شفق نيوز/ ربما لا يوحي اسم "الاستقطاب المجتمعي" لمن يسمعه أول مرة بأي شكل من المخاطر، لكنه حل فعلاً في تقرير حديث للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، ضمن قائمة ثلاثة أقوى مخاطر تهدد العالم في الوقت القريب، وبالمرتبة التاسعة ضمن لائحة المخاطر طويلة الأمد في العالم.

ويقصد بالاستقطاب المجتمعي، الانقسامات الأيديولوجية والثقافية داخل المجتمعات، والتي تؤدي إلى تدهور الاستقرار الاجتماعي، والجمود في عملية صناعة القرار، إضافة إلى إحداث اضطرابات اقتصادية وتزايداً في حدة التقاطبات السياسية، وفق تقرير دافوس.

وينظر إلى الاستقطاب المجتمعي، إلى جانب الانكماش الاقتصادي، على أنهما أكثر خطرين تأثيرا في "شبكة المخاطر العالمية"، إذ يعدان في الأغلب أكبر محركين لاندلاع سلسلة مترابطة من الأخطار التي تهدد العالم.

يعرّف تقرير دافوس "المخاطر العالمية"، بـ"احتمال وقوع حدث أو ظرف من شأنه، أن يؤثر سلبا على نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والسكان أو الموارد الطبيعية".

معلومات مضللة

ويرتبط الاستقطاب المجتمعي بشكل وثيق بانتشار خطر المعلومات الخاطئة والمضللة الذي جاء في المرتبة الأولى في قائمة أقوى المخاطر العالمية على المدى القصير، حيث يشير التقرير إلى أن المجتمعات المستقطبة أكثر ميلا إلى الثقة بالمعلومات التي تؤكد معتقداتها، سواء كانت هذه المعلومات صحيحة أو كاذبة.

ويؤكد خبراء استقى التقرير آراءهم، أن انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة يرتبط بشكل ملحوظ بخطر اتساع رقعة الاستقطاب المجتمعي، إذ أنهما يساعدان على تضخيم بعضهما البعض.

ويورد معدو التقرير، أن فشل بعض الحكومات والمؤسسات التي تعمل على حماية حرية التعبير والحريات المدنية، في العمل بشكل فعال للحد من المعلومات المزيفة والمحتوى الضار، يجعل معرفة "الحقائق" مثار جدل وانقسام متزايد في المجتمعات.

ويقول التقرير، إن المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة لا تستخدم كمصدر لزرع بذور مزيد من الاستقطاب في المجتمع فحسب، بل أيضا للسيطرة، من قبل الجهات المحلية الفاعلة الساعية لتحقيق أجندات سياسية.

تأثيره على التماسك الاجتماعي

وتسهم العوامل المسببة للاستقطاب، مثل الانقسامات السياسية والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بعض المجتمعات، في "تقويض الثقة وتقليص الإحساس المشترك بالقيم التي تجمع أفرادها"، وفقا للتقرير.

واعتبر المصدر ذاته، أن الاستقطاب الاجتماعي، لا يؤثر فقط على الانتماءات السياسية، بل يشمل أيضا تصورات أفراد المجتمع المستقطب بشأن عدد من "الحقائق"، مما يشكل تحديا خطيرا للتماسك الاجتماعي، بل وحتى على صحتهم العقلية.

ووفق التقرير، عندما تطغى المشاعر والأيديولوجيات على الحقائق، يمكن للروايات المضللة أن تتسلل إلى الخطاب العام بشأن قضايا متعددة، تشمل قطاعات الصحة والتعليم والبيئة، وصولا إلى العدالة الاجتماعية وغيرها.

ويمكن أيضا للاستقطاب المجتعي أن يغذي العداء، الذي قد ينطلق من التحيز والتمييز في أماكن العمل مثلا، قبل أن يتطور إلى احتجاجات عنيفة وجرائم كراهية وإرهاب.

ويذكر التقرير أيضا، أن بعض الجهات الحكومية وغيرها، قد تستغل انتشار المعلومات الكاذبة واتساع هوة الانقسامات في وجهات النظر المجتمعية، من أجل تقويض ثقة المواطنين في المؤسسات السياسية، وبالتالي تهديد التماسك المجتمعي والوطني.

ويترك تآكل التماسك الاجتماعي، بدوره، مجالا واسعا لبروز مخاطر جديدة، قد تكون أكثر تأثيرا، مثل تراجع منسوب الحرية والانتهاكات الحقوقية وغيرها.

من الاجتماعي إلى السياسي

وتُترجم الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية في الأغلب إلى انقسامات سياسية، وفق تقرير سابق للمنتدى الاقتصادي العالمي، لفت إلى أن الانتخابات والاستفتاءات والاحتجاجات الأخيرة في جميع أنحاء العالم، اتسمت كلها بالاستقطاب بشأن قضايا خلافية، تشمل الهجرة، والحقوق الإنجابية، والانتماء العرقي والديني، والمناخ..

وشدد المصدر ذاته، على أن عواقب الاستقطاب المجتمعي هائلة، وتتراوح من التأثير على النمو الاقتصادي إلى تصعيد الاضطرابات المدنية وتعميق الانقسامات السياسية.

ويسهم الاستقطاب المتزايد في تدهور مستوى الديمقراطية بالعالم وما يصاحب ذلك من تزايد أعداد الأنظمة الاستبدادية أو الديمقراطيات الهجينة، حيث أشار التقرير إلى ارتفاع نسبة سكان العالم الذين يعيشون في بلدان استبدادية من 5 بالمئة في عام 2011 إلى 36 بالمئة في عام 2021.

وحتى العام الماضي، يعيش 13 بالمئة فقط من سكان العالم، في ظل ديمقراطية ليبرالية، مقارنة بـ 44 بالمئة يعيشون تحت ظل حكم استبدادي، وفقا لأرقام عن المنتدى.

وفي تحليله لعلاقة الاستقطاب بأنظمة الحكم، يورد المصدر ذاته، أن الانقسامات المجتمعية، تدفع نحو اعتماد برامج سياسية قصيرة الأجل وأكثر تطرفا، تخدم في الأغلب، جانبا واحدا من السكان، على حساب باقي أفراد المجتمع.

وعلى هذا النحو، يمكن أن تشعر نسبة كبيرة من السكان بـ"الاغتراب والغضب" من القيادة في الفترة التالية، مما يؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ظهور اضطرابات مدنية وتراجعا في المؤشرات الاقتصادية لهذا البلد، محدثا كذلك، تراجعا في الثقة بالمؤسسات، ومعها انخفاض المشاركة السياسية. ليعاد بذلك، تشكل عملية استقطاب مجتمعي جديدة.

وحللت أستاذة العلوم السياسية بجامعة جورجيا الأميركية، جينيفر مكوي، في ورقة بحثية تأثيرات الاستقطاب الاجتماعي الشديد على الديمقراطية، مؤكدة أنه "يضعفها ويهددها".

وذكرت الأستاذة الجامعية، على أنه في الديمقراطيات السليمة ينظر إلى الخصوم على أنهم منافسون سياسيون ولكن قد يكونون أيضا مفاوضين، وفي المقابل ينظر إليهم بالديمقراطيات شديدة الاستقطاب على أنهم "عدو ينبغي هزمه".

وكشفت نتائج مشروع بحثي بشأن الاستقطاب والديمقراطية، في 11 دولة، أنه عندما يصور القادة السياسيون خصومهم على أنهم غير أخلاقيين أو فاسدين، فإنهم ينشئون معسكرات عبارة عن: "نحن" و"هم".

وبناء على هذا التقسيم ينظر كل معسكر إلى الآخر بانعدام ثقة وتحيز وعداوة متزايدة، ويعتبر أن المعسكر المنافس (الحزب أو المرشح السياسي) سيشكل تهديدا للأمة أو لأسلوب حياتهم إذا وصل إلى السلطة.

ويؤدي هذا الوضع إلى بروز سلوكيات استبدادية للبقاء في السلطة لدى المعسكر الفائز في الانتخابات مثلا، ويدفع الجانب المعارض إلى إبداء استعداد للجوء إلى وسائل غير ديمقراطية، مثل الانقلابات أو الاحتجاجات العنيفة، من أجل الإطاحة بهم.

كيف يمكن مواجهته؟

يؤكد الباحثان السياسيان، توماس كاروثرز وأندرو أودونوهيو، على أن من الصعب للغاية مواجهة أو معالجة الانقسامات المجتمعية الحادة، معتبرين أن النتائج التي تترتب على حالة الاستقطاب تكون دائما "قاسية"، وتحفز في المقابل ظهور حالات استقطاب أوسع وأكثر سرعة انتشارا، مما يصعّب جهود حصرها.

ولكن بالرغم من هذه التحديات، أكد الباحثان في ورقة بحثية منشورة على موقع مؤسسة "كارنيجي" لأبحاث السلام، أن مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة عمدت إلى استخدام طرق مبتكرة لمعالجة المشكلة ــ وحققت في بعض الأحيان نتائج مشجعة.

وعدّد الباحثان، ثمانية أنواع مختلفة من الإجراءات العلاجية، تشمل إطلاق مبادرات للحوار والنقاش، وإدخال إصلاحات على مؤسسات البلاد، مثل القضاء وإعادة تنظيم عملية التعيين في مناصب القرار وتأهيل الإعلام.

وذكر الباحثان السياسيان، أن دولا لجأت إلى إقرار إصلاحات مؤسسية مثل اعتماد نظام إدارة لامركزي في تدبير السلطة أو موارد الدولة، أو تغييرات في قواعد الانتخابات أو حتى قوانين البلاد ودستورها.

ومع ذلك، يقول كاروثرز وأودونوهيو، أن هذه الإجراءات كلها تبقى "صغيرة" مقارنة بـ"القوى الأكبر" التي تسبب الاستقطاب، مشيرين إلى أن "الديمقراطيات بحاجة للارتقاء إلى مستوى هذا التحدي بطرق جديدة وحازمة، إذا ما هي أرادت السباحة بنجاح ضد تيار الاستقطاب العالمي المتضخم".

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي دافوس تهديد عالمي على أن

إقرأ أيضاً:

«الأغذية العالمي»: السودان يشهد أكبر أزمة إنسانية في العالم والمجاعة تهدد ملايين الأرواح

منسق الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي، والذي أمضى العامين الماضيين في جنوب السودان، قال إن الشهادات التي نقلها الناجون من النساء والأطفال العالقين في النزاع، والذين خاضوا رحلات محفوفة بالمخاطر، كانت مفزعة للغاية.

التغيير: وكالات

وصف شون هيوز، منسق الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي لأزمة السودان، الأوضاع في البلاد بأنها “أكبر أزمة إنسانية في العالم بكل المقاييس”، مع اقتراب الحرب من دخول عامها الثاني، وسط تداعيات إنسانية مروعة.

وفي إفادة صحفية من نيروبي عبر الفيديو لمقر الأمم المتحدة في نيويورك، حذّر هيوز من العواقب الكارثية للصراع المستمر في السودان، والذي أدى إلى نزوح أكثر من 8 ملايين شخص داخليًا، ولجوء نحو 4 ملايين آخرين إلى دول تعاني أصلًا من أزمات غذائية وإنسانية حادة. وأكد أن النساء والأطفال يشكلون 80% من إجمالي النازحين.

وأضاف هيوز، الذي أمضى العامين الماضيين في جنوب السودان، أن الشهادات التي نقلها الناجون من النساء والأطفال العالقين في النزاع، والذين خاضوا رحلات محفوفة بالمخاطر، كانت مفزعة للغاية.

وأكد المسؤول الأممي أن السودان هو البلد الوحيد في العالم حالياً الذي تم فيه تأكيد وقوع مجاعة، وهي المجاعة الثالثة التي يتم تصنيفها على مستوى العالم في هذا القرن. وأشار إلى أن الإعلان الأول عنها تم في مخيم زمزم بولاية دارفور العام الماضي، لكنها امتدت منذ ذلك الحين إلى عشر مناطق أخرى في الإقليم.

وأشار إلى أن نحو 25 مليون شخص في السودان — أي نصف عدد السكان — يواجهون مستويات حادة من الجوع، بينما يعاني نحو خمسة ملايين طفل وأم من سوء التغذية الحاد.

وأكد هيوز أن الأزمة “من صنع الإنسان”، وليست نتيجة كوارث طبيعية، بل سببها المباشر الحرب المستمرة وعرقلة أطراف النزاع لوصول المساعدات الإنسانية.

وحذّر من أن عشرات الآلاف من السودانيين مهددون بالموت خلال العام الثالث من الحرب إذا لم تحصل وكالات الإغاثة، وعلى رأسها برنامج الأغذية العالمي، على التمويل اللازم وتتمكن من الوصول إلى المناطق المتضررة.

واستعرض هيوز جهود البرنامج في التفاوض على الوصول إلى ثمانية مواقع في وسط وغرب دارفور منذ يونيو الماضي، حيث تمكّن من تقديم مساعدات منتظمة لنحو مليون شخص، مشيرًا إلى أن الهدف هو توسيع نطاق هذه المساعدات لتشمل سبعة ملايين شخص بحلول منتصف العام الجاري، خصوصًا في المناطق المصنفة كمناطق مجاعة أو المهددة بها.

وحذر من أن موسم الأمطار المتوقع في يونيو سيجعل العديد من الطرق غير صالحة للاستخدام، مما يزيد من صعوبة إيصال المساعدات، قائلاً: “نحن في سباق مع الزمن”.

واختتم هيوز بتأكيد الحاجة الماسة إلى عنصرين أساسيين: الوصول السريع إلى المحتاجين، والتمويل الكافي، محذرًا من أن نقص الموارد سيؤدي إلى تقليص عدد المستفيدين أو كمية المساعدات المقدمة لهم.

وختم قائلاً: “شعب السودان بحاجة إلى السلام، ووقف فوري لإطلاق النار، حتى يتمكن من إعادة بناء حياته”.

الوسومآثار الحرب في السودان الأزمة الإنسانية في السودان الأمم المتحدة برنامج الأغذية العالمي

مقالات مشابهة

  • أحدهم في العراق.. أكبر 10 حقول نفطية في العالم
  • «الأغذية العالمي»: السودان يشهد أكبر أزمة إنسانية في العالم والمجاعة تهدد ملايين الأرواح
  • أسعار النفط تتراجع بنحو 5% وسط تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم
  • الخطة جاهزة لمواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية… إليكم خارطة الطريق التي ستحقق لتركيا أكبر المكاسب!
  • السبكي يزور أكبر مصنع في العالم لإنتاج الألبيومين البشري بالصين
  • «السبكى» يزور أكبر مصنع في العالم لإنتاج الألبيومين البشري المخلق فى الصين
  • الإمارات تقود العالم نحو استشراف المستقبل وتعزيز جاهزية المجتمعات في مواجهة الأزمات
  • مركز المعلومات يكشف: الذكاء الاصطناعي يهدد ملايين الوظائف عالميًا.. وهذه أبرزها
  • ترامب يهدد العالم بحربه التجارية والصين ترفض الخضوع
  • العراق ثالث أعلى الدول التي نفذت فيها مشاريع من قبل مقاولين أتراك