خاركيف- مرّ أكثر من عام على انسحاب القوات الروسية من مدينة خاركيف شرق أوكرانيا، و"تحرير" معظم أرجاء المقاطعة التي تحمل اسم المدينة، وتبلغ مساحتها نحو 31.4 ألف كيلومتر مربع.

ولكن، على عكس مدن كييف وتشيرنيهيف وسومي التي انسحب منها الروس في مناطق الشمال والوسط، لم تعد الحياة إلى كامل طبيعتها في خاركيف، ويبدو ذلك صعبا وغير منتظر في المدى القريب.

زائر المدينة يستشعر ذلك جيدا عندما يقترب منها، فحالة الطرق تسوء بشكل فجائي، فهي لم تعد من أولويات السلطات المحلية على ما يبدو، وكثيرا ما تصادف فيها آليات وسيارات تابعة للجيش وفرق المتطوعين.

القصف أحرق عددا من الأسواق الشعبية في خاركيف (الجزيرة) ثلث السكان غادروا

يتضح المشهد داخل مدينة خاركيف أكثر، إذ يغيب عنها صخب الحياة وزحام السير المعتاد قبل الحرب كثاني أكبر مدن أوكرانيا، حيث تبلغ مساحتها نحو 350 كيلومترا مربعا، مع تراجع واضح في أعداد السكان.

وبحسب بلدية خاركيف، فإن عدد السكان وصل رسميا إلى 1.5 مليون نسمة قبل الحرب، لكنه كان يقدر في الواقع بنحو المليونين، مع وجود ما لا يقل عن 500 ألف شخص يأتون إلى المدينة للعمل من الضواحي، ومن بين ذلك العدد كان نحو 300 ألف من الطلاب الأوكرانيين والأجانب.

وعاد جزء من السكان بعد "تحرير" المدينة في سبتمبر/أيلول 2022، ويُقدر العدد الإجمالي حاليا -بحسب البلدية- بنحو 1.3 مليون نسمة، منهم مليون من السكان الأصليين فقط، ونحو 300 ألف من النازحين من باقي أرجاء المقاطعة، ومن مقاطعات دونيتسك ولوهانسك وزاباروجيا وحتى خيرسون، الذين لا يملكون المال الكافي للنزوح إلى مقاطعات أبعد أو الإقامة فيها.

أهلها لا يستعجلون العودة

ويبدو أن سكان المدينة الذين غادروها نزوحا أو لجوءا لا يستعجلون العودة لأسباب كثيرة، أبرزها استمرار الخطر، وثانيها الدمار الواسع الذي لحق بالأحياء السكنية والبنى التحتية.

فلا يمر يوم دون أن تدوي صافرات الإنذار في المدينة، محذّرة من القصف الذي بات شأنا شبه يومي عليها. وبحسب السلطات المحلية، فإن حالة الخطر أعلنت في المدينة 1658 مرة خلال سنة 2023، واستمرت ما يبلغ مجموعه 54 يوما كاملة.

وهذا بالإضافة إلى خسارة أعداد كبيرة من السكان منازلهم، ويشهد على هذا حي "سالتوفكا" بجزئيه الشمالي والقديم، الذي يعتبر من أكبر أحياء خاركيف.

ودُمرت أو تضررت معظم المباني في المدينة، لدرجة أن ألواح الخشب منتشرة في كل مكان، وحلت بديلا عن الزجاج المتكسر في الشقق التي سلمت نسبيا.

قابلنا في ذلك الحي السيدة الخمسينية فالينتينا، التي عادت مؤقتا للتأكد من سلامة شقتها والسؤال عن الجيران، وتقول "حالفني الحظ بسلامة المبنى، تكسر زجاج النوافذ لا يهم، المهم أننا خرجنا سالمين، ولم نخسر بيتنا، أريد العودة، لكن ابنتي في كييف ترفض ذلك خوفا علي وعلى زوجي، وتصرّ على البقاء عندها حتى انتهاء الحرب".

أما سيرهي، وهو رجل نزح عن خاركيف إلى العاصمة كييف مع أسرته قبل أن يتطوع بالجيش، فيقول في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت "لقد دُمر بيتي في الحي الصناعي (على الطريق المؤدي إلى مقاطعة دونيتسك المتوترة جنوب المدينة)، لم يبق لي في خاركيف إلا الذكريات، لا معنى للعودة حاليا ولا فائدة".

ألواح الخشب أصبحت بديلا عن الزجاج المتكسر في الشقق التي سلمت نسبيا من القصف (الجزيرة)

ورغم أن أعداد السكان زادت بعودة بعضهم وبوجود النازحين، فإن المدينة تبقى شاحبة حزينة في صراع مع الواقع، وتغيب عنها مظاهر البهجة حتى في أيام العطل والأعياد.

فشوارع وحدائق مركز المدينة خاوية غالبا، ومتنزه "هوركوهو"، الذي يعتبر من أشهر متنزهات أوكرانيا وأغناها بالمرافق والألعاب، بدا مهجورا تماما على غير العادة خلال أعياد رأس السنة والميلاد قبل أيام.

ولا تزال كثير من المراكز والمحال التجارية مغلقة أو مغطاة بألواح الخشب، ناهيك عن أسواق شعبية ضخمة في المدينة، أكلتها نيران القصف ثم الصدأ.

في اتصال هاتفي، قالت ناديا، وهي أوكرانية خرجت من خاركيف لاجئة إلى كندا "كان لدي محل لتجارة الملابس ومستودع في سوق بارباشوف بالمدينة (أحد أكبر وأشهر أسواق أوكرانيا)، لكن كل شيء احترق ولا مجال لبداية جديدة، فحركة التجارة بطيئة، والناس يعانون الفقر. أعتقد أنني سأبقى في كندا، وأبدأ حياة جديدة فيها".

المواصلات العامة أصبحت مجانية في خاركيف منذ شهور (الجزيرة) جهود "إقناع" متعثرة

تبذل السلطات المحلية جهودا كبيرة وواضحة للحد من تداعيات الحرب، وإقناع السكان بعودة تحرك عجلة الحياة مجددا في المدينة، فتراها تسابق الزمن بعد كل قصف لإزالة مخلفاته، وتسارع لنشر ذلك بفخر على مواقع التواصل.

وبدأت في المدينة مشاريع لرفع الأنقاض وإعادة البناء وترميم بعض البيوت والمباني، لكنها متعثرة بفعل استمرار القصف، كما تقدم السلطات للمتضررين مبالغ مالية شهرية، وهذا أمر يشمل سكان خاركيف وغيرها من المدن عموما.

كما أُعلنت المواصلات العامة مجانية في خاركيف منذ شهور (المترو والترام والحافلات العادية والكهربائية)، وتوزع الإدارة المحلية وجبات غذائية يومية على نحو 58 ألف شخص، إضافة إلى نشاط واسع النطاق في المدينة للفرق التطوعية والخدمية الأخرى.

ونجح ذلك بجعل خاركيف وجهة لنحو 300 ألف نازح، لكنه لم يقنع كل النازحين عنها بالرجوع، والسبب كما هو، غياب الأمن ودمار البيوت بالدرجة الأولى، فتحولت مبادرات الإدارة إلى "برامج اجتماعية"، هدفها مساعدة المحتاجين من سكان المدينة الأصليين والنازحين إليها.

تمثال الأديب شيفتشينكو لا يزال مغطى بأكياس الرمل أمام الحديقة التي تحمل اسمه في وسط خاركيف (الجزيرة)

وتبدو الإدارة عاجزة فيما يتعلق بعودة نحو 300 ألف طالب، بل إن الموضوع غير مطروح أصلا مع استمرار إغلاق كل الجامعات والسكنات وخوف الأهالي على أبنائهم.

والخوف والترقب هما سيدا الموقف في خاركيف، وتداول الأخبار والشائعات والتوقعات يسيطر على أحاديث الناس في كل مكان داخلها، وبغض النظر عن رسائل الطمأنة والتأكيد على أن الأمور تحت السيطرة، كما تبث الجهات الرسمية بوتيرة ثابتة حول الأوضاع في المدينة والمقاطعة.

ويبقى لدى العامة هاجس زيادة وتيرة القصف على المدينة، لا سيما مع تراجع الدعم الغربي المتوقع في 2024، كما يخشون حدوث اجتياح بري جديد يعيد خاركيف إلى مربع الحرب الأول، لا سيما وأنها لا تبعد عن الحدود مع روسيا إلا 40 كيلومترا فقط.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی المدینة فی خارکیف نحو 300 ألف

إقرأ أيضاً:

الإعلامي الحكومي: الحكومة في غزة جاهزة لتنفيذ خطة شاملة لإعادة الحياة تدريجياً

أكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة ، مساء اليوم السبت 18 يناير 2025، أن جهوزية الحكومة لتنفيذ خطة شاملة لإعادة الحياة تدريجياً بعد وقف إطلاق النار بقيادة الشرطة والبلديات.

وفيما يلي نص البيان كما وصل "سوا":

بيان صحفي رقم (732) صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي:

الحكومة الفلسطينية في غزة تعلن جاهزيتها لتنفيذ خطة شاملة لإعادة الحياة تدريجياً بعد وقف إطلاق النار بقيادة الشرطة والبلديات

تُعلن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة عن الانتهاء من وضع خطة شاملة للتعامل مع قرار وقف إطلاق النار الذي سيدخل حيز التنفيذ غدًا الأحد. وتتضمن الخطة إجراءات ميدانية عاجلة لضمان عودة الحياة الطبيعية تدريجيًا، بما يشمل تأمين المناطق المتضررة وتقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين. وتم إعداد فرق حكومية متخصصة من الوزارات والمؤسسات الحكومية لمتابعة تنفيذ هذه الخطة ميدانيًا، بما يضمن سلامة المواطنين ومحاولة توفير الاحتياجات الأساسية لهم.

وتؤكد الحكومة الفلسطينية على جاهزية الوزارات والمؤسسات الحكومية للعمل في هذه الخطة، وإنه سيكون على رأس هذه الخطة الشرطة الفلسطينية والبلديات وفرق المتابعة الميدانية للقيام بدورها في تنفيذ هذه الخطة. وستعمل الشُّرطة على حفظ الأمن والنظام في مختلف المحافظات، بينما ستتولى البلديات مهام إعادة فتح الشَّوارع وتنظيف المناطق المتضررة وتمديدات المياه وتأهيل البنية التحتية. وستقوم الفرق الحكومية الأخرى من الوزارات المختلفة للمتابعة الميدانية بالعمل عن كثب والتأكد من تطبيق كافة الإجراءات لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها في أسرع وقت ممكن.

حفظ الله شعبنا الفلسطيني الكريم

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار

الشفاء العاجل لجرحانا البواسل

الحرية التامة لأسرانا في سجون الاحتلال

العودة الميمونة للمفقودين والمبعدين الكرام

المكتب الإعلامي الحكومي

قطاع غزة – فلسطين

السبت 18 يناير 2025

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين شهيد بقصف الاحتلال شرق خان يونس الرئيس عباس: الحكومة جاهزة لتولي مسؤوليتها كاملة في قطاع غزة كهرباء غزة: جاهزون للعمل بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الأكثر قراءة 10 شهداء بقصف إسرائيلي استهدف مدرسة ومنزل في غزة وجباليا لأجل وقف التطهير العرقي ومنع التهجير: درء المفاسد أفضل من جلب المنافع صحة غزة تضيف 499 شهيدا للإحصائية التراكمية بالفيديو: "القسام" ترد على مُطالبة أسيرة سابقة بمعلومات عن زوجها المُحتجز بغزة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • السيسي يؤكد ضرورة البدء في إعادة إعمار غزة واستعادة الحياة الطبيعية لسكانه
  • بلدية غزة: أولوياتنا في المرحلة الأولى إعادة الحياة إلى المدينة
  • بلدية غزة: إعادة الحياة إلى المدينة وتأمين الخدمات على رأس الأولويات
  • انطلاق حملة رجعنا يا شام لإعادة الحياة إلى شوارع دمشق
  • بعد وقف إطلاق النار.. 80 مليار دولار لإعادة الحياة إلى غزة
  • الإعلامي الحكومي: الحكومة في غزة جاهزة لتنفيذ خطة شاملة لإعادة الحياة تدريجياً
  • جهود متلاحقة لإعادة الحياة بمدني
  • بلدية رفح تستعد لتنفيذ خطة متدرجة لإعادة فتح شوارع المدينة
  • برلماني: دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ خطوة أولى لإعادة الحياة في غزة
  • منها مكافحة النباشين.. 4 قرارات من محافظ الإسماعيلية لإعادة جمال المدينة