لقب المرأة الحديديّة لم يطلقه على أسماء الأسد أحدٌ من قبلُ، وقد تفرّدت به رئيسة الوزراء البريطانية "مارغريت تاتشر" طيلة فترة حكمها. وكانت فعلًا تستحقّ اللقب عن جدارة، بسبب سياستها الداخلية والخارجية.

وقد يبدو اللقب فضفاضًا على أسماء إن كان المقصود به الناحية الإيجابية، لكن المقصود من هذا اللقب هنا شيء آخر.

من المعروف لدى السوريين أنّ أسماء الأسد منذ موت "حاكمة الظلّ" أنيسة مخلوف زوجة حافظ الأسد، مسحت بحبر أسودَ سيرة حماتها من الوجود، وأمسكت بقبضة من حديد مفاصل الدولة، وسيطرت على الاقتصاد حدّ إبعاد بشّار الأسد نفسه من الواجهة.

وصار حين يظهر في أماكن عامة ويريد أن يتحدّث في وجودها، يقول: "أسماء وأنا". يجب أن يتصدر اسم السيدة الأولى حديث الرئيس إلى الجمهور في كلّ جملة وكلّ شأن يتحدّث فيه.

وقد استطاعت أسماء الأسد السيطرة على الدولة وبخُطة بعيدة المدى ودقيقة تناولت خصومها جميعًا، وعلى رأسهم كلّ من كان يلوذ بأنيسة سواء عن طريق النسب، مثل: "رامي مخلوف ووالده" أو عن طريق المصالح فقط، وهؤلاء كثر منهم عائلة الأسد بتفرعاتها وأذيالها.

ويبدو أنّ أسماء في الفترة الأخيرة بعد أن تمكّنت من خصومها، وصادرت أموالهم، وأبعدتهم عن الساحة "الاقتصادية"، وهيمنت على كلّ شيء، قد أصبحت هدفًا لحملة شرسة من الانتقادات بدأها الأشخاص الذين تضرّرت مصالحهم، وامتدّت لتشمل بعض الناشطين الذين يبحثون عن شمّاعة يعلّقون عليها المصائب والكوارث الحاصلة في الدولة بعيدًا عن الأسد، وأيضًا لتبرئة ساحته من كلّ ما يجري، ويبدو أنّ أسماء هي كبش الفداء.

والكبش هذه المرة ليس صغيرًا وضعيفًا، بل هو أشرس وأقوى من كلّ تصورات المعارضين؛ لوجودها السيادي في الحكم حتّى كاد الأسد يبدو ظلًّا لها أو تابعًا في أفضل الأحوال.

القمع سياسة القوي والعاجز معًا

قامت السياسة السورية على قمع الشعب منذ بداية تسلّم حزب البعث للسلطة وتسيّد الأسد الأب، ولم يعرف التاريخ السوري منذ ذلك الوقت سوى هذه اللغة الوحيدة التي كرّسها النظام وعمل عليها طوال أكثر من نصف قرن من الزمان.

ولم تخرج أسماء الأسد عن هذه المنظومة في معاملة معارضيها بغضّ النظر عن مكانتهم، وقوتهم، ومنزلتهم بين الناس.

مؤخرًا تمّ اعتقال المحامي (والتاجر أيضًا) سامر رجب المتزوج من إحدى قريبات الأسد، بسبب شتمه أسماء على صفحته في الفيسبوك. فقد تشكّلت قناعة لدى جمهور الموالاة- وبدوافع طائفية بحتة، وليست وطنية- أنّ أسماء هي التي تحكم وتتحكّم بمقدرات البلد.

ويبدو أنّ سامر رجب لم يكن يدرك القوة الحقيقية لأسماء حين شتمها بسبب تضرر مصالحه الشخصية، وظنّ -وإنّ بعض الظنّ إثم- أنّ عائلة الأسد التي يسند ظهره إليها قادرة على حمايته من أنياب الحرير!

لم يكن سامر وحده، فكلّ الانتقادات من شريحة الموالين تُحمّل أسماء الأسد مسؤولية التدهور الاقتصادي، وحالة الجوع التي تجتاح مناطق النظام بسبب جشعها أولًا، وبسبب نقمتها القديمة، حيث عانت من كراهيةٍ وتهميش ضمن العائلة قبل موت أنيسة.

وقد ذهب بعض النشطاء إلى القول صراحة أنّ كلّ ما تفعله أسماء الأسد حاليًا هو عملية انتقام، وأنّ غليلها لم يشفَ بعد، ولا يعرف أحدٌ إلامَ ستؤول أمور الدولة واقتصادها تحديدًا بسبب تلك النزعة الانتقامية لديها. فقد انتقل الصراع من النطاق الضيّق داخل القصر الجمهوري بين أم الرئيس وزوجته إلى نطاق الحياة العامة، وأظهر استشراس أسماء الأسد في الانتقام من كلّ من كان تحت خيمة أنيسة.

"إيما تيل"

أحد صور ذلك الانتقام استملاك أسماء الأسد شركات الاتصالات بأكملها التي كانت لرامي مخلوف، وتحويل اسمها إلى "إيما تيل".

واختيار اسم إيما بالتحديد لم يكن عبثيًا، فهو الاسم المفضل لدى أسماء الأخرس والذي كانت تتلقّب به بين أصدقائها في لندن قبل الزواج. وقد ربط البعض بين اسمها واسم بطلة رواية الكاتب الفرنسي فلوبير "إيما بوفاري" والتي أطاحت شهرتها بفلوبير نفسه وعرّضته للمثول أمام المحكمة.

قد لا تكون حكاية إيما في الرواية مشابهة لحكاية "الرئيسة" المقترحة من قبل الكثيرين ومن جهات دولية. لكنّ الصفات المشتركة بين الشخصيتين كثيرة جدًا، أولها "الطمع، والجشع، وحبّ المال، والظهور، والشهرة".

سيناريوهات لمصير أسماء الأسد

تساءل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عمّا يمكن أن تتمخض عنه هذه الحملة الشعواء على أسماء الأسد. واضعين تصورات قد تبدو مستحيلة لكنها في سياق العبث القائم في سوريا والجنون الذي يسيطر على مقادير البلد والشعب كلّ شيء قابل للحدوث. أحدهم تساءل: (هل يمكن لهذه الحملة أن ترسم نهاية ما لها؟ كأن تقوم جهة ما متضررة بعملية اغتيال، أو يقوم بشار نفسه بتدبير هذا الاغتيال لإسكات أبناء طائفته؟)

لا تأتي تلك السيناريوهات من فراغ، فعلى مرّ التاريخ لم تكن مصائر النساء اللواتي حكمن الشعوب بهذه الطريقة مصائر حسنة، ومعظمهنّ لم يمتن بطريقة طبيعية.

لكن يبدو أنّ أسماء تسير على خطى "إيميلدا ماركوس" التي استطاعت العودة إلى الفلبين وحصلت على الكثير من الامتيازات على الرغم من كلّ بذخها وجشعها وما فعلته أثناء حكم زوجها للفلبين.

أمّا مصير إيلينا زوجة تشاوتشيسكو فقد استبعدته من مخيلتها. مع أنّ ما يحدث في سوريا يشبه ما حدث في رومانيا من قمع واستبداد، وزوجة مهيمنة على الحكم. وكان أن حكم الشعب الروماني بإعدامها مع زوجها.

فهل ستشهد زوجة الأسد في المستقبل مصيرًا رومانيًا؟ أم تُغامر إحدى الجهات المتضررة بمحاولة اغتيال تُتهم فيها الفصائل المتطرفة؟ أم أنّ المنظومة الدولية ستواصل عملية سحق الشعب السوري وتمنحها كلّ أسباب البقاء؟

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أسماء الأسد

إقرأ أيضاً:

مراجعات ريتا يتناول أجندة نتفليكس التي تثير غضب الجميع

وفقا للبرنامج فإن المنصة لم تواجه انتقادات من المجتمعات العربية فقط ولكنها أيضا أثارت مشاعر مجتمعات أخرى غير عربية ولا مسلمة بالنظر إلى تزايد مستوى الانحلال الأخلاقي والسلوكيات غير المقبولة التي تتضمنها أعمالها.

فعلى سبيل المثال، اعترض المجتمع التركي على مسلسل "فاماغوستا" الذي بثته المنصة خلال العام الجاري وتناول "الغزو التركي لمدينة فاماغوستا اليونانية سنة 1974".

وقال الأتراك إن المنصة قدمتهم بصورة جيش احتلال متوحش يقتل العزل ويروع المدنيين، بينما تقول تركيا إن هذه العملية كانت "عملية سلام لحماية القبارصة الأتراك".

وقد منع مجلس الإعلام السمعي والبصري التركي عرض المسلسل على المنصة في تركيا واعتبره تشويها لصورة البلاد.

وفي الهند، أثار مسلسل "سيكريد جيمز" الذي عرض سنة 2018 وتناول علاقات بين الساسة ورجال العصابات، مما دفع أحد نواب البرلمان للتقدم بشكوى رسمية ضد بطل المسلسل نواز الدين صديق.

كما أحدث المسلسل أزمة مع طائفة "السيخ" بسبب مشهد يقوم فيه البطل بخلع السوار المعدني (الكارا) ويلقي به على الأرض، وهو سوار يعني الالتزام بالتعاليم الأخلاقية لهذه الطائفة.

ووصل الأمر إلى دولة الاحتلال أيضا التي دعت لمقاطعة "نتفليكس" بسبب عرضها 21 فيلما فلسطينيا خلال العام 2021 بينهم فيلم "فرحة" الذي يتناول نكبة 1948 وما صاحبها من تطهير عرقي للقرى الفلسطينية.

ترويج للمثلية والخيانة

أما العالم العربي، فاصطدم مع نتفليكس عندما عرضت مسلسل "جن" الذي فشل جماهيريا بشكل كبير ووُصف بأنه "غير أخلاقي" وتضمن كما كبيرا من الشتائم والألفاظ النابية.

ووفقا لريتا، فإن هذا الترويج للألفاظ النابية على أنها كسر التابوهات كان يخفي وراءه محاولة لنشر هذه الطريقة البذيئة للحوار في المجتمعات خصوصا وأنه كان مسلسلا شبابيا بامتياز.

كما تلقى مسلسل "أصحاب ولا أعز" -وهو تعريب للفيلم الإيطالي "بيرفكت سترينجرز"- والذي أحدث ضجة كبيرة بسبب تناول موضوعات مرفوضة أخلاقيا في المجتمعات العربية، وهي طريقة تعتبرها نتفليكس وسيلة للدعاية.

وحسب مقدمة البرنامج، فإن نتفليكس لا يعنيها رفض المجتمعات ولا انتقادها لما تقدمه بقدر ما يعنيها الحديث الدائر حول العمل لأنه يدفع كثيرين للبحث عنه ومشاهدته.

ويمكن خطر نتفليكس -حسب البرنامج- في أنها تقدم أعمالا تخاطب الأعمار الصغيرة ويتم تقديمها وتصويرها بطريقة جديدة وجذابة ومتطورة وتبدو أقرب للواقع، رغم ما فيها من خطورة.

من بين هذه الأعمال مثلا، مسلسل "13 Reasons Why" الذي يتناول قصة فتاة تنتحر بسبب إشاعة روجها أحد زملائها في المدرسة، فقد أثبتت دراسة أعدتها جامعة "ميشيغان" أن دوافع الانتحار زادت لدى المراهقين الذين شاهدوا المسلسل لدرجة أن الحكومة الكندية منعت الحديث عن المسلسل في المدارس.

كما أثبتت دراسة مجتمعية أجريت في مصر قالت إن 60% من المشاركين فيها "يرون أن نتفليكس تضيع الوقت وتروج للمثلية وتبرر الخيانة الزوجية وتقدم جرعة كبيرة من العنف والقتل".

وإلى جانب ذلك، فإن تقييم السن على المنصة يمثل مشكلة أخرى، لأنها تقدم أعمالا لمراهقين في الـ16 بينما هي لا تتناسب إلا مع من هم فوق الـ18. كما إن هناك الكثير من الأعمال التي قدمتها المنصة وقال المشاهدون إنها تروج للانحلال الأخلاقي بشكل واضح.

19/11/2024-|آخر تحديث: 19/11/202406:35 م (بتوقيت مكة المكرمة)

مقالات مشابهة

  • توم بيرييلو: تأهل المنتخب السوداني لأمم إفريقيا مثال آخر على الروح السودانية التي لا تقهر في مواجهة الشدائد
  • منافسة شرسة على جائزة لاعب الشهر في الدوري الإسباني
  • بسبب "تيجي سكة".. أسماء أبو اليزيد تتصدر التريند
  • الخارجية: سورية تطالب جميع دول العالم بالقيام بواجبها الإنساني واتخاذها موقفاً حازماً لإيقاف المجازر المتسلسلة التي يرتكبها كيان الاحتلال في المنطقة ومحاسبة قادته على جرائمهم وعدوانهم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب
  • الخارجية : سورية تؤكد أن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في سورية ولبنان وفلسطين تشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار المنطقة
  • هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
  • بسبب صورة “سيلفي” .. أسد يهاجم رجلا في لاهور .. فيديو
  • إيما لازاروس الشاعرة الأمريكية.. خلدت كلماتها على تمثال الحرية |ما قصتها؟
  • «سيلفي» يتحول إلى كابوس.. لحظات مروعة في مواجهة أسد غاضب
  • مراجعات ريتا يتناول أجندة نتفليكس التي تثير غضب الجميع