الخليج الجديد:
2024-11-27@08:40:23 GMT

قتل السياسة في تونس

تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT

قتل السياسة في تونس

قتل السياسة في تونس

بعد عامين ونصف من انقلاب سعيّد على الدستور الذي أقسم على احترامه، تشهد تونس قتل السياسة الممنهج والكامل.

لم يكن غريبا أن يفعل الرئيس التونسي ما فعل، فخطته واضحة ومتدرّجة، للقضاء على كل ما تم بناؤه بالسنوات الماضية لكن الغريب هشاشة المجتمع.

تغييب ذكرى الثورة لم يكن صدفة فوراءه تكمن عقلية رسمية جديدة لا تريد أي ذكر لهبّة الجماهير الغاضبة ضد الاستبداد والمنادية بالحرية والكرامة.

عقلية نظام قيس سعيّد تريد ترسيخ أن تاريخ تونس الجديدة الحقيقي بدأ في 25 يوليو 2021، تاريخ «تصحيح المسار» واستحواذ سعيّد على كل السلطات.

أرسى انقلاب سعيّد نظاما دستوريا وسياسيا جديدا على مقاسه، بالتوازي مع حل كل المؤسسات التي أرسيت لضمان تجربة ديمقراطية كم كانت واعدة رغم عثراتها.

* * *

عاديا مر يوم 14 يناير في تونس، عدا إحياء خجول لبعض القوى السياسية، فلا احتفالات ولا خطب ولا مسيرات في الذكرى 13 للثورة التونسية حين غادر الرئيس الراحل زين العابدين بن علي تونس دون رجعة..

وحتى بعد أن قرر الرئيس قيس سعيّد إلغاء 14 يناير كعيد للثورة وعوّضه بـ 17 ديسمبر، اليوم الذي أشعل فيه محمد البوعزيزي النار في نفسه مما شكّل شرارة الثورة التي عمّت البلاد تدريجيا، فإن ذلك التاريخ البديل لم يشهد هو الآخر أيا من الفعاليات، الرسمية على الأقل، باعتبار أن سعيّد يرى فيه عيد الثورة «الحقيقي» وأن التاريخ الأول الملغى كان تاريخ «الالتفاف عليها».

هذا التغييب لم يكن صدفة فوراءه تكمن عقلية رسمية جديدة لا تريد أي ذكر لتلك الهبّة الجماهيرية الغاضبة ضد الاستبداد والمنادية وقتها بالحرية والكرامة، عقلية تريد أن ترسّخ أن التاريخ الحقيقي لتونس الجديدة إنما بدأ في 25 يوليو/تموز 2021، تاريخ «تصحيح المسار».

بعد أن استحوذ سعيّد على كل السلطات وصولا إلى إرساء نظام دستوري وسياسي جديد على مقاسه، بالتوازي مع حل كل المؤسسات التي أرسيت لضمان تجربة ديمقراطية كم كانت واعدة رغم عثراتها.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل تشهد تونس حاليا بعد أكثر من عامين ونصف من انقلاب سعيّد على الدستور الذي أقسم على احترامه، وبعد استفتاء ومواعيد انتخابية شهدت أرقاما قياسية في ضعف الإقبال لم تدع الرئيس إلى أي تأمل أو مراجعة، هو قتل السياسة الممنهج والكامل.

فقد جرى على امتداد أشهر ترويع السياسيين واعتقالهم وترويع القضاة والصحافيين ورجال الأعمال والنقابيين بحيث لم يبق في الساحة سوى رجل واحد يفعل ما يريد دون حسيب ولا رقيب.

آخر فصول هذا التمشي ما أعلن مؤخرا من أن النيابة العامة التونسية فتحت تحقيقا قضائيا في حق أكثر من عشرين شخصية، من بينها قيادات سياسية أعلنت منذ أشهر نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية، التي يُفترض أن تجري نهاية هذا العام، وكذلك صحافيون ووزراء سابقون.

ويأتي هذا التطور بينما يقبع عدد من القيادات السياسية المعارضة في السجن، من مشارب سياسية مختلفة، في ما يعرف بقضية «تآمر على أمن الدولة» لكن هؤلاء لم يقدّموا بعد إلى المحاكمة، وبعضهم لم يجر حتى التحقيق معهم ومنع الإعلام من الخوض فيها، بل ولوحق بعض المحامين المدافعين عنهم الذين أكّدوا مرارا على أن ملف القضية فارغ تماما بل ومخجل.

ولا يستبعد بعض المراقبين أن كل ما جرى ويجري منذ أشهر لا يعدو أن يكون تجريفا مقصودا للحياة السياسية والإعلامية والنقابية والحقوقية حتى تصبح الساحة مقفرة تماما إلا من شخص الرئيس الذي سيتقدم وقتها للانتخابات الرئاسية، إن جرت طبعا، ولا شيء يكدّر عليه صفو هذه المناسبة التي سيكون فيها بلا منافس، ولا يهم كم ستكون نسبة الإقبال الشعبي ولا كم نسبة الفوز لأن التجربة أظهرت أن قيس سعيّد لا يعبأ بذلك أبدا ويجد له تفسيرا غريبا.

ربما لم يكن الغريب أن يفعل الرئيس التونسي ما فعل، فقد كانت خطته واضحة ومتدرّجة، للقضاء على كل معالم ما تم بناؤه طوال السنوات الماضية والبدء من جديد وفق تصوراته الخاصة، التي لم يشرحها للناس ولو مرة لمرة واحدة ولم يمنحوه هم تفويضا شعبيا للمضي فيها، لكن الغريب هو هذه الهشاشة التي بدا عليها المجتمع وقواه المختلفة، إلا من قلة قليلة.

لقد برهنت تجربة العامين ونصف الماضية أن الكثير من القوى هي فعلا نمور من ورق فلا حركة «النهضة» التي يقبع زعيمها راشد الغنوشي وراء القضبان أثبتت أنها «الحزب الأقوى» في البلاد، ولا «الحزب الحر الدستوري» بتلك القوة التي تصوّرها البعض وزعيمته عبير موسى معتقلة هي الأخرى، ولا «الاتحاد العام التونسي للشغل» بتلك «القوة الأولى في البلاد» كما يردد قادته مفتخرين لا سيما بعد أن قال أمينه العام نورالدين الطبوبي إن «السكوت في بعض الأحيان نضال»(!!)

ولا القضاة الذين تعرّضوا إلى مجزرة حقيقية ظلّوا على صمودهم الأول، ولا المحامون بقوا قلعة مدافعة عن القانون كما كانوا حتى في أحلك سنوات الاستبداد السابقة، ولا الصحافيون الذين صالوا وجالوا بآرائهم الناقدة في السنوات الماضية ظلوا كما هم.

قلة قليلة من كل هذه الفئات ما زالت تصدح برأيها بكل جرأة ولا تخشى أحدا وهي تكاد تكون معروفة وهي جديرة بكل الاحترام.

أما «الشعب الكريم» كما يسمى في تونس، الواضح خيبته من الجميع ومدى الإرهاق الذي يعانيه من غلاء وطوابير يومية طويلة للحصول على الخبز والسكر والقهوة والطحين وغير ذلك، فسلّم أمره لله.

صدق الصحافي والمراسل الحربي الأمريكي الشهير إدوارد مورو (1908 ـ 1965) حين قال «لا أحد بإمكانه أن يُرهب أمة بأكملها إلا إذا كنا جميعا شركاء له».

*محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تونس هشاشة المجتمع انقلاب سعيد راشد الغنوشي عبير موسي قيس سعيد الاتحاد العام التونسي للشغل سعی د على فی تونس لم یکن على کل

إقرأ أيضاً:

السيسي يطلع على مؤشرات السياسة النقدية وسعر الصرف ومواجهة التضخم وزيادة احتياطي العملات الأجنبية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أطلع الرئيس على المؤشرات الإيجابية الخاصة بالقطاع المصرفي والسياسة النقدية وسعر الصرف، فضلًا عن سياسات البنك المركزي لمواجهة التضخم، وجهود الدولة لزيادة الاحتياطي من العملات الأجنبية.

واجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وحسن عبد الله محافظ البنك المركزي؛ حيث تم استعراض مؤشرات الاقتصاد الكلي.

ووجه الرئيس في هذا الصدد باستمرار قيام البنك المركزي والمنظومة المصرفية بتوفير المُستلزمات الضرورية للإنتاج والصناعة في القطاعات ذات الأولوية، بما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي الشامل في مصر. 

مقالات مشابهة

  • مشكلة السودان في السياسة وليست في الثقافة
  • الأزهر يرحِّب بتوجيهات الرئيس السيسي التي رفعت مئات الأشخاص من قوائم الإرهاب
  • زيارة عمل أعضاء لجنة السياسة والأمن إلى مجلس التعاون الخليجي
  • السيسي يطلع على مؤشرات السياسة النقدية وسعر الصرف ومواجهة التضخم وزيادة احتياطي العملات الأجنبية
  • السفير الصيني لـRue20 : الرئيس شي جين بينغ هو الذي اختار التوقف بالمغرب
  • بعد عودة ترامب.. كيف ستتعامل الصين مع متغيرات السياسة الأميركية؟
  • في ساحة السياسة… بين مساءلة الوزراء والتعديل الوزاري، لمن الغلبة؟
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • نجادة الاقتصاد تنجي من غرق السياسة
  • اتحادي الأوسط يقدمون إضاءات في السياسة