كانت التقارير تشير إلى التوصل لعملية تسوية وشيكة في الملف اليمني عقب مارثون من المفاوضات واللقاءات بين الوسيط العماني والطرف السعودي والمبعوث الأممي وقيادة مليشيا الحوثي.

مر من يناير 2024 نصفه، نحن في اليوم الخامس أو السادس عشر، خارطة الطريق تحولت لما يشبه اللغز كعادتها منذ 13 ديسمبر 2018 على الأقل آخر ورقة تعشم فيها اليمنيين وكانت بمثابة العُقدة في حبل الدلو.

من جديد استطاعت مليشيا الحوثي الذهاب بعيدًا وخوض معركة مختلفة، هذه المرة حملت بعدًا قومي، مرتبط بما يسمى "محور المقاومة" والذي يعني في جانب منه "القضية الفلسطينية".

ليست مليشيا الحوثي وحدها من تناور فهي مجرد مجموعة من التلاميذ في فصل من الفصول التي تديرها إيران بخبث وذكاءٍ معًا، فقد استطاعت هي الأخرى وبتواطؤ غربي أن تثير جلبة كبيرة في المنطقة العربية وفي أهم ممر بحري يغذي الشرق الأوسط الدول المطلة على الأبيض المتوسط والعمق الأوروبي وحتى كندا والأمريكيتين.

إضافة إلى ذلك اتهامها من قبل مراقبين ومخابرات بأنها من تقف وراء عملية "طوفان الأقصى"، دعما وتخطيطًا وهذا بأي حال لا يمحي مشروع المقاومة الفلسطينية بقدر ما يفتح الآفاق أمام جدلية سياسية جديدة وتبعات باهظة يدفع فاتورتها العرب المواطن بشكل أو بآخر والدم الفلسطيني.

خوض الحوثي معركة البحار

لم تكن مليشيا الحوثي بحاجة للدفاع عن فلسطين بالطريقة التي انتهجتها من خلال التقطع لسفن الشحن المحملة بالبضائع المرتبطة بإسرائيل حسب زعمها، لأن النتيجة محسوبة سلفا وهي تهديد كامل للممر الملاحي الذي تمر منه ما يقارب 20% من الصادرات العالمية.

تدرك المليشيا أن الداخل اليمني معني أكثر بخوض معارك سياسية واقتصادية واجتماعية من نوع مختلف، من أجل ترميم الصورة المهزوزة لدى المواطن والواقع الإنساني الذي يعد الأسوأ في العالم، لكن "الأجندات" المرتبطة بالمشروع الإيراني أقوى، لذا فقد خاضوا المعركة تحت غطاء الانتصار للشعب الفلسطيني.

الكثير ذهب معهم في هذا المنعطف وأعتقد أن ما تقوم به مليشيا الحوثي يرجح الكفة لصالح القضية الفلسطينية على اعتبار أن هناك واردات تصل إلى الكيان الصهيوني عبر باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس وصولا إلى ميناء ايلات الذي يعتبر الأهم بين الموانئ المحتلة؛ وان حركة الموانئ شلت بالكامل، وان صح ذلك فإن ما جري لا يساوي شيئا مقابل تضرر عشرات الدول ومن خلفهم رسوم وتكاليف باهظة تنعكس بشكل سلبي على المواطن.

حركة الملاحة

أظهرت صور الأقمار الصناعية تحول كبير لحركة السفن عبر رأس (الرجاء الصالح) في جنوب افريقيا وخلو البحر الأحمر بنسبة عالية من حركة السفن، وهو ما نفته هيئة إدارة قناة السويس وانه ليس بتلك الصورة التي تتحدث عنه بعض التقارير.

غير أن عدد الشركات الكبيرة بما فيها يابانية علقت عملها عبر باب المندب بشكل واضح تخوفا مما يحدث؛ تبعتها شركات عالمية وهو أمر بديهي حدوثه في اللحظة الراهنة.

وسواء تأثرت القناة أم لم تتأثر، فإن الثابت قدرة إيران على خلط الكثير من الأوراق في "الشرق الأوسط"، ولعب دور الشرطي الذي يحمل مجموعة من البالونات في كف وفي الأخرى دبوسا صغيرًا، عبر أذرعه المتواجدة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

المواطن اليمني الذي يعيش أزمات متلاحقة سيتحمل كثير من تبعات الهجوم على السفن، ودخول دول عربية وأجنبية في إطار حلف جديد، والقيام بضربات محدودة على مواقع تابعة لمليشيا الحوثي في الحديدة وحجة وصنعاء وتعز وذمار؛ يعيد السيادة المنتهكة منذ إدراج اليمن تحت البند السابع 2014 إلى الواجهة.

حلول لمواجهة القرصنة

يَفترض الخبراء أن ما يحدث في البحر الأحمر عملية قرصنة واضحة من قبل مجاميع تقدم نفسها بأنها سلطة قائمة بكامل مقوماتها، بالمقابل يقول ملايين اليمنيين نحن لم نفوض أي طرف القيام بمثل هذه العمليات مع وقوفنا الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني.

ما لم يكن هناك إجماع على تقويض وضرب مكامن الخطر الذي يتهدد حركة الملاحة البحرية، ودعم الطرف الشرعي داخل البلاد بكل الطرق؛ فإن المناوشات سوف تستمر على حساب الأمن والاستقرار الاقتصادي، ليس على مستوى اليمن وحسب، بل على دول الخليج ومصر ودول البحر الأبيض المتوسط.

ما يفتح شهية الإيرانيين إلى توسعة اللعبة بما يخدم محور المقاومة التي تقوده ويدعم الملف النووي ويرفع عنها كثير من الضغوط، ويزيد من حضورها الفكري والعقائدي في العواصم التي أسقطتها وصدرت اليها الخبراء والسلاح.

المكيال الأمريكي

تلعب امريكا دورا يصفه المراقبون بالمتناقض ويدفع باتجاه تأزيم الأوضاع في المنطقة، ليس ذلك وحسب، هناك مآخذ كبيرة يتحمل مسؤوليتها الرئيس بايدن وحكومته الحالية، فقد أظهر التعاطي الإيجابي مع طهران والحوثيين في المشاورات الأخيرة جانب من الغموض وعدم جدية امريكا في إدانة الأعمال التي تضر بعملية السلام عموما.

فتح الأمريكان الخزانة لإيران؛ فقد تم الإفراج عن ما يقارب 10 مليار دولار من الأموال المجمدة، ومنح الحوثيين فرصا متتالية بعدم إدراجهم ضمن المنظمات الإرهابية ربما لحاجة التعامل معهم فيما يخص الملف الإنساني حسب المراقبين، وهو سبب غير كاف في نظر آخرين بعد أن قوضت جميع فرص السلام.

أيضا عدم إدانة مليشيا الحوثي بشكل واضح ومنحها جملة من الترضيات، فيما يخص الانتهاكات التي تمارسها بحق المواطن اليمني، والثابتة في التقارير منذ انقلابها على النظام أواخر 2014 وعدم إصدار أي قرار مزمن وملزم بحق الجماعة.

فقد زرعت ما يقارب ال2 مليون لغم وذخيرة واجسام غير منفجرة، إلى جانب قيامها بتجنيد آلاف الأطفال واعتقال آلاف الناشطين والسياسيين، واستخدام الاخفاء القسري وتنفيذ عمليات إعدام دون محاكمات عادلة.

هذا التناقض وغيره من القرارات كان كافيا لانفجار الوضع في البحر الأحمر، وتعطيل كافة الجهود الرامية إلى تسوية الملف اليمني اليمني، واستعادة الاستقرار والتفرغ لعملية البناء المستدامة.

خلاصة

تعد الحالة التي عليها الملف اليمني والمشاورات بين مليشيا الحوثي استثنائية، إذ تبدو تقديرات المواقف وتقييم النتائج أمر مخيب للآمال، فلا اتفاقية (استكهولم) تحقق منها شيء ولا ملف الأسرى والمعتقلين كان ناجعا مع كل ما يحمل من أوجاع إنسانية وابتزاز في الوقت نفسه.

ملف (خزان صافر) هو الآخر لا ملامح على أنه انتهى للأبد وتم حل الأشكال بصورة جذرية، (مرتبات الموظفين) الحلقة الأضعف رغم أنه على لسان كافة الوسطاء وهو الحاضر ضمن الملف الاقتصادي الذي يعتقد مراقبون انه سينعش آمال المليشيا أكثر من أي ملف آخر وأنه الوحيد الذي سيتم إنجازه، برغم إصرار الشرعية والجانب السعودي والتشديد على أن يتم الصرف لموظفي ما قبل 2014.

ملفات كثيرة مجزأة ومواعيد كلما اقتربت على الورق وفي الإعلام تباعدت أميال على أرض الواقع وهو ما يوحي بأن الأرض لا تزال موعودة بمعارك مختلف لا يمكن تصور شكلها تماما.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: ملیشیا الحوثی البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

تقرير أميركي يكشف عمق العلاقات والمصالح بين مليشيا الحوثي مع المصالح الروسية والصينية

 

قال موقع gCaptain الأميركي، إن العقوبات الجديدة التي فرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية كشفت أن قادة الحوثيين قاموا بالتنسيق بشكل نشط مع مسؤولين روس وصينيين لضمان عدم استهداف سفنهم خلال الهجمات البحرية المستمرة للجماعة في البحر الأحمر.

وأضاف الموقع في تقرير له، أنه بحسب وثائق وزارة الخزانة الأميركية، فإن محمد علي الحوثي، العضو البارز في المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، ضمن صراحة المرور الآمن للسفن الروسية مع مواصلة الهجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ ضد السفن التجارية الأخرى في المنطقة. كما يخطط الحوثي لإجراء مناقشات مع مسؤولين روس بشأن المساعدات العسكرية لجماعة الحوثي.

وفي بيانها، قالت هيئة مراقبة الأصول الأجنبية: "في خضم حملة الهجوم البحري المستمرة التي يشنها الحوثيون، تواصل محمد علي مع مسؤولين من روسيا وجمهورية الصين الشعبية لضمان عدم قيام المسلحين الحوثيين بضرب السفن الروسية أو الصينية العابرة للبحر الأحمر".

وأضافت: "بالنيابة عن الحوثيين، أوضح محمد علي التزام الحوثيين بضمان المرور الآمن للسفن الروسية".

ومنذ نوفمبر 2023، هاجم الحوثيون المدعومون من إيران أكثر من 100 سفينة تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، مدعين استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل وحلفائها لدعم الفلسطينيين في حرب إسرائيل وحماس في غزة.

وقد دفعت الهجمات العشوائية خدمات الشحن الرئيسية إلى إعادة توجيه رحلاتها حول رأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى زيادة التكاليف وتعطيل سلاسل التوريد. وعلى الرغم من توقف الهجمات وسط وقف إطلاق النار الحالي ، إلا أن خدمات الشحن استمرت إلى حد كبير في إعادة توجيه خدماتها.

وتؤكد تصرفات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التقارير السابقة التي تفيد بأن الحوثيين المتمركزين في اليمن أبرموا اتفاقيات مع الصين وروسيا تسمح لسفنهم بالإبحار عبر المنطقة دون التعرض للهجوم. ومع ذلك، فإن هذه الضمانات لم تمنع تمامًا الهجمات على السفن المرتبطة بأي من الدولتين - أو على الأقل تلك التي تحمل سلعهما .

وتأتي هذه التصريحات الجديدة من جانب مكتب مراقبة الأصول الأجنبية كجزء من مجموعة أوسع من العقوبات التي أُعلن عنها يوم الأربعاء ضد سبعة من كبار أعضاء الحوثيين، بما في ذلك من شاركوا في شراء الأسلحة والعمليات البحرية.

وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت: "أظهر زعماء الحوثيين عزمهم على مواصلة أعمالهم المتهورة والمزعزعة للاستقرار في منطقة البحر الأحمر. وستستخدم الولايات المتحدة كل الأدوات المتاحة لتعطيل الأنشطة الإرهابية للحوثيين وتقليص قدرتهم على تهديد أفراد الولايات المتحدة وشركائنا الإقليميين والتجارة البحرية العالمية".

وتكشف العقوبات عن شبكة معقدة من التعاون بين الحوثيين وروسيا، بما في ذلك البعثات الدبلوماسية المتعددة إلى موسكو. وكان محمد عبد السلام، المتحدث باسم الحوثيين المقيم في عمان، فعالاً في تنسيق عمليات شراء الأسلحة من روسيا، بما في ذلك ترتيب اجتماعات مع موظفي وزارة الخارجية الروسية.

وفي تطور مثير للقلق بشكل خاص، كشفت وزارة الخزانة أيضًا عن عملية للإتجار بالبشر حيث قام أفراد تابعون للحوثيين بتجنيد مدنيين يمنيين بحجج كاذبة للقتال لصالح روسيا في أوكرانيا. وقد أدى هذا المخطط، الذي يتم تنفيذه من خلال شركة الجابري للتجارة العامة والاستثمار، إلى توليد إيرادات إضافية لعمليات الحوثيين المسلحة.

وتأتي العقوبات في أعقاب إجراءات متعددة اتخذها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية طوال عام 2024 تستهدف شبكات شراء الأسلحة الحوثية. وأعلنت وزارة الخارجية أمس إعادة تصنيف أنصار الله، الاسم الرسمي للحوثيين، كمنظمة إرهابية أجنبية.

وتأتي إعادة التصنيف بعد أن أزالت إدارة بايدن السابقة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في فبراير 2021 بسبب المخاوف الإنسانية في اليمن، فقط لتصنفهم مرة أخرى كإرهابيين عالميين محددين بشكل خاص (SDGT) في أوائل عام 2024 ردًا على الهجمات البحرية المتصاعدة.

وبموجب هذه العقوبات الجديدة، يتم تجميد جميع الأصول الموجودة في الولايات المتحدة للأفراد المعينين، ويُحظر على المواطنين الأميركيين إجراء معاملات معهم. بالإضافة إلى ذلك، تخاطر المؤسسات المالية الأجنبية بالتعرض لعقوبات ثانوية بسبب التعامل مع هؤلاء الأشخاص المعاقبين.

ويمثل تأكيد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية على الاستهداف الانتقائي للسفن على أساس الجنسية تطوراً مهماً في الأزمة المستمرة في البحر الأحمر، ويسلط الضوء على العلاقات المتعمقة بين الحوثيين والمصالح الروسية والصينية في المنطقة

 

مقالات مشابهة

  • التهديدات التي تقلق “الكيان الصهيوني”
  • تقرير أميركي يكشف عمق العلاقات والمصالح بين مليشيا الحوثي مع المصالح الروسية والصينية
  • السيسي: ندعم وحدة واستقرار اليمن وهناك حاجة ملحة لوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر
  • مليشيا الحوثي تمنع التجار من توزيع المساعدات الغذائية خلال رمضان
  • في الوقت الذي تهديد فيه مليشيا الحوثي السعودية..الرياض تجدد دعمها لخارطة الطريق وجهود السلام في اليمن
  • عبد العاطي يؤكد للزنداني أهمية استقرار اليمن لأمن البحر الأحمر
  • وزير الخارجية المصري يؤكد أهمية استقرار اليمن لتحقيق الأمن بالإقليم والبحر الأحمر
  • مصر تؤكد أهمية استقرار ووحدة اليمن لأمن البحر الأحمر
  • أول دولة عربية تعلن عن حلا سياسيا لأزمة اليمن وتحقيق أمن منطقة البحر الأحمر
  • وزير الخارجية: مصر تدعم حلا سياسيا لأزمة اليمن وتحقيق أمن منطقة البحر الأحمر