لجريدة عمان:
2025-01-17@13:31:35 GMT

حديث ذاتي

تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT

إنَّ الفارق بين «الفعل» و«عدم الفعل» ضئيل جدًا، ومتى ما ظننا بأن الفعل وحده ما يحدد حياتنا مسيرها ومصيرها؛ فيجب أن نتأهب للعواقب عاجلًا أم آجلًا. وتمثل السلطة الخفية أحد أبرز العوامل في اختيارنا للفعل من عدمه، وهذه السلطة تتضمن العائلة والأصدقاء والأقرباء والمعارف، أو بالأحرى كل من نهتم لأمرهم ونظن بأنهم يتوقعون منا أفعالا معينة بطريقة معينة في حال معينة يكون لرأيهم تأثير علينا، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

الحرية الشخصية والوعي الحقيقي بالذات، يعدان أمران حيويان ومغيبان في الآن ذاته!؛ فالوعي بالذات يجعلنا نختار الصواب -يتحدد الصواب هنا بالقناعات التي نتبناها والمبادئ والأسس الأخلاقية لهذه القناعات- بمعزل عن السلطة الخفية وبوعي تام بوجودها، أي أن تلك السلطة تذوب تماما أمام ما اعتبرناه صوابًا. أما من يرزح تحت قيود السلطة الخفية تلك، فيظل مقيدا موجَّهَ الأفعال والتصرفات دون أن يدري!؛ وذلك لأن ما يقوم به يكون نتيجة ضغط لا يلزم بالضرورة أن يكون ضغطًا حقيقيًا، وإنما هو ضغط مُتَخَيَّلٌ يُلزِم الإنسان نفسه به ويعيش وفقًا له. وهذا ينطبق على الأمور الكبيرة والقرارات المصيرية وعلى الأمور اليومية الاعتيادية على السواء.

تنبري أمام الإنسان في لحظات الصفاء المطلق خياراته، ويصاب بالهلع أحيانًا جراء ما فعله، أو ما يعتقد أنه ينبغي عليه أن يفعله. وما بين اتخاذ القرار بوعي حقيقي، وبين اتخاذه بناء على ما سبق الإشارة إليه من سلطة وضغط غير حقيقيين؛ تكون النتائج النهائية حاسمة في تحديد مصير الإنسان. فإما أن يتطرف في اختياراته وينعزل انعزالًا كليًا عن المجتمع والحياة، أو أن يمارس حياته بوسطية تتيح له الانزواء في زاويته الخاصة في كوخه الصغير تارة، وممارسة حياته تحت أضواء المسرح تارة أخرى، ويظل محتفظًا بذاتيته الحقيقية ونقائها الذي يبذل جهده للحفاظ عليها.

الحياة طريق طويلة عسيرة، وللإنسان فيها الخيار الكامل والتام في كيفية سلوكها، ولكن هذه الطريق ذاتها هي ما تصقل المرء وتكشف معدنه؛ فإما أن يذوب في المُتَخيَّل والمُنتَظَر منه، أو أن يشق طريقه الخاص بقناعاته التي يبنيها ويهدمها منتقلا من طور إلى طور في سبيل تشييد كماله الإنساني. بعبارة أخرى، يمكن له أن يختار شلة أو جماعة أو فئة ينضوي تحتها ويعتقد معتقدها ويتبنى مواقفها الأخلاقية والثقافية والاجتماعية، أو أن يكون حرًا يختار صوابه بمعزل عن الانضواء تحت أي جماعة وتكون له آراؤه الخاصة الذاتية النابعة من قناعة صادقة وبحث متأن.

يردد المثقفون عبارة «الوعي مؤلم» ونحوها، وفي الحقيقة فإن الألم والصعوبة الحقيقيين يكمنان في الشجاعة بأن نكون نحن كما نؤمن بأنفسنا، لا كما يرانا الآخرون. أتذكر عبارة في هذا السياق لأحد الأصدقاء «بعض الناس يريدونك ضحيةً ويتجمعون حولك حين تكون ضحيةً، ويهاجمونك حين تتعافى». إن هذا السلوك لا يعدو كونه أمرًا إنسانيًا مكررًا، فالناس يحبون المسيح مصلوبا ولا يرون له قدسية أو رمزية دون ذلك الصلب!. وفي الثقافة، يكون المؤلف الشهيد أعلى قيمة من الحي؛ حتى وإن كان المؤلف الحي أكثر معرفة وأهم طرحا ومعرفة وإنتاجا. لا أحب التطرف حد القول بأن المثقف المسجون يكون رمزًا أكثر من المثقف الذي لم يذق السجن، ولكن الحياة الواقعية تفرض علينا بأن نعترف بأن هنالك مثقفين ذاقوا مرارة السجن ثمنًا لقناعاتهم الصادقة، وآخرون انتفعوا من السجن لتكوين صورة المناضل الحر وفي الحقيقة هم ينتفعون من تلك الصورة المزيفة.

تتطلب الحياة التي تموج بنا في هذه البحار الهائجة من النار والسم الذي نظنه عسلا، أن نتروى قليلا وننزوي في جبلنا أو مزرعتنا الروحيتين ونفكر في المسار الذي نسلكه والطريق الذي نشقه. وكما أن على الإنسان أن يعمل بجد، فعليه أن يرتاح قليلا ليلتقط أنفاسه؛ كي لا تتوقف عضلة القلب عن العمل بعد مجهود فاق قدرتها التشغيلية! وهذا ينطبق على طوفان الأقصى والإبادة التي يتعرض لها أشقاؤنا الفلسطينيون؛ فالانغماس الكلي في مشاهدة القتل وقراءة الأخبار السلبية وحدها يميت القلب ويصيب المرء باليأس، لكن «استراحة المحارب» وفرصة التقاط الأنفاس قبل العودة إلى ميدان النضال -الذي قد لا يتعدى النشر في مواقع التواصل الاجتماعي- مطلب مهم ليكون التأثير حقيقيًا وناجعًا في مواجهة طوفان الشر الاستعماري، وكذلك في مواجهة طوفان الزيف في الحياة. فمرة أخرى، تعلمنا من طوفان الأقصى أن الدعاية التي آمنا بها طورا ودافعنا عنها ذات مرة؛ تنحسر وتكشف عن حقيقتها عند المآسي الإنسانية، ويصبح متبني تلك الدعايات أمام مأزق حقيقي، مأزق لا يتيح له الذوبان والاختباء، بل يصبح مطالبا بقول إحدى الكلمتين «لا/نعم».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مشروع قناة “بن غـوريون” ما بعد طـوفان الأقـصى

يمانيون/ تحليل/ عبدالله علي صبري

 

شهية الصهاينة في التوسع لا حدود لها، فهم لا يتأخرون في انتهاز الفرص واستغلال كل الظروف في سبيل احتلال أراضي الغير وفرض الهيمنة على المنطقة بقوة الحديد والنار، وبالاستفادة من سطوة الدول الكبرى وتوثيق الصلات بها.

ومنذ ستينات القرن الماضي وبعد أن أعلنت مصر عبد الناصر تأميم قناة السويس، ما شكل حجر عثرة أمام تمدد الكيان الصهيوني، فكرت “إسرائيل” وأمريكا بإنشاء قناة بديلة تربط ميناء أم الرشراش “إيلات” على البحر الأحمر بميناء عسقلان على البحر الأبيض المتوسط. غير أن الفكرة ظلت حبيسة الأدراج، حتى عادت للظهور مجددا في 2021 تحت مسمى مشروع ” قناة بن غوريون “، حين باشر قادة الكيان الصهيوني الخطوات التنفيذية الأولى لشق القناة، لولا أن معركة طوفان الأقصى قد جمدت المشروع حتى حين.

قناة “بن غوريون” التي ستكون منافسة لقناة السويس ليست هدفا اقتصاديا للكيان فحسب، لكنها أيضا تنطوي على هدف استيطاني توسعي في غزة، خاصة أن التقارير والدراسات تشير إلى أن شق القناة عبر شمالي غزة المحاذي لميناء عسقلان قد يختصر 100 كم من المسافة بين “إيلات” وعسقلان، ما يعني توفير ثلث التكاليف المالية أيضاً.

وتحت ذريعة تنفيذ هذا المشروع، ظهرت أصوات تطالب بتهجير سكان غزة وإعادة الاستيطان في شمالي القطاع كخطوة أولى، بل إن اليهودي الأمريكي “جاريد كوشنر” صهر الرئيس ترمب، كان قد صرّح بأهمية الواجهة البحرية لقطاع غزة وقيمتها الكبيرة لإسرائيل، التي يجب عليها تهجير المدنيين الفلسطينيين منها ونقلهم إلى “صحراء النقب”. والمفارقة أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كان قد اقترح على الصهاينة في عدوانهم الأخير على غزة، تهجير الفلسطينيين إلى صحراء النقب أيضا!.

وبرغم أن الجرائم الوحشية التي يواصل الكيان الصهيوني ارتكابها في غزة على مدى 15 شهرا، تشكل حرب إبادة بكل ما تعنيه الكلمة، إلا أنها غير منفصلة عن مخطط تنفيذ القناة بين “إيلات” وعسقلان، لكن مرورا بغزة.

لن يستقر ولن يستمر هذا المشروع إلا بالهدوء التام في غزة وكل فلسطين المحتلة، أما مع المقاومة فإن القناة المرتبطة بميناء عسقلان ستكون هدفا استراتيجيا ضاغطا على الكيان في حال أي تصعيد أمني أو عسكري تجاه غزة ومقاومتها، ولذا لن نستغرب إذا عملت أمريكا مع “إسرائيل” والدول العربية على تمرير صفقة طويلة المدى في غزة تحت وهم ” السلام الاقتصادي “، الذي من شأنه تهيئة المناخ الأنسب لتنفيذ قناة بن غوريون وتحويلها إلى واقع مستدام.

وبحسب مراقبين، فإن الحماس الأمريكي لهذا المشروع يتعاظم يوما بعد آخر في إطار احتدام الحرب الاقتصادية الصينية الأمريكية، وبهدف محاصرة مشروع ” طريق الحرير ” وتجمع دول ” بريكس “، الذي انضمت إليه مصر مؤخرا. وليس خافيا مدى خطورة قناة “بن غوريون” على الاقتصاد المصري ومنافستها لقناة السويس ذات الأهمية الجيوستراتيجية لمصر وللعرب.

وقد رأينا كيف سارعت “إسرائيل” إلى تحريك الجسر البري من الإمارات وإلى داخل الكيان مرورا بالأراضي السعودية والأردنية، في محاولة التفاف على الحصار البحري الذي تمكنت جبهة الإسناد اليمنية، من فرضه على ميناء أم الرشراش والملاحة الدولية المتجهة إليه.

كما إن هذا المشروع لا ينفصل عن المخططات الموازية، مثل صفقة القرن، و”الشرق الأوسط” الجديد، والممر الاقتصادي البري والبحري بين الهند وأوروبا مرورا بدول الخليج و”إسرائيل”. وكلها مشاريع تستهدف القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي، ولكن بمشاركة أدوات عربية رهنت نفسها للشيطان الأكبر.

نقلا عن موقع أنصار الله

مقالات مشابهة

  • وزير الشئون النيابية: مصر ماضية في طريق تعزيز حقوق الإنسان بدافع وطني ذاتي
  • حديث جانبي بين المبارك والبليهي ..فيديو
  • مسعود بارزاني يلتقي مظلوم عبدي في أربيل.. حديث عن إنجاز كبير
  • العربية لحقوق الإنسان: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو الاستحقاق الذي يفرضه القانون
  • قادة أمريكيون: المعركة المستمرة في البحر الأحمر تشكل خطرًا حقيقيًا
  • مشروع قناة “بن غـوريون” ما بعد طـوفان الأقـصى
  • رعب حقيقي.. كل ما تريد معرفته عن "الأميبا آكلة الدماغ"
  • قادة أمريكيون: نحن أمام خطر حقيقي يفرضه القتال المطول في البحر الأحمر
  • قادة أمريكيون عن معركة البحر الأحمر: نحن أمام خطر حقيقي
  • وزير العدل وحقوق الإنسان يشارك مع موظفي الوزارة في تدريبات عسكرية