إنسانية جنوب إفريقيا تنتصر لغزة
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
حمد الحضرمي **
دولة جنوب إفريقيا لا يوجد بينها وبين دولة فلسطين رابط ديني أو عقائدي، ولا بينهما رابط حدودي، ولا يجمع بينهما رابط تجاري، ولكن رابط الإنسانية هو الذي جعل رئيس جنوب إفريقيا يطلب من وزير العدل تشكيل فريق قانوني يضم المحامية عديلة هاشم لرفع دعوى جنائية على إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية على أهل غزة، وبتاريخ 29 ديسمبر 2023م، تقدمت جنوب إفريقيا بدعوى مكونة من 84 صفحة، وثقت بالأدلة القاطعة جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، مطالبة المحكمة بإصدار أمر فوري بوقف الحرب لحين البت في القضية.
وهذا حدث تاريخي؛ حيث للمرة الأولى تجد إسرائيل نفسها في مواجهة القانون الدولي، في محكمة الجنايات الدولية، وهي الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة، والتي تتخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقرًا لها، والتي تأسست سنة 1945م، ولها اختصاص عام إذ إنها تنظر في جميع القضايا التي تحيلها الأطراف إليها، وجميع المسائل المنصوص عليها بشكل خاص في الميثاق الأممي أو المعاهدات والاتفاقيات النافذة، وتتكون المحكمة من 15 قاضيًا تتقدمهم الأمريكية جوان دونوغير رئيسة المحكمة، والروسي كيريل غيفورغيان نائب الرئيس، ويوجد بالمحكمة 3 قضاة عرب هم: المغربي محمد بنونة، واللبناني نواف سلام، والصومالي عبدالقوي يوسف.
لقد أعدت جنوب إفريقيا طلبها على أسس قانونية سليمة من خلال الاستناد إلى الوقائع الثابتة وتكييفها تكييفًا قانونيًا صحيحًا، بوصفها أفعال إبادة جماعية، وذلك كله بالتأسيس على نصوص اتفاقيات الأمم المتحدة. وقد باشرت المحكمة جلساتها على مدار يومي 11 و12 يناير 2024، فعقدت جلستي استماع علنيتين في إطار بدء النظر بالدعوى، ومن المنتظر أن تصدر المحكمة خلال الشهر الجاري حكمًا بشأن قرار عاجل محتمل يأمر إسرائيل بوقف الحرب، لكنها لن تبت سريعًا في الاتهامات الموجهة لإسرائيل بالإبادة الجماعية، لأن هذه المسائل قد تستغرق سنوات. وقد قررت جنوب إفريقيا الانتصار للعدل والحق على حساب كل المصالح والحسابات، غير مكترثة بكل الانعكاسات التي سوف تترتب على موقفها مستقبلًا، لأن الكيان الصهيوني وأذرعه الطويلة في جميع أنحاء العالم لن تغفر لجنوب إفريقيا هذا الخطوة الجرئية، والتي نجحت فيها بفضح جرائم الكيان الصهيوني وكشفت عورته أمام العالم، لتكون هزيمته أمام طوفان الأقصى هزيمة عسكرية وقانونية وإنسانية.
لقد قدم الفريق القانوني لجنوب إفريقيا للمحكمة وقائع بالأدلة والبراهين ثبت بالدليل القاطع ثبوت ارتكاب الجيش الإسرائيلي إبادة جماعية بحق إخواننا وأهلنا في غزة، حيث تثبت الأدلة تصريحات موثقة صادرة من نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ورموز اليمين المتطرف والقادة العسكريين، وتم عرض أفلام لجنود إسرائيليين يرقصون ويغنون بإبادة الفلسطينيين، ولا يوجد أبرياء في غزة، وهذا دليل على قصدهم المعلن بتنفيذ جرائم ضد الإنسانية. وطوال أكثر من ثلاثة أشهر والكيان الصهيوني يرتكب جرائم حرب بشعة على الهواء مباشرة، ذهب ضحيتها أكثر من 80 ألف فلسطيني من الشهداء والجرحى، 70% منهم من الأطفال والنساء، وتم تهجير نحو مليوني فلسطيني من ديارهم وحرمانهم من الماء الصالح للشرب،،ومن الغذاء والدواء والعلاج، وتم قصف وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، واعتقال الفلسطينيين وتعريضهم للإهانة بنزع ملابسهم وتعذيبهم ونقلهم إلى معسكرات اعتقال غير قانونية في صحراء النقب.
إن هذه الأفعال تشكل دليلًا قاطعًا على ارتكاب جريمة تصنف من أفعال الإبادة الجماعية، كما نصت عليها اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي تعرف هذه الأفعال بأنها جريمة يدينها العالم المتمدن. إن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية، تضع إسرائيل في دائرة الإتهام، وتضع القانون الدولي والنظام العالمي أمام امتحان حقيقي يحدد مستقبل العالم، فالعدالة الدولية اليوم أمام مفترق طرق كبير، إما أن تنتصر للحق أو أن تضر بنزاهة ولايتها وبمصداقيتها وشرعيتها. وإننا كعرب نستغرب ونتعجب لماذا لم تبادر أي دولة عربية بالتقدم بدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تتهمها بالإبادة الجماعية بحق أهل غزة، ولماذا انتظرت الدول العربية دولة جنوب إفريقيا لتتقدم بهذه الدعوى، التي جعلت الدول العربية في حرج كبير، أو ربما رفعت عنهم الحرج حتى لا تزعل عليهم الدول العظمى!
شكرًا لرئيس جنوب إفريقيا الذي قال: لم أشعر بفخر كهذا من قبل، متمسكون بمبادئنا، ولن نكون أحرارًا حقًا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني، وشكرًا لوزير العدل الذي قال: واثقون مما قدمناه في المحكمة، فهناك هجمات يتضح منها نية الإبادة، وإسرائيل غير قادرة على دحض وإدانة ما يقوم به جنودها وما يكرره مسؤولوها في خطاباتهم، وشكرًا للفريق القانوني وللمحامية عديلة هاشم صاحبة المرافعة التاريخية أمام محكمة العدل الدولية، إننا كعرب ومسلمين يفترض بنا أن لا ننسى لجنوب إفريقيا هذا الموقف الإنساني الشجاع المشرف، حيث سحبت كل دبلوماسيها من دولة الكيان الصهيوني، واليوم ترفع دعوى جنائية على إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية لتنتصر لغزة العربية المسلمة، والعرب والمسلمون في سبات عميق.
ويبقى الأمل الكبير في أن تنتصر العدالة القانونية للحق، لأنها اليوم أمام اختبار حاسم وتحد كبير لإثبات نزاهتها ومصداقيتها حتى لا تتحول إلى مجرد أداة سياسية في أيدي الدول العظمى تطبق أحكامها فقط على الدول الضعيفة.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إمدادات الغذاء لغزة لا تلبي 6% من حاجة السكان
البلاد – واس
تستمر الغارات الإسرائيلية على المدة الفلسطينية، مما أوقع المزيد من الضحايا، إذ استشهد فلسطينيان أحدهما طفل، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحامها بلدة يعبد جنوب مدينة جنين بالضفة الغربية، ترافق ذلك مع اقتحام أجزاء من مدينة نابلس، ومخيم شعفاط بالقدس المحتلة، واندلاع مواجهات مع الفلسطينيين، وسط إطلاق نار وقنابل للغاز.
وفي قطاع غزة، تواصل القصف المدفعي والجوي المكثف على مناطق متفرقة في القطاع، مخلفًا أضرارًا بالغة في منازل وممتلكات الفلسطينيين، وسط تحذيرات فلسطينية من خطورة الأوضاع الصحية داخل المستشفيات، خاصة في شمال القطاع المحاصر للشهر الثاني على التوالي.
من جانبها، أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” أن ما يصل من الدقيق والمواد الغذائية عبر المعابر، لا تلبي 6 % من حاجة السكان، الأمر الذي تسبب بأزمة حادة، خاصة في الحصول على الخبز، إذ أدى ذلك إلى إغلاق معظم المخابز جنوب قطاع غزة.
وأوضحت “الأونروا” أن أكثر من مليوني نازح في قطاع غزة، يحاصرهم الجوع والعطش والمرض والخوف، وأن الحصول على وجبات الطعام أصبح مهمة مستحيلة للأسر في القطاع.
وأشارت إلى أن أوضاع النازحين في خيام النزوح ومراكز الإيواء مأساوية، في ظل الجوع والبرد، وعدم قدرة المنظمات الدولية على تلبية حاجات النازحين، إثر شح الطعام والغذاء، مطالبة بفتح كامل للمعابر، وإدخال ما يحتاجه السكان للحد من المجاعة، التي فاقمت حالات سوء التغذية والأمراض المتعددة.
من جهة ثانية، ارتفع عدد ضحايا تجدد غارات طيران الاحتلال الإسرائيلي على مناطق مختلفة من لبنان إلى 3754 قتيلًا و 15626 جريحًا.
وقال مركز عمليات الطوارئ التابع لوزارة الصحة اللبنانية في بيان له، “إن تجدد غارات طيران الاحتلال على بلدات ومناطق متفرقة من لبنان أسفر عن مقتل 84 شخصًا، وإصابة ما لا يقل عن 213 آخرين مما يرفع حصيلة الضحايا منذ بدء العدوان إلى 3754 قتيلًا و 15626 جريحًا”.
وأضاف المركز أن غارة طيران الاحتلال الإسرائيلي على منطقة (البسطة الفوقا) في العاصمة بيروت الأسبوع الماضي أدت في حصيلة جديدة محدثة “وغير نهائية” إلى مقتل 29 شخصًا، وإصابة 67 آخرين بجروح. فيما لا تزال أعمال رفع الأنقاض مستمرة في الموقع.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية بأن طيران الاحتلال الإسرائيلي شن غارة على بلدة ياطر في قضاء (بنت جبيل في جنوب لبنان واتبعها بغارة مماثلة على بلدات كفردونين وحانين متزامنًا مع قصف مدفعي استهدف بلدات ياطر ورشاف وعيناتا وكونين التابعة لمدينة بنت جبيل مخلفًا أضرارًا مادية كبيرة.