يهيمن الاستقطاب على النظام العالمي الذي يعاني من التوترات والأعمال العدائية المنتشرة، وتآكل الثقة وانعدام الأمن، وفق أحدث تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

التقرير حذر من أن هذا الوضع يترك مجالا واسعا لتسريع المخاطر، منها انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة في مجتمعات أضعفت سياسيا واقتصاديا في السنوات الأخيرة.

صمم التقرير على شكل دراسة موسعة تعطي تصورا للمخاطر العالمية اعتمادا على رؤى رائدة من 1490 خبيرا في الأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال والحكومة والمجتمع الدولي والمجتمع المدني.

وقبل استعراض النتائج، يقدم التقرير تعريفا دقيقا لمصطلح "المخاطر العالمية"، وهو "احتمال وقوع حدث أو ظرف من شأنه، في حال حدوثه، أن يؤثر سلبا على نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، السكان أو الموارد الطبيعية". 

يقول التقرير إن الذكاء الاصطناعي يساهم في نشر المعلومات الخاطئة والمضللة والتأثير على العقولقائمة المخاطر

ويقدم التقرير توقعات لمشهد المخاطر والتأثير المحتمل على مستويين: الأول على المدى القصير، أي خلال سنة 2024. والثاني على المدى الطويل، أي خلال السنوات العشر المقبلة 2024-2034.

واحتلت المعلومات الخاطئة والمضللة المرتبة الأولى في قائمة المخاطر العالمية على المدى القصير، والخامسة على المدى الطويل، وهذا يشير إلى التحدي الذي يواجهه العالم في هذا الشأن.

وفي قائمة المخاطر العالمية على المدى القصير، جاءت مشكلة التقلبات الجوية والمناخ المتطرف في المرتبة الثانية، تلاها الاستقطاب المجتمعي، وانعدام الأمن السيبراني، والصراع المسلح بين الدول، وقلة الفرص الاقتصادية، والتضخم، والهجرة غير الطوعية، والانكماش الاقتصادي، والتلوث.

ساهمت التكنولوجيا والإنترنت بتعقيد إمكانية السيطرة على خطر المعلومات الخاطئة والمضللة

واحتلت مشكلة التقلبات الجوية والمناخ المتطرف المرتبة الأولى في قائمة المخاطر العالمية على المدى الطويل، تلاها التغير في أنظمة الأرض، وفقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي، ونقص الموارد الطبيعية، والمعلومات الخاطئة والمضللة، والنتائج السلبية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، والهجرة غير الطوعية، وانعدام الأمن السيبراني، والاستقطاب المجتمعي، والتلوث.

ويقول التقرير إن المعلومات الخاطئة والمضللة تنتشر بشكل متعمد أو عن غير قصد على نطاق واسع عبر شبكات الإعلام، مما يؤدي إلى تحويل الرأي العام بطريقة كبيرة نحو عدم الثقة في الحقائق والسلطة. 

أخطار على المدى القصير

في 2023-2024، تتفوق مخاطر المعلومات الخاطئة والمضللة على المشكلات الأخرى التي تتسبب في الاستقطاب العالمي، وفق التقرير.

وهناك جهات محلية وأجنبية ستستفيد من المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة لزيادة توسيع الانقسامات المجتمعية والسياسية، وفق ننتائج التقرير.

ويتوقع التقرير أن يتوجه ما يقرب من ثلاثة مليارات شخص إلى صناديق الاقتراع في العديد من الاقتصادات، بما فيها بنغلاديش والهند وإندونيسيا والمكسيك وباكستان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، على مدى العامين المقبلين، وهؤلاء مهددون بمخاطر انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة.

ويحذر التقرير من أن الاستخدام الواسع النطاق للمعلومات الخاطئة والمضللة والأدوات اللازمة لنشرها، سيقوض شرعية الحكومات المنتخبة حديثا.

يقول خبراء إن هناك صعوبة في تحديد الفرق بين المحتوى الحقيقي والمزيف عبر وسائل التواصل الاجتماعيسيطرة الحكومات على الحريات

ويمكن أن تتراوح الاضطرابات الناتجة عن انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة من الاحتجاجات العنيفة وجرائم الكراهية إلى المواجهة المدنية والإرهاب. 

وبعيدا عن الانتخابات، من المرجح أيضا أن تصبح تصورات الواقع أكثر استقطابا، فتتسلل إلى الخطاب العام حول قضايا تتراوح بين الصحة العامة والعدالة الاجتماعية.

ومع تقويض الحقيقة، يقول التقرير إن خطر الدعاية والرقابة المحلية سيرتفع ردا على المعلومات الخاطئة والمضللة.

هذا الأمر سيؤدي غالبا إلى لجوء الحكومات إلى السيطرة على المعلومات بناء على ما تعتبره "صحيحا".

تجد شركات التكنولوجيا صعوبة في محاربة المعلومات الخاطئة والمضللة على منصات التواصل الاجتماعي

ويقول التقرير إن الحريات المتعلقة بالإنترنت والصحافة والوصول إلى مصادر أوسع للمعلومات، والتي هي بالفعل في تراجع، مهددة بالانحدار إلى قمع أوسع لتدفق المعلومات الضارة عبر مجموعة واسعة من البلدان.

التكنولوجيا

وقد أدت التطورات التكنولوجية الحديثة إلى زيادة حجم المعلومات المزورة ومدى انتشارها وفعاليتها، مع زيادة صعوبة تتبع التدفقات وتحديد نسبها والتحكم فيها.

ومن المرجح، وفق التقرير، أن تنهار قدرة شركات وسائل التواصل الاجتماعي على ضمان سلامة المنصات من خطر المعلومات الخاطئة والمضللة.

وتشكل المعلومات الخاطئة والمضللة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي ما نسبته 53 بالمئة، فيما يتسبب الاستقطاب المجتمعي أو السياسي بنحو 46 بالمئة، وفق التقرير. 

ولا تزال العديد من البلدان تكافح من أجل استعادة سنوات التقدم الضائعة التي نشأت عن جائحة كوفيد-19، مما خلق أرضا خصبة لنشوء المعلومات الخاطئة والمضللة واستقطاب المجتمعات والمجتمعات والبلدان.

الذكاء الاصطناعي

ولن يكون تحديد المعلومات الخاطئة والمضللة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي سهلا.

وقد أصبح تمييز الفرق بين الذكاء الاصطناعي والمحتوى الذي ينتجه الإنسان أكثر صعوبة، ليس فقط بالنسبة للأفراد المتعلمين رقميا، ولكن أيضا بالنسبة لآليات الكشف عن المعلومات الضارة، وفق نتائج التقرير. 

على سبيل المثال، يمكن لفيديو أنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي أن يؤثر على الناخبين ويغذي الاحتجاجات، أو في سيناريوهات أكثر تطرفا، قد يؤدي إلى العنف أو التطرف، حتى لو كان يحمل تحذيرا من قبل المنصة التي تمت مشاركته عليها بأنه محتوى ملفق.

ويمكن أن تكون الآثار المترتبة على الحملات التلاعبية التي تنشر المعلومات الخاطئة والمضللة عميقة وتهدد العمليات الديمقراطية.

صراعات وخطر على الاقتصاد

وإذا تم التشكيك في شرعية الانتخابات، بسبب المعلومات الخاطئة والمضللة، فإن المواجهة  المدنية تصبح محتملة، بل وربما تمتد إلى صراعات داخلية وإلى الإرهاب، وانهيار الدولة في الحالات الأكثر تطرفا، يقول التقرير.

كما أن المعلومات الخاطئة والمضللة تشكل خطرا على التجارة العالمية والأسواق المالية

ويمكن أن تؤدي الحملات المدعومة من الدولة إلى تدهور العلاقات بين الدول، عن طريق تعزيز أنظمة العقوبات، وعمليات الجرائم السيبرانية مع مخاطر الانتشار ذات الصلة، واحتجاز الأفراد، بما في ذلك الاستهداف على أساس الجنسية والعرق والدين في المقام الأول.

الاستقطاب المجتمعي

ويرى الخبراء الذين شملهم التقرير أن خطر المعلومات الخاطئة والمضللة يرتبط بشكل وثيق مع خطر الاستقطاب المجتمعي الذي يظهر في القائمة أيضا، مع إمكانية أكبر لتضخيم بعضمها البعض. 

والواقع أن المجتمعات المستقطبة أكثر ميلا إلى الثقة بالمعلومات التي تؤكد معتقداتها، سواء كانت هذه المعلومات صحيحة أو كاذبة.

ونظرا لعدم الثقة في الحكومة ووسائل الإعلام كمصادر للمعلومات الكاذبة، قد لا تكون هناك حاجة للمحتوى الذي تم التلاعب به، فمجرد إثارة سؤال حول ما إذا كان قد تم تلفيقه قد يكون كافيا لتحقيق الأهداف ذات الصلة. ومن ثم يزرع هذا بذور مزيد من الاستقطاب في المجتمع.

ويقول التقرير إن المعلومات الكاذبة لا تستخدم كمصدر للاضطراب المجتمعي فحسب، بل أيضا للسيطرة، من قبل الجهات الفاعلة المحلية سعيا لتحقيق أجندات سياسية.

وعلى الرغم من خطورة المعلومات الخاطئة والمضللة تنخفض في ترتيب المخاطر على المدى الطويل (2024-2034) إلى الدرجة الخامسة، إلا أنها تحافظ على البقاء ضمن المراكز العشرة الأولى للمخاطر المحتملة، والتي قد تهدد النظام العالمي خلال السنوات العشر المقبلة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: المخاطر العالمیة الذکاء الاصطناعی على المدى القصیر على المدى الطویل

إقرأ أيضاً:

رفقاء افتراضيون: هل يهدد الذكاء الاصطناعي جوهر العلاقات الإنسانية؟

وكالات

يشهد العالم تحولاً لافتاً في طريقة تواصل البشر، حتى على الصعيد العاطفي، حيث أصبحت العلاقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي واقعًا يكتسب شعبية متزايدة.

ففي عام 2024، بلغت قيمة هذا السوق نحو 2.8 مليار دولار، ومن المتوقع أن تقفز إلى 9.5 مليار دولار بحلول عام 2028، وفقًا لتقارير عالمية، وتدل الزيادة الهائلة بنسبة 2400% في عمليات البحث عن مصطلحات مثل “صديقة الذكاء الاصطناعي” على موقع “غوغل” بين عامي 2022 و2024، على تنامي الاهتمام بهذه الظاهرة.

فمنصات مثل “Character AI” تستقطب ملايين المستخدمين شهريًا، معظمهم من الرجال، وفقاً لما أورده موقع “سايكولوجي توداي”، ومع تدفق الاستثمارات والإعلانات على هذا القطاع، يبدو أن العلاقات الافتراضية لم تعد مجرّد تجربة هامشية، بل خيارًا حقيقيًا للبعض، يقدم رفقة خالية من الخلافات وتفاعلًا عاطفيًا مُخصصًا حسب الطلب.

ولكن، ومع كل ما يبدو من جاذبية في هذه العلاقات، تبرز تساؤلات جوهرية: ما الذي تعنيه هذه التحولات لمستقبل العلاقات الإنسانية؟ وهل نحن مستعدون للتنازلات التي قد تفرضها هذه التكنولوجيا الجديدة؟

وعبر التاريخ، دفعتنا الرغبة في إيجاد شريك عاطفي إلى تحسين ذواتنا، سواء عبر تعزيز الثقة بالنفس أو تطوير مهارات التواصل والتعاطف. هذا الدافع الطبيعي لم يُشكّل الأفراد فحسب، بل ساهم في تشكيل البُنى الاجتماعية.

وغير أن “عشاق الذكاء الاصطناعي” قد يغيّرون هذه المعادلة، إذ يقدمون رفقة مصممة خصيصًا لتلبية رغبات المستخدم دون الحاجة لبذل أي جهد.

والشركاء الرقميون مثاليون على نحو غير واقعي: لا يخطئون، لا يطلبون شيئًا، ويستجيبون دومًا بما يُرضي، وهذا النموذج، وإن بدا مريحًا، قد يرسخ تصورات خاطئة عن العلاقات الواقعية، حيث الاختلافات والمشاعر والاحتياجات المتبادلة هي القاعدة.

كما أن محاكاة الذكاء الاصطناعي للمشاعر، كأن “يخبرك” رفيقك الرقمي عن يومه السيئ، قد يخلق وهمًا بالتواصل الإنساني، لكنه في الحقيقة يفتقر إلى عمق التجربة البشرية.

وهنا تكمن الخطورة: إذا وُجه تعاطفنا نحو كيانات لا تشعر حقًا، فهل سنفقد تدريجيًا قدرتنا على التعاطف مع من حولنا؟ وأي نوع من المجتمعات قد ينشأ إذا غابت هذه القيمة؟

وتتطلب العلاقات الحقيقية مهارات معقدة كالصبر والتنازل والقدرة على رؤية الأمور من وجهات نظر مختلفة، وهي مهارات لا تقتصر فائدتها على الحب فقط، بل تمس كل جوانب الحياة الاجتماعي، لكن العلاقات الافتراضية لا تستدعي هذا المجهود، ما قد يؤدي إلى تراجع قدرة الأفراد على التفاعل الإنساني السليم.

وفوق هذا كله، تبقى هناك عناصر لا يمكن استبدالها رقمياً، مثل التلامس الجسدي، الذي أثبتت الدراسات أنه يعزز من إفراز هرمونات الترابط، ويقلل التوتر، ويمنح شعورًا بالراحة لا يمكن تعويضه برسائل نصية أو محادثات افتراضية.

وحتى الآن، لا تزال الآثار النفسية لعلاقات الذكاء الاصطناعي قيد الدراسة، لكن مؤشرات مقلقة بدأت بالظهور، فزيادة الاعتماد على الرفقاء الرقميين قد تؤدي إلى عزلة اجتماعية، وتعزيز توقعات غير واقعية من العلاقات البشرية، بل وربما تفاقم مشكلات مثل القلق والاكتئاب، وهي نتائج تتماشى مع دراسات سابقة ربطت الاستخدام المفرط للتكنولوجيا بتراجع الصحة النفسية.

إقرأ أيضًا:

ديب سيك تضرب بقوة تحديث جديد يهدد عرش أوبن إيه آي

مقالات مشابهة

  • تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة
  • تقرير بريطاني: الحرس الثوري زود قرينه الحشد الشعبي بصواريخ لضرب إسرائيل
  • جامعة محمد بن زايد تسلط الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات
  • أي دولة ستحسم سباق ريادة الذكاء الاصطناعي عالميًا؟
  • تحذير أممي: الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على 40% من الوظائف خلال العقد المقبل
  • رفقاء افتراضيون: هل يهدد الذكاء الاصطناعي جوهر العلاقات الإنسانية؟
  • الذكاء الاصطناعي يرصد مخالفات استخدام الهاتف في الأردن
  • تحذير أممي من تأثير الذكاء الاصطناعي على 40% من الوظائف
  • مستشفى الملك خالد يُحذر: لا صحة لفوائد كحل الإثمد في تحسين النظر
  • الذكاء الاصطناعي العام (AGI) الخطوة التالية لقطاع التكنولوجيا..ما المخاطر؟!