فوضى وطوارئ بعد هروب أخطر زعيم مافيا بالإكوادور
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
ساو باولو- أعادت عملية هروب زعيم مافيا "لوس تشورينوس" -الأكبر من بين 22 مافيا أخرى في الإكوادور– خوسيه أدولفو ماسياس فيجامار "فيتو" في 7 يناير/كانون الثاني الجاري والمعتقل في سجن غواياكيل منذ العام 2008 تسليط الأضواء على دور هذه العصابات في زعزعة أمن البلاد.
واقتحم أنصار فيجامار إحدى محطات التلفزة المحلية واعتقلوا بعض العاملين والضيوف فيها على الهواء مباشرة، ثم اقتحموا إحدى جامعات مدينة غواياكيل واختطفوا بعض المواطنين من أماكن مختلفة، مما دفع الرئيس دانيال نوبوا إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد وتكليف الجيش بإنهاء حالة الفوضى.
وأصدرت دول عدة في أميركا اللاتينية بيانات تضامن مع الإكوادور، منددة بإجرام عصابات المافيا، من بينها الحكومة البرازيلية التي عبرت عن استعدادها لإرسال شرطتها الفدرالية إلى الإكوادور للمساعدة على إعادة الأمن والاستقرار.
أزمة أمنيةبدوره، يقول فرانكلين سارنيرتو سانشيز -وهو قانوني يرأس مركز "إسكويلا بوبولار" للتدريب السياسي المتخصص في الدفاع عن الحركات والمنظمات الاجتماعية- إن هذه الحادثة "شكلت أزمة أمنية كبيرة، إذ ارتفعت في السنوات الأخيرة نسب القتل العنيف بالبلاد، ففي عام 2023 قُتل 8008 أشخاص، وهو ضعف الرقم المسجل عام 2022 بنحو 4500 شخص".
ويضيف سانشيز للجزيرة نت أنه نتج عن هذا التمرد احتجاز حراس السجن والموظفين الإداريين كرهائن، وبدء موجة أعمال عنف في المدن الرئيسية، ولا سيما في كيتو وغواياكيل وإزميرالداس وماتشالا وكوينكا.
كما تم إحراق سيارات والتهديد باستخدام القنابل، مما أثار الخوف والرعب بين السكان، والإعلان اللاحق عن بدء النزاع المسلح الداخلي في الإكوادور من قبل الحكومة الوطنية، مما يعني ضمنا الاعتراف بـ22 عصابة إجرامية باعتبارها إرهابية، وهو ما أدى إلى تعبئة القوات المسلحة وإعلان حالة الطوارئ.
وبشأن العلاقات التي نسجتها هذه العصابات مع أجهزة الدولة الإكوادورية، يقول سانشيز "يُظهر هذا الهروب بوضوح الارتباط بين تجار المخدرات والعصابات مع أجهزة الشرطة والجيش في البلاد".
ويتابع "ومن المعروف أن من يمسك بالسجون من الداخل هي عصابات مختلفة: تشورينوس، ولوبوس، وتيغيرونيس، وأغيلاس، ومافيا 18، ومافيا تريبول، وتشوني كيلير وغيرها، وقد أعطتها الحكومة الآن وضعا سياسيا، أي اعترافا من خلال إعلانها أهدافا في الحرب الداخلية".
وإلى حد بعيد، تتشابه الأوضاع في أغلب دول أميركا اللاتينية التي كانت تراقب ما يحدث في الإكوادور من ناحية الانفلات الأمني وانتشار عصابات الاتجار بالمخدرات، وإن بنسب مختلفة.
من جهته، يقول الخبير القانوني والباحث في مجال التاريخ السياسي البرازيلي سيرو غارسيا للجزيرة نت "ما نراه في الإكوادور يشبه ما نراه في دول أميركا اللاتينية الأخرى، بما فيها البرازيل التي تصر على سياسة أمنية عامة فاشلة تسميها "الحرب على المخدرات".
ويضيف "تركز هذه السياسة على الحبس الجماعي الذي يؤدي في النهاية إلى سيطرة الفصائل الإجرامية المرتبطة بالاتجار بالمخدرات على السجون وتصبح القوة الحقيقية داخلها".
ويوضح غارسيا "أما رد الحكومة الإكوادورية وإعلان حالة الطوارئ فكان مناورة وقائية لتجريم الحركات الاجتماعية والشرائح الغارقة في الفقر، ولا سيما حركات الشعوب الأصلية (الهنود الحمر)، لا يمكننا أن نغفل حقيقة أن الإكوادور تمر بعملية مستمرة من التعبئة الشعبية ضد الخطط الاقتصادية التي تؤدي كل يوم إلى تدهور أوضاع الفئات الأكثر ضعفا".
أما الباحث في القانون الدستوري ومنسق "منتدى الدستوريين" في المكسيك رومان لازكانو فرنانديز فيقول "رسميا، لم تتخذ الدولة المكسيكية أي موقف من عملية الهروب، لكن على المستوى الشعبي هناك قلق بشأن سياسة مكافحة المخدرات المتبعة في أميركا اللاتينية والروابط الواضحة بين الكارتلات في المكسيك وفي أميركا اللاتينية".
ويضيف "أعتقد أنه من الأهمية بمكان انتهاج سياسة جديدة لمكافحة المخدرات في القارة الأميركية تشارك فيها جميع البلدان، ويتم وضع السياسات المناسبة للحد من قدرات الجماعات الإجرامية في أميركا اللاتينية والقضاء عليها".
أما من الجانب الإكوادوري فيقول القانوني فرانكلين سانشيز "قبل فترة وجيزة وقعت الإكوادور اتفاقية مع الولايات المتحدة للحصول على دعم استخباراتي واستجلاب قوات عسكرية لمواجهة هذه الظاهرة، مما قد يعني أنها ستصبح جيبا أميركيا جديدا للسيطرة الجيوسياسية على المنطقة، علما بأن حكومات فنزويلا وكولومبيا وبوليفيا والبرازيل غير متوافقة مع سياسات أميركا الشمالية".
ويضيف أن شروط الاتفاقية تنص على إفلات الجيش الأميركي من العقاب على الأراضي الإكوادورية، حيث يتم منحه حصانة للمحاكمة في الولايات المتحدة.
لكن، كيف يمكن معالجة ظاهرة العنف المرتبطة بعصابات الاتجار بالمخدرات؟ يجيب رومان فرنانديز "في المكسيك، من الواضح أن برنامج "العناق لا الرصاص" الذي وضعه الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور لم يحقق النتيجة المتوقعة منه بالنظر إلى أن هذه الإدارة ستنتهي ولايتها حاليا بأكثر من 200 ألف قتيل في الاقتتال المحلي بين مجموعات الجريمة المنظمة".
ويضيف "ونظرا لهذه الظروف لا بد من انتهاج سياسة جديدة لمكافحة جماعات تهريب المخدرات من خلال إجراءات يمكن أن تجمع بين مواجهة هذه العصابات، وزيادة نسب النمو قبل أن تستفحل هذه الظاهرة وتصبح مشكلة عالمية".
ويقول سيرو غارسيا "إن ما تسمى "الحرب على المخدرات" ليست أكثر من سياسة تجريم الفقر، وتشجيع الإبادة الجماعية ضد المواطنين ذوي البشرة السوداء، خاصة الشباب في الأحياء الفقيرة والضواحي، بالإضافة إلى السجن الجماعي للشباب السود، إنها سياسة فاشلة تغذي تهريب الأسلحة والمخدرات".
ويؤكد أنها "سياسة تلحق الضرر بالأطفال الأبرياء والعمال والفئات المهمشة بشكل يومي، يجب وضع حد لهذه الكارثة، نحن بحاجة إلى تجريم المخدرات لأنها قضية تتعلق بالصحة العامة وليس بالسلامة العامة، وإلى حظر العمليات العسكرية في الأحياء الفقيرة وضمان التعليم العام والصحة المجانية، وتوفير فرص العمل لمن يعيشون في الأحياء الفقيرة والضواحي".
أما فرانكلين سانشيز فيرى أن مشكلة الأمن وتهريب المخدرات هيكلية ويمكن علاجها عبر توزيع الثروة والاستثمار وخلق فرص العمل، لكنه يضيف أن هذه الحكومة وسابقاتها "تسير في الاتجاه المعاكس، وتقترح فقط مواجهة ومكافحة الآلاف من الشباب الذين تم إغراؤهم من قبل تجار المخدرات والعصابات بالعنف بسبب قلة الفرص".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی أمیرکا اللاتینیة فی الإکوادور
إقرأ أيضاً:
الجنيه في أدنى مستوياته.. هل تشهد مصر موجة هروب رابعة للمال الساخن؟
قبل أيام حذر خبير مصري من تعرض مصر لتجربة قاسية جديدة مع المال الساخن، متوقعا هروب الأجانب للمرة الرابعة في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، من أدوات الدين المصرية بفعل الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والحرب التجارية المتوقعة بين أباطرة اقتصاد العالم.
والأربعاء الماضي، رفع ترامب لوحة تُظهر الرسوم الجمركية المفروضة على دول العالم، والتي تراوحت بين 10 إلى 49 بالمئة، فيما طالت النسبة الأدنى من الرسوم مصر، ومعها قطر والإمارات والسعودية والكويت والسودان واليمن ولبنان وجيبوتي وعُمان والبحرين والمغرب.
والأحد، ومع أول أيام العمل بالبنوك المصرية عقب إجازة عيد الفطر، تراجع الجنيه المصري لمستوى قياسي، فيما أكد مسؤولون مصريون أن هناك انسحاب جزئي للأجانب من أدوات الدين المصرية.
وسجل الجنيه المصري تراجعا قياسيا أمام الدولار الأمريكي بتعاملات الأحد، ليفقد أكثر من 60 قرشا ويصل إلى 51.3 جنيه لكل دولار، بحسب بيانات البنك الأهلي المصري قبل أن يستقر عند 51.17 للبيع، بحسب بيانات البنك الأهلي المصري، وهو ما وصفه مراقبون بأنه المستوى الأدنى للجنيه.
ورغم أن بداية التعاملات شهدت ثباتا واستقرارا لسعر الصرف بالبنك المركزي، مسجلا 50.52 جنيه للشراء، 50.66 جنيه للبيع، مقابل الدولار، إلا أنه بنهاية تعاملات الأحد، صعد سعر الدولار بنحو 53 قرشا، بنحو 51.05 للشراء، و51.19 للبيع.
وأرجع مصرفي مصري تراجع الجنيه إلى "قرارات الرئيس الأمريكي الأخيرة بفرض رسوم جمركية"، مبينا "للشرق مع بلومبيرغ" أنها "أثارت حالة من الترقب وعدم اليقين، ما دفع المستثمرين الأجانب لسحب جزء من أموالهم من الأسواق الناشئة، ومن بينها مصر، كإجراء احترازي للاحتفاظ بالسيولة وتقييم الوضع".
وهو ما أكد عليه رئيسا مصرفين خاصين في مصر بأن "الانسحاب الجزئي للأجانب من أدوات الدين الحكومية كان من بين العوامل الرئيسية وراء تراجع الجنيه".
وكانت وزارة المالية المصرية قد كشفت أن استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بلغت 41.3 مليار دولار بنهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
"الخروج الرابع"
وفي الوقت الذي شهدت فيه اقتصاديات أغلب دول العالم تأثيرات مباشرة إثر قرارات ترامب الصاخبة الأربعاء الماضي، فيما سماه بيوم "الحرية"، وما تلاه الخميس، من ردود دولية بقرارات مماثلة سماها العالم يوم "الانتقام"، حذر الخبير الاقتصادي محمود وهبة من تعرض مصر لتجربة قاسية مع المال الساخن.
وبينما أشار وهبة، إلى خسائر بورصات آسيا وأوروبا ثم خسائر بورصات أمريكا، كتب يقول: "مجرد تخمين وتحذير، الدماء تسيل في بورصات وأسواق العالم ومنها المال الساخن"، ملمحا إلى أن "مصر قد تواجه خروجا رابعا للمال الساخن الذي يقدر بـ38 مليار دولار".
ولفت إلى أن مصر "ليست منعزلة فهي تعتمد على العالم"، مبينا أن "الحكومة المصرية قالت سابقا 3 مرات أنها تعلمت الدرس ثلاث مرات وأنها لن تعتمد على المال الساخن، ثم عادت للاقتراض للمرة الرابعة وبشراهة".
"الموضوع أكثر تعقيدا"
وفي إجابته على سؤال "عربي21": هل تمنع أعلى فائدة من الأعلى في العالم التي تمنحها القاهرة على السندات المصرية المال الساخن من الهروب من سوق الدين الحكومي بمصر؟، أجاب وهبة: "رفع سعر الفائدة هو ضياع للثروة (المصرية)"، مضيفا أن "الموضوع أكثر تعقيدا من مبلغ فائدة إضافي".
وفي تعقيبه على انخفاض قيمة الجنيه الأحد، أمام الدولار، قال عبر "فيسبوك": "لازال سعر الصرف مدار، والمتوقع أسوأ لو كان سعر الصرف مرنا؛ والمال الساخن غير مضمون للمرة الرابعة"، متوقعا حدوث تأثير على البورصة المصرية ثم العملة المحلية ما يؤدي للتضخم ثم الركود التضخمي.
"خروج غير مبرر"
وفي رؤيته قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين، إن "خروج رؤوس الأموال الساخنة من مصر الآن، ليس مبررا، وعلى العكس فإن الاستثمار في أدوات الدين المصرية يعتبر استثمارا آمنا للاستثمارات الأجنبية".
أستاذ الاقتصاد بكلية "أوكلاند" الأمريكية، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "السؤال المهم هو لماذا يخرج رأس المال الساخن من مصر الآن؟"، مشيرا إلى أن "تعرض مصر مرة أخرى لهروب المال الساخن بهذا المبلغ (41.3 مليار دولار) يضغط كثيرا على حجم النقد الأجنبي في مصر".
وعن الأسباب العالمية برفع ترامب الرسوم الجمركية، يرى أنها "من المفترض أن تكون سببا رئيسيا لمنع رؤوس الأموال من الهرب، خشية الكساد، وانهيارات البورصة".
"يفضل الخروج الآمن"
وفي رؤيته لاحتمالات تعرض مصر لضربة بهروب المال الساخن للمرة الرابعة منذ 2018، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، إن "المال الساخن له خصائص يعرفها المتعاملون بأسواق المال على مستوى العالم، فهو يدخل أي اقتصاد للاستفادة من الأرباح الموجودة، ويبدأ في الخروج عندما يشعر بعدم الأمان، وهذه هي السمات الأساسية للمال الساخن".
وفي حديثه لـ"عربي21"، فسر ما يحدث على مستوى العالم من انهيارات للبورصات العالمية وارتفاع حالة عدم اليقين بالأسواق العالمية نتيجة تهديدات الرئيس ترامب، بأنه "جعل الأسواق الناشئة مثل مصر عرضة لخروج الأموال الساخنة بشكل مفاجئ، وهذا أمر لا مفر منه".
وأوضح الخبير المصري أن "الأموال الساخنة تخرج من مصر على سبيل المثال لتغطية الخسائر المتوقعة للمستثمرين الأجانب بأدوات الدين المصري، في الأسواق الخارجية".
وبين أن "بعض المستثمرين الأجانب لهم استثمارات في الأسهم والسندات وصناديق الاستثمار وما حدث من انهيار بالصناديق والبورصات العالمية الخميس والجمعة الماضيين يجبر عددا منهم لسحب جزء من أموالهم المستثمرة بأدوات الدين بالأسواق الناشئة لتعويض الخسائر في الأسواق المتقدمة بأوروبا وأمريكا".
ولفت إلى أنه "من ناحية أخرى هناك تخوفات لدى المستثمرين الأجانب من الانهيارات التي تحدث على المستوى العالمي، وأن يكون تأثيرها أكبر على مستوى الأسواق الناشئة، ومن هنا حركتهم تكون سريعة ومفاجئة ولا تنتظر ما سيحدث".
ويعتقد أن "نتيجة خروج المستثمرين الأجانب من الأسواق الناشئة بدون دراسة يؤدي إلى انهيار سوق الدين في الدول التي يخرجون منها، وبالطبع انهيار سعر الصرف في هذه الدول، وهذا ما يحدث في مصر".
وتساءل عبدالمطلب: هل يمكن أن تتعرض مصر إلى ضربة ثانية كما حدثت عام 2022؟، مجيبا: "منذ السماح بعودة هذه الأموال ورفع أسعار الفائدة كان من المتوقع أن تأتي الأموال الساخنة من جديد".
وأوضح أنه "ومع وجود احتمالات خفض أسعار الفائدة نتيجة البيانات المصرية التي تحدثت عن انخفاض وتراجع التضخم بنسبة كبيرة من 25 بالمئة إلى 12 بالمئة هناك ترقب من المال الساخن للخروج حال وجود تخفيض لسعر الفائدة".
وأشار إلى أن "هذه الاستثمارات قد تجد أن الاستثمار في أدوات الدين المصري غير مجزي، وما يزيد المخاوف من الخروج هي قرارات ترامب، وارتفاع حالة عدم اليقين في الاقتصاديات العالمية، وأيضا الارتفاعات الكبيرة بأسعار الذهب والتوقعات بأن يصل سعر الأونصة إلى 4 آلاف دولار".
وخلص للقول: "كل هذا يجعل بالتأكيد الأموال الساخنة لديها الرغبة للخروج لتقليل خسائرها، وتعويض الخسائر التي منيت بها بالخارج، والبحث عن ملاذات أكثر أمنا وخاصة الذهب".
وحول دور أعلى فائدة في العالم التي منحها القاهرة على السندات المصرية في عدم هروب المال الساخن من سوق الدين الحكومي، قال عبدالمطلب، إن "المال الساخن يبحث عن الربح في المقام الأول، ولكنه أيضا يبحث عن الأمان، وعند وجود مشاكل وتوقعات بأن تحدث أي أنواع الهزات الاقتصادية يخرج، ولو ضحى بقليل من الربح".
وختم مؤكدا أن "ما يحدث على مستوى العالم، وما يحدث بالمنطقة، وقرارات ترامب، واتساع الحرب بإقليم الشرق الأوسط، مقرونا باحتمال أن تقوم القاهرة بتخفيض سعر الفائدة يجعل رأس المال الساخن يفضل الخروج الآمن عن انتظار الأرباح".
"سجل سيئ للمال الساخن"
وفي ظل ما تعانيه مصر من تراجع في دخل قناة السويس ومن السياحة، بالتزامن مع "حرب غزة" والتوترات الإقليمية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، تلجأ الحكومة المصرية للأموال الساخنة في محاولة لزيادة المعروض لديها من النقد الأجنبي، ما يدعم قيمة صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
لكن للمال الساخن في مصر سجل سيئ، وتبعات سلبية على ثاني أكبر اقتصاد عربي وإفريقي، وعلى العملة المحلية التي يتعامل بها أكثر من 107 ملايين مصري يعيشون في الداخل، فيما يؤكد الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، في مقال له أنها "تضيف عبئا على موارد النقد الأجنبي، بسبب سعيها في نهاية كل فترة لإخراج ما حصلت عليه من فوائد على أموالها".
وسجل المال الساخن أشهر هروب له من الدين الحكومي المحلي من أذون خزانة وسندات حكومية عقب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، حيث كان يقدر قبلها بنحو 8 مليارات دولار، وهو الأمر الذي تكرر بأعوام 2018، و2020، ما فجر أزمة شح النقد الأجنبي، وما تلاها من تبعات فاقمت أزمات الاقتصاد المصري.
الهروب الأكبر والأشهر للمال الساخن من مصر، جاء في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، ورفع أسعار الفائدة الأمريكية، بمبلغ يقدر بين 18 و20 مليار دولار وهي الأرقام التي كُشف عنها في نيسان/ أبريل 2022، واعترف بها وزير المالية المصري محمد معيط، الذي أكد في حزيران/ يونيو 2022، أن "الدرس الذي تعلمناه أنه لا يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة".
وقال حينها، إن حوالي 15 مليار دولار غادرت مصر أثناء أزمة الأسواق الناشئة عام 2018، و20 مليار دولار عند تفشي جائحة "كوفيد-19" في 2020، كما تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 بخروج 21.5 مليار دولار من قيمة الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة.
ذلك الخروج أدى في 2022، إلى تفاقم أزمات الاقتصاد المصري وانهيار سعر الجنيه وخلق سعرين للصرف أحدهما رسمي في حدود 30 جنيه للدولار وآخر للسوق السوداء وصل حتى 70 جنيها، في سابقة تاريخية.
منذ ذلك الحين يحذر خبراء ومراقبون من عودة مصر إلى الاعتماد على الأموال الساخنة، مؤكدين أنها مجرد مسكنات وقتية لا عالج لأزمات الاقتصاد الهيكلية والمزمنة، ولا تعكس قوة الاقتصاد وتعافيه بل تؤكد معاناته وتعمق أزماته بهروبها المعتاد، مطالبين بوضع حوافز حقيقية لتشجيع الاستثمار المباشر.
وفي آذار/ مارس 2024، شهدت مصر، وبناء على توصيات مؤسسات دولية تدفقا من الأموال الساخنة على السندات الحكومية والأذون المحلية، لتبلغ نحو 24 مليار دولار، مرتفعة من 13.72 مليار دولار بنهاية كانون الثاني/ يناير 2024.
وعاد المال الساخن لسوق الدين المحلية بقوة عقب إعلان البنك المركزي المصري تحرير سعر الصرف في آذار/ مارس 2024، وتوحيد سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء لتجارة العملة، ورفع قيمة قرض صندوق النقد الدولي مع مصر من 3 إلى 8 مليارات دولار.
وهي القرارات التي تعني للمستثمرين الأجانب ولمؤسسات وصناديق الاستثمار ارتفاعا للعوائد بشكل مغر، خاصة مع استقرار سوق الصرف، وعودة جاذبية السندات المحلية مع قرار القاهرة رفع سعر الفائدة بواقع 8 بالمئة في آذار/ مارس 2024.
ليصل في مصر إلى مستوى قياسي 27.25 بالمئة للإيداع و28.25 بالمئة للإقراض ما شجع مؤسسات مالية أجنبية مثل "غولدمان ساكس"، و"سيتي بنك"، و"مورغان ستانلي"، للشراء فى أدوات الدين الحكومية مجددا.
والعام الماضي، وصل العائد على أذون الخزانة المحلية 32 بالمئة قبل موجة هبوط حتى 27 بالمئة، في آخر عطاء، مع زيادة إقبال المستثمرين لشراء أذون الخزانة وتراجع معدل التضخم.
ما أدى لرفع إجمالي استثمارات الأجانب بأدوات الدين المصرية لنحو 33 مليار دولار بنهاية ذلك الشهر من العام الماضي، لترتفع ثانية لحوالي 37.45 مليار دولار بنهاية أيار/ مايو الماضي، لتقفز إلى 38.171 مليار دولار بنهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بحسب بيانات البنك المركزي.
لكنه في الربع الأخير من العام، قام المستثمرون الأجانب بموجة بيع كبيرة لأذون الخزانة المصرية ما شكل حينها نحو 80 بالمئة من أدوات الدين المحلية المستحقة في آذار/ مارس، ونيسان/ أبريل 2025.
وأكد تقرير صادر عن مشروع حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة في نيسان/ أبريل 2023، أن مصر توسعت خلال السنوات العشر الأخيرة في الاقتراض الخارجي بزيادة بلغت نحو 277 بالمئة، وتحتل كثاني أكبر عميل لصندوق النقد بعد الأرجنتين.
"الفاتورة الباهظة"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر خبراء عن قلقهم من مع احتمالات حدوث هروب جديد للمال الساخن من مصر.
وقال الباحث الاقتصادي مصطفى عادل، إن مصر ستدفع فاتورة باهظة نتيجة حرب الضرائب والرسوم الأمريكية، متوقعا "انخفاض قيمة الجنيه"، ومؤكدا أنه "مع استمرار هذا الاضطراب قد نشهد 50-60 جنيه لكل دولار"، موضحا عبر "فيسبوك" أن استمرار الفيدرالي الأمريكي في تثبيت سعر الفائدة "سيجعل خروج الأموال الساخنة إجراء مرهقا لنا".
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، وجه البحث المصري إلهامي المليجي، انتقاده للحكومة المصرية قائلا: "صُنّاع القرار إما لا يقرأون، أو يقرأون ويغضّون الطرف طوعا وخضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي، الذي تحول في بلادنا من مقرض إلى موجّه للسياسات ومهندس لتفكيك الدولة الوطنية، تحت عنوان خادع: الإصلاح الاقتصادي".