حزب الأمة حالة توهان أم تغيير قادم (1-4)
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
رؤية الإمام إلي الوسطية " السياسية" كانت تشغل جل تفكيره
زين العابدين صالح عبد الرحمن
يعتبر حزب الأمة من خلال نتيجة أخر انتخابات ديمقراطية أكبر الأحزاب السودانية بحصوله على " 103" دائرة إنتخابية و لكن بعد 34 سنة من أخر انتخابات و التغييرات الديمغرافية التي حدثت في البلاد، و أيضا انتشار رقعة التعليم، و التطور الذي حدث في وسائل الإعلام ثم وسائط الإتصال الاجتماعية، إلي جانب التطورات العسكري و النزوعات و الحروب و تكوين الكيانات المسلحة في مناطق نفوذ حزب الأمة التاريخية، سوف تحدث تغييرات جوهرية.
في أول خطاب للإمام الصادق المهدي بالجمعية التأسيسية أشار فيه أن حزب الأمة أصبح يمثل تيار الوسط. هذه المقولة لم تأتي إعطباطا، بل الإمام كان يحدد وجهته الفكرية، بعد ذلك الخطاب توسعت مساحة مصطلح " الوسطية" أن كان في العمل السياسي أو الرؤية الدينية للقضايا المطروحة. في ذلك الوقت كتبت مقالا كان قد نشر في جريدة السياسة؛ تسألت فيه ما هو المقصود عند الإمام بالوسط هل هو موقع جغرافي من خلال كسب الحزب دوائر انتخابية في المدن و الحضر، أم هو فكر سياسي سوف يشكل المرجعية الفكرية لحزب الأمة، إذا كان تيارا فكريا يجب على الإمام أن لا يجعل على كتفيه إشارتين متناقضتين.. الإمامة التي تجعل الكل يتعاملون معه تعامل الحيران بالسمع و الطاعة. و الثانية الزعيم السياسي الذي يجب أن تتعامل معه عضوية الحزب من خلال ما تنص عليه اللوائح. أن الوسطية تيارا فكريا يؤسس الرؤية و نقدها و الاختلاف معها وفق معايير المنهج النقدي.. تسألت ما هي فكرة الأمام عن النقد و خاصة من عناصر الحزب الذين يجب أن يتعاملوا معه بخاصيتين.
بعد إنقلاب الجبهة الإسلامية على النظام الديمقراطي و خروج الإمام في رحلة" تهتدون" و وصول الإمام القاهرة، اتاحت لي الجلوس فترات طويلة مع الإمام أن كانت تلك جلسات عامة أو خاصة " ندوات – سمنارات – جلسات حوارية – و جلسات ثقافية – و جلسات فنية عن الحقيبة و تطور الفن في السودان" أن اللقاءات مع زعيم سياسي و مفكر تحتاج من المرء أن يكون أكثر استماعا و طرح للأسئلة من المداخلات. وجدت الإمام رجلا متواضعا بكل ما تحمله هذه المفردة من معاني عظيمة، و مستمع جيد و صدره واسع يقبل، النقد و الحوار. كما وجدت الإمام يرتاح عندما يكون الحوار فكريا أو ثقافيا بعيدا عن تشنجات السياسة. بعد ما وصل الإمام القاهرة أول ندوة عملها كانت في إحدى قاعات الجامعة الأمريكية، و أول ما لفت نظري و جعلني أنتبه بكل حواسي حديثه عن " التنوع بالفهم العام و التنوع الثقافي في السودان" و قال: الحديث عن التنوع في السودان يجعلنا كسياسيين أن نقف على منبر النقد و ننقد نفسنا بإننا لم ننظر لهذا العامل بصورة جادة في قضايانا السياسية، و يجب علينا نولي القضية أهتماما، و على المثقفين أن يتناولوا القضايا التي يجب أن تكون معضلة للوحدة الوطنية. هذه المحاضرة ذكرتني بخطابه في الجمعية التأسيسية الذي تطرق فيه للوسطية.. قلت لنفسي أن الرجل بالفعل جاد في مشواره نحو الوسطية. و في إحدى الفعاليات كنت جالسا بجواره و سألته لماذا مبادراتك و أرائك لا تجد الحوار الكافي من قبل النخب السياسية و المثقفين؟ قال ماذا تعتقد أنت؟ قلت له أنت زعيم حزب و إمام هل تعتقد الأخرى مؤثرة على الثانية؟ كرر نفس الإجابة ماذا تعتقد أنت؟ قلت له أن المبادرات و أرئك السياسية يجب نقدها و التعليق عليها من عضوية الحزب، هؤلاء هم المناط بهم فتح حوارات حولها و مناقشتها. مادام عضوية الحزب بعيدة عن ذلك، تكون الإمامة لها التأثير الكبير على احجام العضوية من نقد أفكارك، لأنهم لا يستطيعون الخروج من دائرة الحيران إلي دائرة السياسة المفتوحة، و لكل واحدة لها مواصفاتها.
من خلال حواراتي مع الإمام و أيضا مع الدكتور عمر نور الدائم كانت فكرة الوسطية و الانفتاح على المثقفين و حتى النخب السياسية المثقفة تسيطر على جل تفكيرهم. كان الدكتور عمر نور الدائم رجل ذو ذكاء ثاقب، و حضور ذهني، و يمتاز بسرعة البديهة، و رغم الاحترام الذي يفرضه على جالسه، إلا أنه أيضا رجل ساخر ليس بالمعنى المنفر و لكن تلطيفا لجو الحوار، لذلك كانت مكانته كبيرة جدا عند كل قيادات و قاعدة حزب الأمة بمافيهم الإمام و مبارك المهدي. في مقال للإمام في مجلة " السياسية الدولية العدد 141 يوليو 200 " قال في تلك المقالة ( أن أحزاب تنقصها شروط مطلوب توافرها لتقوم بدورها اللازم في إنجاح النظام الديمقراطي - أن يكون تكوينها واسعا قوميا و أن يكون عملها مؤسسيا و ديمقراطيا بعض الأحزاب الكبيرة مدركة تماما لهذه النقائص عاملة بجهد للتخلص منها بقدر ما يسمح به الواقع الثقافي و الاجتماعي، و بعضها يعيش واقعه لا تؤرقه هذه التحديات) كان الإمام عنده النية أن يفصل الإمامة عن زعامة الحزب، و كل واحدة عليها أن تنمو في بيئتها الصحيحة. عندما سافرت اسمرا جلست هناك عدد من الجلسات مع شيخ العرب عمر نور الدائم، رجل كما قلت لا تمل الجلوس معه، خاصة عندما يتحدث عن الإدارة الأهلية و مناطق السودان الحضر و الريف فيها، يجذبك بالفعل مثل الشريف زين العابدين الهندي لا تمل الجلسة و فجأة تجد أن الزمن تعدى ثلاث أربعة ساعات. قال لي شيخ العرب أن الصادق عازم تماما بعد سقوط هذا النظام أن يفصل الإمامة عن الزعامة، حتى يعطي عضوية الحزب مساحة واسعة من النقد كما تريدون أيها المثقفون. عرفت أن الإمام أخبره بما قلت. عرفت أن الإمام لا يدس عن شيخ العرب لاشاردة و لا واردة و كذلك شيخ العرب. رحل الإمام بعد الثورة. و دخل الحزب في دوامة الصراع الداخلي. هل غابت الفكرة أم الكل ينتظر فكرة جديدة مغايرة...!؟ نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عضویة الحزب فی السودان حزب الأمة شیخ العرب من خلال أن یکون
إقرأ أيضاً:
قوافِلُ العطاء
حديثٌ لا تكاد الصفحات تكفي للكتابة حوله، مواقف عظيمة تجلت في نفوسٍ زاكية، عظماء باعوا من الرحمن فنجحت البيعة، لأن الميزة المهمة في هؤلاء الرجال هي انطلاقتهم وفق المشروع القرآني، فقد حرص شهيد القرآن على أن تكون الانطلاقة قرآنية، ومن بعده احتذى به خيرة الرجال ليلتحقوا بذلك الركب، في إطار إيماني أخلاقي؛ لأن أكثر ما تتعرض له الأمة هو محاربة الوعي والمبدأ، فلا بد أن يكون التحرك واعياً وجاداً.
تتجلى انتصارات هذا الشعب، انتصاراً تلو انتصار وفرحة تلو أخرى، فصرنا نسمع بياناً يخلفه بيان؛ ليشفي غليل الأمة في أعدائها، فلا نزال نقدم ونضحي، من أجل نصرة القضية، رغم ما قد حصل من هجوم مباغت، وقصف، وهدم بكل وحشية، إلا أننا مازلنا ثابتين على نفس المبدأ، لأن هذه الأمة تسير على مبدأ الجهاد والروحية الإيمانية، فبقيت مستمرة في العطاء، لأن ما على النفس إلا أن تكبح جماح نفسها، وتطغى على رغبات نفسها بالهدى القرآني، لتبقى على ما هي عليه من وعي شامل في مواجهة العدو، فها هو شعبنا المقدام اليوم يقدم ويبذل خيرة رجاله لنصرة القضية الفلسطينية، إلى جانب ما قدمه من قوافل العطاء.
يتحرك الجميع تحركاً جاداً لمواجهة العدو، حتى وإن سبق وقدموا قوافل من الشهداء، لم يهنوا، وينكسروا كما يظن البعض، بل ازدادوا انطلاقاً بعدة وجاهزية نفسية وميدانية، فهذه الروحية تسكن كل مجاهد، فهو يظل يعطي ويقدم في سبيل الله إلى أن ينتصر أو يرتقي شهيداً، لم يستغل روحه، بل أرخصها فداءً للقضية ولنصرة الدين، فما نراه اليوم من صمتٍ إزاء العدوان على اليمن لم يجعل الناس تتخاذلون، بل انطلقوا إلى ما هو أعظم، إلى القضية الأم، واتجه الجميع لنصرتها.
ما يحدث اليوم من ردٍ مزلزلٍ من اليمن ضد الكيان الإسرائيلي لنصرة فلسطين، كافٍ لإيصال رسائل لكل من تسوّل له نفسه الاعتداء على اليمن، فما اعتلى شأن اليمن، وما وصلت إلى ما نحن فيه اليوم، من عزة وكرامة وتمكين، إلا بفضل مجاهديها الأبطال، وبفضل دماء شهدائها الأقحاح البواسل، وها نحن في هذا الشهر المقدّس نحيي ذكرى استشهاد هؤلاء العظماء، فلم يتخصص لهم أسبوع معين، وفي شهرٍ معين للاحتفاء ولإحياء ذكراهم، إلا لعظمتهم، ولمكانتهم السامية والعالية في أوساطنا.
شهداءٌ أحياء، اعتلت بهم الأمة، ورفعوا من شأنها، فأصبحت تهابها الأمم؛ لعلو مكانة رجالها، فما ذُلت أمة قط، رجالها من أهل اليمن، هم من آووا ونصروا واستبسلوا منذ عصر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين، ومازالوا إلى يومنا هذا، هم من استرخصوا دماءهم الزكية حباً لله، ولدينه، وتاجروا بأرواحهم لبارئها، فنعم البائع، ونعم المشتري، وهنيئاً لهم جِنان الخُلد، بكل ما فيها من استضافة، ومكانة، وعلو، وشأنٍ، وجاه، فاللهم إنا نسألك الرضا، وأن ترزقنا ما رزقتهم من حبٍ لك ولدينك، آثروه على حب أنفسهم وعلى كل ما يرغِّب لهم البقاء في هذه الدنيا الفانية.