نشرت صحيفة "نيويورك" تايمز تقريرا للصحفيين آرون بوكسرمان وآدم راسغون قالا فيه إن مقاتلي حماس في شمال قطاع غزة أطلقوا ما لا يقل عن 25 صاروخا مستوطنة نتيفوت في غلاف غزة يوم الثلاثاء، مما جدد انتقادات اليمين في "إسرائيل" لقرار الحكومة تقليص بعض العمليات العسكرية في الحرب.

وقالت حماس في بيان إنها استهدفت مستوطنة نتيفوت، على بعد حوالي ستة أميال من حدود غزة.

وقالت الشرطة الإسرائيلية إن مبنى واحدا على الأقل تعرض لأضرار.

وسلط الهجوم الضوء على قدرة حماس المستمرة على تهديد الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق الصواريخ على الرغم من أكثر من 100 يوم من الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي المدمر الذي يهدف إلى تدمير القدرات العسكرية للجماعة.

كما سلط وابل الصواريخ الضوء على الضغوط المتنافسة التي يواجهها القادة الإسرائيليون: المطلب الشعبي واسع النطاق بسحق حماس، والدعوات من السياسيين اليمينيين إلى أن يكونوا أكثر عدوانية في تلك الحملة، ومناشدات عائلات الأسرى لدى حماس لتقديم تنازلات لتأمين عودتهم والغضب في جميع أنحاء العالم بسبب المذبحة والدمار في غزة.

ويقول محللون عسكريون إسرائيليون إن الجيش أضعف بشكل كبير قدرات إطلاق الصواريخ لدى حماس وغيرها من الجماعات المسلحة الأصغر في غزة منذ بداية الحرب، لكنه لم يقض عليها - وهي عملية قالوا إنها قد تستغرق أشهرا، إن لم يكن أطول، لإتمامها.


وقال ياكوف أميدرور، الجنرال المتقاعد الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة: "إن استمرار إطلاق الصواريخ يخبرنا بأننا لم ننه مهمتنا. لا تزال هناك مناطق نحتاج إلى تنظيفها".

استشهد أكثر من 24 ألف فلسطيني في غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ونزح أكثر من 85 بالمئة من سكان غزة، والعديد منهم مهددون بالمجاعة والمرض، وفقا للأمم المتحدة. وقالت وكالة الأمم المتحدة التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين، الثلاثاء، إن الحرب تسببت في أكبر نزوح للشعب الفلسطيني منذ طرد مئات الآلاف منهم في أواخر الأربعينيات، في الحروب التي أعقبت قيام "إسرائيل".

وقالت سيندي ماكين، مديرة برنامج الأغذية العالمي، يوم الاثنين: "الناس في غزة يواجهون خطر الموت من الجوع على بعد أميال قليلة من الشاحنات المملوءة بالأغذية. كل ساعة ضائعة تعرض حياة عدد لا يحصى من الناس للخطر."

يوم الثلاثاء، أكدت "إسرائيل" وحماس أن قطر توسطت في اتفاق يسمح بوصول المزيد من الأدوية والمساعدات الإنسانية الأخرى إلى سكان غزة مقابل توصيل الأدوية للأسرى الإسرائيليين المحتجزين هناك.

قبل الحرب، قدر الجيش الإسرائيلي أن حماس والجماعات الأخرى في غزة لديها ترسانة تزيد عن 10,000 صاروخ، لكن المسؤولين قالوا مؤخرا إن أكثر من 12,000 صاروخ تم إطلاقها على "إسرائيل" خلال الحرب.

ومن غير الواضح كم عدد الأشخاص الذين ما زالوا في أيدي حماس وحلفائها. وقال يسرائيل زيف، وهو جنرال متقاعد كان يقود القوات الإسرائيلية في غزة سابقا، لوكالة رويترز للأنباء إنه يُعتقد أن ما بين 10 بالمئة إلى 15 بالمئة من مجموعة مطلقي الصواريخ التابعة لحماس قبل الحرب والتي تضم حوالي 1000 مسلح لا تزال على قيد الحياة، وأن الحركة لا يزال لديها حوالي 2000 صاروخ.

وقال مسؤولون إسرائيليون في الأسابيع الأخيرة إن حملتهم ضد حماس تتحول إلى مرحلة أكثر استهدافا وسط انتقادات دولية متزايدة بشأن عدد القتلى المدنيين والأزمة الإنسانية في القطاع الفلسطيني.

يوم الاثنين، سحب الجيش الإسرائيلي فرقة من شمال غزة، كجزء من انسحاب أوسع للقوات يهدف جزئيا إلى تخفيف ضغوط الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي. وبعد القصف الصاروخي صباح يوم الثلاثاء، دعا الأعضاء اليمينيون في حكومة نتنياهو في زمن الحرب إلى إعادة النظر بشكل عاجل في هذا القرار.

وقال إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إن قرار سحب بعض الجنود كان "خطأ فادحا وخطيرا سيكلف أرواحا". وقد دعا بن غفير، أحد حلفاء نتنياهو الأكثر تشددا، إلى إعادة احتلال غزة إلى أجل غير مسمى.

وقال بن غفير في بيان إن وابل الصواريخ "يثبت أن غزو غزة ضروري لتحقيق أهداف الحرب".

وضغطت إدارة بايدن على "إسرائيل" لكبح هجومها، من أجل تقليل الخسائر في صفوف المدنيين والسماح للنازحين من شمال غزة بالعودة إلى ديارهم – على الرغم من إصرار الحكومة الإسرائيلية على أنهم لن يتمكنوا من العودة قريبا. وفي مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، قال جون كيربي، المتحدث باسم البيت الأبيض: "نأمل أن يسمح سحب هذه القوات وهذا التحول المعلن عنه للناس بالعودة إلى شمال غزة".

وفي الأسابيع الأولى من الحرب، أطلق المسلحون الذين تقودهم حماس عشرات الصواريخ بشكل شبه مستمر، مما دفع عشرات الإسرائيليين إلى الهروب إلى الملاجئ المحصنة. لكن إطلاق الصواريخ تباطأ مع استمرار القصف الجوي الإسرائيلي والهجوم البري، ومع سيطرة القوات الإسرائيلية على مساحات واسعة من غزة.

وقال مسؤول في حماس إن التباطؤ كان قرارا استراتيجيا وليس علامة على استنفاد ترسانة الأسلحة بشدة، مضيفا أن الحركة لديها أسلحة كافية لمواصلة القتال لعدة أشهر.


وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام: "من الواضح تماما أن هذه الحرب ستستمر لفترة طويلة. من المنطقي أنهم لن يطلقوا كل ما لديهم الآن."

وقال إن "أهداف إسرائيل ثبت أنها مجرد خيالات"، مضيفا أن "الهجوم على نتيفوت اليوم هو دليل على أن استراتيجية إسرائيل لا تنجح".

وقال وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، الاثنين، إن "إسرائيل" أنهت عملياتها البرية "المكثفة" في شمال غزة وستنهي قريبا تلك المرحلة من القتال في الجنوب. وقال في مؤتمر صحفي إن القوات الإسرائيلية نجحت في تفكيك كتائب حماس المسلحة في الشمال و"تعمل الآن على القضاء على جيوب المقاومة"، واصفا إنجازات الجيش الإسرائيلي بأنها "مثيرة للإعجاب للغاية".

لكن المنتقدين في "إسرائيل" يتساءلون عن مدى قرب الجيش من هدفه المعلن المتمثل في القضاء على القدرة العسكرية لحماس، وما إذا كان القضاء عليها أمرا ممكنا. وقد قلل المسؤولون الإسرائيليون مرارا من قوة حماس، بدءا من قدرتها على تنفيذ هجوم مثل ذلك الذي حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى بناء شبكة أنفاقها، والتي وجدت القوات الإسرائيلية أنها أكبر بكثير وأكثر تطورا مما توقعت.

واستمر القادة الإسرائيليون في إخبار الجمهور بأن يتوقعوا استمرار القتال لعدة أشهر، حتى مع إعلان الجيش عن مقتل ما لا يقل عن 185 جنديا إسرائيليا منذ بدء الغزو البري في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر.

وقال جدعون ساعر، النائب المعارض عن تحالف الوحدة الوطنية الذي انضم إلى حكومة الطوارئ التي تشكلت بعد بدء الحرب، في بيان له، الثلاثاء: "من الخطأ تقليص قوة الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في غزة والقوات المنتشرة هناك في الوضع الحالي".

وقد سعى نتنياهو إلى إظهار الثقة في أن الهجوم الإسرائيلي على غزة سيسمح لعشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين فروا من منازلهم بالقرب من حدود غزة بالعودة إلى ديارهم، لكن الهجمات الصاروخية المستمرة أضعفت تلك الآمال.

وقال نتنياهو لقادة المستوطنين في غلاف غزة، الثلاثاء: "نحن مصممون على إعادة بناء البلدات والكيبوتسات في ما يسمى بمحيط غزة، لإعادة السكان إلى منازلهم وتحقيق المزيد من الرخاء عما كان عليه قبل الحرب. ولكن لتحقيق ذلك، علينا أولا هزيمة حماس".

وقال سيرغي دافيدوف، الذي يدير مغسلة سيارات في نتيفوت، المدينة التي استهدفتها الصواريخ الفلسطينية يوم الثلاثاء، إن عدد زبائنه قد تضاءل منذ بداية الحرب. وقال إن بعضهم كانوا من جنود الاحتياط الإسرائيليين الذين تم استدعاؤهم للقتال، في حين كان آخرون غير مرتاحين بشأن القيام بالرحلة إلى المنطقة الحدودية.

وقال دافيدوف، الذي يدعم مثل معظم الإسرائيليين الحرب ضد حماس: "أشعر أن الحكومة تدعمنا اقتصاديا، بما في ذلك من خلال تقديم المساعدة للشركات المتضررة من الحرب. ولكن من حيث الأمن؟ ليس تماما."

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية حماس غزة الاحتلال الصواريخ صواريخ حماس غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات الإسرائیلیة یوم الثلاثاء شمال غزة أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

المأزِق الإستراتيجي لجيش الاحتلال

أطلقت إسرائيل الكثير من الأقوال، أرغت وأزبدت وتوعدت، وضعت أهدافًا لمحو حماس والقضاء عليها عسكريًا وسياسيًا وأسر قادتها، واستعادة الأسرى. بعد تسعة أشهر من الحرب المتواصلة، كان نتنياهو يؤكّد أنّ معركة رفح ستشكل مرحلة فاصلة على طريق تحقيق إسرائيل نصرًا كاملًا ينهي حكم حماس للقطاع.

لكن، بعيدًا عن نتنياهو وبعض قادة حكومته، تتابعت تصريحات تعبّر عن واقع مختلف على ألسنة قادة عسكريين ومعلّقين. على الأرض، لم يتحقق شيء مما وضعته إسرائيل من أهداف للحرب. هذا كله وضع قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين في مأزِق إستراتيجي خطير.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا كان يفعل جيش الاحتلال طوال الأشهر التسعة الماضية، إذا لم يتمكن من تحقيق أي من أهداف الحرب، رغم الدعم الأميركي والقدرات العسكرية والنارية التي دمّرت قطاع غزة تقريبًا، لكنها لم تقضِ على حماس؟

الواقع أن جيش الاحتلال لم يحقّق طوال تلك الأشهر إلا إنجازات تكتيكية، قد تكون أضعفت الكتائب القتالية للمقاومة، لكنها لم تؤدِّ إلى القضاء على حماس أو تفكيكها ونزع سلاحها. على العكس من ذلك، عادت الحركة إلى جميع المناطق التي انسحبت منها سابقًا، وانسحب الجيش من المناطق التي توغل فيها، وذلك بسبب تصاعد عمليات المقاومة، التي كبدته المزيد من الخسائر، وقلة قواته القتالية القادرة على السيطرة على الأرض.

القوات الإسرائيلية أيضًا استبد بها الإرهاق والتعب بسبب طول مدة الحرب، وهناك نقص كبير في المعدات والذخائر، رغم الدعم الأميركي والغربي الواسع. وساهم في تعقيد الموقف تعدد جبهات المواجهة التي تورط فيها، وأجواء الانقسام السياسي والعسكري حول الرؤية المستقبلية.

في المقابل، يشير معهد الحرب الأميركي إلى أنّ حماس تعيد بناء قوتها السياسية والعسكرية. وهذا أمر لا شكّ فيه، فالحرب لم تضع أوزارها، وقد تستمر لفترة قادمة. هذا ما يدفع حماس إلى إعادة تشكيل قواتها في جميع المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، آخذة بعين الاعتبار القدرات العسكرية المتاحة والتطوّرات الميدانية.

تركز حماس حاليًا على ثلاث نقاط رئيسية:

1- المضي في العمل القتالي والسياسي والإداري، وإن بوتيرة أقل من السابق، وهي خطوة مهمة لاستعادة السيطرة على الوضع المضطرب.

2- إعادة تنظيم البنى التحتية والتصنيعية، بما في ذلك إعادة توزيع الموارد المتاحة؛ لتعزيز الكتائب التي تضررت نتيجة العمليات العسكرية.

3- القيام بعملية تجنيد للشباب لإعادة تشكيل الكتائب القتالية والإدارية.

التراجع المنهجي

لنراجع بعض التصريحات والتقييمات التي تكشف الصورة الأخرى للطرف الإسرائيلي، لنلحظ التراجع الكبير عن أهداف الحرب التي أعلنت في بدايتها، وحالة اليأس وعدم اليقين التي تملأ الأجواء، واختفاء الحفاوة بالرأي الذي كان يقول إن الضغط العسكري هو الذي سيحقق الأهداف ويحسم الأمر.

نذكر تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري الذي قال للقناة 13 الإسرائيلية: إن "الحديث عن تدمير حماس هو ذر للرماد في عيون الجمهور. حماس فكرة متجذرة في قلوب الناس، وأي شخص يعتقد أنه يمكننا القضاء عليها، مخطئ".

بعده، ظهر آمر اللواء الثاني عشر في فرقة سيناء 252، وهي الفرقة المعنية بحماية الحدود مع مصر، والتي تم استدعاؤها للقتال في رفح بسبب النقص الذي يعاني منه الجيش في القوة القتالية نتيجة الإنهاك والاستنزاف والخسائر، حيث أدلى آمر تلك الفرقة، العقيد ليرون باتيتو، بتصريحات غير مسبوقة تخص الحرب في غزة، حيث قال: إن "تفكيك القدرات العسكرية لحركة حماس في مدينة رفح سيستغرق عامين آخرين على الأقل".

وأضاف: "مهمة القضاء على حماس ليست سهلة، والأمر يتطلب وقتًا وضغطًا عسكريًا كبيرًا. حماس تدير في رفح حرب عصابات عبر مجموعات مستقلة مما يجعل التعامل معها أصعب، ومن يعتقد أن صفارات الإنذار ستتوقف خلال العام المقبل فهو يذر الرماد في عيون الإسرائيليين".

قال الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية الجنرال غادي آيزنكوت: إن "من يقول إننا سنفكك كتائب رفح التابعة لحماس ونعيد المخطوفين كمن يزرع وهمًا كاذبًا".

ونقلت صحيفة هآرتس عن ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي، رفض ذكر اسمه، قوله: إن "حماس غيرت تكتيكات الحرب وباتت أكثر تركيزًا في تفخيخ المباني". وأضافت الصحيفة: "التقديرات التي يقوم بها الجيش ليست صحيحة فيما يتعلق بالبنى التحتية لحماس".

وصرح قائد إدارة القتال في لواء ناحال 933 بأن "القوات الإسرائيلية يمكن أن تبقى منخرطة في محورَي فيلادلفيا ونتساريم عدة أشهر إضافية، وربما سنوات". نستطيع أن نلمح في هذا التصريح الأخير غياب الرؤية أو الإستراتيجية العسكرية الواضحة، فكل ما يعرفه القائد هو فكرة عامة تقول إنهم قد يبقون أشهرًا أو سنوات؛ انتظارًا لاتضاح الرؤية السياسية للتعامل مع القطاع.

أما وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر فقال بوضوح: إن "القضاء على قدرة حماس على حكم قطاع غزة لا يزال بعيدًا عن التحقيق".

وقال اللواء المتقاعد إسحاق بريك: إن الجيش لا يملك القدرة على إسقاط حركة حماس، والاستمرار في الحرب سيكبد إسرائيل خسائر جسيمة، ويؤدي إلى انهيار الجيش والاحتياط خلال فترة وجيزة، كما سيتسبب في انهيار الاقتصاد وتدهور العلاقات الدولية. وحذر من أنّ الانخراط في جبهة جديدة سيدمر إسرائيل، في إشارة إلى تصاعد المواجهة على جبهة الشمال مع لبنان.

تبدو التصريحات السابقة كتبريرات لفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهداف الحرب بعد تسعة أشهر من قتال ضارٍ أحرق الأخضر واليابس في قطاع غزة، لكنه لم يستطع القضاء على حماس. فإذا كان ما تحقق لا يزيد على أهداف تكتيكية لا توازي قدرات ذلك الجيش، فلا بد، إذن، من سُلم للنزول عن الشجرة، وهذه التصريحات تحاول أن تقوم بهذا الدور.

إستراتيجية عسكرية فاشلة

وضعت إسرائيل إستراتيجية عسكرية فاشلة لم تكن مناسبة لتحقيق أهدافها من الحرب. وكما يقول "ليدل هارت"، المنظر الأوّل للحرب غير المباشرة، فإن "أحد أسباب إطالة أمد الحروب هو عدم تطابق الوسائل المستخدمة مع الأهداف المطلوب تحقيقها".

أهداف الحرب تفوق قدرة الجيش الإسرائيلي، فهو يفتقر – على مستوى ضباطه وجنوده – إلى الخبرة الميدانية اللازمة للقتال في مناطق مبنية معقدة. كما أنه يقاتل في بيئة جغرافية معادية تمامًا، ويعاني نقصًا كبيرًا في المعلومات الاستخبارية عن فصائل المقاومة.

آخر حرب نظامية خاضها الجيش الإسرائيلي كانت عام 1973. بعدها، كانت أغلب حروبه جوية وصاروخية تتحاشى التدخل العسكري المباشر إلا في أضيق الحدود. لذا، فهو يفتقر إلى الخبرة الميدانية والاستخبارية للقتال بأسلوب حرب العصابات.

كان لافتًا تزايد التصريحات التي يدلي بها القادة الميدانيون في الجيش، ومن بين ذلك، تصريحات أدلى بها قائد الفرقة 98 مطالبًا القادة السياسيين، "أن يكونوا جديرين بالتضحيات التي أظهرها الجنود"، في انتقاد واضح ولاذع لانقساماتهم. دفع هذا رئيس الأركان هرتسي هاليفي إلى توبيخه واتخاذ إجراءات تأديبية ضده "لإضراره بمكانة الجيش".

ومثلما حدث مع ذلك القائد، فقد توقف الناطق الرسمي باسم الجيش دانيال هاغاري عن الإدلاء بتصريحات بعد أن أقر بعدم قدرة الجيش على تفكيك حماس، وكان هذا مؤشرًا على القيود المفروضة على القادة العسكريين لإجبارهم على الصمت.

ولكن الأمر تغيّر بعد ذلك، وما كان يواجه بالعقاب والإجراءات التأديبية، أصبح يواجه بالصمت، وهكذا تجاهلَ رئيس الأركان تصريحات صادرة من قائد اللواء 12 وقائد إدارة القتال في لواء ناحال 933. هذا الصمت يشير إلى احتمال صدور توجيهات تسمح للقادة الميدانيين بالإدلاء بمثل هذه التصريحات، ربما لتبرير فشل الجيش، وللتمهيد لمرحلة جديدة يتوقف فيها القتال، ويستبدل بصفقة لتبادل الأسرى.

يمكن القول، إذن، إن العملية العسكرية الإسرائيلية قد استنفدت أغراضها، وليس بمقدور جيش الاحتلال إضافة إنجازات أخرى مهما طال أمد الحرب. بل على العكس، قد يؤدي طولها إلى انهياره، كما يقول اللواء إسحاق بريك.

أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية هذا الرأي، وذكرت أن كبار الجنرالات في إسرائيل يريدون "بدء وقف إطلاق النار في غزة حتى لو أدى ذلك إلى إبقاء حماس في السلطة في الوقت الحالي"، ويعتقد بعض هؤلاء أن الهدنة ستكون أفضل وسيلة لتحرير حوالي 120 أسيرًا إسرائيليًا لدى فصائل المقاومة في غزة، أحياءً أو أمواتًا.

هذا الموقف يزيد من اتساع الفجوة بين هؤلاء الجنرالات وبين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يعارض أي هدنة تسمح لحماس بالبقاء في الحكم.

ويرى هؤلاء أن وقف القتال في غزة سيؤدي إلى وقف المواجهات في الجبهة الشمالية والهجمات القادمة من اليمن والعراق. كما أن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى وقت للتعافي من تداعيات الحرب، واستعادة جاهزيته. المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي والدولي يحتاج إلى إعادة بناء بعد أن تضرّر بشكل كبير، ويتطلب الأمر وقتًا طويلًا لترميم العلاقات الخارجية.

في الختام، تبدو إسرائيل في موقف صعب؛ بسبب الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، والخلافات الداخلية بين القيادة السياسية والعسكرية، إضافة إلى التكلفة البشرية والمادية الباهظة للحرب، وكلها عوامل تدفع نحو إعادة تقييم الموقف بحثًا عن مخرج.

ومع استمرار الوضع على ما هو عليه، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستتمكن إسرائيل من إيجاد سبيل لتحقيق أهدافها المعلنة، أم أنها ستضطر في النهاية إلى قبول تسوية لا تلبّي طموحاتها الأولية؟

الزمن وتطوّر الأحداث على الأرض، كفيلان بالإجابة عن هذا السؤال.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • التهدئة في غزة مفاوضات تحت الضغط
  • المأزِق الإستراتيجي لجيش الاحتلال
  • الجيش الإسرائيلي يضرب أهدافًا عسكرية سورية في مرتفعات الجولان
  • 29 قتيلاً بغارة على مدرسة في غزة والجيش الإسرائيلي يقول إنه استهدف إرهابياً
  • صواريخ أُطلقت من لبنان باتجاه إسرائيل.. استهدفت هذه القاعدة العسكرية
  • صور أقمار صناعية تُظهر توسع إيران في إنتاج الصواريخ
  • أعنف المعارك منذ اندلاع الحرب.. إسرائيل تواصل هجومها الغاشم على قطاع غزة
  • صور بالأقمار الاصطناعية تظهر توسع إيران في إنتاج الصواريخ
  • صفقة الرهائن.. شروط نتنياهو تثير "استغراب" فريق التفاوض
  • صفقة الرهائن.. شروط نتنياهو تثير "استغراب" فريق التفاوض