النجوم الأكبر سنا أوفر حظا لاحتضان الحياة في نظامها الكوكبي
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
في ظلّ سعي العلماء نحو اكتشاف كائنات حيّة خارج المجموعة الشمسية، تركز عمليات البحث التقليدية على النجوم الحديثة نسبيا، على نقيض الدراسات الأخيرة التي تبدي اهتماما أكبر بالنجوم المعمّرة، إذ يبدو أنّ فرص العثور على دلائل للحياة فيها أعلى بكثير.
وكان أوّل اكتشاف لكوكب خارج المجموعة الشمسية "51 بيغاسي" في عام 1995 على أيدي الفلكيَّين السويسريين ديدييه كيلوز ومايكل مايو، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم اكتُشف أكثر من 5500 كوكب آخر.
ويكمن سر تحوّل وجهة بحث العلماء من النجوم الحديثة إلى النجوم الأقدم عمرا، في الحالة المغناطيسية للنجم، والتي يُعتقد بأنّها تلعب دورا جوهريا في مسألة احتضان مختلف أنماط الحياة المعقّدة في الكواكب التابعة.
وتدور النجوم بسرعات عالية لدى ولادتها وتكوّنها، لينتج من ذلك مجالات مغناطيسية قوية مطلقة العنان للإشعاعات الضارة والجسيمات المشحونة على أنظمتها الكوكبية.
وعلى مدار مليارات السنين، تتعرض النجوم القديمة للتباطؤ التدريجي في الدوران بسبب ما يُعرف بالكبح المغناطيسي (Magnetic braking)، وهي نظرية تشرح فقدان الزخم الزاوي للنجم بسبب مجاله المغناطيسي. وبطبيعة الحال فإنّ التباطؤ في دوران النجم يرافقه ضعف في المجال المغناطيسي.
وفي ورقة بحثية بعنوان "الكبح المغناطيسي الضعيف لنجم 51 بيغاسي" يشير فيها مسؤول البحث ترافيس ميتكالف إلى أنّ الدراسة تقدم مفاهيم جديدة عن كيفية تغير سرعة الدوران والقوة المغناطيسية في النجوم القديمة التي تتجاوز منتصف عمرها. ويشير كذلك إلى أنّ الكبح المغناطيسي مع مرور الوقت في النجوم القديمة يؤدي إلى احتباس الرياح النجمية وتقليص ضررها على الكواكب المجاورة، وبالتالي سنشهد فرص ازدهار الحياة بشكل أكبر.
وخلال السنوات الأخيرة، استعان علماء الفلك بالقمر الصناعي "تي إي إس إس" لقياس ودراسة المجالات المغناطيسية لبعض النجوم بشكل مباشر، بما في ذلك نجم 51 بيغاسي. وكشفت الدراسة عن تغير كبير في سلوك الكبح المغناطيسي الذي يحدث في النجوم الأصغر سنا من الشمس، إذ إنه في مرحلة محددة من تطورها، تعاني هذه النجوم من ضعف في فعالية الكبح المغناطيسي بمقدار عشرة أضعاف، ويبدو أن هذا الضَّعف يستمر مع تقدم النجوم في العمر إلى نقطة ما قبل أن يستعيد الكبح المغناطيسي قوته مجددا.
وتميل تبعات عملية البحث عن حياة خارج كوكب الأرض إلى أنّ النجوم الأصغر سنا تؤثر على كواكبها بإشعاعات ضارة وجسيمات مشحونة، في حين أن النجوم الأقدم قد توفر بيئة أكثر استقرارا.
وعليه، فإنّ هذه الاستنتاجات مفادها أن النجوم التي تكون في منتصف عمرها أو الأكبر سنا، قد تكون أفضل الأهداف في البحث عن الحياة خارج نظامنا الشمسي في المستقبل.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
د. رهام سلامة تكتب: الإمام الأكبر شيخ الأزهر قائد حكيم ومسيرة عطاء لا تتوقف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ليس غريبًا أن يقلق العالم أجمع، عندما وصلت الأنباء بأن الإمام الأكبر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، قد ألمت به وعكة صحية، و ابتهل الجميع - من الشرق والغرب من مختلف الجنسيات والألوان والأديان - إلى الله أن يشفيه ويرده إلى ممارسة عمله ليكمل مسيرته العلمية والتربوية من خلال أروقة الأزهر الشريف معقل التنوير والهداية والوسطية للعالم أجمع.
إن هذا القلق الذي أصاب العالم بأسره كان انعكاسا لما تمثله مكانة الإمام من أثر بالغ في نفوس الجميع، وهي مكانة تستمد قوتها من السماحة واستنارة الفكر والرأي التي يتبناها فضيلته منهجاً ومنهاجًا لا لحياته الشخصية فقط بل طريقة لمؤسسة الأزهر الشريف وعلاقته بالآخر.
على المستوى الشخصي، ما إن بلغني خبر تراجع صحة فضيلة الإمام الأكبر حتى خفق قلبي، وكأن نبضاته تتسارع مع قلق لا يمكن السيطرة عليه. كان شعورًا عميقًا يصعب وصفه، مزيجًا من الخوف والدعاء والرجاء. لكن ما إن سمعت بفضل الله أن حالته الصحية تحسنت كثيرًا حتى هدأ قلبي واطمأن، وكأن الحياة عادت إلى توازنها من جديد.
إنها فرصة ثمينة لأتحدث – ولو قليلًا – عن هذا العالم الجليل، الذي لا توفيه الكلمات حقه مهما اجتهدت في وصف فضله وعطائه. فما أكتبه الآن ليس إلا قطرة من بحر، ولمحة من نور مسيرته التي أضاءت دروب الفكر والإنسانية.
مسيرة علمية وفكرية حافلة:
منذ توليه مشيخة الأزهر في عام 2010، حرص الإمام الأكبر على تعزيز دور الأزهر الشريف كمؤسسة دينية وتعليمية تحمل لواء الوسطية والتسامح. فقد عمل على تطوير المناهج الدراسية، وإطلاق مبادرات فكرية لمواجهة التطرف، كما قاد جهودًا مكثفة للحفاظ على الهوية الإسلامية وتعزيز قيم التعايش المشترك.
لقد جسّد الإمام الأكبر نموذج العالم الأزهري المتزن، فلم يكن صوته يومًا داعيًا للصدام أو التعصب، بل كان مناصرًا دائمًا للسلام والحوار البناء. وقد أكد في أكثر من مناسبة أن الإسلام دين الرحمة والعدل، وأن الحلول الجذرية لقضايا العصر تكمن في تبني خطاب ديني مستنير يقوم على الفهم العميق للنصوص الشرعية ومقاصدها.
جهود بارزة في الحوار بين الأديان:
كان لفضيلة الإمام الأكبر دور محوري في تعزيز الحوار بين الأديان، وهو ما تجلى في وثيقة “الأخوة الإنسانية” التي وقعها مع بابا الفاتيكان عام 2019، والتي مثلت نقلة نوعية في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين. وقد شدد في مختلف لقاءاته مع قادة العالم على ضرورة بناء جسور التواصل بين أتباع الديانات المختلفة، ورفض كل أشكال العنف والكراهية.
إلى جانب ذلك، لم تتوقف جهوده عند اللقاءات الدبلوماسية فقط، بل سعى إلى توجيه الأزهر لإطلاق مبادرات عملية تعزز السلام المجتمعي، سواء من خلال تدريب الأئمة والدعاة على فنون الحوار والتواصل، أو من خلال تطوير الخطاب الديني لمواكبة التحديات المعاصرة.
الأزهر في مواجهة التطرف والتحديات الفكرية:
من أبرز القضايا التي شغلت اهتمام الإمام الأكبر قضية مكافحة الفكر المتطرف، حيث كان الأزهر ولا يزال الحصن الحصين ضد التيارات المنحرفة التي تحاول استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية. وقد أسس مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الذي يعمل بـ13 لغة، لرصد وتحليل الخطابات المتطرفة، والرد عليها بخطاب علمي عقلاني يستند إلى أسس شرعية راسخة، والذي أشرف بإدارته منذ ثلاث سنوات الآن وكنت عضو في فريق العمل فيه منذ اليوم الاول وأسعد بنفسي على حرص فضيلة الإمام على أن يكون الأزهر الشريف في صف الدفاع الأول عن شريعة الإسلام السمحة وعن أصوله الكريمة التي تحتاج لجيش من المجاهدين الأوفياء.
سعى فضيلته إلى تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الغرب، مؤكّدًا أن الحل يكمن في تعزيز قيم المواطنة والاندماج الإيجابي، لا في العزلة أو الانغلاق.
مع انتشار خبر مرض الإمام الأكبر، تدفقت رسائل الدعم من قادة الدول، ورجال الدين، والمثقفين، وطلاب العلم، داعين الله أن يمنّ عليه بالصحة والعافية، ليواصل مسيرته في نشر قيم الخير والسلام. ولا شك أن هذه المحبة الواسعة تعكس حجم الأثر الذي تركه فضيلته في قلوب الملايين.
وفي هذه اللحظات، لا يسعنا إلا أن نرفع أكف الدعاء، سائلين الله عز وجل أن يمنّ على الإمام الأكبر بالشفاء العاجل، وأن يبارك في عمره، ليبقى نورًا يهدي الأمة إلى ما فيه الخير والصلاح.
د. ريهام سلامة مديرة مرصد الأزهر لمكافحة التطرف