◄ ناصر الطائي: "أناشيد الحبّ والانتصار" تطور نوعي في كتابة الأغنية العمانيّة الداعمة لفلسطين

◄ جوخة الناعبية تعزف مقطوعات بديعة على البيانو

◄ الشاعرة هند الحمدانية تصدح بقصيدتها "فلتسمحي بالرحيل"

 

الرؤية- ريم الحمادية

تصوير/ راشد الكندي

نظّمت جريدة الرؤية بالتعاون مع النادي الثقافي، أمسية فنية بعنوان "أناشيد الحبّ والانتصار"؛ وذلك بمشاركة عدد من الشعراء والملحنين والعازفين بجانب فرقة الزاوية للسماع العرفاني.


 

وتهدف الأمسية إلى دعم صمود الشعب الفلسطيني الشقيق الذي يئن تحت ويلات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والأراضي المحتلة، وتأكيدًا لمساندة ومؤازرة الشعب العماني لشقيقه الفلسطيني.

وانطلقت الأمسية بكلمة ترحيبية قدمها الدكتور ناصر بن حمد الطائي قال فيها: "لا يختلف اثنان اليوم، على أنّ "طوفان الأقصى" غيّر تاريخ ومسار الصراع العربيّ الفلسطينيّ مع الكيان المحتلّ الغاصب. واليوم، وبعد أكثر منْ 100 يومٍ من القصف والدمار والخراب، بدعمٍ فاضحٍ من الدول الغربية، سقطتْ أقنعة العدوّ وحلفائه، ممّن يتشدّقون بالديمقراطية وحرية التعبير والحقّ في الحياة، لتأتي محاكمة هذا الكيان الواهي في "لاهاي" بقيادة جنوب إفريقيا، بمثابة نقطة تحوّلٍ تاريخيّةٍ تعرّي أيديولوجيّة وفكر هذا الكيان ومؤيّديه".

وأضاف: لقد برزتْ الصهيونية البغيْضة كحركةٍ بشعة تشوّه الأديان، وتسْتبيح قتل النساء والأطفال، وتدعو للتفْرقة والتمييز بيْن الأعراق، وتخْلق نعراتٍ مسْمومة الأهداف منْ خلال جيْشها الجرثومي. وما حربهم على الثقافة والعلْم سوى جزءٍ منْ هذه السّياسة التي تقتل الفكر وحرية التعبير، ليبْرز ناجي العلي، وغسان كنفاني، وماجد أبو شرار، وشيرين أبو عاقلة، وليس آخرهم حمْزة الدحدوح، كأمثلةٍ دامغةٍ على اغتيال الفكر الفلسطينيّ المقاوم بتستّرٍ غربيٍّ فاضح". وتابع أنه أمام كلّ هذا الدّمار والخراب، يظلّ الموقف العمانيّ الداعم هو النور القادم منْ نهاية النّفق، بأنّ هذه القضية لنْ تموْت، وستظلّ باقيةً بقاء الروح أجيالًا تسلّمها لأجْيال.

وأكد الطائي في كلمته "إنّنا في عمان، وطوال مسيرة نهضتنا المباركة وتاليتها المتجدّدة، كانتْ الموسيقى ولا تزال حاضرةً، ترصد مسيرة شعبٍ وتكتب ملحمة وطن، بإرثٍ ثريٍّ منْ فنون "العازي" و"الميدان" و"الربوبة". واليوم، وبعْد أربعةٍ وخمسين عاماً من النهوض الوطنيّ المبارك، آن الأوان لأنْ تتفاعل الموسيقى العمانيّة مع مجريات الأحداث في محيطنا العربيّ، وتخرج إلى العالميّة، بصوتٍ عربيٍّ واضح المعالم، يبدأ من الكلمة الملتزمة، لتعبّر عن الحاضر بلغةٍ جديدة، وبرموزٍ شعريةٍ تنهل منْ زخم تراثنا، وتلتقي مع مقامات الشرق، لتلْتحم مع هارمونيّة الغرب، وتنصهر في سيمفونيّةٍ ملحميّةٍ تعبّر عن الآمال والهموم، وتتجاوز الحدود لتشدّ على أيادي إخْواننا في غزّة الإباء".


 

وأوضح الطائي أنّ "أناشيد الحبّ والانتصار" تمثل تجربة جديدة في كتابة الأغنية العمانيّة؛ تستمدّ قوّتها منْ قوّة الكلمة بثيماتٍ عمانيّة، لكنّها تنطلق بحريّةٍ لا متناهية، لتكْسر جدران العزلة نحو آفاق الحبّ والعطاء والسّلام، ومن هنا، كان التعاطي مع الكلمة ذا أهميّةٍ بالغة؛ فقصائد سماء عيسى يسكنها الحبّ والحنين، لكنّها هنا تنطلق إلى فضاءات الغزل والدّبكة والعازي، وأناشيد الحطابات الماجدات، لتربط بيْن معاناة الإنسان العمانيّ والفلسطينيّ، معبّرةً في "غزّة يا بنت عمّي" عن هذا التلاحم الأخوي.

بعد ذلك قدمت جوخة الناعبية عزفًا موسيقيًا. والناعبية حاصلة على شهادة الماجستير في الأداء من المملكة المتحدة، وصاحبة أكثر من 30 سنة من الخبرة في العزف؛ حيث كانتْ عضوةً في الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية، ويمثل تعاونها اليوم جزءًا من طموحها للارتقاء بالذوق الفني في وطنها عمان.

وعزفت الناعبية مقطوعة على البيانو على القالب الكنائسيّ والمقطوعة قصيرة، تعبّر عن قصر الحياة التي عاشها نبيّ الله عيسى، وآلام المجدليّة وحزْنها عليه، ومنْ هنا تتداعى بعض النغمات المتنافرة التي ترْمز للصّلب والغدْر، تلتها مقطوعة "أكفان" والتي تفضح همجية العدوان.

عقب ذلك، قدم حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة "الرؤية" كلمة قال فيها إن هذه الأمسية تهدف إلى التعبير عن "دعمنا ومؤازرتنا لكل نضالٍ حرٍ يسعى للانعتاق من نير الاحتلال، وطرد المستعمر الغاصب، وانتزاع الكرامة والحرية بكل كبرياء وفخر". وقال الطائي: "نلتقي كي نقول للاحتلال الإسرائيلي ومن تواطأ معه، إننا نحن العمانيين أصحاب قضية ومبدأ، ونعم إننا دعاة سلام ووئام، لكن لمن يؤمن بالسلام، ويسعى لأجله، بينما نقول بصوت عالٍ لا سلام مع مجرم قاتل يقصف المستشفيات ويهدمها على رؤوس المرضى والمصابين.. لا سلام مع سفّاح دموي يزهق أرواح الأبرياء العزل في قطاع غزة، لا سلام مع وحش بربري يعتنق أفكار الإبادة والقتل على الهوية والإعدامات الميدانية، لا سلام مع كيان سرطاني غرس في قلب الأمّة لتفكيكها وإجهاض نهضتها، والإجهاز على مقدراتها، لا سلام مع مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة، وكل أنواع الجرائم".


 

وتابع الطائي: "إننا في هذه الأمسية الفلسطينية الخالصة، نريد أن نقول لأشقائنا في فلسطين وفي كل بقاع العالم الحر، أن معركة الفن والثقافة لا تنفصل أبدًا عن المعارك الميدانية التي يضحّي فيها الأبطال بأرواحهم رغبةً في النصر. فالشاعر والملحن والمنشد والمطرب يناضل كذلك بالكلمة واللحن والصوت، ولقد سجّل التاريخ دائمًا كيف كان تأثير الكلمة واللحن على معنويات المحاربين والمناضلين في كل مكان". وأشار رئيس تحرير جريدة الرؤية إلى "الملاحم الغنائية الخالدة التي سطّرها كبار الشعراء والملحنين الفلسطينيين أمثال محمود درويش ومارسيل خليفة وسميح القاسم، وغيرهم كثر من مصر ولبنان وعلى رأسهم محمد عبدالوهاب موسيقار الأجيال، وفيروز قيثارة الشرق، هؤلاء الذين ناضلوا بكلمات قصائدهم الوطنية وألحانها التي زلزلت الأرض تحت أقدام العدو الإسرائيلي".

وقال: "انطلاقًا من دورنا الإنساني واستنادًا على قيمنا ومبادئنا العمانية الأصيلة، نطلق هذه الأمسية "أناشيد الحب والانتصار"، دعمًا ومؤازرةً لفلسطين، فقد اجتمعت نخبة من الشعراء والملحنين على هذا الهدف النبيل، فصنعوا أروع الأعمال الفنية، وأبدعوا في المزج بين الكلمة الصادقة واللحن الثائر، لتخرج لنا مجموعة من الأغاني والأناشيد الممجّدة لفلسطين وشعبها البطل".


 

وقدمت الشاعرة هند الحمدانية قصيدتها "فلتسمحي بالرحيل"، والتي تقول فيها:

 

فلتسمحي بالرحيل

فلتسمحي بالرحيل يا حبيبتي

ولتنفضي ما تبقى من همسك وأمسك

من ذكريات منك لن تكتفي

فلتسمحي بالرحيل

وعلى سلم الوعد.. كوني وارتقي

الخوف في غزة لم يعد خيار

لا ذنب فيها

لا خمول

لا عار

وكل من فيها بدا شجاعا

كلهم مغوار

فلتسمحي بالرحيل يا حبيبتي

فلتسمحي بالرحيل يا غزتي

ولتقبلي الموت كيفما يشاء

واستقبلي الأشلاء

واستقبلي الأحشاء

واستقبلينا دونما أسمـاء

هناك تحت الطوب

ودونما غطاء

هناك في الأرجــــــاء

فتشــــي  ..  فتشـــي

واستقبلي هدية السماء

ولتسمحي بالرحيل يا غزتي ..

يا غزة الإباء ..

واحد..اثنان

مئة.. مئتان

ألف

ثمانية

هل أكتفيتم بهذه الأكفان

أم نطلب المزيد من رفح

ربما مجموعة ثانية

غرزة.. غرزتان

هذه الغرزة العاشرة

يا طفلتي اليتيمة الصغيرة

قد ارتقيتي في المنام

في لذة الحلم

في الظلام

في الساعة الثانية

عائلة… عائلات

قرى بأكملها.. مستشفيات

كم نحتاج برأيكم

لتكتفوا من شبابنا

من متاجر المســك

من دمائنــا

تخاطبني أنا

لا.. لا… لست أنت

أخاطب الذين أوهموني بأنني منهم وأنهم مني

أخاطب الجموع التي لم يعرفوني

هيا… شاهدوني.. تعرفوا علي

لأنني لم أعد ذلك الصغير

وأن الحجارة في كفوفي أصبحت نفير

خفت.. توجعت

بكيت.. تألمت

وها أنا.. ها أنا.. تأقلمت

الحجارة في يدي أصبحت طائرة

تدق تلك الجباه الصاغرة

دموعي قنابل.. قنابل حارقة

أشلائي صاروخ يذكركم بالآخرة

شاهدوني الآن

هل عرفتموني

نعم أنا.. نعم أنا

أنا الطوفان..








 

بعدها توالت مقطوعات موسيقية وأناشيد متعددة تتغنى بفلسطين وصمودها الأسطوري في وجه الاحتلال على مدى أكثر من 75 عامًا. فيما اختُتِمَت الأمسية بجلسة حوارية مفتوحة ونقاش مع الجمهور.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شيخ العقل يسلّم الشرع رسالة خلال اللقاء في قصر الشعب... هذا ما جاء فيها

سلم شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى لرئيس السلطة الانتقالية في سوريا احمد الشرع رسالة خلال اللقاء في قصر الشعب، جاء فيها: 

"بسم الله الرحمن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطاهرين أجمعين.

حضرة القائد المنتصر بعون الله، سيادة المجاهد المكرّم السيِّد أحمد الشرع القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أصحابَ المعالي والسعادة،  

قال تعالى في محكم تنزيله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ صدق الله العظيم، في هذه الآية المنزَلة تأكيدٌ بأنّ الرسول عليه أزكى الصلاة وأتمّ التسليم أكمل دين الله الذي هو الإسلام، وأتمَّ نعمته على البشرية بما أُنزل إليه من وحيٍ وما أفاضه عليه من تعاليم، ورضي لنا الإسلامَ ديناً.

في هذا الرضا مسؤولية ملقاة علينا بأن نتحمّل مسؤولية ما أودعنا إيَّاه الله والرسول، فنحقّق الإسلام في ذواتنا وفي حياتنا وفي مجتمعاتنا، وهذا ما يحتِّم علينا فهمَ معنى الإسلام وحملَ رسالة الإسلام وبناءَ مجتمع الإسلام الحقيقي، في مهمةٍ توحيديةٍ إنسانيةٍ يتشارك فيها بنو البشر جميعاً، ولكنَّها مسؤوليةُ المسلمين قبل سواهم لتأكيد أمرِ الله وتحقيق ما ارتضاه.

من هذا المنطلق الإيماني والإسلامي، فإننا نرى في انتصار ثورتِكم قدَراً لا بدَّ من تقديره، ومسؤوليةً لا بُدَّ من تحمُّلِها، وإننا، وإن كنّا هنا لنباركَ لكم وللشعب السوري الشقيق انتصارَكم على الظلم والقهر والاستبداد، ولنحيِّيَ فيكم هذه الروحَ الثوريةَ الوطنية في ما أقدمتُم عليه من استعدادٍ وتنظيمٍ وعملٍ تحريريٍّ جريء، فإنّنا في الوقت نفسِه نضع على عاتقكم مسؤوليةَ استثمار هذا الانتصار بما يترتّب عليه من خطواتٍ ومبادرات وتطمينات تتعلَّق بضبط الأمن ورعاية الشعب وإشراك المكوِّنات الوطنية الكفوءة من كل أطياف الشعب السوري في عملية صياغة الدستور الجديد وبناء الدولة الحديثة.

لقد خرجتم من حالة القمع والاضطهاد التي استمرّت عشرات السنين الى رحاب الحرية وعودة الوطن إلى جميع أبنائه، ويُشهَد لكم بسرعة الإجراءات التي اتخذتموها لفتح المدارس والجامعات وتسيير المرافق العامة وتأمين الخدمات،ممّا أشعر السوريين بحرص قيادتكم على مصلحة المواطن السوري، إضافةً إلى إجراءات طمأنة المكونات السورية المتعددة بأن مصير سوريا هو بيد أبنائها أولاً، وأنّ الولاء للوطن قبل أي ولاءٍ آخر.

ولقد دخلتُم في السلم بعد أن دخلتم المدن والعاصمة مرتدين ثياب القتال والثورة، واليومَ تدركون وتعلمون أنّ مسؤولية السلم تفوق مسؤولية الحرب تلبيةً لندائه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"، نداءٍ صالحٍ لكلِّ زمانٍ ومكان، إذ إنَّ السلم حاجةٌ إنسانية، وسوريا تستحقُّ السلم والازدهار، وقد كانت وستبقى قلبَ العروبة النابض وواحةَالخير المعطاء ومنبرَ الفكر والثقافة والكلمة الطيِّبة، وكلُّنا يعلمُ أنّ هذا الطابع العربيّ الإسلاميّ الذي يميّزُها وتلك السمةَ المشرقية الأصيلة الحاضنة للتنوُّع التي تزيّنُها تحتاج إلى دولة وطنيةٍ جامعة تغتني بالتعددية الخلّاقة، وهذا ما يقتضي إعادةَ ترسيخ الانتماء الحقيقي للدولةالسورية التي تحمي الشعب وترعاه وتصون حقوقه، بدءاً من حق الاعتقاد الديني وممارسة الشعائر الخاصة، وحق إبداء الرأي وحرية التعبير ضمن الضوابط الأخلاقية، وذاك هو السلمُ المرتجى والأمل المعقود على التغيير.
إنّ وضعَ دستورٍ جديد للبلاد مبنيٍّ على احترام حقوق الأفراد والجماعات وعلى حقّ الدولة هو بالتأكيد في صلب اهتماماتكم، ومن خلاله سوف يختفي شعورُ الأقلية، وينخرطُ كلُّ سوريٍّ في بناء دولة سوريا المستقبل بغضِّ النظر عن مذهبه أو معتقده أو عِرقه أو ميله السياسي، وبالتالي لن يشعر أيُّ فريق بأيّ إقصاء أو تهميش، ما خلا أؤلئك الدين ارتكبوا الخطايا بحق الشعب السوري ونهبوا ثرواته واستباحوا كراماته، والذين يستحقُّون المحاكمة العادلة.

هذا الدستور الذي يتطلّع إليه الشعب السوري بثقةٍ وأمل سوف يمثل فعلاً تطلعات الجميع وسيكون مدخلاً إلى إشعار السوريين أنهم ممثَّلون في ديارهم، وأن بلادهم التي عانت من مصادرة قرارها الحرّ لديها اليوم الفرصة المناسبة لتكون دولةً وطنية جامعة متحررة من قيود الهيمنة والاستبداد، دولةً تمثِّلُ نبضَ الشعب السوري الحقيقي، تنخرط إلى جانب الدول العربية في قضايا التفاعل الاقتصادي والأمني والثقافي والإقليمي، وتُصلحُ ما خرّبه الحكمُ البائد من سياساتٍ ومن علاقات، علماً أنّ تلك الدولَالشقيقة، وفي مقدَّمتها دولُ الخليج العربي ولبنان والأردن وتركيا، لم تقصّر في إعانة الشعب السوري إبّان محنة تهجيره، وفي استقبال المهجَّرين السوريين وإغاثتهم ممّا تعرَّضوا له من إجرامِ نظامٍ مستبدٍّ بحقِّ شعبه وإجبار الملايين منه على النزوح القسري من ديارهم.

كم يبدو ضرورياً تجميعُ كلّ القوى التي ناضلت وقدّمت التضحيات على مدى السنوات منذ بدء الثورة في العام2011، وإشعارُها بأن نضالها مقدَّرٌ، وأنه كان لبنةً أساسية ساهمت في بناء صرح الإنقاذ والانتصار، علَّها تساهم مجتمعةً في مشروع إعادة بناء الجيش السوري على قواعد وطنية جديدة، بالاستفادة من الطاقات العسكرية التي رفضت النظام السابق وانشقّت عنه ودفعت أثماناً باهضة لقاء مواقفها الرافضة للمشاركة في قمع السوريين الذين عانَوا من إرهاب النظام البائد، أو تلكالقوى الشعبية الغيورة التي دافعت عن مناطقها وحفظت أمنها ولم ترضَ بالوصاية الغريبة عليها.

إن إعادة تكوين الجيش خطوةٌ أساسية على طريق إعادة بناء الدولة، كإعادة تكوين السلطة التشريعية على قاعدة انتخابات شفّافةٍ ونزيهة تُكسب سوريا الجديدة مشروعيةً أمام الشعب وأمامَ دول العالم، وإعادة تكوين السلطة القضائية كذلك، ليكون هناك قضاءٌ نزيه يلفظ أحكامه باسم الشعب السوري الحرّ، إضافةً إلى إعادة تكوين الإدارة والمؤسسات على اختلافها، وهذا ما يوجب تشجيع الطاقات السورية الكفوءة المقيمة في سوريا وتلك المهاجرة والمهجَّرةمنها، وحثّها على الانخراط في عملية البناء والتكوين الجديد، وهي طاقاتٌ غنيّةٌ وقادرة في كلِّ المجالات.

إن أنظار العالم اليوم متجهةٌ الى الوضع السوري لتعرف مآلاته وكيفية تطوّره، وعلى الأخصّ أنظار الدول العربية، وممّا لا شكّ فيه أن القيادة المنتصرة تحرص كلّ الحرص على توجيه رسالة إيجابيةٍ ساطعة الى العالم توحي بأن دولةً وطنيةً ديمقراطيةً أخلاقيةً حرّة بزغت شمسُها في سوريا وتستحقُّ كلَّ الدعم والتأييد، وإذا كانت روحُها الخيِّرة مستمَّدةً من روح تعاليم الإسلام وقيم الدين والشرائع السماوية، وتغتني بها وبما فيها من رسالة إنسانيةٍ راقية، إلَّا أنها دولةٌ وطنيةٌ مؤمنة ولكن غير طائفية،يُؤملُ منها أن تشكِّلَ نموذجاً عصريّاً يُحتذى به في منطقة الشرق الأوسط.

من جهتنا كأبناء طائفة المسلمين الموحدين الدروز، فإننانفاخر بانتمائنا الإسلامي والعربي في كل قطر نتواجد فيهفي بلاد الشام، وقد كنّا دائماً شركاء أساسيين وفاعلين في حركات التحرّر وثورات الاستقلال، أكان في لبنان أم في سوريا، وهذا ما أكّد عليه اليوم أبناء جبل العرب في السويداء بانتفاضتهم ووقوفهم إلى جانب الثورة، انطلاقاًمن معاناة طويلة تقاسمنا وإيّاكم ويلاتِها من قبل النظام البائد، وانطلاقاً من المصالح المشتركة بين بلدينا، ومن التاريخ المشترك دفاعاً عن الثغور وحمايتها من الغزاة الطامعين ببلداننا، وقد كان أجدادنا عمادَه وعدادَه على مدى مئات السنين، بما سطّروه من مواقفَ مشرِّفة وما قدَّموه من تضحياتٍ جسيمةً دفاعاً عن بلاد الشام واستقلال أوطانها.

قال تعالى في محكم تنزيله: "فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (الأنعام، آ 125). لقد هداكم الله وشرح صدرَكم للإسلام ولخدمة الأوطان، وكلُّنا أملٌ وثقة بأن الله لن يُضلَّكم ولن يكون صدرُكم ضيِّقاً. مسؤوليتكم كبيرة وأنتم جديرون بتحمُّلها بعونه تعالى، وقد بدت تباشير حكمتكم ونهجكم المعتدل في خطابكم القائل بالحفاظ على التعدد والتنوع، والداعي إلى مشاركة الشعب السوري في إعادة بناء الدولة، والمؤكد على عروبة البلاد والانفتاح على البلدان العربية بعيداً عن مقولة تصدير الثورة، ومن منطلق الأخوّة وتعزيز الثقة بين بلدينا، فإننا نحثُّ على بناء أفضل العلاقات اللبنانية السورية واجتثاث موروث الوصاية المسيئةلنا جميعاً، والذي دفعنا خلالها أغلى الشهداء من الزعماء وقادة الرأي، وفي طليعتهم القائد المعلم كمال جنبلاط.

إننا إذ نحيِّيكم وندعو لكم بالتوفيق في مهمتكم التاريخية لبناء دولة المجتمع السوري المتنوّع، وصياغة العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين أبناء الوطن والدولة، بما يعزّز رابط المواطنة ويغلّبه على أية نزعة انفصالية، وأنتم تدركون أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بقيام دولة المواطَنة التييتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، وبالتالي في الفرص المتاحة، فلا تكون هناك امتيازاتٌ في المناصب والمكاسب، سوى لأصحاب الكفاءة والتميُّز، وهذا مطلبٌ مشترَكٌ لأبناء سوريا، كما هو لأبناء لبنانَ على اختلاف تنوُّعهم ومذاهبهم.

إذا كانت "العلمانية" أمراً مرفوضاً عند معظم الشعب السوري خشية الانجراف في تيَّار الإلحاد وفي مدنيةٍ عصريةٍ منافية لقيم الدين والمجتمع، وإذا كان قيامُ دولةٍ دينية متشدّدة يُشعرُ الأقليَّات بشعور "الذميَّة" والإهانة، فإن السبيل الوسط بين هذه وتلك هو قيامُ دولة المواطَنة، أي دولة الحقوق والواجبات؛ دولة الوطنية الجامعة التي تقضي باحترام الخصوصيات الدينية واحترام القيم الدينية وكلّ ما يساهم في صون العيش المشترَك، على غرار ما نصّ عليه الدستور اللبناني، فلا يكون الولاء نوعاً من التبعية القسرية بل نوعاً من الشراكة الفعلية، كما أنّ اللامركزية الإدارية الموسعة المرتبطة بالإدارة المركزية هي مطلبٌ أساسيٌّ لتيسير أمور الناس في المحافظات والمناطق، وربما تكون الحلَّ العمليَّ لفكّ حالة الاستعصاء السياسي والنفسي الذي استولدتها سنواتُ القهر والقمع والأستبداد.

أخيراً وختاماً، لا بدَّ من التأكيد أنّ لبنان لا يمكن أن يستغني عن عمقِه الحيويِّ السوريِّ، كما أن سوريا لا بدَّ لها من هذا المتنفَّس اللبناني الطبيعي، وهما محكومان بعلاقة التاريخ والجغرافيا، إلَّا أنّهما مرتبطان قبل ذلك روحياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، ومصير أحدهما يؤثّر على مصير الآخر، واللبنانيون الذين قاسوا الأمرَّين من ممارسات النظام المندثر هم على عهد المودة الدائمة والأخوّة الثابتة مع أشقّائهم السوريين، وما المطلوب سوى إعادة تنظيم العلاقة الرسمية بين الدولتين اللبنانية والسورية وبناء علاقات متوازنة ومتكافئة بين لبنان وسوريا من خلال إعادة دراسة معاهدات الأخوَّة والتنسيق وتصويب الكثير من النصوص الناظمة لتلك العلاقة.

ولكي تكون العلاقة الأخويّة سويّة، فإنها تقتضي تأطيرها في حدودٍ رسمية طبيعية وسياسية وإدارية وغيرها، ولا يجوز بعد اليوم الاستهتار بمهمة ترسيم الحدود بين البلدين الواقعَين على حدود عدوٍّ مغتصب، ولا سيّما في منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومنطقة الغجر والحيّز البحري في الشمال، وحسمَها دون أي تباطؤ ليصار إلى توثيقِها في الأمم المتحدة، كما تقتضي تلك العلاقة المنشودة إنشاءَ غرفة عمليات مشتركة سورية لبنانية لضبط الحدود ومنع تسلُّل الأشخاص بين البلدين، ولا سيما مرتكبي الجرائم والفارّين من وجه العدالة، على أمل التحضير لحوار لبناني سوري بنَّاء على أعلى المستويات، يساهم بتسوية الأمور العالقة بين البلدين، ونحن على استعدادٍ من موقعنا الروحي للعمل الجادّ من أجل عقد قمّةٍ روحية لبنانيةٍ سوريّة وعقد لقاءاتٍ دينية جامعة تساهم في بثّ روح المحبة والرحمة والأخوَّة بين الشعبين اللبناني والسوري، وفي خلق أجواء الاطمئنان والسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه" .

مقالات مشابهة

  • خالد الغندور يوجه نصيحة لـ إمام عاشور: حافظ على النعمة التي تعيش فيها
  • صالون مسندم الثقافي يقيم أمسية شعرية على شاطئ بصة بولاية خصب
  • دعوى قضائية أمريكية ضد طبيبة في نيويورك وصفت دواء للإجهاض لسيدة في ولاية تكساس التي يحظر فيها ذلك
  • شيخ العقل يسلّم الشرع رسالة خلال اللقاء في قصر الشعب... هذا ما جاء فيها
  • مفتي القدس يشيد بدعم المغرب بقيادة جلالة الملك لصمود الشعب الفلسطيني
  • اليوم.. الثقافة تقيم أمسية شعرية بعنوان «لغة تعرف أُلاّفهما»
  • جوزاتي السابقة هباب واضربت فيها … رنيا يوسف تفضح ازواجها
  • محافظ عدن طارق سلام: اليمن بقيادة السيد عبد الملك الحوثي بات البوصلة التي تتجه نحوها أنظار العالم
  • أمسية شعرية تأسر القلوب وتُحيي جماليات الشعر العربي في معرض جدة للكتاب 2024
  • "لغة تعرف أُلاّفهما".. أمسية شعرية تقيمها وزارة الثقافة احتفالًا بيوم اللغة العربية