كيف وظفت ناميبيا تاريخ الإبادة الجماعية لإحراج ألمانيا؟
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
برلين- في الوقت الذي لم تتوصل فيه ألمانيا لاتفاق شامل مع ناميبيا يتيح طيّ صفحة الإبادة الجماعية بحق شعبي هيريرو وناما خلال الحقبة الاستعمارية، جاءت الانتقادات الكبيرة من ناميبيا لألمانيا، بسبب دعم هذه الأخيرة لإسرائيل، لتزيد من الضغوط على برلين، مما قد يهدد الاتفاق الهش الذي وقعته سابقا مع الحكومة الناميبية.
وربط الرئيس الناميبي هاكه كينكوب -في بيان- بين وقوف ألمانيا إلى جانب إسرائيل في الدعوى التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وبين "عجز ألمانيا عن استخلاص الدروس من تاريخها الرهيب".
وتتعاطف المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، وهو الحزب الحاكم في ناميبيا، مع فلسطين بشكل كبير، بحكم أن الحزب أسس لأجل الاستقلال عن جنوب أفريقيا.
ألمانيا أعادت بقايا بشرية لسكان أصليين قتلوا خلال الإبادة الجماعية في ناميبيا أثناء فترة الاستعمار (غيتي) اتفاق هشويعدّ الانتقاد الناميبي في غاية الحساسية بالنسبة لألمانيا، بحكم اتهامه لبرلين بـ"تجاهل أعمال الإبادة الجماعية المروعة التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية"، مع تذكيرها بماضيها مع "الإبادة الجماعية" التي اعترفت برلين بوقوعها في ناميبيا، بناء على اتفاق عام 2021 مع حكومة ناميبيا. وبموجبه قرّرت ألمانيا دفع 1.1 مليار يورو كمساعدات تنموية للدولة الأفريقية.
بيد أن الاتفاق لم يقبله كثير من القياديين والشخصيات من أحفاد ضحايا الإبادة، بحجة أن المفاوضات تمت مع الحكومة، وليس مع المتضريين، كما أن التعويض موجه حصرا للدعم التنموي، ولن تستفيد منه العائلات والأسر المتضررة.
وقالت برلين من جانبها، إن ناميبيا تتوفر على حكومة ديمقراطية، وبالتالي لا يمكن إجراء تسويات مع أفراد أو مجموعات. كما دعم الاتفاق بعض الشخصيات الأخرى من قبيلة هيريرو الذين كانوا حاضرين في المفاوضات.
"الحكومتان، الألمانية والناميبية، اعتقدتا أن دعوة ممثلين عن القبائل متروك لتقديراتهما السياسية، وهذا غير صحيح، لأنه وفقا للقانون الدولي العرفي، فمشاركة المجتمعات المتضررة ضرورية، كما أن التدابير الإصلاحية غير كافية، ولذلك عليها التراجع عن الاتفاق ومباشرة عملية جديدة"، تقول كارينا تويره، خبيرة في القانون الدولي، للجزيرة نت.
ورفع زعيم "حركة الناس المعدمين" برنادوس سوارتبوي و11 ممثلا عن القبائل المتضررة دعوى قضائية ضد السلطات في بلاده أمام المحكمة العليا، لم تبت فيها بعد، كما لم تعرض الحكومة الناميبية مسودة الاتفاق أمام البرلمان للتصويت عليها، بسبب الانقسام الواقع حيالها، مما يجعل الاتفاق غير ساري المفعول.
اعتراف غير مقنع
وارتفعت الأصوات داخل ناميبيا بانتقاد المواقف الألمانية الأخيرة، وقال أسوتوايجي مامبيروا، الرئيس السابق للاتحاد الوطني لجنوب غرب أفريقيا إن "رفض ألمانيا الاعتراف بالفظائع المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين هي محاولة للهروب من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في ناميبيا"، قائلا إن برلين "لن تتمكن من محو تاريخ بلاده"، حسب ما نقلته صحيفة "ذا ناميبيان".
ولكن ألمانيا اعترفت أكثر من مرة بالإبادة في ناميبيا، وذكرت الخارجية الألمانية في بيان عام 2021 أنها "لا تتحفظ ولا تتردد في تسمية الفظائع التي ارتكب ما بين 1904 و1908 بالإبادة الجماعية"، وأكدت أنه "نظرا للمسؤولية التاريخية والأخلاقية التي تتحملها ألمانيا، فهي تطلب الصفح من ناميبيا وأحفاد الضحايا".
وكانت ناميبيا تمثل جزءا من المستعمرات الألمانية في عدة مناطق في أفريقيا، في الفترة ما بين 1884 و1918، إلى جانب دول رواندا وبوروندي وتنزانيا وغانا وتوغو والكامرون.
وقد تخلّت ألمانيا عن مستعمراتها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، لكن رحيل ألمانيا لم يمنح لهذه المستعمرات الاستقلال، إذ بقيت تحت سطوة دول وقوى أخرى، مثل ما وقع لناميبيا التي بقيت تحت سيطرة جنوب أفريقيا إلى غاية 1990.
وتتمتع ناميبيا، التي كانت تسمى بجنوب غرب أفريقيا، بأهمية خاصة، حيث استقبلت حوالي نصف المستوطنين الألمان في أفريقيا، بسبب موقعها الإستراتيجي وغناها بالموارد الطبيعية. واستولى الوافدون على الأراضي، وانتهكوا حقوق السكان خصوصا في استغلالهم في أعمال السخرة.
ولأجل إخماد تمرّد السكان، لجأت القوات الألمانية إلى قمع عنيف أدى إلى مقتل حوالي 65 ألفا من شعب هيريرو (80% من عدد القبيلة)، و10 آلاف من شعب ناما (50%)، حسب أرقام جامعة بون الألمانية، ومن تبقوا عانوا من قمع كبير.
بيد أن هناك من يرى أن بيان الرئيس الناميبي يأتي لتخفيف الانتقادات الداخلية بسبب اتفاقه السابق مع ألمانيا. "الدعوى أمام المحكمة العليا الناميبية موجهة ضد سلطات الدولة الناميبية، بما فيها الرئيس، لأنها انتهكت رفقة ألمانيا القانون الدولي"، تقول كارينا تويره.
وتتابع تويره التي تعمل مستشارة قانونية ألمانية لمكتب المحاماة الذي رفع هذه الدعوى "الآن يحاول الرئيس كينكوب تقديم نفسه والحكومة الناميبية كجهات فاعلة تقاتل ضد الإرث الاستعماري"، بينما في الإعلان المشترك، كان متواطئا في إعادة إنتاج الأنماط الاستعمارية".
كارينا تويره: القوى الأوروبية عموما بدأت تدرك "أنها سوف تضطر إلى مواجهة تراثها الاستعماري" (الجزيرة) الملف التنزاني الذي ينتظر
بيد أن لألمانيا ملفا ساخنا آخر يتعلق بالتعويضات المنتظرة لصالح تنزانيا، حيث وقعت في جنوبها الانتفاضة المعروفة باسم "ماجي ماجي" التي قادها قبائل في شرق أفريقيا ضد المستعمر الألماني ما بين 1905 و1908. وشكلت تنجانيقا (الاسم السابق لتنزانيا) وبورندي ورواندا محمية شرق أفريقيا الألمانية.
وسقط في هذه الحرب ما بين 250 ألفا و300 ألف قتيل (حوالي ثلث السكان التنزانيين حينها)، جلهم بسبب المجاعة إثر تدمير الحقول، وفق المركز الألماني الاتحادي للتثقيف السياسي.
وطلب الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير قبل أسابيع "الصفح" عما جرى خلال زيارة لتنزانيا، وأكد استعداد بلاده لإجراء "تسوية مشتركة"، في حين صرحت الرئيسة التنزانية سامية صولحو حسن أن بلادها بدورها مستعدة لإجراء مفاوضات رسمية.
وترى تويره أن القوى الأوروبية عموما بدأت تدرك "أنها سوف تضطر إلى مواجهة تراثها الاستعماري"، ولكن الأهم هو "إنشاء إطار دولي بشأن الحد الأدنى من المعايير القانونية، على ضوئه يتم التفاوض مع الدول والمجتمعات المتضررة".
ورفعت جمعيات تنزانية عدة مطالب بالتوازي مع زيارة الرئيس الألماني. وقالت -في بيان لها- إن جنوب تنزانيا التي شهدت الحرب لا تزال تعيش الفقر مقارنة ببقية المناطق، وطالبت بالإضافة إلى الاعتذار، بمفاوضات تؤدي إلى تعويض المجتمعات المتضررة، وإعادة رفات وجماجم المقاتلين التنزايين وكذلك "الكنوز الثقافية" من ألمانيا.
ولكن الاختلاف الأكبر بين ناميبيا وتنزانيا في هذا الإطار هو اختلاف الاهتمام بالقضية الفلسطينية، إذ لا تحفل بالاهتمام ذاته لدى النخبة الحاكمة حاليا في تنزانيا، التي عملت مؤخرا على الحفاظ على "موقف متوازن" في العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لكن تنزانيا كانت من المصوتين على وقف إطلاق النار في غزة. وشأنها شأن جلّ الدول الأفريقية، تعترف تنزانيا بفلسطين، كما كانت أول بلد أفريقي يفتح سفارة لمنظمة التحرير الفلسطينية، عام 1973، إذ كان القائد التنزاني التاريخي جوليوس نيريري من أشد الداعمين لفلسطين في أفريقيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة فی نامیبیا ما بین
إقرأ أيضاً:
عربي21 تنشر خارطة المقابر الجماعية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد (شاهد)
منذ سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، لم يتوقف السوريون عن العثور على مقابر جماعية في مختلف أنحاء البلاد، لا سيما في ريف دمشق.
وتتزايد حصيلة المقابر الجماعية المكتشفة بشكل يومي، وفق توثيق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وتشير التقديرات إلى وجود آلاف المخفيين الذين لم يُعرف مصيرهم بعد، عقب اعتقالهم من قبل قوات الأمن في عهد الأسد.
وفي وقت سابق، قال نائب مدير الدفاع المدني السوري للشؤون الإنسانية، منير مصطفى، إنه تم اكتشاف 16 مقبرة حتى الآن في مناطق سورية مختلفة. حيث استخدم النظام السوري السابق مناطق متفرقة لدفن الضحايا بشكل جماعي.
تؤكد منظمات سورية ودولية أن النظام المخلوع عذّب وقتل عشرات الآلاف في السجون. وبعد سقوط النظام في 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، تصاعدت المطالبات بالكشف عن مصير المختفين قسراً في سوريا، الذين تقدر أعدادهم بأكثر من 100 ألف شخص.
دمشق
مدينة القطيفةعلى بُعد 70 كيلومتراً شمالي العاصمة دمشق، اكتُشفت أكبر مقبرة جماعية في مدينة القطيفة، حيث تشير تقارير صحفية إلى أن عدد المدفونين هناك يقدر بعشرات الآلاف. وقد أحكمت السلطات السورية السيطرة على المنطقة وأغلقت الطريق المؤدي إليها للحيلولة دون العبث بها، مما زاد من صعوبة الوصول إلى الموقع وتوثيق تفاصيله.
معضمية الشامعلى بُعد 30 كيلومتراً جنوب دمشق، تكشفت فصول مروعة من مأساة مدينة معضمية الشام في غوطة دمشق. وفقاً لشهادات من وثقوا الجرائم، كانت اللجان الشعبية بقيادة علاء المحمود المعروف بلقب "السفاح" -وبالتعاون مع الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية- تصفي المدنيين على الطريق الدولي المار بالمدينة. الضحايا، الذين كانوا غالباً من أبناء المدن الثائرة، أُعدموا بطرق وحشية تراوحت بين إطلاق النار والذبح والخنق وحتى الحرق.
حي القابونبالقرب من مشفى تشرين العسكري، تشير شهادات إلى وجود مقبرة جماعية محاطة بمنطقة ملغمة، مما حال دون اقتراب فرق الدفاع المدني من المكان.
جنوب دمشققُرب قصر المؤتمرات، توجد حفائر تُستخدم قبوراً جماعية. تشير المعلومات إلى أنه تم نقل جثث قتلى من الجيش والمليشيات إلى هذه المنطقة خلال الأيام الأخيرة، كما لوحظت عمليات حفر منتظمة في محيط المكان، مما يعزز فرضية استخدامه مدفناً سرياً. وعلى بُعد مئات الأمتار فقط، تقع مقبرة الحسينية التي تظهر فيها حفائر طويلة معدة للدفن الجماعي، وتؤكد شهادات الشهود أن عمليات الدفن هناك كانت تتم بشكل دوري.
مقبرة جسر بغدادشمال دمشق، عُثر على رفات أشخاص اعتقلوا على مدار الأعوام الماضية، وضع بعضها في أكياس تحمل أسماء أو أرقاماً فقط. ورغم الجهود المبذولة، لم تُفتح سوى أجزاء قليلة من هذه المقابر بسبب ضعف الإمكانات الفنية.
يُقدَّر أن الجثث الموجودة في مقبرة منطقة جسر بغداد تعود إلى مدنيين قُتلوا أثناء التعذيب في سجون النظام السوري المنهار، ومن بينها سجن صيدنايا. أفادت وكالة الأناضول بأنه عُثر على أكياس يُعتقد أنها تحتوي على رموز السجون وأسماء القتلى في حُفَر طويلة وعميقة لجثث مدفونة بعضها فوق بعض.
درعا
مدينة الصنمينعثر الأهالي في محيط الفرقة التاسعة في مدينة الصنمين بالريف الشمالي من محافظة درعا على مقبرة جماعية. بعد حفر المقبرة، تبين أنها تحتوي على بقايا جثث مدفونة وعظام وملابس، وفق ما أفاد موقع درعا 24 الإخباري.
مدينة إزرععثر الأهالي في أطراف مدينة إزرع بريف درعا الأوسط على مقبرة مشابهة في مزرعة الكويتي. وتبين أن الجثث تعود لأكثر من 10 أعوام. كانت المنطقة تحت سيطرة ميليشيات تابعة لفرع الأمن العسكري، وتم استخراج 31 جثة، بينها نساء وطفل. تم دفن هذه الجثث في مقبرة الشهداء على طريق الشيخ مسكين – إزرع.
قرية أم القصورعثر على مقبرة جماعية في محيط قرية أم القصور الواقعة على الحدود الإدارية بين درعا وريف دمشق. أظهرت الصور أن الجثث قديمة، ولم يبق منها إلا العظام.
مزرعة الكويتي
عثر الأهالي على مقبرة جماعية في مزرعة الكويتي على أطراف مدينة إزرع بريف درعا الأوسط، حيث كانت المنطقة تحت سيطرة ميليشيا تابعة لفرع الأمن العسكري. تم استخراج 31 جثة، بينها نساء وطفل، ودفنها في مقبرة الشهداء على طريق الشيخ مسكين – إزرع.
حلب
أعلنت وزارة الداخلية بحكومة تصريف الأعمال السورية عن اكتشاف مقبرة جماعية في مدينة حلب، تضم نحو 400 جثة على الأقل. وأفادت قيادة شرطة مدينة حلب شمالي سوريا بأنه تم العثور على 5 مقابر جماعية في المدينة، في حين أظهرت وثائق رسمية أن الآلاف من ضحايا التعذيب دفنوا في تلك المقابر.
ووفقاً لما نقله شهود عيان، فقد دفنت 7 آلاف جثة في خان العسل غربي حلب، ومعظمها لمدنيين ماتوا تحت التعذيب. كما أظهرت وثائق أن 1500 معتقل ماتوا تحت التعذيب، دفنوا في مقبرة حلب الجديدة، و1200 معتقل آخرين دفنوا في مقبرة نقارين بمدينة حلب.
حمص
أعلن الدفاع المدني السوري عن العثور على 3 مقابر جماعية جديدة في قرية القبو بريف حمص وسط سوريا. وأكد أن عناصره انتشلوا 20 جثة، مشيراً إلى أن البحث مستمر في الموقع. وقال نائب مدير الدفاع المدني السوري للشؤون الإنسانية، منير مصطفى، إنهم يسعون لتحديد هوية الجثث التي عُثر عليها في القرية، موضحاً أنهم وجدوا جثثاً محترقة بالكامل داخل أكياس صغيرة. وأضاف أنه تم تدريب فريق متخصص للتعرّف على هويات الجثث في المقابر المكتشفة.
الدفاع المدني يحذر من نبش المقابر الجماعية
دعا الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) السوريين إلى عدم نبش المقابر الجماعية والعبث بالأدلة، مشدداً على أن التدخلات غير المهنية في هذه المقابر تمثل انتهاكاً لكرامة الضحايا وحقوقهم وحقوق عائلاتهم، وتؤدي إلى إلحاق ضرر بالغ بمسرح الجريمة والأدلة الجنائية التي يمكن أن تساعد في كشف مصير المفقودين ومحاسبة المتورطين في جرائم اختفائهم.
وأوضح الدفاع المدني أن تلك الأفعال تعيق جهود العدالة وتزيد من معاناة العائلات التي تنتظر بفارغ الصبر معرفة مصير أبنائها، وتُقوض الجهود المستقبلية لتحقيق المساءلة والعدالة. ودعا إلى عدم التوجه لأماكن المقابر الجماعية وعدم نبش أي قبر أو فتحه.