معلومات الوزراء يطلق أولى جلسات الحوار الوطني الشامل
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
أطلق مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أولى جلسات الحوار الوطني الشامل حول وثيقة "أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري "٢٠٢٤-٢٠٣٠"، أمس الثلاثاء ١٦ يناير، بعقد ورشة عمل موسعة، تحت عنوان: "آفاق النمو والتشغيل" وذلك في سياق التوجه الاستراتيجي الأول "تحقيق نمو اقتصادي قوي وشامل ومستدام ومتوازن داعم لنهضة الدولة المصرية"، بحضور نخبة من الخبراء وأساتذة الجامعات ونواب البرلمان وممثلي الجهات التنفيذية ومنظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بهدف التوافق حول أفضل سياسات وآليات التنفيذ ومصادر التمويل لتحقيق ذلك التوجه الاستراتيجي، علاوة على مناقشة الأولويات العاجلة لعام 2024.
وفي هذا الصدد، قال أسامة الجوهري، مساعد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، إن المشروع البحثي الذي تم تكليف المركز بإعداده لوضع أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري على مدار السنوات الست المقبلة قد استغرق 6 أشهر من العمل، وتم عبر عقد 19 ورشة عمل مع الخبراء المحليين والدوليين، والذين بلغ عددهم 400 خبير، وخلص إلى 873 توصية داعمة لأداء الاقتصاد المصري، ليتم استخلاص وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري من هذه التوصيات، وطرحها للحوار الوطني.
ومن جانبها، عرضت الدكتورة هبة عبد المنعم، رئيس محور شؤون المكتب الفني بالمركز، رئيس اللجنة العلمية الاستشارية للمركز، أبرز مستهدفات الوثيقة التي استندت إلى دراسات تحليلية لمسارات الاقتصاد المصري على مدار الأربعين عامًا الماضية، والتي تعتبر واحدةً من مخرجات مشروع بحثي متكامل اشتمل كذلك على خطة تنفيذية مفصلة تتضمن العديد من آليات التنفيذ في المدى القصير والمتوسط والطويل، موضحة أن الهدف من طرح الوثيقة للحوار الوطني هو تحقيق توافق مجتمعي حول سياسات وآليات تنفيذ مستهدفات الوثيقة الاستراتيجية.
وأكدت "عبد المنعم"، أن الأرقام المستهدفة في الوثيقة ليست بعيدة عن قدرات الاقتصاد المصري، ففي عمق الأزمة الروسية - الأوكرانية استطاع الاقتصاد المصري أن يحقق معدل نمو بلغ 6.6% في عام 2022، فيما نجح خلال عدد من السنوات السابقة في تحقيق معدل نمو بلغ 7%، ومن ثم فتبني مستهدف تحقيق معدل نمو اقتصادي يتراوح بين 6 إلى 8 % خلال الفترة (2024-2030) هو أمر ممكن الحدوث وفق مقدرات الاقتصاد المصري.
كما أشارت إلى أن الرؤى بطبيعتها تستلزم تبني مستهدفات طموحة كفيلة بتحقيق أغراض النهضة الاقتصادية الشاملة، وأن الوثيقة لم تُركز فقط على رفع وتيرة النمو الاقتصادي، وإنما ركزت كذلك على تحسين نوعية النمو الاقتصادي، وبحيث تكون وتيرة النمو أكثر شمولية ومن مصادر أكثر استدامة ومدفوعة بالأساس بنشاط القطاع الخاص من خلال زيادة مساهمة كل من الاستثمارات والصادرات في الناتج المحلي لتُسجل 50% بحلول عام 2030.
وعقب عرض الوثيقة ومستهدفاتها، أكد محمد سعفان، وزير القوى العاملة السابق، على قدرة الاقتصاد المصري على تحقيق المستهدفات المتضمنة في الوثيقة، مشيداً بفكرة بدء الحوار الوطني حول الوثيقة، لأن أهم ركيزة من ركائز تحقيق أي استراتيجية وطنية هو المواطن، مؤكدًا أن شعور المواطن بالمشاركة في وضع السياسات والخطط التنفيذية من شأنه أن يدعم تنفيذها بشكل كبير وقوى، مضيفًا أن الركيزة الأخرى التي تحتاجها الاستراتيجية للتنفيذ على أرض الواقع هي دعم صغار الصناع والمنتجين والمصدرين ليتمكنوا من الحصول على نصيب عادل من السوق، بجانب تهيئة المنظومة التشريعية لتحقيق التوازن بين العامل وصاحب العمل ودعم مستويات التشغيل.
كما أشاد النائب عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس الشيوخ، بقرار طرح وثيقة التوجهات الاقتصادية للحوار الوطني، مطالبًا بضرورة تيسير سبل تفعيل التشريعات التي استهدفت الإصلاح الهيكلي، خاصة في ظل وجود توجه للجمهورية الجديدة لدعم كافة القطاعات الإنتاجية، وهو ما ظهر في الدورات البرلمانية السابقة التي ناقشت عددًا كبيرًا من التشريعات التي تستهدف تقنين أوضاع الاقتصاد غير الرسمي وحماية العمالة غير المنتظمة، ومنها قانون التأمينات الجديد الذي يحمل العديد من الامتيازات.
وقال الدكتور أحمد عاشور، المشرف على وحدة الحسابات القومية بوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، إن الوثيقة تستهدف تحقيق ميزة نسبية للاقتصاد المصري، من خلال تنويع الهيكل الاقتصادي للدولة المصرية بين الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات اللوجستية والاتصالات والتشييد والبناء، موضحًا أن الوثيقة تدعم تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا التنوع في الهيكل الاقتصادي والذى يمنح الاقتصاد المصري المرونة الكافية لمواجهة أي تحديات وتأثيرات للأزمات الخارجية، وهو بالفعل أحد مستهدفات وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري، مشيرًا إلى أن الوثيقة تعتبر خطوة مكملة لمجموعة الإصلاحات التي استهدفتها وثيقة سياسات ملكية الدولة، في وقت يُعاني العالم فيه من تداعيات اقتصادية عنيفة.
وأشار عبد الحميد بلال، مستشار وزير القوى العاملة الأسبق، إلى التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع التشغيل في مصر؛ منها الفجوة في الأجور في بعض القطاعات الصناعية والزراعية لصالح وظائف خدمية داخل الاقتصاد غير الرسمي، بخلاف بعض المشكلات المتعلقة بضرورة الاستقرار على تعريفات واضحة ومحددة وثابتة لـ (الأجر الأساسي والثابت والشامل).
وثمنّ حسن مصطفى، مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي للاستثمار والأصول، اهتمام الوثيقة بالنص على توزيع التنمية العادلة بين محافظات الجمهورية، وهو مستهدف يمكن تحقيقه على أرض الواقع بسهولة من خلال التركيز على تمويل المشروعات التي تعتمد بشكل أساسي على الميزة النسبية التنافسية لكل محافظة، بحيث تحصل كل محافظة على تمويل مُبتكر للمشروعات التي تدعم ميزتها التنافسية، ويتطلب ذلك أيضًا التركيز على التحديات التي تواجه فرص الاستثمار في كل محافظة على حسب طبيعتها، مثل: محافظة الوادي الجديد، وهي واعدة في فرص الاستثمار الزراعي، لذلك لابد من برنامج خاص بكل محافظة يُحفز الميزة النسبية لها وقوانين خاصة داعمة.
واقترحت الدكتورة نشوى بلال، مدير إدارة التشغيل بمنظمة العمل الدولية بالقاهرة، تنظيم ورش نوعية وقطاعية بحيث يتم الخروج بخطط تنفيذية تعمل على حل المشكلات الهيكلية، وفى نفس الوقت، وبشكل متواز، يكون هناك خطة إصلاح قطاعية، تُراعى خصوصية كل قطاع اقتصادي واحتياجاته، مشيرةً إلى أن بعض المشكلات يُمكن حلها من خلال بعض القرارات أو التشريعات، مثل: تقليل فجوة النوع في سوق العمل، مُضيفة أن دخول نسبة من المرأة غير العاملة لسوق العمل كفيل بخفض كبير لمعدل البطالة، وهو أمر يُمكن تحفيزه من خلال تنفيذ بيئة عمل مناسبة للمرأة.
وقال الدكتور جمال شحاتة، العميد الأسبق بكلية التجارة بجامعة القاهرة، أستاذ الإدارة الاستراتيجية، إن الوثيقة طموحة وقابلة للتنفيذ وليست بعيدة عن الواقع كما يتصور البعض، مطالبًا بضرورة وضع خطط تنفيذية دقيقة مع خطة مراجعة مستمرة لتحقيق المستهدفات في المراحل المختلفة، وأن يكون هناك تصورات لمسارات بديلة لتحقيق كل مستهدف، بحيث إذا لم يُحقق أحد المسارات المُستهدف، يكون هناك مسار بديل مقترح يتم اللجوء إليه للوصول إلى نفس المُستهدف المنصوص عليه في الوثيقة، وهو أمر ضروري في الوقت الحالي لمواجهة حالة عدم اليقين التي أصبحت تسيطر على الاقتصادات العالمية نتيجة التغيرات السريعة على الساحة الدولية.
وقال الدكتور أحمد جيوشي، نائب وزير التربية والتعليم للتعليم الفني سابقًا، إن مشاركة القطاع الصناعي في التعليم الفني والمزدوج ضرورة في الوقت الحالي لضبط سياسات التشغيل والخروج بجيل قادر على دخول سوق العمل بشكل مباشر وبناء على فرص حقيقية، مضيفًا أن هناك تجارب مُشابهة في ذلك المجال، يُمكن الاستعانة بها خاصة في ألمانيا وماليزيا.
وأكدت الدكتورة عبير شقوير، ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن فرص تحقيق الاستراتيجية للمُستهدفات المنصوص عليها ستكون أكبر إذا ما تم وضع خطط تنفيذية تتماشى مع التوجهات العالمية المعنية بالاقتصاد الأخضر والتمويل المرتبط بالتنمية المستدامة والتحول الرقمي، مُشيرة إلى أن مصر لديها موقع مُتصدر عالميًا في صناعة التعهيد، وهو مؤشر على المقومات التي يمتلكها الاقتصاد المصري، وتمكنه من تحقيق المرونة المطلوبة لمواجهة التحديات العالمية.
وأشارت الدكتورة منال جمال الدين، رئيس الإدارة المركزية لتمكين الشباب بوزارة الشباب والرياضة، إلى أن هناك خططًا واستراتيجيات كثيرة تنفذها وزارة الشباب والرياضة على أرض الواقع حاليًا تتوافق مع مُستهدفات وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري، ومنها مبادرات تأسيس حاضنات أعمال داخل مراكز الشباب وتنظيم أكثر من مُلتقى للتوظيف، وبرامج تدريب وتعريف الشباب بمفاهيم ريادة الأعمال، ومحاولة تحقيق التوازن في النوع في سوق العمل من خلال مبادرة (علمني حرفة) التي تستهدف النساء والفتيات، ومبادرة (التدريب من أجل التشغيل) والتي تعمل كحلقة وصل بين القطاع الخاص والشباب لتقديم خدمات التدريب بناء على فرص العمل المطلوبة، بخلاف دعم الشباب والنساء في المشروعات الصغيرة من خلال التدريب والتسويق في الداخل والبحث عن فرص تسويقية في الخارج، وهي أنشطة يمكن أن تجد لها فرصًا كبيرة لتحقيق أثر أكبر في المجتمع من خلال وثيقة التوجهات الاقتصادية.
وأكد الدكتور أمنحتب ميخائيل، عضو مجلس البحوث الاقتصادية والإدارية بأكاديمية البحث العلمي، مستشار رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن استراتيجية التوجهات الاقتصادية تمثل فرصة جيدة للاستفادة من البحوث والدراسات التي تدعم زيادة المكون المحلى في التصنيع، وهو أمر يتلاقى مع مستهدفات الوثيقة، وهو إحلال الواردات وتخفيض الفاتورة الاستيرادية، كما أشار الدكتور أمنحتب إلى أن الوثيقة تتضمن تحقيق فرص كبيرة لجذب الاستثمار في قطاعات الطاقة الجديدة والمتجددة والاقتصاد الأخضر، وهو ما يتماشى مع التوجهات العالمية لدى الجهات التمويلية.
وأشارت أمنية عبد الحميد، مساعد وزير العمل، إلى أن الوزارة وضعت مؤخرا الإطار العام للإستراتيجية الوطنية للتشغيل، والتي تم التوصل إليها من خلال لجان فنية ضمت ممثلين عن كافة الوزارات وأصحاب المصلحة بناء على الرؤي التي تم استخلاصها منهم، ويتضمن الإطار العام للاستراتيجية فرص زيادة الاستثمار الذي بدوره يزيد معه إتاحة فرص عمل، ودمج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد، ورصد للوظائف التي ستنشأ في المستقبل، وتمكين المرأة في سوق العمل، وتعزيز المساواة في بيئة العمل، وتصدير العمالة للخارج.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مجلس الوزراء الحوار الوطني الشامل الدولة المصرية نمو اقتصادي البرلمان التوجهات الاستراتیجیة للاقتصاد المصری الاقتصاد المصری وثیقة التوجهات مجلس الوزراء سوق العمل کل محافظة من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
الدكتور عبد الرحمن الخضر يكتب للمحقق: الوطني والتفكير في اليوم التالي (1- 3)
طرح حزب المؤتمر الوطني في فبراير الماضي، رؤية تتعلق بالمستقبل فى بلادنا، وأتت رؤيته مخاطبة قضايا الراهن السياسي والأمني بكل تعقيداته وخاطبت كذلك المستقبل كما خاطبت كيانه الداخلى.
وقد جاءت الرؤية في سبعة عشر محوراً و تفرعت منها عدد من النقاط الفرعية .. مؤملة أن يكون طرحها كجزء من الحوارات الفعلية التى تريد الخروج ببلادنا من عنق الزجاجة.
ثمنت الورقة الحورات التي ظهرت فى الساحة ، ووصفتها بأنها تستعيد الملكية الوطنية للحوار بشأن مستقبل البلاد، وتوصد الأبواب أمام التدخلات الأجنبية التي تسعى لإختطاف الإرادة الوطنية.
▪︎ أشارت الورقة كذلك أن للأمر صلة بشأن الحزب الداخلى :
[بداخل مؤسساتنا التنظيمية ينشط أيضاً هذا الحوار على المستوى المؤسسي ، وعلى المستوى الفردي، ونشير إلى الكثير من الدراسات والمقالات القيمة التى أطلقها العديد من إخواننا في الساحة العامة جزاهم الله خيراً فهذا جهد محمود ومطلوب]
▪︎ بغض النظر عن محتوى الورقة – الذى سأتعرض له – إلا أن مجرد طرح افكار تعبر عن كيان مؤثر مثل المؤتمر الوطنى يعتبر :
– إضافة لأدبيات السياسة السودانية.
– تعبير عن أن كيان الحزب حى وموجود ويدير شأنه.
– أنه يملك القدرة على تحليل الواقع ، بل والمساهمة فى تشكيله.
– ︎أنه يفكر ويستشرف المستقبل .
– أنه يؤكد أنه ليس وحده في الساحة بل ويسعى مع الآخرين للحل وإن كانوا خصومه .
غني عن القول أن حزب المؤتمر الوطني برز إلى الوجود فى ظل حكم الإنقاذ، بعد جملة من التداعيات حينما توصل العقل السياسي لها لما أسماه محاولة توفيق أوضاعها سياسيا فتبنت فى العام 1996 ما يعرف بمسألة الانتقال السياسي الذى أفرز جملة من الأفكار ناتجها كان حواراً حول الدستور وحرية العمل السياسي و الذي انتهى بإصدار دستور 1998 وهو الذي فتح الباب لما أسماه التوالي السياسي حيث تم بناءا على ذلك قيام استفتاء لرئاسة الجمهورية وانتخابات برلمانية وتم اعتماد الدستور الذى تبنى قانون التوالي السياسي الذي يسمح بالتنافس السياسي و من ثم نظم أنصار الإنقاذ أنفسهم في حزب أسموه بالمؤتمر الوطني .
وغني عن القول أيضاً أن المؤتمر الوطني حزب جامع رأس الرمح فيه هو الحركة الإسلامية باعتبار أن كوادرها هم المبتدرون للفكرة، وعند طرحها اقتنع بذلك الكثير من السودانيين حتى من غير المنتمين للحركة، وأستطيع القول أن الحركة بذلك صارت فصيلاً داخل الحزب الجامع، بل يمكن القول أن الحزب يمثل تعاقداً بينها وبين جموع من السودانيين الذين اقتنعوا بطرحه ولذلك انتمت لهذا الحزب قطاعات عديدة بمختلف انتماءاتهم الجهوية والعقائدية ، فقد ضم فى هياكله أعدادا مقدرة من غير المسلمين الذين ارتضوا طرحه، و لعل هذا ما أشارت له أدبيات الحركة كونها سودنت تجربة العمل الحركي الإسلامي التي ميزتها عن غيرها من الحركات فى العالم الإسلامي.
و بذلك صار قرار الحزب داخله تقرره مؤسساته ممثلة في المؤتمر العام ثم مجلس شوراه ثم مكتبه القيادي ..ولا تملك الحركة توجيه قراراته وأختياراته إلا من خلال قناعات كوادرها الذين لهم مالهم وعليهم ما عليهم سواء بسواء مع أفراد الحزب غير المنتمين للحركة والتي صارت كياناً منفصلا، ويعتبر هذا تطورا هاما فى تجربة الكيانين، الحزب والحركة ..
(شخصياً أعتقد أن فكرة الدكتور الترابي وقتها فى حل الحركة أو دمجها فى حزب المؤتمر الوطني تفادياً للازدواجية كان يمكن أن تكون معقولة لو عدلها بتحديد أدوارها دون إلغائها .. ولكن تداعيات المفاصلة غطت بظلالها على الأمر )، و هذا مبحث يمكن التوسع فيه، ولكن طبيعة المقال تلزمنا بالتصويب نحو أهدافه.
وفي ظل ما يتردد من حديث حول خلاف فى أروقة الوطني، فيمكن القول، أولاً، أن الاختلاف في حد ذاته ليس عيباً، بل دليل على الحيوية، لكن العيب يكمن فى عدم القدرة على إدارة الخلاف .. وطالما كانت هناك مؤسسات فاعلة والتي أشرنا إليها آنفا، وهى بكامل حيويتها تدير شأن هذا التجمع البشري فلا يخشى عليه ، سيما أن ما رشح حول الخلاف متعلق بتفسير اللوائح المنظمة لتمكين قيادته من أداء دورها .. وبالتالي فهو ينحصر فى كبينة قيادته لا فى قياداته الوسيطة ولا قواعده .. ولما كان الشعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) فإني أقف فى الجانب الذي يقول: ما ضر الحزب لو جمد بعض لوائحه لحين انجلاء معركة الوطن المهدد، بل وجمد النظر فى الإشكال المطروح نفسه الآن بناءا على حالة الطوارئ التى تعيشها البلد ويكتوي الحزب من جرائها بالسيف المسلط عليه من تضييق السلطات، وحري بحزب إستجاب شبابه لداعي النفرة حماية للوطن والدين والعرض أن لا ينشغل بخلاف حول تفسير لائحي حول مَن يقود ، طالما على أرض الواقع هناك قيادة نذرت نفسها للعمل ، بل وعدد من القيادات تسد عين الشمس وتبلى بلاءا مشهوداً ؟..بل أؤكد أن كوادر الحزب الشبابية مؤهلة لإستلام دفة قيادته سيما أن واجب المرحلة يفرض على الحزب تجديد الدماء والتخلص من حمولات الماضي إنفاذا للمراجعات الكثيرة التى أجراها وهو أمر قد نعود له لاحقاً.
لا شك أن القوى المعارضة للانقاذ لم تفلح طيلة سني معاركتها للنظام أن تنال منها والشواهد على ذلك كثيرة .. إلا أنه من المؤكد أن الضعف الذي أعترى تجربة الإنقاذ فى سنينها الأخيرة وأسبابه متعددة – قد نعود لها لاحقا -، فتح شهيتها ، وبالاستعانة باالدول والمنظمات العالمية المشبوهة استطاعت أن تستخدم عدداً من المنصات الاعلامية، تعاقداً، وإمدادا بوقائع مدعاة لا يخشى صاحبها إلا ولا ذمة ف أهله ووطنه ، حيث تمكنت من تشكيل صورة ذهنية سالبة لمؤسسات الإنقاذ وأدائها قوامها الدمغ بالفساد وانسداد الأفق السياسي ، ساعدها على ذلك الأداء الاقتصادي المرتبك للانقاذ فى آخر سنيها .. ..فلم يشفع لها حتى مئات آلاف فرص التعليم العالي التي أتاحتها للشباب .. ولذلك قادت تلك القوى البلاد نحو هاوية أساءت تقدير أبعادها ، وكانت قاصمة الظهر ما يمكن أن يسمى خيانة اللجنة الأمنية لقائدها ..ثم كان ما كان مما يعلمه القاصي والداني . ولقد أفلحت الورقة فى تقديري فى تشخيص ما آل إليه الحال فى السودان من جراء ما ذكر أعلاه ، حيث قالت :
[لقد شهدت فترة حكم قوى الحرية والتغير إستلاب وإختطاف كامل للوطن بواسطة الأجانب، وتشاكس وتعارك تلك القوى علي “كيكة السلطة”، وخرج ذات الشباب الذين أوصلوهم على أكتافهم للسلطة عليهم، ولقد أثبتت تلك التجربة أن التغيير العدمي “تسقط بس”، دون إمتلاك الإجابة على سؤال ثم ماذا بعد؟ يعرض الوطن لأوضاع كارثية.].. و حقيقة ، ها هو الوطن كله يدفع الآن الثمن .
و تبعاً لما ذكر ︎ لعبت قحت دورا سيئاً فى إشعال خطاب الكراهية بل وغذته بجملة من الممارسات الهادفة لضرب اسفين بين المزاج الشعبى السوداني وقوات الشعب المسلحة وقوات الشرطة فضلاً عن القوات المساندة الأخرى (ابو طيرة وهيئة العمليات).. ولعله مما يسر الآن أن واقع الحرب قلب هذه المعادلة على وجها وأبرز التلاحم الحقيقي بين الجيش و جهاز المخابرات والشرطة والتشكيلات الأمنية الأخرى .
وعوداً لأمر الدعوة للحوار نقول إنه ما ينبغي أن تفسر على وجه يستبطن إستعجال عائد سياسي منها لأي من أطراف الحوار .. لكن رؤية ثاقبة لماضي البلاد في شأن تداول السلطة منذ استقلالها ولواقع البلاد الاجتماعي والجغرافي وتأثير ذلك على المشهد السياسي ومن ثم تأثير ذلك كله على اختيارات كياناته السياسية ونخبه على حد سواء ، ثم ما أفرزته الحرب التى فرضت عليه .. كل ذلك يستلزم الجلوس والتواضع على الحد الأدنى من التوافق وهو المواطنة وما يتفرع منها ..
في سبيل ذلك آرى أن ورقة الرؤية المشار إليها خلصت إلى سبعة عشر محوراً غطت كل ما فى جعبة الحزب حول الراهن الآني والمستقبلي ، وأرى أنها وفقت فى الإشارة إلى أن البلاد تحتاج لاسترداد أنفاسها عبر ما أسمته فترة انتقالية قدّرتها بأربعة أعوام يكون جيش البلاد (الموحد) هو ربان سفينتها .. وفى ظل ذلك تلتمس النخب السياسية والفكرية سبل إستدامة الاستقرار السياسي ومن ثم التنموي وذلك عبر حوار عميق يستشرف الاختيارات مابين الكثير مما يطرح :
(دولة يحكمها نظام رئاسي أم برلماني أم خليط ، وعبر ديمقراطية وست منستر أم غيرها، وهل دولة ذات حكومة مركزية أم نظام إقليمي أو فدرالي أو شبه فدرالي .. وما طبيعة دستورها ..وغير ذلك كثير مما يمكن ان يطرح، وماذكر ليس حصراً لكن على سبيل المثال).
إن المؤتمر الوطني عبر تاريخه كله واجه المعضلات التى لاقته عبر مسيرة تصديه لمسؤولية الحكم بكل الوسائل فتارة بالقوة وتارة بالحوار ، و لكن التاريخ يسجل جملة من الوقائع تؤكد أن الأصل في نهجه هو الحوار والذي أفضى لجملة من الخيارات التى صارت واقعا :
• الحوار مع الحزب الاتحادي بقيادة الشريف زين العابدين الهندي في 1996 والذى أفضى لمشاركة الحزب في كل مستويات السلطة حتى نهاية فترة الإنقاذ
• اتفاق جيبوتي مع حزب الأمة الذى بموجبه تم وضع تصور توسيع المشاركة وبالفعل شارك جزء من قيادات الحزب بقيادة السيد مبارك المهدي والذين شكلوا -لاحقاً- حزباً بذاته.
• الحوار مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق والذي بدأ منذ شهور الإنقاذ الأولى، وتوالى في عدد من العواصم والفترات كان آخرها الحوار الذي شهده منتجع نيفاشا الكيني واستمر لما يزيد عن العامين وشاركت فيه كل القطاعات الفئوية والقبلية وغيرها وانتهى إلى اتفاقية السلام ، والتى امتدت أحكامها فى الفترة من 2005 حتى 2011 .
• ما تبع ذاك من حوار مع التجمع الوطني الديمقراطي (الجامع لكل أطياف المعارضة الحالية) وأفضى إلى إنتاج دستور 2005 ومن ثم مشاركة :
– الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل منذ العام 2005 وحتى تاريخ نهاية الانقاذ.
– مجموع الأحزاب اليسارية والتى شاركت منذ العام 2005 حتى العام 2011 وفي كل مستويات الحكم.
• الحوار مع الحركات المسلحة الدارفورية (والتي برزت مباشرة بعد إستئناف حوار مشاكوس عام 2003 بمسمى حركة تحرير السودان ثم انقسمت على نفسها فى 2006 إلى حركتين واحدة بقيادة مني أركو مناوي والأخرى بقيادة عبد الواحد نور ) .
و بعد حوار واتفاق أبوجا بنيجريا شارك الفصيل الذي يراسه مناوي وتم تعيينه في منصب كبير مساعدي رئيس الجمهورية وتعيين بعض منسوبي حركته فب مواقع مختلفة. قبل أن ينقض إتفاقه ويعود للمعارضة المسلحة ، بينما بقي فصيل عبد الواحد م نور معارضاً وما يزال ..
•ثم انتقل الحوار مع حركات دارفور إلى الدوحة وأفضى بعد نحو عامين إلى إتفاقية الدوحة لسلام دارفور مع حركة التحرير والعدالة في 2011 ثم إلتحقت حركات أخرى بالاتفاق الذي أنتج حكومة إقليمية لدارفور يراسها د. التجانى سيسي وشارك بموجبها ممثلون لحركات أخرى من دارفور في السلطة على مستوى رئاسة مجلس الوزراء أو الحكم الاتحادي غو كولاة لبعض الولايات.
– مشاركة الأحزاب التي انقسمت من حزب الامة (الامة الاصلاح والتجديد والأمة الفدرالي) وشاركت جميعها حتى نهاية فترة الانقاذ ما عدا حزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل الذي غادر ثم عاد مرة أخرى .
– مشاركة الأحزاب التي انقسمت من حزب الامة (الامة الاصلاح والتجديد والامةالفدرالى 2004م ) وشاركت جميعها حتى نهاية فترة الانقاذ بما فيهم حزب الامة بقيادة مبارك الفاضل (الذى غادر ثم عادو شارك لاحقا فى حكومة الفريق اول بكرى حسن صالح لرئاسة الوزراء).
– ثم جاءت فكرة الحوار الوطنى فى العام 2014 والتى بموجبها شاركت قوى جديدة سياسية وحركات مسلحة وقوى اجتماعية وشخصيات عامة ، وشكلت عودة المؤتمر الشعبي عبره قوة للصف الوطني والاسلامي..
– انتهى كل ذلك بتكوين حكومة يشارك فيها المؤتمر الوطنى بنسبة 48% فى العام 2017م برئاسة الفريق أول بكري حسن صالح..
– كما وأنه فى خضم ذلك الكثير من الأسرار التى يعرفها مَن كانوا يديرون تلك المرحلة .. وربما نعود لبعضها لاحقا.
قصدت من هذه الفذلكة رسم خارطة لمسارات أداء النخب السياسية فى مرحلة الإنقاذ بما فيها المؤتمر الوطني .. ومن باب حسن قراءة التاريخ، يصلح هنا استلاف المقولة المنسوبة للسيد المسيح عليه السلام (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ) ..
حرى بالقول أن بعض المشاركات التي أشرنا إليها حققت نجاحاً ملحوظا وأبرزت قيادات لا يشق لها غبار – ليس هذا مكان تفصيله – وبعضها انتهى بمغادرة أصحابه ولا يمكن بطبيعة الحال تحميل الأسباب لتلك الكيانات لوحدها ، ومن باب النقد الذاتى أقول إن المؤتمر الوطنى يتحمل بعضها .. ولكن المحصلة أنه بالإمكان الاستفادة من كل هذا الإرث ومخرجاته لإنتاج تواثق جديد يكون نواة لدستور يتواضع عليه الجميع .
وفى الجزء الثانى نواصل بمشيئة الله.
الدكتور عبد الرحمن الخضر
المحقق