتعين على ألمانيا أن تدفع ثمن ذلك، إنه ثمن باهظ”.
وأشارت وسائل الإعلام الألمانية، إلى أن المشتبه به السعودي، شارك منشورات مهينة على وسائل التواصل الاجتماعي ضد المسيحيين والمسلمين، وأشاد بالإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في غزة والبلاد الأخرى.
وقالت وسائل الإعلام، إنّه “على الرغم من أن السعودية طلبت تسليمه، إلا أنه لم تتم إعادته إلى هذا البلد”.
كما عبّر “طالب” عن دعمه الشديد لكيان الاحتلال، حيث أشاد برئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، معلناً دعمه لما يسمى بـ”مشروع إسرائيل الكبرى”.
ودعا الطبيب السعودي، في منشور له باللغة العربية، العرب للنزول إلى الشوارع لـ “دعم احتلال إسرائيل وضم لبنان لها، بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية”.
وشارك رسالة لنتنياهو على منصة “إكس” بشأن سوريا في 8 كانون الأول/ديسمبر الجاري، قائلاً: “إن جزءاً من سوريا محظوظ بما يكفي لضمه إلى إسرائيل”.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي كتب منشورا بحسابه قال فيه: “أهنئ المرأة الفلسطينية، نتنياهو سيضم الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل، لن يتمكن آباؤكم بعد الآن من إجباركم على ارتداء الحجاب”.
بدوره قال المتحدث باسم الشرطة الألمانية، إنّه “لا معلومات لدينا عن التحذير السعودي من المشتبه به بهجوم سوق عيد الميلاد، ودوافع الهجوم غير واضحة”.
وبلغت الاتهامات الموجهة ضد المشتبه به، 210 اتهام، وهي القتل في 5 تهم والشروع بالقتل في 205 اتهامات، وفق ما أقرّه الإدعاء العام الألماني.
وكان قد قام الطبيب السعودي يوم أمس الجمعة، بعملية دهس في أحد أسواق عيد الميلاد المكتظة بمدينة “ماغديبورغ” شرقي ألمانيا، والتي أسفرت عن مقتل 4 أشخاص وإصابة أكثر من 200 آخرين، وفق آخر حصيلة رسمية.