إسرائيليون على حدود لبنان: الحكومة أرسلتنا للموت وفشلت أمام حزب الله
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
القدس المحتلة– عاد التوتر الأمني المتصاعد على الجبهة الشمالية بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله إلى واجهة السجال في تل أبيب، حيث وُجهت انتقادات شديدة اللهجة إلى الحكومة الإسرائيلية حمّلتها مسؤولية الإخفاق في استعادة الأمن والأمان، وذلك في ظل استمرار نزوح عشرات آلاف الإسرائيليين من البلدات الحدودية بالجليل الأعلى.
وفي محاولة من المؤسسة العسكرية للتخفيف من حدة انتقادات والاتهامات بالفشل العسكري على الجبهة الشمالية قبالة حزب الله، أنهى الجيش الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، مناورة تحاكي شن هجوم واسع على لبنان.
وبموجب المناورة التي استمرت عدة أيام، أجرى جنود الاحتياط من "الكتيبة 5030" في "اللواء 228" -بحضور المراسلين العسكريين من مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية- تمرينا يحاكي هجوما في لبنان. ويرى المراسلون أن المناورة تحمل في طياتها رسالة مزدوجة للجمهور الإسرائيلي، وكذلك إلى حزب الله.
وقال قائد القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي اللواء أوري غوردين للجنود في أثناء توجيه رسالة إلى حزب الله إن "التمرين جزء من أهمية زيادة جهوزيتنا واستعدادنا لتوسيع القتال والهجوم على لبنان، نحن أكثر استعدادا لهذا مما كنا عليه في أي وقت مضى، وعلى استعداد للهجوم إذا اضطررنا لذلك".
وأشار غوردين إلى أنه "في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، خضنا الحرب دفاعا عن البيت والوطن، لقد تجند مئات الآلاف من شعب إسرائيل للقيام بهذه المهمة الدفاعية، وحتى الآن، يتم نشر عشرات الآلاف من الجنود للدفاع عن الحدود الشمالية لبلادنا"، حسب ما نقلت عنه صحيفة إسرائيل اليوم.
وفي رسالة وجهها إلى الإسرائيليين، خاصة سكان البلدات الشمالية الذين ينتقدون أداء الجيش ويتهمون الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو بالفشل، قال غوردين إنه "لا يزال هناك كثير مما يجب التعامل معه، من أجل النجاح في تحقيق النتيجة المرجوة المتمثلة في إبعاد حزب الله عن الحدود وتحسين الوضع الأمني، حتى نتمكن من إعادة سكان الشمال إلى منازلهم".
تبادل القصف بين حزب الله وإسرائيل أجبر معظم المزارعين الإسرائيليين في الشمال على مغادرة مزارعهم (الجزيرة) تصعيد أمنيلكن على أرض الواقع، وخلافا للمناورات وتصريحات العسكريين، فعندما ظهرت تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي عن إطلاق حزب الله قذائف صاروخية على منزل في مستوطنة "كفار يوفال" الحدودية، كاد هاتف أمنون أفراهام أن يتعطل من كثرة الاتصالات، وقال أفراهام (صاحب مزرعة دجاج) "تلقيت مئات المكالمات الهاتفية والرسائل من العائلة والأصدقاء، الذين كانوا قلقين على سلامتي، وكانوا متأكدين من إصابتي".
وسرد أفراهام -في حديثه لصحيفة يديعوت أحرونوت- الأسباب التي دفعته للبقاء في مزرعته رغم تصاعد التوتر الأمني وخطر الإصابة بالصواريخ التي تطلق من لبنان، قائلا: "يريدون مني أن أغادر، ولكن إذا غادرت، من أين سأغطي 200 ألف شيكل (55 ألف دولار) تكلفة الدواجن والطعام الذي اشتريته لهم؟".
وفي ظل التصعيد الأمني على الحدود مع لبنان وتبادل القصف بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، فإن أفراهام يغادر باب منزله مرتين في اليوم فقط، وينظر بقلق إلى القرية اللبنانية المطلة عليه، ويركض إلى مزرعة الدجاج القريبة ليجمع البيض.
يربي أفراهام 5 آلاف دجاجة، ويوميا يجمع البيض ليغطي تكلفة الموسم الزراعي وديونه، لافتا إلى أن هناك 30 مزارعا اضطروا للبقاء في المزارع المجاورة للحدود من أصل المئات من المزارعين الذين فضلوا النزوح، قائلا إن "جاره إلياهو أيالون الذي اضطر للبقاء بالمزرعة، أصيب هذا الأسبوع منزله بقذيفة مضادة، وقتلت زوجته ميرا وابنه باراك".
حياة الموتووفقا لأفراهام، "لقد فرضت إسرائيل عليّ وعلى الجميع هذا الوضع. الحكومة ترسلنا لنموت، إذ لم تعِد بأي حلول، كما أنها لم تتعهد بدفع كامل التعويضات عن الخسائر للمزارعين جراء التصعيد الأمني على الحدود الشمالية المتواصل منذ أكثر من 3 أشهر".
تجلى هذا الواقع الذي سرده أفراهام خلال جنازة ميرا وابنها باراك -اللذين قتلا بقذيفة صاروخية مضادة للدبابات أطلقت من الجنوب اللبناني- وتم دفنهما في جنازة صغيرة في كفار يوفال، وأقيمت مراسم التشييع في مكان بعيد عن الحدود اللبنانية، حتى يتمكن أقاربهما من توديعهما من دون خوف.
في البلدات الإسرائيلية الواقعة على الحدود اللبنانية، تقول مراسلة صحيفة هآرتس في الشمال عدي هاشموني، "يشعر السكان بالمناطق الحدودية والجليل الأعلى أن حسن نصر الله هو الذي يحدد متى وأين يمكنهم دفن أحبائهم، وعدد المشاركين بالجنازة وموعد الدفن".
جنازة سريالية
مع حلول المساء، انتهت مراسم التشييع بعيدا عن الحدود والتوتر الأمني. ومن جهته، يقول يورام مخلوف (ضابط الأمن في كفار يوفال) وهو يشعر بالإحباط: "لقد انتظرت العائلة المكلومة إذن الجيش بالذهاب إلى المقبرة لدفن أحبائها تحت جنح الظلام، وسمح فقط لـ10 أشخاص مع سترات واقية وخوذ بالدفن".
ونقلت صحيفة هآرتس عن ضابط الأمن قوله إنه "أمر غير مقبول، حتى لا يتخيله العقل، لا يمكننا حتى إقامة جنازة بشكل صحيح. من المحزن أن تضطر عائلة إلى دفن الأم والابن في مراسم محدودة يحددها لنا نصر الله".
كانت هذه الجنازة السريالية، يقول ضابط الأمن، "كأنها تذكير بالواقع الذي لا يمكن تصوره للعائلات المكلومة في المستوطنات الحدودية. ففي أصعب أوقاتهم، يُطلب منهم تجميع قواهم واحتواء المخاطر والاصطفاف، وفقا للقيود الأمنية التي أبعدتهم بالفعل عن منازلهم منذ أشهر".
مراسلون عسكريون يحذرون من أن مزيد من التصعيد في الشمال قد يقود لحرب حقيقية (الجزيرة) تهديد أمنيوهذا الواقع الذي يعيشه عشرات الآلاف من سكان المستوطنات الإسرائيلية الحدودية يدلل على أن حزب الله يريد الإبقاء على القطاع الشمالي منطقة قتال نشطة، حسب قراءة المراسل العسكري لصحيفة "معاريف" طال ليف رام، وذلك رغم أن الجيش الإسرائيلي رفع مستوى العمليات العسكرية ضد حزب الله.
وأوضح المراسل العسكري أن إسرائيل استهدفت من تصعيد القصف والغارات على الجنوب اللبناني الإشارة إلى أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله، بأنها تأخذ في الاعتبار أيضا إمكانية حدوث مزيد من التصعيد على الساحة اللبنانية قد يؤدي إلى حرب حقيقية على الساحة الشمالية.
وتحت الضغط الشعبي، وفي ظل تشكيك الجمهور الإسرائيلي في تصريحات المستوى السياسي بأن حزب الله بات مردوعا، لا يستبعد المراسل العسكري أن يوسع الجيش الإسرائيلي عملياته وغاراته بالعمق اللبناني، لافتا إلى أن إسرائيل لا تستطيع أن تسمح لنفسها بوضع يعيش فيه سكان الحدود الشمالية والجليل الغربي تحت التهديد الأمني المستمر من لبنان.
ويعتقد أن حزب الله يسعى إلى تسجيل إنجازات عسكرية في منطقة مزارع شبعا ضد الجيش الإسرائيلي، وذلك في ظل تعثر الوساطة الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية على الحدود في الشمال. ويتوقع المراسل أن ترد إسرائيل وربما بتصعيد مستوى آخر من الهجمات ضد أهداف حزب الله لمنعه من تحقيق أي إنجازات في مزارع شبعا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی على الحدود عن الحدود فی الشمال حزب الله
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شعبان يكتب: نظرية العصر الإسرائيلي
لا خلاف في أن ما يمر بالمنطقة العربية من تطورات خلال العام الأخير، ومنذ انطلاق طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، جد خطير وغير مسبوق، وإذا قلنا إنه خريف عربي مفعم بالمآسي والأزمات فلن نبتعد كثيرا عن واقع الحال.
والحاصل، أن طوفان الأقصى الذي انطلق لتوجيه لطمة لإسرائيل على ما أتصور، ومقايضتها بآلاف الأسرى الفلسطينيين الموجودين في السجون الإسرائيلية، وإحداث "تحريك" في الملف الفلسطيني بعد أكثر من 17 عاما من الجمود التام وعقب سيطرة حركة حماس على القطاع، قد انقلب إلى كارثة كبرى أو سيل يجرف أمامه البلدان العربية، وأول ضحاياها قطاع غزة نفسه، الذي يشهد حتى اللحظة، أكبر مهزلة إنسانية في التاريخ، بعشرات الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من المصابين ودمار ليس له نظير ووضع على حافة المجاعة.
لكن قضيتنا اليوم، ليست فيما حدث في غزة وهو وضع بالغ الصعوبة وكارثة يراها العالم بأجمعه، ولا يمكن استمراره أكثر من هذا، وإنما المقصود بمقال اليوم هو تداعيات هذا "الطوفان"، والأطراف التي استغلت هذه اللحظة على الأمن القومي العربي والتداخلات الغريبة في المنطقة، والتي من المنتظر أن تشهد تدخلات أكبر وأكثر شراسة مع قرب بدء ولاية ترامب واستلام مهام منصبه رسميا في يناير.
ويمكن إجمال ما حدث من هزّة شديدة في الأمن القومي العربي انطلاقا من دراما غزة في نقاط شديدة الوضوح كالتالي:-
-قطاع غزة تعرض لدمار شديد، ولم ينجح الطوفان في إحداث اللطمة التي كانت مطلوبة لمقايضة الأسرى والتحريك، ولكنه ساعد إسرائيل على مد يدها الطويلة لتمزيق القطاع إربا إربا والتصريح علانية باستمرار القوات الإسرائيلية فيه، يعني إعادة احتلاله بشكل كامل، ونسف كل ما سبق من تفاهمات بعد قيام إسرائيل باغتيال صف كامل من قيادات حماس بدأت بإسماعيل هنية وحتى يحيى السنوار، فالطوفان أطلق يد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وأصبح حلم الدولة الفلسطينية نفسه على المحك، ومع وصول ترامب وتأييده الشديد لخطوات إسرائيل فإن هذا الحلم قد أصبح بعيدا جدا.
-جاءت تداعيات الطوفان على لبنان، بعدما تدخل حزب الله في المعادلة، وقال إنه يدافع عن غزة أو يقوم بعملية إسناد جبهة غزة، وكانت النتيجة كارثية أيضا، فلم ينجح حزب الله بانتماءاته الإيرانية المعروفة في وقف الحرب على غزة، بل لم ينجح في الدفاع عن نفسه، وتعرض للتدمير شبه التام واغتيال كامل قيادة التنظيم وأولهم حسن نصر الله، والأسوأ أن تدخل حزب الله في الحرب، أطلق يد إسرائيل في لبنان، ما أدى لسقوط 4 آلاف عنصر ودمار شديد في جنوب لبنان ودمار مروع في بيروت، واستمر ذلك حتى وقف اطلاق النار قبل ثلاثة أسابيع، مع ضمان حق اسرائيل في القصف والضرب حال مخالفة حزب الله أو حكومة لبنان ما تم الاتفاق عليه.
-تداعيات الطوفان، لم تقف عند حدود لبنان ولكنها انتقلت لسوريا، فبعد الضربات العنيفة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله في لبنان وطرق الإمداد السورية لأسلحته وتواصل هذه الضربات ضد معسكراته في ضواحي دمشق وغيرها من المدن السورية، ما أدى لانهيار منظومته في دمشق، فإن هيئة تحرير الشام مدعومة بقوة إقليمية، رأت أن ذلك مناسب للهجوم المضاد في أضعف حالات النظام السابق وترنح حليفه حزب الله، ما أدى لسقوط النظام في دمشق خلال 12 يوما فقط لا غير، ولم تكن هذه المشكلة، ولكن استغلال إسرائيل للوضع الذي تمر بها سوريا كان فادحا، بعدما قامت اسرائيل وبتوجيهات مباشرة من نتنياهو، باقتحام المنطقة العازلة في هضبة الجولان السوري المحتل وأعلن نتنياهو سقوط الاتفاقية والسيطرة على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وقام سلاح الجو الإسرائيلي بمسح الأسطول البحري السوري من الوجود، وتدمير كافة مواقع وثكنات الجيش السوري تدميرا ممنهجًا وكافة المراكز البحثية، وأصبحت إسرائيل على بعد عدة كيلو مترات من العاصمة دمشق.
نتنياهو، لم يترك الفرصة وإنما اعترف علانية وفي ظل غياب تحرك عربي قوي وموحد أمامه، أن تل أبيب تغير منطقة الشرق الأوسط، وأن لبنان لم يعد لبنان الذي نعرفه، يقصد وقت وجود حزب الله، ولا سوريا التي نعرفها، يقصد وقت وجود الجيش السوري الذي جرى تفكيكه وتدمير أسلحته وطائراته، ولا كذلك قطاع غزة.
المثير للدهشة، أن جماعة الحوثي في اليمن، لم تتعظ من كل ما حدث وكذلك المجموعات الإيرانية المسلحة في العراق، فاشتعلت الصواريخ والمسّيرات القادمة من البلدين نحو إسرائيل، ما ينذر بحملات جوية عنيفة على البلدين انطلقت منها واحدة اسرائيلية بالفعل نحو اليمن، لتكسير مقدرات الحوثي و"الأشياء الضئيلة" التي يمتلكه الشعب اليمني الذي يعيش خارج العصر، منذ الربيع العربي الأسود في عام 2011.
وهو ما يدفع للسؤال مجددا عما تسبب فيه طوفان حماس؟ وعما إذا كان ذلك قد جرنا بالفعل للعصر الإسرائيلي وهيمنة تل أبيب على مقدرات عدة دول عربية وتغيير أوضاعها، وضربها لتحقيق مصالحها المباشرة، وهو ما دفع رئيس وزراءها للقول علانية أن بلاده تقوم بتغيير الشرق الأوسط وستستمر في ذلك؟!!
فهل هذا معقول أو مقبول او يمكن الاستمرار فيه؟! أعتقد أن الدول العربية عبر مؤسساتها الجامعة وفي مقدمتها الجامعة العربية، مطالبة بالتحرك لمواجهة العصر الإسرائيلي وإيقاف نزيف الخسائر والتفتيت والتقسيم عند هذا الحد.