أفكار جديدة لحل أزمة الصحة العقلية العالمية
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
يعاني العالم اليوم من أزمة في مجال الصحة النفسية. بدءًا من القلق المتزايد بشأن المناخ في البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة إلى الصدمات الشديدة في مناطق الصراع مثل أوكرانيا وغزة (لاسيما بين الأطفال)، أصبحت المعاناة النفسية واسعة الانتشار، ولم تعد خدمات الرعاية الصحية التقليدية قادرة على مواكبتها. وهذا من شأنه أن يجعل عشرات الملايين من الناس عُرضة لخطر الإصابة بأمراض خطيرة والانتحار.
في الوقت الحالي، يُعبر أكثر من 25% من سكان العالم عن الشعور بالعزلة الاجتماعية والوحدة، ويموت أكثر من 150 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عامًا بسبب الانتحار سنويًا. وتُهدد التغيرات المناخية بزيادة هذه النسبة المُفزعة. وكما تُشير تقارير الجمعية الأمريكية للطب النفسي، يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى «فقدان الوظائف، وإرغام الناس على الانتقال، وتفكيك التماسك الاجتماعي ونقص الموارد المُجتمعية، وهو ما من شأنه أن يُخلف عواقب على الصحة العقلية والنفسية».
علاوة على ذلك، يمكن للتفكير في تغير المناخ وعواقبه على «الأمن القومي ورفاهية الأفراد» أن يتسبب في الشعور «بالضيق والقلق». ولا يُستثنى من ذلك أية فئة عمرية. يخاف الشباب على مستقبلهم؛ ويشعر كبار السن بالحزن إثر تدمير عالم طفولتهم؛ ويُعاني النشطاء وعلماء المناخ من الإنهاك العاطفي واليأس. ناهيك عن الإجهاد والاكتئاب الذي يعقب الأزمة والذي يعاني منه أولئك الذين تضرروا بالفعل من الكوارث المرتبطة بالمناخ، وخاصة في الاقتصادات النامية الضعيفة. يرتاد المريض النفسي عادة جلسات العلاج الفردية مع طبيب مُدَرب. ومع ذلك، حتى الأنظمة الصحية في الدول الغنية تفتقر إلى القدرة على تقديم مثل هذه الخدمات على نطاق واسع حسب الحاجة وبالقدر المطلوب: ففي الولايات المتحدة، يعيش أكثر من 150 مليون شخص في مناطق تفتقر إلى أطباء الصحة النفسية.
وفي غضون سنوات قليلة، قد تعاني البلاد من نقص حوالي 31.100 طبيب نفسي. ويزداد الوضع سوءًا في البلدان الفقيرة والمُتأثرة بالصراعات، حيث يصعب الوصول إلى التدخلات النفسية التقليدية في كثير من الأحيان، إن كانت مُتاحة أصلا.
ولنتأمل هنا بلدي الأصلي، زيمبابوي: فرغم كونها دولة يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، إلا أنها لا تضم سوى 13 طبيبًا نفسيًا و20 من أخصائي علم النفس السريري. وقد أصبحت عواقب هذا النقص واضحة بشكل صارخ في عام 2019، عندما ضرب إعصار إيداي أجزاء من زيمبابوي. وقد أدت الرياح القوية والأمطار الغزيرة الناجمة عن العاصفة -والفيضانات الشديدة والانهيارات الأرضية التي أحدثتها- إلى مقتل المئات، وتشريد نحو 60 ألف شخص، وهدم 50 ألف منزل. كما تسببت في إتلاف المحاصيل غير المحصودة، وتدمير مخزونات البذور، وقتل الماشية، مما ترك الناس بدون طعام أو سبل عيش. وقد ساهم كل ذلك في ظهور مشاكل الصحة العقلية، بما في ذلك اضطرابات نفسية ناتجة عن الصدمة.
وبعد مرور عام تقريبًا، ساءت الأمور بشدة: فقد فرضت جائحة فيروس كوفيد 19 عمليات إغلاق شاملة على مستوى البلاد، الأمر الذي أدى إلى تقويض الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للناس على نحو متزايد. ولم يتمكن نظام الرعاية الصحية من التعامل مع مشاكل الصحة العقلية الناجمة عن الجائحة.
لكن هذا لا يعني أن زيمبابوي لم تكن لديها أية خيارات أخرى. يعمل مشروع «مقعد الصداقة»، الذي قمت بتأسيسه، على تدريب متطوعات من المجتمع المحلي دون أي تكوين طبي أو تدريب مُسبق في مجال الصحة العقلية على تقديم العلاج بالحديث مع المصابين على مقاعد خشبية في جميع الأقاليم العشر للبلاد. وقد قمنا حتى الآن بتدريب أكثر من 2000 من هؤلاء العاملات في المجال الصحي واللائي يُعرفن باسم «الجدّات» لتقديم المشورة لمجتمعاتهن المحلية. لقد أثبت البرنامج فعاليته في علاج العديد من الاضطرابات على مستوى الصحة العقلية. ففي عام 2016، وجدت تجربة سريرية عشوائية أن المرضى الذين يعانون من اضطرابات عقلية شائعة ومؤشرات الاكتئاب والذين تلقوا استشارات من خلال جلسات «مقعد الصداقة» لديهم انخفاض كبير في الأعراض. كما شهدت المُجتمعات التي تمكنت من الوصول إلى خدمات «مقعد الصداقة» تحسينات في مجالات أخرى، بدءًا من نتائج فيروس نقص المناعة البشرية إلى صحة الأم والطفل. وحتى الجدّات اللواتي يُقدمن العلاج استفدن من شعور أقوى بالانتماء والليونة على حد تعبيرهن. كما قامت مؤسسات أخرى في البلدان ذات الموارد المُنخفضة بمشاريع رائدة تتمثل في ابتكار نماذج جديدة قابلة للتطوير من أجل تقديم رعاية نفسية عالية الجودة ومنخفضة التكلفة للمجتمعات التي لم تكن متاحة فيها سابقًا. ومن بين المؤسسات الرائدة نجد «سانجات»، وهي منظمة غير حكومية يقع مقرها الرئيس في ولاية جوا الهندية، وتعمل على تدريب الناس العاديين على تقديم العلاجات النفسية والاجتماعية، وخاصة في المناطق التي تفتقر إلى خدمات الصحة العقلية.
وقد أظهرت التجارب السريرية بشكل مُستمر فعالية هؤلاء «المستشارين غير المُتخصصين» في معالجة مجموعة واسعة من حالات الصحة العقلية، من الاكتئاب والقلق إلى الاضطرابات الناجمة عن تعاطي الكحول.
وعلى نحو مماثل، تقوم مؤسسة «سترونج مايندز» بتدريب «مُقدمي خدمات الصحة العقلية» على توفير العلاج الجماعي المجاني للنساء والمراهقات ذوات الدخل المُنخفض المُصابات بالاكتئاب في أوغندا وزامبيا. وقد أثبتت المُنظمة فعاليتها وتأثيرها، لاسيما في دعم المجتمعات المُتضررة من الكوارث البيئية المرتبطة بالمناخ. ومن المتوقع أن ينمو هذا التأثير: يتوقع شون ماي بيري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة «سترونج مايندز»، أن يصل البرنامج إلى 335.000 شخص هذا العام.
تتطلب النماذج الغربية للرعاية النفسية قدرا كبيرًا من الموارد بحيث يصعب تعميمها في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في إفريقيا وجنوب آسيا، حيث يشكل النمو السكاني السريع والمخاطر المناخية المُتسارعة تحديات هائلة. كما تُعد المبادرات المجتمعية جيدة التصميم فعالة من حيث التكلفة وقابلة للتطوير بدرجة كبيرة.
وبعيدًا عن تحسين الصحة العقلية الفردية والمرونة، تعمل مثل هذه البرامج على تعزيز تماسك المجتمع والتشجيع على حل المشاكل بشكل جماعي، وكلاهما سوف يكتسب أهمية متزايدة مع تفاقم أزمة المناخ.
إن معالجة أزمة الصحة العقلية العالمية بفعالية سوف تتطلب مشاركة أكبر من جانب المجتمع الدولي. وقد كانت مبادرة منظمة الصحة العالمية الخاصة للصحة العقلية، والتي سعت إلى توفير قدر أكبر من الوصول إلى خدمات الصحة العقلية عبر مناطقها الستة في الفترة ما بين عامي 2019 و 2023، خطوة في الاتجاه الصحيح. ولكن يجب العمل على استمرارها وتوسيع نطاقها. من ناحية أخرى، يتعين على الحكومات المحلية والوطنية والمؤسسات الخيرية تبني أساليب وتوجهات جديدة محلية أثبتت قدرتها على مساعدة المجتمعات في التعامل مع المخاطر المتزايدة التي تهدد حياتها وسبل عيشها ورفاهها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصحة العقلیة أکثر من
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة يبحث مع الصحة العالمية مستجدات المبادرة العالمية لسرطان الأطفال
كتب - أحمد جمعة:
عقد الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، اجتماعاً، مع وفد من منظمة الصحة العالمية، لمتابعة مستجدات العمل بالمبادرة العالمية لسرطان الأطفال (GICC)، على هامش فعاليات ورشة العمل حول دور مصر في الانضمام إلى المبادرة العالمية لسرطان الأطفال.
ووفق بيان، تأتي هذه الجهود في إطار التزام الدولة المصرية بتطوير المنظومة الصحية وتعزيز الشراكات الدولية، بما يحقق مصلحة المرضى ويوفر لهم أحدث وسائل العلاج وفق أعلى المعايير الدولية، بحسب بيان اليوم.
وأوضح الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن الاجتماع استعرض جهود وزارة الصحة في إطار تنفيذ المبادرة العالمية لسرطان الأطفال (GICC)، مشيراً إلى أنه تم إطلاق المبادرة العالمية لسرطان الأطفال في عام 2018، بالتعاون مع مستشفي سانت جود، بهدف علاج سرطان الأطفال، وارتفاع معدل الشفاء بنسبة 60% بحلول عام 2030، مضيفاً أن مصر انضمت إلى هذه المبادرة في سبتمبر 2023.
وأكد "عبد الغفار" أن المبادرة العالمية لسرطان الاطفال تستهدف تقديم الدعم الكامل للمرضى، والمساهمة في رفع معدلات الشفاء، والعمل علي تحسين إتاحة الأدوية الأساسية والتكنولوجيا اللازمة، بالإضافة إلى استدامة وتعزيز جودة الخدمات الطبية المقدمة، مشيراً إلى انه تم تشكيل لجنة قومية خاصة بسرطان الأطفال في فبراير 2024، والتي تستهدف إجراء تقييم للوضع الحالي في كافة المؤسسات المعنية بتقديم الرعاية لمرضى الأورام من الأطفال ،فضلاً عن تقديم الرعاية لمرضى الأورام من الأطفال، والعمل على تطوير البروتوكولات العلاجية بما يتماشى مع المعايير الدولية.
وتابع "عبدالغفار" أن الاجتماع ناقش دور مصر المستقبلي ضمن المبادرة، حيث ستتولى في عام 2025 دور الفريق الاستشاري، لدعم الدول الأخرى المشاركة في البرنامج، مما يعكس مكانة مصر الإقليمية في مجال علاج أورام الأطفال.
واستطرد "عبدالغفار" أن الاجتماع تناول استعراض الأهداف الرئيسية للمبادرة، بما في ذلك رفع مستوى الوعي المجتمعي بسرطان الأطفال، وضمان توفير إلى الأدوية والمستلزمات الطبية، كما تهدف الجهود إلى تعزيز البنية التحتية الصحية وخفض معدلات الوفيات بين الأطفال المصابين، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات متخصصة في مجال علاج أورام الأطفال، وبناء نموذج إقليمي للتميز في الشرق الأوسط.
من جانبه، أشاد الدكتور نعمة عابد ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر بالجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة المصرية في مجال الرعاية الصحية، مثمنًا نجاحها في القضاء على فيروس سي باعتبارها نموذجًا عالميًا يحتذى به، كما أثنى على دورها الرائد في إطلاق العديد من المبادرات الصحية، خاصة مبادرة دعم صحة المرأة للكشف المبكر عن سرطان الثدي، مما يعكس التزام الدولة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة في القطاع الصحي.
من جانبها، أكدت الدكتورة مها إبراهيم، رئيس أمانة المراكز الطبية المتخصصة، أن الأمانة تضطلع بدور محوري في تنفيذ مستهدفات المبادرة العالمية لسرطان الأطفال (GICC)، من خلال تطوير خدمات رعاية الأورام بالمستشفيات التابعة، وتحديث البروتوكولات العلاجية وفق المعايير الدولية، بما يسهم في رفع معدلات الشفاء، مؤكدة التزام الأمانة بدعم جهود الوزارة، لضمان تقديم أفضل رعاية صحية للأطفال المصابين بالسرطان.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
وزير الصحة خالد عبدالغفار المبادرة العالمية لسرطان الأطفالتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
وزير الصحة يبحث مع الصحة العالمية مستجدات المبادرة العالمية لسرطان الأطفال
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك