للتكريم دور في تحفيز الذات، ودفعها للأمام، لبلوغ الأفضل والتحليق في فضاءات أوسع وتجويد العمل، وتطوير القدرات، فالموهبة تحتاج إلى رعاية، ومن دون تلك الرعاية تذوي، مثلما تذوي الزهور، عندما لا تجد التربة الصالحة للإنبات، وفي متاهة الإهمال، خسرنا الكثير من المواهب التي لم تجد الاهتمام الكافي، فتوقّفتْ عند نقطة معيّنة، ولو وجدت بيئة مناسبة لأعطت الكثير، فزهور المواهب تنمو، وتكبر تحت عين الرعاية، والحنوّ، فالموهبة حتى لو كانت متواضعة عندما تجد الاهتمام اللازم، تنضج، ويذهب صاحبها بالمغامرة إلى أقصاها، منطلقا بثقة عالية.

يقول الكاتب الفرنسي ميلان كونديرا «ستعيش نصف حياة، ما دمت تحيا مثل سباح بائس، يجدف في الماء الضحل، قرب الشاطئ، بينما البحر، يبدأ حقا حين تكون المياه عميقة»، فالظروف المحيطة تعطي دافعًا قويًّا لصاحب الموهبة، والإنسان، في كل الأحوال يهمّه تقدير، واهتمام المجتمع، والمحيط الذي يعيش وسطه، فهو عالمه الأول، والأهم، يقول د.علي الوردي: «إن كان المجتمع يقدّر رجال الدين كثُر المتدينون، وإن كان المجتمع يقدّر اللص كثُر اللصوص»، فالتكريم حافز لذوي المواهب، وكذلك يعطي دافعا لسائر أفراد المجتمع ليكونوا متميزين، وسيصبح المتميزون قدوات مثلى للأجيال الجديدة.

من هنا تأتي أهمية منح صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظهُ اللهُ ورعاهُ- وسام الإشادة السُّلطانيّة من الدرجة الثانية لعدد من الشخصيّات العُمانية البارزة في عدة مجالات، وهو حلقة في سلسلة طويلة، تؤكّد أن هذا التكريم هو نهج، وقد جاء تقديرًا من لدن جلالتِه، لإسهامات هؤلاء المتميّزين وإنجازاتهم.

وليس من الغريب أن يكون للمتميزين في مجال الثقافة نصيب، فجلالته لسنوات طويلة هو الراعي الأوّل للثقافة، عندما كان وزيرا للثقافة، وعلى الدوام كان قريبا من المثقفين، وجاء تكريم ثلاثة من الذين حققوا إنجازات دولية ثقافية، ليؤكّد قرب جلالته من المشهد ومتابعته له، فالكاتبة جوخة الحارثية نالت جائزة عالمية هي البوكر لعام 2019 عن روايتها (سيّدات القمر)، بنسختها الإنجليزيّة بعد أن قامت بترجمتها البريطانية (مارلين بوث) لتكون أول كاتبة عربية تنال هذه الجائزة العالمية ومن يومها والأوساط الثقافيّة العربية تنظر بعين التقدير للسرد العماني، أما الكاتب والشاعر زهران القاسمي كاتب رواية (تغريبة القافر) الحاصلة على الجائزة العالمية للرواية العربية 2023م، فهو أول كاتب عماني يفوز بهذه الجائزة، علما بأن الكاتب الراحل عبدالعزيز الفارسي وصلت روايته «تبكي الأرض يضحك زحل» إلى القائمة الطويلة في أول دورة للجائزة عام ٢٠٠٨، فيما وصلت رواية (دلشاد) للكاتبة بشرى خلفان للقائمة القصيرة للجائزة عام ٢٠٢٢م، أما المصوّر الفوتوغرافي ‏هيثم بن خميس الفارسي، فهو يُعدّ أول مصور فوتوغرافي عُماني ينضم لوكالة ناشيونال جيوغرافيك العالمية كمصور محترف ضمن ٨٠ مصورًا متعاونًا حول العالم، كما حقّق أكثر من ثلاثمائة إنجاز دولي، كما جاء في سيرته، وشارك في أكثر من مائتي معرض، سواء كان دوليًا أو محليًا، كما شارك في العديد من الملتقيات والمهرجانات الدولية واختيرت صوره لتزين العملات المحلية في السلطنة، هذه الإنجازات احتفى بها الوسط الثقافي العماني، مثلما احتفت بها الأوساط العربية والدولية، وجاء تكريم جلالته ليكون تتويجًا لها، وتقديرًا للمثقفين العمانيين.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

القوي الأمين في 8 سنين

عندما تستمع إلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وهو يتحدث عن أي مشروع من مشاريع رؤية المملكة 2030، ينتابك شعور أنه الرئيس التنفيذي للمشروع؛ لإلمامه بكافة تفاصيله وإستراتيجياته ومستهدفاته ومخرجاته، وأنه المدير المالي للمشروع لإلمامه بتكاليفه المالية وعوائده المتوقعة، وحجم إسهامه في الناتج القومي، وأنه مدير الموارد البشرية للمشروع؛ لإلمامه بالفرص الوظيفية التي يوفرها المشروع، والطاقة التشغيلية التي يحتاجها المشروع، وحجم الفرص التي يوفرها لتمكين المرأة فيه، وأعداد الشبان السعوديين الذين سيسهمون في بنائه، وكم ستخفض هذه الأعداد من نسب البطالة في المملكة، وأنه مراقب جودة المشروع ومسؤول الحوكمة فيه، ومراقب مؤشرات قياس الأداء فيه.
نعم- وبدون مبالغة- الأمير محمد بن سلمان، أفضل مسؤول يجيد التحدث بلغة الأرقام، وله ذاكرة حديدية، لا تغادر صغيرة ولا كبيرة، يتحدث عن تفاصيل كل المشاريع وهو ملم بكل تفاصيلها؛ لأنه يعمل بشغف تجاه وطنه، وبمحبة كاملة تجاه مواطنيه، يلمسها المسؤول والمواطن والمواطنة والمقيمون في الداخل، ويلمسها ويتحدث عنها المراقبون الشرفاء المنصفون خارج الوطن في كل العالم.
ينتابنا نحن السعوديين فخر عظيم، عندما نسمع ونشاهد في التقارير التلفزيونية مواطنين من كثير من دول العالم، وهم يقولون:” نريد عندنا مثل محمد بن سلمان”، و”سلفونا محمد بن سلمان ينظف الفساد في بلدنا”، و”أنتم محسودون على محمد بن سلمان”، ليس في الدول العربية وحسب، ولكن حتى في دول غربية متقدمة، وقد كتبت في أكثر من مقال عن تجربة شخصية، كنت أسمع في مقاهٍ ومطاعم، وحتى من سائقي التاكسي في عدد من الدول الأوروبية، التي زرتها في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والمجر والتشيك وهولندا وبلجيكا، عندما يعرفون أنني سعودي، يتوجه حديثهم دائمًا إلى الأمير محمد بن سلمان؛ إشادة بقوته وشخصيته المهيبة مع رؤساء الدول، ومكافحة الفساد والتغييرات المجتمعية التي أحدثها.
ثماني سنوات منذ تولي سموه ولاية العهد، ومنذ أخذنا له البيعة في رقابنا، أنجز فيها الكثير في سباق محموم مع الزمن، ليس لوطنه- وحسب- بل لأمته، أليس هو من قال:” أخشى أن أموت دون أن أحقق ما بذهني لوطني”، وأليس هو من قال:” هذه حربي التي أخوضها شخصيًا، ولا أريد أن أفارق الحياة، إلا وأرى الشرق الأوسط في مقدمة مصاف دول العالم، وأعتقد أن هذا الهدف سيتحقق 100%”. أطال الله في عمر الأمير محمد بن سلمان، ونفع به وطنه وأمته، نجدد لك العهد والولاء ما حيينا، ونحن معك سيدي نحلم ونحقق إلى أن نفارق الحياة.

Dr.m@u-steps.com

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة في اليوم العالمي للمسرح: منارة للإبداع والتنوير ومساحة حرة للتعبير عن قضايا المجتمع
  • تحديث الصناعة يبحث مع شركة هواوي العالمية سبل تعزيز التحول الرقمي
  • ضجيج الوقت
  • تكريم الفائزين في ختام كروية بنك الإسكان العماني
  • كرمهم الرئيس السيسي.. أسماء الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم
  • الرئيس السيسي يكرم الفائزين من أوائل المسابقة العالمية للقرآن الكريم من داخل مصر وخارجها
  • الدكتور قراط : هذا المؤتمر ليس اجتماعاً تقنياً بل نداءٌ إنساني عاجل نطلقه ‏من وزارة الصحة لكل الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي ( للأمم المتحدة، ‏لمنظمة الصحة العالمية، لمنظمة اليونيسف، للاتحاد الأوروبي) وللدول الشقيقة ‏والصديقة وللصناديق الإنسانية للمنظما
  • خلع الأسنان بالكمّاشة و”تغريبة بني هلال”!
  • يستغلون شعار الهامش ولا يعرفون الهامش واهل الهامش (2)
  • القوي الأمين في 8 سنين