مصير مجهول لقارب مهاجرين مفقود بين لبنان وقبرص
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
بيروت- قبل أكثر من شهر، لم يجد السوري وجدي رزق (26 عاما) سبيلا للهرب من الخدمة العسكرية بالجيش السوري إلا باللجوء لأحد المهربين السوريين، إذ سهّل له رحلة العبور من مدينته السويداء إلى لبنان، عبر واحد من مئات المعابر البرية غير الشرعية بين البلدين على امتداد نحو 340 كيلومترا.
كان لبنان مجرد محطة وصل إليها رزق، مثله مثل آلاف السوريين الذين يغريهم اللجوء غير النظامي من الساحل اللبناني إلى أوروبا على متن "قوارب الموت".
أوصل المهرب السوري وجدي إلى آخر لبناني تولى تجميع سوريين سرا في أحد منازل طرابلس (شمال لبنان) وكانوا ممن ركبوا قاربا ضمّ نحو 85 لاجئا انطلق يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2023 متجها إلى قبرص، لكن أهالي اللاجئين فقدوا الاتصال بهم منذ اليوم التالي ومصيرهم مجهول حتى اليوم.
يأس شديديقيم أحد أقارب وجدي (يتحفظ على ذكر اسمه) بقبرص ويقول للجزيرة نت "كان بحالة يأس شديد ومعه مبلغ صغير، ساعدته مع قريب آخر بجمع 3500 دولار كان يطلبها المهربون عن كل شخص".
ويضيف أنه تواصل معه عند الساعة 11 ليلا قبل انطلاقهم "ثم فقدت الاتصال به، كحال ذوي من كانوا بالقارب، ووصلنا منهم مقطع فيديو صغير لم يظهر فيه وجدي".
شهر و5 أيام تصفها معظم عائلات المفقودين بالجحيم. فهل غرقوا أم وصلوا إلى قبرص؟ هل تم احتجازهم أم ضلوا الطريق؟ هل وصلوا اليونان أو تركيا مثلا؟ كلها احتمالات واردة بلا رواية كاملة.
تلك الليلة، كان البحر هائجا والمياه مرتفعة بفعل رياح فصل الشتاء. ومع ذلك، يستبعد معظم الأهالي فرضية غرق القارب، لأنهم لم يعثروا على جثامين أو أي أثر، وهو ما لم تصرح به بعد أي جهة رسمية.
عام 2023 غادر 59 قارب هجرة غير نظامية لبنان تحمل على متنها نحو 3528 راكبا من بينهم 3298 سوريا (الأناضول)ويوم 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، راسل ذوو أحد الضحايا الخط الساخن لمنصة معنية بالإنذار حول قوارب المهاجرين (Alarm Phone) للإبلاغ عن فقدان القارب الذي يحمل 85 مهاجرا، بينهم 35 طفلا، وأفادوهم ببعض الأسماء.
اليوم التالي، راسلت المنصة الشرطة البحرية والقاعدة البريطانية بقبرص وخفري السواحل التركي واليوناني، ولكن من دون جدوى، في حين أبلغتهم الشرطة القبرصية بوصول قارب في اليوم عينه يضم نحو 84 لاجئا، ولا يتضمن أيا من الأسماء المبلغ عنها.
وأفاد بعض أهالي الضحايا، للجزيرة نت، بانطلاق قرابة 3 قوارب في اليوم نفسه، مما قد يعني أن لاجئين آخرين وصلوا هناك. ويقول قريب وجدي إنه جال مع آخرين على مخيمات حدودية بقبرص، ولم يعثروا على أثرهم. كما أفادهم ممن كانوا على قارب آخر بالتاريخ عينه، بأنهم شاهدوهم خلفهم حتى تجاوزوا المياه الإقليمية ثم اختفوا.
وكان رئيس مركز "سيدار" للدراسات القانونية، المحامي محمد صبلوح، قد جمع أسماء 75 لاجئا منهم. ولا يوجد بالقائمة لبنانيون، بل جميعهم سوريون وأغلبهم جاؤوا من سوريا مباشرة وتحديدا من إدلب ودرعا وريف حلب، وحمص، والحسكة، والقنيطرة.
مراسلة وشكوىوراسل "سيدرا" يوم 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي السلطات القبرصية والدول المجاورة، وقدم في الثاني من يناير/كانون الثاني الجاري شكوى لوزارة الخارجية اللبنانية، ومكتب مفوضية اللاجئين ببيروت وبالنيابة العامة التمييزية.
ويقول صبلوح للجزيرة نت "أكد الأهالي انطلاق المركب من طرابلس نحو قبرص، وهم بين قبرص اليونانية أو التركية أو القاعدة البريطانية، والجهات الرسمية لا جواب لديها عنهم، ولم تظهر جثث بالبحر، مما يفاقم الغموض حول مصيرهم".
ويدعو السلطات اللبنانية إلى تحمل مسؤوليتها قضائيا وأمنيا وإنسانيا "لأن من اختفوا انطلقوا من شواطئها".
وتتولى شعبة المعلومات التحقيق بالقضية، في حين يفيد مصدر أمني بالجيش اللبناني، للجزيرة نت، بأنه لم يرصد بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي انطلاق أي قارب هجرة غير شرعي من طرابلس.
ويوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، أنقذت بحرية الجيش 51 مهاجرا حين تعطل مركبهم على بعد أميال من شاطئ طرابلس، متجها إلى قبرص، وجميع ركابه سوريون باستثناء بعض الفلسطينيين، ثم رحّلتهم إلى سوريا.
أما قبطان القارب المفقود، حسب معلومات حصلت عليها الجزيرة نت، فهو لبناني الجنسية من محافظة عكار الشمالية، ويدعى ف. طالب (43 عاما). أما المهربون الثلاثة الأساسيون فهم لبنانيان وسوري ولديهم أسماء حركية، وأشاع بعضهم لأهالي المفقودين أن القارب أُلقي القبض عليه، وعلى القبطان أولا، ووجدوا فيه آلاف حبات الكبتاغون.
شكوك
لكن هذه الرواية محل تشكيك كبير، لأن هؤلاء المهربين، الذين يعملون بحرية، تلاعبوا بالأهالي وأخذوا شرائح وهواتف بعض اللاجئين لسبب غير معروف، وراسلوهم باليوم التالي معهم -عبر الواتساب- لإبلاغهم بأنهم وصلوا بخير إلى قبرص، ليكتشف الأهالي أن المتحدثين هم المهربون وليسوا أبناءهم، فوثقوا بعض المحادثات.
وتراودهم الشكوك بأنهم تعرضوا لفخ وخديعة من المهربين الذين حصدوا بهذه الرحلة نحو 250 ألف دولار، بمعدل 3 آلاف دولار عن الفرد.
وبعد محاولات عدة، تواصلت الجزيرة نت مع أحد أقارب القبطان الذي وصفه بالرجل "الفقير والدرويش" الذي يعمل بصيد السمك، ويتحدث البعض عن إغراء المهربين له ببعض آلاف الدولارات. وتعيش زوجته مع أطفالهما الأربعة في حيرة وخوف، وتخبرنا بأنه رحل من دون إبلاغها، مما يؤكد لها أنه كان ينوي العودة.
وتقول للجزيرة نت "أخبرني يومها هاتفيا أن لديه توصيلة طويلة، فظننت أنه سينقل ركابا بسيارة أجرة كما يفعل أحيانا، ولم يعد". وتفيد بإبلاغها عن قصة الحبوب المخدرة وبأنها لم تصدقها، وتخشى أن يكون البحر ابتلع القارب من دون أن يعلم به أحد.
وحسب منصة الإنذار، حققت مفوضية اللاجئين بقبرص، في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، في المخيمات ومراكز الاحتجاز من دون العثور على المفقودين، ونقلت المعلومات لمكاتب المفوضية بلبنان وتركيا واليونان.
وتفيد الناطقة باسم المفوضية بلبنان دلال حرب، بأنهم في عام 2023 وحتى 28 ديسمبر/كانون الأول، تحققوا من مغادرة 59 قاربا من لبنان، تحمل نحو 3528 راكبا، منهم 3298 سوريا، و76 لبنانيا، و5 فلسطينيين، علما أن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة من عبروا نحو أوروبا من دون رصدهم، وهم بالآلاف.
وتقول حرب، للجزيرة نت، إنهم رصدوا وصول 29 رحلة من هذه القوارب إلى قبرص بنجاح، وتمت لاحقا إعادة 3 قوارب منها، "كما أن المفوضية على علم بوجود 45 حركة إضافية لقوارب من مكان مغادرة غير مؤكد إما سوريا أو لبنان".
وقياسا لعام 2022، ارتفع عدد تحركات القوارب بنسبة 7.3%، بينما انخفض إجمالي عدد الركاب بنسبة 23.8%، وفق المتحدثة.
وفي تحقيق للجزيرة نت العام الماضي، تم الكشف عن تشابك عمليات الهجرة غير النظامية، برا (من سوريا للبنان) وبحرا (من لبنان إلى أوروبا)، وأن نحو 77% ممن أوقفهم الجيش اللبناني برحلات الهجرة بحرا يحملون الجنسية السورية بين 2019 و2022.
وإلى حين انكشاف مصير ركاب القارب المفقود، يبدو أن هذه النسبة مرشحة للتصاعد، مع توسع نشاط شبكات التهريب بين لبنان وسوريا، وتفاقم أعداد السوريين الذين يقعون بمصيدتهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دیسمبر کانون الأول الماضی للجزیرة نت إلى قبرص من دون
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية السوداني للجزيرة نت: سنعيد السودان لعمقه العربي والأفريقي
الخرطوم- قال وزير الخارجية السوداني، المعين حديثا، السفير علي يوسف، إنهم يتبنون سياسة خارجية منفتحة ومتوازنة لا غبش فيها، ويسعون لأن يستعيد السودان مكانته وتحسين علاقاته مع دول الجوار ليعود إلى موقعه الطبيعي في العمقين العربي والأفريقي.
وأوضح الوزير أن مصر تلعب دورا إيجابيا رئيسيا في مواجهة المؤامرة والتحدي اللذين يواجهان السودان من منطلق العلاقات العميقة بين الشعبين، وكشف عن تواصلهم مع الجهات التي يمكن أن تؤثر على صياغة السياسة الأميركية في المرحلة المقبلة لتعديل المواقف والتواصل بالصورة التي تستجيب لاحتياجات المرحلة الجديدة والتفهم للواقع في السودان.
وحول العلاقات السودانية الروسية، قال يوسف “نحن حريصون مئة بالمئة على تطوير علاقتنا مع روسيا، لكن نؤكد أن تطوير العلاقات مع أي دولة، لن يكون على حساب دولة أخرى”.
ما من شك في أن الجامعة العربية هي المؤشر الأول للمواقف العربية المشتركة، وأي موقف منها تجاه القضايا المطروحة على الساحة العربية يشير إلى إجماع عربي تجاه هذه القضية. لذلك نحن حرصنا حرصا كبيرا على أن نضع الجامعة العربية في الصورة مما يجري في السودان وما يتعرض له الشعب السوداني من تحديات ومؤامرات.
وهناك جهود كبيرة من مختلف منظمات الجامعة العربية الاقتصادية والاجتماعية والمهنية التي لها أدوار وعلاقة بما يجري في السودان. ولذلك كان اللقاء مع معالي الأمين العام أحمد أبو الغيط، فالرجل رحب بنا ترحيبا حارا، وأكد مواقف الجامعة العربية. ونحن شكرنا الجامعة العربية على مواقفها خاصة إدانتها لانتهاكات المليشيا ووصْفها لقوات الدعم السريع بأنها هي مليشيا، وهذا موقف إيجابي ومؤشر مفيد.
وهناك بعض القضايا المتخصصة كذلك بحثناها معه حول مسائل تتعلق بدعم الموسم الزراعي في السودان ومواضيع الأمن الغذائي وانتقال بعض المؤسسات العربية من الخرطوم إلى مناطق أخرى تأكيدا على أنه انتقال مؤقت. ووجدنا درجة عالية جدا من التفهم والتأييد والتجاوب مع مطالبنا، ووجهنا له دعوة لزيارة السودان، ووافق على الزيارة التي ستكون إن شاء الله في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل.
هل يشعر السودان بأنه فقد عمقه العربي والأفريقي بسبب ما يمكن اعتباره تجاهلا للأزمة السودانية؟ وإذا كان الأمر كذلك هل لديكم خطة لمعالجة ذلك؟
السودان مؤكد أنه لم يفقد عمقه العربي والأفريقي. وكان هناك خلط وسوء فهم لما جرى في 15 أبريل/نيسان 2023، وطبعا كانت هناك بعض القيادات في دول أفريقية مثل كينيا وإثيوبيا لها علاقات ومصالح مرتبطة بالدعم السريع و”كفيل الدعم السريع”، أي الجهة الممولة له والتي تدعمه، وحدثت مواقف مناوئة جدا للحكومة السودانية.
وبمرور الوقت اتضح أن الصراع ليس بين جنرالين أو مجموعتين، وإنما هو صراع بين مليشيا وجيش وطني لدولة من أوائل الدول المستقلة في القارة الأفريقية والمؤسِّسة لمنظمة الوحدة الأفريقية ومن الدول التي دعمت حركات التحرر الأفريقي ولديها علاقات عريقة جدا مع الدول العربية وواحدة من الدول المهمة في الجامعة العربية. والصورة بدت تتضح رويدا رويدا.
وبالتالي المواقف بدأت تتبدل وما زلنا نعمل على أن يتفهم القادة في الدول العربية والدول الأفريقية خطورة ما يجري وأثره على الشعب السوداني، وعلى علاقات السودان بدول الجوار الأفريقية والعربية. ونسعى لأن يستعيد السودان مكانته، ففي الجامعة العربية يتمتع السودان بعضوية كاملة ويمارس نشاطه واتصالاته.
وبالنسبة للقارة الأفريقية، هناك تعليق لعضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، وسنعمل بصورة جادة جدا لاستعادة موقع السودان في الاتحاد الأفريقي وأيضا تحسين علاقات السودان مع دول الجوار ليعود إلى موقعه الطبيعي في العمقين العربي والأفريقي.
ما الدور الذي تلعبه مصر بالتحديد في أزمة السودان؟ فهناك اتهامات لها من الدعم السريع بالتدخل العسكري المباشر
مصر مؤكد أنها تعلب دورا رئيسيا في مواجهة المؤامرة والتحدي الذي يواجه السودان. وهذا من منطلق العلاقات العميقة جدا بين شعبي مصر والسودان وأيضا القيادات والمسؤولين في مصر والسودان، والإيمان القاطع بأن أمن السودان من أمن مصر، وأن أمن مصر من أمن السودان، وأن البلدين يواجهان تحديات مشتركة، وأن الشعبين يواجهان تحديات تنموية وحياتية مشتركة.
وهذا ظهر لنا خلال لقائنا مع وزير الخارجية المصري من أن الالتزام فعلا قويٌّ ونابع من قلوب المصريين ومن فهمهم العميق لما يجري في السودان وجهودهم الجادة جدا في لعب دور إيجابي.
وطبعا في المعركة العسكرية فإن لمصر موقفا، وفي المعركة السياسية أيضا لمصر موقف. ومصر هي الدولة الوحيدة التي سعت لجمع الفرقاء السودانيين، وأول اجتماع شاركت فيه كل القوى السياسية السودانية في الساحة عندما قامت الحرب كان في القاهرة.
ونحن نريد أن نبني على هذه المبادرة فيما يتعلق بإحياء الأفق السياسي والسعي لتوافق سياسي بين الأطراف السياسية السودانية لأن هذا هو الطريق الوحيد لتسوية سياسية ولوضع خارطة طريق لما بعد الحرب، لأن الاتجاه هو أن تكون هناك حكومة مدنية ديمقراطية منتخبة من قبل الشعب، وهذا يقتضي أن تعمل هذه القوى الوطنية مع بعضها للوصول لهذه الصيغة المقبولة للأطراف والمقبولة كذلك للمجتمع الدولي.
ونحن نثق في موقف مصر ثقة كاملة، ولحسن الحظ فإن أول لقاء إبان وجودي في مصر كان أنْ اتصل بي وزير الخارجية المصري في المرة الأولى للتهنئة، ثم التقينا لقاء مهما جدا بحثنا فيه مختلف المسائل خاصة المسائل المتعلقة بالمواطنين السودانيين الموجودين في جمهورية مصر العربية من أسوان إلى الإسكندرية.
وكان لقاء مثمرا ومتميّزا جدا بحثنا فيه أهم المشاكل واتفقنا على كيفية المعالجات، لأن هناك أشياء مرتبطة بوزارات وجهات أخرى وعد بتذليلها. وبحث اللقاء العديد من القضايا وكيفية معالجتها وإن شاء الله سيكون لهذا اللقاء ما بعده.
ونتمنى أن تتواصل اللقاءات على المستوى الرئاسي، وكان قبلها تم لقاء بين الرئيس البرهان والرئيس السيسي في القاهرة، وستتواصل اللقاءات على مختلف المستويات، فسفير السودان في القاهرة يقوم بمجهود كبير جدا مع مختلف الأطراف، وهناك اتصالات ولقاءات على مستويات مختلفة كوزراء التعليم والتعليم العالي وغير ذلك، فالعلاقة مع مصر متميزة وهي علاقة تاريخية ومصيرية وإن شاء الله تسير دائما للأمام.
هل أنتم متفائلون بفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الخرطوم وواشنطن والضغط على الدعم السريع واعتبارها مليشيا إرهابية في عهد ترامب كما ألمح البعض إلى إمكانية ذلك؟
نحن نهنئ الشعب الأميركي بأنه اتخذ قرارا في ظل انتخابات حرة ونزيهة بانتخاب الرئيس ترامب مرة أخرى، وهذا خيار ديمقراطي للشعب الأميركي نهنئه عليه. وتمت تهنئة الرئيس الأميركي بواسطة رئيس مجلس السيادة. ومؤكد أن الرئيس ترامب سيكون مشغولا بتشكيل إدارته وانتقال السلطة في يناير/كانون الثاني من الحزب الديمقراطي للحزب الجمهوري.
ونتواصل مع الجهات التي يمكن أن تؤثر على صياغة السياسة الأميركية في المرحلة المقبلة لتعديل المواقف والتواصل سواء أكان عن طريق مبعوثين أم سفراء أم غيره بالصورة التي تستجيب لاحتياجات المرحلة الجديدة والتفهم للواقع في السودان.
وهناك مؤشرات مهمة على تحسن فهم الموقف الأميركي للمشكلة وإدانة الانتهاكات التي تقوم بها المليشيا تجاه الشعب السوداني خاصة في منطقة الجزيرة.
وطبعا الولايات المتحدة الأميركية دولة مهمة وقوة رئيسية في العالم، ونحن حريصون على أن تكون لنا علاقات طيبة معها قائمة على الفهم المشترك للقضايا والتعاون المثمر والوقوف مع قضايا الحق والعدل.
كيف تنظر لوضع علاقات السودان الخارجية حاليا خاصة الموقف الروسي الذي يبدو ضبابيا للسودانيين؟
الآن المحور الرئيسي لعلاقتنا الخارجية هو معركة الكرامة والحرب التي يخوضها السودان للقضاء على التمرد الذي قامت به مليشيا الدعم السريع وإعادة الأوضاع الأمنية والعسكرية إلى حالتها الطبيعية، وإعادة إعمار السودان بعد هذه الحرب التي دمرت المقدرات السودانية في العاصمة ومدن أخرى وقعت تحت سيطرة المليشيا الإرهابية تدميرا ممنهجا.
وسنسعى بصورة جادة جدا لاستكمال مهام مرحلة حرب التحرير سواء أكان ذلك بدعم الجيش أم بدعم جهود مفاوضات السلام وصولا لإنهاء هذه الظاهرة “الكريهة” في تاريخ السودان. وسياستنا منفتحة ومتوازنة وقائمة على الاحترام المتبادل وقياس تطور العلاقات ومدى الدعم والوقوف مع الحق السوداني، ولا يوجد أي غبش.
وعلاقتنا مع روسيا الاتحادية جيدة وطيبة جدا وهي ليست بالجديدة وظلت مستمرة لفترة طويلة جدا. ونحن نعرف أن هناك بعض المخاوف من تطور العلاقات بين السودان وروسيا خاصة بعد ما أبدته روسيا من رغبة في أن تكون لها تسهيلات بحرية أو قاعدة على البحر الأحمر وهذا أمر قيد البحث والاتفاق لكن ينبغي أن لا يقود لأي نوع من المخاوف.
وأنا لم أقترب من هذا الملف بعد، لكن نحن حريصون مئة بالمئة على تطوير علاقتنا مع روسيا، لكن نؤكد أن تطوير العلاقات مع أي دولة، لن يكون على حساب دولة أخرى. فنحن نسعى لعلاقات متوازنة فيها فائدة لبلدنا وشعبنا مع البلاد والشعوب الأخرى.
هناك تخوف سوداني من احتمال نشر قوات أممية على الأرض، هل هو تخوّف مشروع؟ وهل لا يزال هذا الاحتمال قائما مما يستوجب العمل من جانبكم لإجهاضه؟
ليس هناك مخاوف، هنالك عمل حقيقي يجري على الأرض بين أطراف دولية وأطراف إقليمية وأطراف محلية لاستدعاء قوات أممية للتدخل في السودان لتوصيل المساعدات وغير ذلك. وهذا انبنت عليه مخططات بالحديث عن مجاعة في السودان وأن السلطات السودانية ترفض السماح بإدخال المساعدات الإنسانية وأن توصيل المساعدات غير آمن وأن المنافذ لم تفتح، لكن كل هذا هو مجرد محاولات لتهيئة المناخ لهذا التدخل.
ونحن نعارض مثل هذا الأمر لأن السودان تجاوب تجاوبا كاملا مع جهود إيصال الإغاثة، ووافق على فتح المعابر. حتى ما يثار الآن حول معبر أدري على الحدود السودانية التشادية نحن من حيث المبدأ وافقنا وهناك طلب واحد أن يكون هناك حضور للجهات السودانية في الحدود حتى لا يكون المعبر مدخلا لتهريب الأسلحة.
فنحن لا نريد أن يستمر الصراع في السودان لفترة أطول ويكون هناك ضحايا وخسائر أكبر. فنحن نريد أن تقدّم المساعدات وأن تكون هناك جهود لإنهاء الحرب والتمرد وحل المشاكل بطرق سلمية. ويهمنا جدا الإنسان السوداني في أي بقعة من بقاع السودان. والحكومة تقدم بنفسها مساعدات ضخمة، وهناك العديد من المساعدات تأتي من الدول العربية الشقيقة ودول أخرى صديقة تصل بصورة منتظمة وتحوّل بصورة سريعة جدا إلى المحتاجين.
وذريعة أن هناك مجاعة وأن هناك أمرا يستدعي التدخل أمر سخيف، وحتى الأمين العام للأمم المتحدة قال إنه لا حاجة للتدخل في هذه المرحلة بحجة إيصال المساعدات الإنسانية. وعلى مستوى مجلس الأمن، مؤكد هنالك بعض الأصدقاء المتفهمين للقضايا السودانية ولما يجري في السودان وللأطماع الخارجية وسيوقفون هذه المحاولة عند حدها باستخدام حق النقض وليس لدينا شك في ذلك.
كيف تنظر لاتهام الدبلوماسية السودانية بالتقصير في التصدي للأزمة؟ وما أهم ملامح خطتكم للعمل الدبلوماسي خلال المرحلة المقبلة؟
أول همومنا عندما نعود لبورتسودان هو ترتيب البيت من الداخل بإعادة تنظيم وزارة الخارجية بصورة أكبر وإشراك أكبر عدد ممكن من السفراء والدبلوماسيين في العمل لأن هناك مجموعة بسيطة لا تتعدى 10 أشخاص هي هيكل وزارة الخارجية في السودان.
وطبعا هناك تفعيل السفارات وإكمال الهياكل البشرية والإدارية لها ودعمها، وهذا يتساوى مع جهود الحرب، ومع تزويد الجيش باحتياجاته، فلا بد من تزويد وزارة الخارجية باحتياجاتها.
ثم بعد ذلك نحن لدينا أولويات واضحة مرتبطة بدعم القوات المسلحة ودعم جهود السلام، وسنسعى في كل ذلك بصورة إيجابية جدا، وسنظل -إن شاء الله- على اتصال لإحاطتكم بما نقوم به من أجل السودان وشعب السودان.
الجزيرة نت
إنضم لقناة النيلين على واتساب